سامية نوري كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2913 - 2010 / 2 / 10 - 21:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناولت الرسالة موضوع: " الديمقراطية ومعوقاتها في دول العالم الثالث" ، والهدف هو إظهار التباين الكبير بين دول العالم المتحضر والمتمثلة بالدول الغربية , والدول المتخلفة والمتمثلة بدول العالم الثالث ، عن طريق تحليل العوامل التي أدت الى هذا التباين ، وإيجاد الحلول الممكنة لتجاوز تخلف دول العالم الثالث والوصول بهذه الدول المتخلفة الى ما وصلت إليه الدول المتقدمة , والتحقق من دور النظام الديمقراطي في الارتقاء بالدول الغربية وإيصالها الى ما وصلت إليه من التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي.
إن البحث في العوامل التي أدت الى هذا الاختلاف بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة في كل من أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تتطلب دراسة معمقة للواقع السياسي والاقتصادي، والاجتماعي لمجتمعات هذه الدول، وكذلك دراسة التطورات السياسية التي حدثت في الدول الغربية على مدى قرون طويلة , ودور المفكرين والباحثين والفلاسفة الغربيين ونظرياتهم السياسية في انجاز هذا التطور في جميع جوانب المجتمع الغربي خاصة فيما يخص النظام السياسي , حيث أصبح للنظام السياسي الدور الأساسي في تحديد تقدم او تخلف الدول وذلك لما يقوم به من دور ايجابي او سلبي في خدمة المجتمع.
ولقد كان لمشاكل دول العالم الثالث وأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتخلفة الأثر الفعال في تصنيف هذه الدول وجعلها تقف في الصفوف الخلفية في مسيرة التطور الدولي .
إن المشاكل التي تعاني منها معظم دول العالم الثالث التي تناولتها هذه الدراسة بالتفصيل والتي طبعت هذه الدول بالتخلف عن ركب الحضارة والتقدم , أسوة بدول العالم الأول المتحضر هي: العنصرية والعرقية , الاتجاهات الدينية المتشددة ، والطائفية المتعصبة والغير متسامحة , عدم المساواة بين الرجل والمرأة , انتشار الجهل والأمية . ومن خلال دراسة هذه المشاكل أمكن التعرف الى أسبابها والتي من أهمها السيطرة الاستعمارية , الأنظمة الاستبدادية , غلبة العقلية العشائرية , الحروب الداخلية والخارجية , ضعف الوضع الاقتصادي وغير ذلك .
وبمقارنة أوضاع دول العالم الثالث بأوضاع دول العالم الغربي المتحضر توصلت الرسالة إلى نتائج مهمة تعتبر من الأسباب المباشرة في هذا التباين الكبير بين الدول الغربية المتحضرة والدول المتخلفة في العالم الثالث , خاصة وان الدول الغربية لم تكن منذ بداية قيامها متقدمة في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية , بل أنها كانت تعاني أنواع كثيرة من التخلف كدول العالم الثالث الآن , ولكن الصراع المرير الذي خاضته شعوب هذه البلدان مع أنظمة الحكم المتسلطة والمهيمنة على رقاب شعوبها والمتحكمة في مقاديرها , لتغيير أوضاعها كان هو السبب الرئيسي فيما وصلت إليه الآن , حيث استطاعت الحركات الوطنية في بعض الدول الغربية من الحصول على أهم مطلب لها وهو الدستور الذي أصبح ينظم العلاقة بين السلطة الحاكمة والشعب، وبتطور هذه الدساتير بدأ تقييد سلطة الحكام , كما كان للمفكرين أمثال جون لوك ،وجان جاك روسو، ومونتسكيو ،الأثر الكبير في التغيرات التي حصلت في بعض الأنظمة الغربية , خاصة النظرية السياسية التي تقول بضرورة فصل السلطات الثلاث :التشريعية والتنفيذية والقضائية .
وكان من آثار فصل السلطات، ظهور البرلمان الذي هو هيكل سياسي يوفر للمواطنين فرص المشاركة السياسية ،ويعمل على توسيع نطاقها ويسهم في تحقيق الاستقرار السياسي , كما ان إجراء الانتخابات ونقل السلطة التشريعية الى البرلمان يمنع تغول السلطة التنفيذية وهيمنتها على السلطة التشريعية من خلال ما تملكه من وسائل دستورية فاعلة .
وأعقب ذلك حدوث تغيرات كبيرة في الحياة السياسية الغربية منها على سبيل المثال لا الحصر , تفكك الإقطاع وانتهاء سطوته السياسية , تفكك الصلات الطائفية , توازن السلطات الدينية والسياسية , تهيئة حياة اجتماعية شعبية مشتركة , حرية الصحافة , ظهور منظمات المجتمع المدني , الحرص على نزاهة الانتخابات البرلمانية , توسيع المشاركة السياسية من جانب المواطنين في عملية صنع القرار السياسي .
إن كل هذه الإجراءات والتغيرات التي حصلت في الغرب سميت بالمفهوم السياسي ب(الديمقراطية) , ولكن إرساء البناء الديمقراطي استغرق وقتا طويلا وأدى الى تحولات عميقة في المجالات السياسية , والثقافية , والاجتماعية, والاقتصادية.
ومن استعراض أوضاع الدول في العالم الثالث، توصلت الرسالة إلى أن النظام السياسي في كثير من الدول التي استقلت من السيطرة الاستعمارية في أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية ،اتسم بالتسلط والدكتاتورية ونهب خيرات البلاد لصالح الحكام وحاشيتهم , وغياب المشاركة السياسية الشعبية , والتعددية الحزبية والتخصص الوظيفي .
كما شهدت تلك الدول تناقضات طبقية ودينية , وحوادث عنف واضطرابات متكررة , ومحاولات انقلابات عسكرية عدة , وسيطرة قادة مزاجيين مضطربين اتبعوا- غالبا- سياسات اقتصادية واجتماعية سببت الكوارث , وانتشار الرشوة والفساد , وتعد سافر على حقوق المواطنين وحرياتهم , وانخفاض مستويات الكفاءة الثقافية والعلمية , والأداء البيروقراطي , وعدم اعطاء الفرصة للقيادات الوطنية المؤهلة والكفؤة للوصول الى السلطة وادارة البلاد .
إن الحلول المقترحة في هذه الدراسة لتجاوز تخلف دول العالم الثالث هي ضرورة قيام النظام السياسي في هذه الدول على مجموعة من القواعد الأساسية المنظمة لعملية صنع القرار وبشكل دستوري , لأنها تساعد على إضفاء الشرعية , وغيابها يؤدي الى نزاعات متكررة , وبما ان أساس النظرة الديمقراطية يعود الى المبدأ القائل , بان الشعب هو صاحب
السيادة , ومصدر الشرعية , فانه لابد من إعادة صياغة مصادر شرعية السلطة لتحل محلها الشرعية الديمقراطية الدستورية المستمدة من إرادة الشعب , ومن التوافق الوطني العام , وهو ما يجسد التتويج الفعلي لبناء عملية التحول الديمقراطي , ويسهم في استعادة النظم السياسية لشرعيتها وصدقيتها .
أن الديمقراطية- بالمعنى ذلك - ليست مجرد مؤسسات وإجراءات وانتخابات فقط , ولكنها أيضا مجموعة قيم واتجاهات ومشاعر تشجع الممارسة الديمقراطية الفاعلة من جانب الحكام والمحكومين , وتنطلق من مقدمات بديهية مثل : أقرار حقوق الإنسان واحترامها , وإصدار التشريعات القانونية التي تحميها , وإقرار حرية الرأي والتعبير والتنظيم , والتسامح السياسي والفكري , والمساواة , وحرية الصحافة , والسماح بالتعددية الحزبية , والتداول السلمي للسلطة , واحترام أرادة الأغلبية .
إن اغلب دول العالم الثالث تشهد انفصالا شديدا بين جهاز الدولة والمجتمع نتيجة للظروف التاريخية التي مر بها هذا الجزء من العالم من جهة , وعدم سعي هذه الدول لتوسيع المشاركة السياسية وإدخال الديمقراطية الى مجتمعاتها من جهة أخرى، فاغلب هذه الدول ان لم تكن كلها وقعت تحت سيطرة نظام الحزب الواحد وما يعني ذلك من نقص هامش الحرية والمشاركة السياسية وتحول تلك الأنظمة الحاكمة الى أنظمة دكتاتورية استبدادية وتسلطية , بل إنها أحزاب بقيت حاكمة منذ حصول هذه الدول على استقلالها السياسي والى يومنا هذا .
إن هذه الدول تواجه اليوم تحديات كبيرة ينبغي ان تواجهها بسياسات وباستراتيجيات لا تقل تحديا عن هذه المصاعب والتحديات , فدول العالم الثالث أمام امتحان عسير جدا وعليها ان تشق طريقها نحو إقامة جهاز قوي وأداة صلبة لقيادة المجتمع نحو التنمية والتحديث وأتباع الأساليب التكنولوجية للتحكم في مصادر الثروة والطاقة , وتعبئة الموارد المادية والبشرية بهدف تحقيق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي , ولا يمكن ان يتم كل ذلك الا عند تطبيق النظام الديمقراطي حيث يحشد هذا النظام عند ظهوره وسائل تدعمه ومن هذه الوسائل نشر التعليم , وتشجيع المنظمات الخاصة , وتحقيق المشاركة السياسية الواسعة النطاق كالأحزاب والنقابات , وإشاعة مفاهيم العدالة والمساواة .
والديمقراطية التي تناولتها هذه الرسالة ، واقترحت تطبيقها في دول العالم الثالث هي الديمقراطية التي يختارها المجتمع والتي تتناسب والموروث الحضاري لذلك المجتمع والذي يتضمن هويته الثقافية والأخلاقية وليست ديمقراطية مستوردة .
* ملخص رسالة الماجستير المقدمة من( السيدة سامية نوري كره بيت) إلى مجلس الجامعة المفتوحة في هولندة، وفي تخصص العلوم السياسية، وبإشراف الأستاذ الدكتور شفيق عبد الرزاق السامرائي. وقد نوقشت يوم 18 شباط-فبراير 2009 من قبل لجنة مؤلفة من الدكتور أكرم الكسار والدكتور خليل شاكر حسين الزبيدي ،والدكتور نزار القدوري، وحازت على تقدير جيد جدا .
#سامية_نوري_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟