|
الإبداع يبحث عن الحرية - هجرة الشوام إلى مصر أنموذجاً
عبدالله أحمد الباكري
الحوار المتمدن-العدد: 2913 - 2010 / 2 / 10 - 01:10
المحور:
الادب والفن
الإبداع يبحث عن الحرية هجرة الشوام إلى مصر أنموذجاً
الحرية شرط الإبداع ، فإذا فرضت مساحتها على البيئة وتأقلم المجتمع معها إيجابياً وثقافة تطورأفراد المجتمع ونمت لديهم مقومات الإنسان الحضاري من الحس الأخلاقي الرفيع والإحساس العالي بالمسئولية واحترام الآخر أياً كان انتماؤه وتغيرت اهتماماتهم ونشاطاتهم نحو الإيجابية فيصبح الفرد فاعلاً في مجتمعه ودوره مؤثراً تلمسه في محيطه ، وفي ظل الحرية تنشط الفنون على كافة أنواعها وأشكالها ويتحرك الفكر من الجمود ويعيش في تفاعل نقدي مستمر ودائم وتلوح الإبداعات الإبتكارية من الإختراعات والإكتشافات وتضيء هنا وهناك 0
التنافس وليد الحرية وفي الجو التنافسي يسقط من لا يتطور ، فيظل المجتمع وعلى كافة الأصعدة في نشاطات تنافسية ينتج عنها تلاقحات فكرية ومثاقفات إبداعية تسهم في رفع المستوى الثقافي للفرد إن لم تشرع هذه التنافسات في تأسيس ثقافة جديدة تبنى على قبول الإختلاف والتسامح مع المخالف وخطاب الإقناع والبرهان 0
الحرية تؤسس بيئة تحترم الإبداع وتشكل مجتمعات تحتضن الإبتكار وتشجعه ولكن العرب وللأسف الشديد لم يسعفهم التاريخ بقيادات تؤمن بهذه الرؤى وهذا الفكر ولذا جاؤوا نشازاً على الحضارة العالمية المعاصرة بالرغم من وجود إضاءات قوية وإلماحات عظيمة نجد بدايتها في عهد والي مصر محمد علي باشا الذي كان له من الوعي الفكري ما جعله يؤمن بضرورة المناخ التنافسي الحر مما جعل العديد من الأسر الشامية تهجر بلدانها وديارها لتضرب عصا ترحالها في أرض الكنانة لأنها قد لمست حقيقة الحرية فيها فكان الإبداع الخلاق نتاجاً طبيعياً لهذه الحرية 0
لا أريد أن أتحدث هنا عن الإصلاحات الإقتصادية التي سنها محمد علي باشا بالرغم من وجود علاقة متينة بينها وبين موضوعنا لأن الحرية الإقتصادية التي أوجدها الباشا جعلت الأوروبيون أنفسهم يؤمون مصر ويستقرون بها ولكنني أنوي الحديث عن الحرية الفنية عموماً والتي جعلت العرب الشوام على وجه الخصوص يبدعون إبداعات بارعة وخلاقة في سماء الفن تمثلت في مبدعين أثروا الحياة في مصر أولاً وفي العالم العربي ثانياً ففي الشعر مثلاً نبغ خليل مطران وهو من لبنان وإن كان قد جابه الصدام مع الحكومة المصرية حينها إلا أن مصر ظلت نسبياً أفضل من بقية البلدان العربية تحرراً 0
هاجر المبدعون الشوام وهجروا أهلهم وقراهم وأوطانهم إلى مصر التي سمعوا أنها انتفتحت على الدنيا وأصبحت الحرية تعمها من سواحل المتوسط حتى السودان ، ولمع من الجهابذة الأعلام ما أعطى لمصر مفاتيح الريادة في المنطقة العربية ففي الصحافة نبغ سليم حموي وهو لبناني يعد أول من أنشأ مطبوعة عربية في مصر سنة 1873م وتبعة جهابذة من الشوام إما مهاجرين أو أبناء لمهاجرين وأنشأوا روائع المؤسسات الصحفية والتي لا يزال بريقها لامعاً حتى اليوم كالأهرام والأخبار والهلال والمعارف 0
لقد أثنينا في مقالنا هذا على محمد علي باشا رائد النهضة الإصلاحية المصرية الحديثة وحتى لا يزيغ بنا الحق عن ذكر أهل الفضل فلا بد لنا أن نشيد بإصلاحات الخديوي اسماعيل من بعده والذي لعب دوراً بارزاً في خلق الحرية في مصر وتأسيسها كمساحة اجتماعية تتحرك فيها القوى السياسية المختلفة والتيارات الفكرية والثقافية المتنوعة فعلى يدي الخليوي اسماعيل كان التأسيس الحقيقي للحرية في مصر 0
لقد بنى الخليوي اسماعيل دار الأوبرا ونقل هندسة الشوارع الباريسية إلى القاهرة وكلف الموسيقي الإيطالي العالمي بتأليف أوبرا عايدة كما قام بافتتاح قناة السويس ، وخلال عهده ومن بعده توافدت الأقلام الإبداعية من الشام هرباً من الإستبداد العثماني هناك وطلباً للحرية الخديوية والتي وإن أثنينا عليها فليس لأنها في قمة ما يمكن أن تكون ولكن لأنها كانت رائدة في مضمونها وأفضل من غيرها والأهم من ذلك كلها أنها حققت ما كانت تريده من الحرية التي كفلت حتى للمرأة أن تكتب رأيها فسمعنا بأقلام نسائية جميلة جلها من لبنان كهند نوفل التي أصدرت مجلة الفتاة في الإسكندرية وكانت هذه المجلة باكورة الصحافة النسائية في مصر كما أن مي زيادة تعد الأديبة الأشهر في زمانها ولا ننسى روز اليوسف ومجلتها الشهيرة التي تحمل اسمها ودورها الفعال حينها في الحياة الثقافية في مصر0
أما في مجال الغناء والسينما فحدث ولا حرج ففريد الأطرش وأسمهان وصباح ونجاة الصغيرة وسعاد حسني وحسن عابدين وعبدالسلام النابلسي وفايزة أحمد وعمر الشريف ويوسف شاهين وشمس البارودي وعزيزة جلال وغيرهم الكثر هم علامات قوية وبارزة في سماء الغناء والسينما ليس المصرية فحسب وإنما العربية ولولا هجرتهم وأسرهم من حكومات القمع في بلدانهم الشامية لما سمعت بهذه الإبداعات الخلاقة والتي ستظل تاريخاً خالداً في التاريخ العربي المعاصر 0
#عبدالله_أحمد_الباكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|