نزار أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 16:20
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
خلال الاسابيع الماضية انشغلت اغلب الاحزاب المشتركة في العملية السياسية باتباع سياسة تسقيط وتهميش سمعة خصومها احزابا وافرادا ومحاولة القاء مسؤولية فشل الحكومة والبرلمان على خصومها. فقد لاحظنا كيف بدأت الاحزاب العلمانية تتهم الاحزاب الاسلامية بمصادرة العملية الديمقراطية وتنفيذ الاجندة الايرانية وكيف بدأت احزاب الاسلام السياسي باتهام الاحزاب العلمانية على تنفيذ مخطط عربي هدفه ارجاع البعث الى السلطة. ايضا لاحظنا الحرب الكلامية الشرسة بين مكونات احزاب الاسلام السياسي واتهام احدها للاخر بتحمل مسؤولية فشل حكومة الاربع سنوات الماضية. فكل يوم يطل علينا قيادي بارز باخبار عبارة عن توقعات وتخمينات واجتهادات شخصية. فهذا يدعي بان هناك حزبا ما قد استلم 250 مليون دولار من دولة معينة (مجهولة طبعا) لغرض التأثير على سير الانتخابات بدون تقديم دليلا واحدا يثبت ادعائه. ثم يطل علينا قيادي بارز اخر يقول لنا بأنه توفرت لديه ادلة ثابتة مفادها ان هناك مخطط امريكي عربي رسم له في دولة عربية (مجهولة طبعا) هدفه اعادة البعث الى السلطة (الدليل في قلب الراوي طبعا), ثم يأتي قيادي بارز غيره يقول لنا بأن الحزب الفلاني ينفذ مخططا ايرانيا هدفه عودة العراق الى مستنقع الطائفية واشعال حرب القتل على الهوية. وما شابه ذلك. طبعا كل هذا والحملة الدعائية لم تنطلق بعد. ماذا يحصل عندما تبدأ الحملة الدعائية؟.
سياسة التسقيط وتشويه السمعة يطلق عليها في الغرب بالدعاية السلبية (Negative Advertisement) . حيث من خلال متابعتي عن قرب للانتخابات الامريكية خلال العشرين سنة الماضية, لاحظت بأن نادرا ما تسفر الدعاية السلبية عن نتائج ايجابية لسالكها حيث على الاغلب تضر هذه السياسة الطرف المروج لها اكثر مما تنفعه وخصوصا احزاب السلطة لانها عرضة اكثر من غيرها لسياسة التسقيط وتشويه السمعة والادعاءات غير الصحيحة. فمثلا عندما يتهم سياسيا خارج المسؤولية بالاختلاس فأن تاثير هذه التهمة على قرار الناخب تكون غير ملحوظة لان هذا الشخص لم يسبب أذا مباشرا للمواطن. اما عندما يتهم وزيرا في الاختلاس فأن هذا الخبر سوف يترك آثارا سلبية في مخيلة الناخب حتى عندما يكون الخبر غير صحيحا لأن الاختلاس له علاقة بالمال العام (اموال المواطن).
قبل ان اتوسع اكثر في التاثيرات المستقبلية لسياسة التسقيط والقاء اللوم الذان اصبحا المحورين الاساسيين للعملية الانتخابية, هناك بعض الحقائق لابد من ذكرها اولا وهي:
1: الغالبية العظمى من الاطراف السياسية كانت مشاركة في العملية السياسية خلال الاربع سنوات الماضية, وعليه فأن مسؤولية فشل البرلمان والحكومة في تحقيق تطلعات وطموحات المواطن العراقي تقع على الجميع حيث كل طرف يتحمل جزءا معينا منها. وفي منطق الحق يسمى منافقا من يتنصل عن المسؤولية ويلقي الاخطاء على اكتاف الآخرين دون سواه.
2: جميع الاحزاب الرئيسية المشتركة في العملية السياسية تتلقى دعما ماليا خارجيا وتسخر اموال الدولة والوقف الشيعي والسني لماكنتها الدعائية. والجميع يتحمل هذه المسؤولية وذلك لعدم تشريع قانون الاحزاب. وعليه فأن الذي يحرم استلام الاموال الخارجية لغيره ويحللها لنفسه يسمى منافقا ودجالا. ايضا كل من ساهم بعدم تمرير قانون الاحزاب يتحمل مسؤولية استلام غيره لاموال الخارج وتسخير اموال الدولة للاغراض الحزبية.
3: اغلب الاحزاب بدأت دعايتها الانتخابية مبكرا متجاهلة كليا ضوابط المفوضية بهذا الخصوص, ومع هذا فكل طرف يتهم باقي الاطراف (ويحذر) بمخالفة شروط الحملة الانتخابية.
4: كل الاحزاب السياسية منهاجها مركز على كيفية الفوز في الانتخابات وبأي ثمن كان حتى اذا كان هذا الثمن يعني تمزيق الاجواء الضرورية لنجاح مهمة الحكومة المقبلة او متانة ومستقبل العملية السياسية.
5: تخمين جميع الاحزاب لعدد المقاعد التي سوف تحصل عليها مبالغ فيه كثيرا (يكاد يكون الضعف) حيث جميع الاحزاب رسمت واقتنعت بشعبية زائفة لها. فكل حزب يتصور بأنه سوف لايكون بحاجة الى خدمات باقي الاحزاب.
6: شكر وتقدير واحترام لائتلافي وحدة العراق واتحاد الشعب لأنهما الائتلافان الوحيدان الذان ترفعا عن اتباع سياسة التسقيط والقاء اللوم على اكتاف الآخرين وياليت الجميع يتخذوا هاذين الائتلافين انموذجا بهذا الخصوص.
في انتخابات عام 2005 لعبت الاحزاب السياسية لعبة الطائفية واجادتها باتقان مما اسفر عنه برلمانا طائفيا وحكومة طائفية لم يستطعا خدمة الشعب والاهتمام بمصالحه. بل على العكس اتسمت السنوات الاربع الماضية بتفضيل الفئوية والمصالح الخاصة وافتعال المشاكل والخصومات والانزلاقات والتجاذبات التي ابتدأت من اليوم الاول ولم تنتهي حتى يومنا هذا. فكانت نتائجها تعطيل عشرات القوانين والمشاريع وازدياد ثراء المسؤولين وتردي الخدمات وازياد حالات الفقر والتشرذم والبطالة ونقص الخدمات وشلل الاقتصاد العراقي وازدياد العمليات الارهابية وقضايا الفساد والفضائح وماشابه ذلك. اما المسار الذي تتبعه العملية السياسية هذه الايام والمتمثلة في سياسات التسقيط والقاء اللوم فأن نتائجها المستقبلية سوف تكون اكثر كارثية على المواطن العراقي ومصلحة الوطن العامة من صراع 2005 الطائفي الهوية. حيث بعد الثامن من آذار يتوجب على نفس العناصر المتخاصمة والمنشغلة بتسقيط احدها الاخر على تشكيل حكومة مستقبلية تقود العراق للاعوام الاربعة القادمة. وبما جميع الدلائل تشير الا استحالة فوز ائتلاف معين بأكثر من سبعين او ثمانين معقدا فأن القائمة الفائزة بحاجة الى خدمات قائمتين على اقل تقدير حتى يكون بوسعها تشكيل الحكومة القادمة. ايضا فأن انتخابات 2010 سوف تكون عبارة عن عملية انتخابات رئيسية يسفر عنها تحديد عدد مقاعد كل ائتلاف تصاحبها عملية انتخاب ثانوية تحدد عدد المقاعد التي تحصل عليها مكونات الائتلاف الواحد مما سوف يسفر عنه صراعين, الاول بين الائتلافات المتناحرة والثاني بين مكونات الائتلاف الواحد, وبما ان اغلب الائتلافات المشتركة في العملية السياسية يمكن وصفها على انها ائتلافات مرحلية تفتقد الى التجانس الفكري والنهج والمشروع المشترك بين مكونات الائتلاف الواحد حيث ان هدف التشكيل كان آنيا ولغرص واحد وهو حصد اكثر عدد ممكن من اصوات الناخبين, فأن الاختلافات الجوهرية في الفكر والايدلوجية والمنهج والبرنامج والطموح والولاء الخارجي مضافا اليها عطش المكونات الفردية في التسيد سوف يسفر عنه تفكك معظم هذه الائتلافات. وبناءا عليه فمنطقيا ممكن الجزم بانه بعد فرز الاصوات وتحديد مقاعد المكونات المشتركة في العملية الانتخابية فاننا سوف نكون امام وضعا فريدا يترتب عليه عدم فوز مكونة واحدة (حزبا واحدا) بأكثر من ثلاثين مقعدا في البرلمان وأن مقاعد البرلمان ال (325) سوف تكون موزعة مابين اكثر من ثلاثين حزبا وكيانا وربما اكثر في حالة انشقاق بعض الاحزاب وهذا ايضا متوقع. فأذا استمرت سياسة التسقيط وتشويه السمعة والحرب الكلامية بين مكونات العملية الانتخابية فسوف نجد انفسنا امام وضعا مأساويا حال انتهاء العملية الانتخابية حيث اولا: سوف يكون من الصعب جدا تشكيل حكومة متجانسة وفعالة, وثانيا, حتى اذا شكلت هذه الحكومة فسوف تكون مشلولة يرافقها برلمان لن يكون باستطاعته الاتفاق على ابسط الامور مما يسفر عنه شلل كامل للعملية السياسية يكون ضحيته الاولى والاخيرة المواطن العراقي. خلال السنوات الاربع الماضية كانت قرارات البرلمان العراقي والحكومة تحددها خمسة احزاب توافقيا وهي احزاب المجلس الاعلى والدعوة والحزب الاسلامي والاتحاد والديمقراطي الكورديان, وقد لاحظنا صعوبة التوافق وصنع القرار المناسب, كيف اذن تكون العملية اذا كانت القرارات تصنع بواسطة 30 حزبا لايطيق احدهما الآخر؟.
وبناءا على ما جاء اعلاه ورفقا بمصلحة المواطن والوطن, لدي اقتراح بسيط اقدمه الى رؤساء الائتلافات المشتركة في العملية الانتخابية وهو الالتقاء سريعا والاتفاق على والالتزام بمايلي:
1: الامتناع فورا (احزابا وافرادا) عن الحرب الكلامية وسياسات التسقيط والتهميش وتشويه السمعة والقاء اللوم.
2: التركيز على انجازات الاحزاب والافراد خلال الاربع سنوات الماضية وما يمكن ان يقدموه للشعب خلال الاربع سنوات القادمة.
3: كل حزب وائتلاف له الحق بتشخيص اخطاء المرحلة الماضية ولكن يجب ان يكون التشخيص موضوعي مبتدأ اولا بتحديد اخطائه والخطوات التي سوف يتبعها لتلافيها مستقبلا قبل التحدث عن اخطاء الآخرين.
4: في حالة تقديم البرامج الانتخابية وماسوف يفعله الحزب والائتلاف والمرشح للشعب يجب التركيز على الحلول المنطقية القابلة للتطبيق وليس الاكتفاء بوعود وهمية لايمكن عمليا تطبيقها على ارض الواقع, فمثلا عندما يعد حزب معين الشعب بأنه سوف يقضي على البطالة, المنطق يتحتم عليه ان يقدم للشعب حلولا وخطوات منطقية مدروسة يرافقها جدول زمني تأخذ بعين الاعتبار ميزانية ودخل العراق وحالة الاقتصاد العراقي الراهنة واحتياجاته الضرورية, فمنطقيا مثلا كيف باستطاعتنا خلق فرص عمل عندما يكون العجز المالي في ميزانية 2010 يتعدى العشرين مليار دولار (أكثر من 25%).
عندما تكون الانتخابات نزيهة وعندما يركز المرشح العراقي على برامجه الانتخابية ومؤهلاته وسيرته ونزاهته وما سوف يقدمه للشعب في حالة انتخابه وليس اللجوء الى سياسة التسقيط والقاء اللوم وافتعال المشاكل والضحك على ذقون المواطن, في وقتها سوف نبارك الفائز ونقف معه ونقدم له النصيحة اذا كان بمقدورنا بغض النظر اذا كنا نتفق او نختلف مع عقيدته وايدلوجيته ومنهجيته وسيرته.
#نزار_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟