أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - رسائل قصيرة في الدين و السياسة إلى السيد الأمين العام لحزب العدالة و التنمية















المزيد.....


رسائل قصيرة في الدين و السياسة إلى السيد الأمين العام لحزب العدالة و التنمية


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2912 - 2010 / 2 / 9 - 20:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه جملة ملاحظات عنّت لي و أنا أقرأ حواركم مع "الجريدة الأولى"، الحوار الذي لم يكن ليثير اهتمامي لولا أنكم زعيم حزب سياسي يسعى منذ إنشائه إلى أن يروّض السياسة بالدين و يروّض الدين في السياسة، و هو ما نرى فيه العائق الأكبر أمام انتقال بلدنا نحو الديمقراطية، و فيما يلي بعض أفكاركم مذيلة بتعقيبات توخينا فيها الإيجاز لانعدام الفائدة في التكرار و الإطناب :

الدين و السياسة في التاريخ:
قلتم :" لم يسبق في تاريخنا أن انفصل الدين عن السياسة".
و نقول: هذا خطاب تشيعه السلطة و الذين يدورون في فلكها، و قد بني على رواية سياسية مؤدلجة لتاريخ المغرب، مفادها أن التاريخ هو تاريخ الأسر الحاكمة و تاريخ السلاطين و الدول، و الحقيقة أن التاريخ الفعلي، التاريخ الإجتماعي للمغرب، يشير إلى أن الأمر لم يكن دائما مطابقا لما تدّعيه السلطة أو يحكيه مؤرخوها، فخارج وصاية سلطة المخزن المركزي كانت العديد من المناطق تحتكم إلى قوانينها العرفية الوضعية، و كانت تفصل عن وعي بين شؤونها الدنيوية و معتقدها الروحي، و كانت بذلك ترمي إلى عدم تكرار خطإ السلطة المركزية في استغلال الدين في محاكمها الشرعية لإشاعة الظلم و الجور و انتهاك الحرمات. و هو أمر لا يعني أن الناس لم يكونوا مسلمين، و إنما القصد أن الدين كان عندهم عبادة، و السياسة خبرة و حنكة و تدبير عقلي من الإنسان و إليه.
و حتى إذا ما صحّ زعمكم بارتباط الدين بالسياسة في بلاد المسلمين طوال تاريخهم، فهذا لا يعني أن ذلك كان أمرا إيجابيا و لا مبررا للحفاظ على نفس الواقع الذي ساد في الماضي، و الذي لم يكن للأسف باعثا على الإفتخار أو الإعتزاز، لأننا في عصر وصلت فيه البشرية، التي قطعت أشواطا بعيدة في الترقي بالوضعية الإنسانية، إلى خلاصات و عِبَر هامة تتعلق بماضيها، و علينا الإستفادة منها.
إن ربط الدين بالدولة و استعماله في السياسة في زماننا هذا هو من علامات التخلف الفاضحة، و لا أدلّ على ذلك من المعطى التالي: لا يوجد بلد واحد من بين البلدان المتقدمة و القوية يخلط بين الدين و السياسة في المجال العام كما يتم في بلاد المسلمين، و بالمقابل لا يوجد بلد واحد من بلدان العرب و المسلمين المتخلفة، يفصل الديني عن السياسي و يعيش ديمقراطية فعلية.
و إذا كنا ما زلنا نعيش حياة سياسية بئيسة، فلأن مفاتيح المرور إلى الديمقراطية يحتكرها من أوتي سلطات دينية تمنحه إمكانية السمو على كل القوانين، و السلطة تستمر في استعمال الدين في السياسة لأنها تعتبر المجتمع "غير مهيأ" لفهم الديمقراطية و تقبلها، و أنتم تمنحونها كل الدلائل على صحة ما ذهبت إليه.

استغلال الدين في السياسة من المسؤول ؟
قلتم:" نحن مستعدون لأن نعتبر استغلال الدين في السياسة جريمة يعاقب عليها القانون (...) لا أجد أننا نستغل الدين في أية سياسة .. أعطني مثالا واحدا على ذلك " .
و نقول: تناقضتم مع ما أسلفتموه في قولكم أعلاه، فإذا كان استعمال الدين في السياسة أمرا مذموما فلماذا تسعون إلى إيجاد سند له في التاريخ ؟
إن استغلال الدين في السياسة يعدّ جريمة في الدولة الديمقراطية، أما في بلد تتسابق فيه السلطة مع غيرها في استغلال الدين و استعماله و المزايدة به فليس عليكم حرج في ذلك، لأنكم لن تكونوا أكثر من ثمرة لواقع فاسد تحكمه قوانين الإستبداد و الحكم الفردي، و لو ظهرتم في واقع أفضل لكنتم ديمقراطيين و لما احتجنا إلى محاورتكم أصلا.
و إذا كنا لا نلومكم على استغلال الدين في السياسة لأنكم لستم المسؤولين عن ذلك في المقام الأول، فإننا بالمقابل نآسف لاضطراركم لإنكار ذلك، و أنتم الذين اخترتم مع نواب حزبكم أن تعلنوا لأول مرة عن وجودكم تحت قبة البرلمان بإحداث زوبعة صغيرة بسبب ملابس إحدى الصحفيات التي جاءت لتغطية وقائع جلسة، بعد أن تبين لكم من مرجعيتكم الدينية بأنها كانت ملابس مثيرة لشهوة الرجال و لا تليق بمؤسسة البرلمان. ما الفرق بين سلوككم آنذاك معشر "البيجيديين" و بين سلوك بقية النواب من مختلف الأحزاب، و الذين لم يتقبلوا ما أقدمتم عليه ؟ لا فرق إلا أنكم اخترتم استعمال الدين، بمنظوركم السلفي المتشدّد، في مجال سياسي هو مجال العمل النيابي، و قد اخترتم ذلك لتقولوا للذين صوتوا عليكم و الذين وعدتموهم بأسلمة الدولة و المجتمع من داخل المؤسسات: هانحن" نجاهد" من أجل "إعلاء كلمة الله" !، بينما لم يفعل غيركم ذلك لأنهم ينطلقون في ممارسة السياسة من قواعد السياسة لا من المعايير الأخلاقية ـ الدينية التي تختلف من شخص إلى آخر.
كان هذا خطأ البدايات، و قد أثار استياء الطبقة السياسية و أفقدكم ثقة بعض حلفائكم الذين دافعوا عن حقكم في ممارسة السياسة من مرجعيتكم، و رغم ذلك لم تتعلموا منه أن تراعوا بعض الشيء حدود السياسة و قواعدها، لكنكم بالمقابل لجأتم إلى أسلوب توظيف "الدعوي" في خدمة السياسي، و عهدتم بذلك إلى حركة التوحيد و الإصلاح التي تعمل على حشد الناس لكم في أوقات الإنتخابات بالإستعمال المكثف للدين، و لدينا على ذلك أدلة و قرائن من الواقع لا يمكن إنكارها. ثم بذلتم كل جهودكم لمطالبة السلطة بمنع مهرجانات فنية و أفلام و أعمال أدبية كما طالبتم بإغلاق متاجر عصرية تباع فيها المشروبات الروحية، بل إنكم في الأسابيع الأخيرة فقط راسلتم، بصفتكم أمينا عاما للحزب، الوزير الأول مطالبين إياه بمنع فيلم سينمائي اعتبرتموه "ماسا بالمقدسات"، و قاد حزبكم خلال الصراع على خطة إدماج المرأة في التنمية حملة غير نظيفة استعملت فيها شتى الإتهامات المعيارية و الإشاعات الكاذبة بدون أي حس سياسي أو أخلاقي وطني، و اعتبرتم ذلك "انتصارا" لكم على اليسار، في الوقت الذي ظللتم تظهرون فيه بمظهر المعارضة السياسية الباهتة التي حضورها كعدمه، بسبب افتقاركم إلى بدائل فعلية فيما يشغل الناس. و رغم ذلك لا نقول إنكم "مجرمون"، و لكننا نقول فقط إنكم مخطئون و أنكم لم تستوعبوا بعد معنى الديمقراطية التي لا يمكن أن تقوم على التحريض و ثقافة المنع و استعمال الدين في الحياة السياسية.

السياسة و "الخوف من الله" :
قلتم:" لمحاربة الرشوة و الفساد و الظلم علينا أن نستمد كل القيم من الدين، نهار السياسي ما يبقاش إخاف من الله و من النار غادي إولّي وحش مفترس".
و نقول : يستعمل معلمو الكتاتيب القرآنية و مدرسو التربية الإسلامية في المدارس الإبتدائية هذا المنطق لتخويف الأطفال ، و هو منهج متخلف عن البيداغوجيا العصرية لأنه يريد تعليم الفضيلة بالتخويف و الترهيب و ليس بالمعرفة العميقة بمعاني المسؤولية و الواجب، أما استعمال هذا المنطق في السياسة و في تدبير الشأن العام و مخاطبة مسؤولي الدولة فهو غاية الخرف الذي يبعث على النوم وقوفا، خاصة بعد كل التجارب التي أثبتها تاريخ البشرية و تاريخ الإسلام تحديدا، فعندما اتهم عثمان بن عفان ـ و هو صحابي عاش عصر النبوة ـ بـ"التطاول في البنيان" على حساب بيت مال المسلمين، و بـ" تولية بني عمومته و عشيرته" مناصب الدولة رغم أنهم لم يكونوا أكفاء، لم يبدُ عليه أنه "خاف الله" أو "خاف من النار"، بل تحداهم إلى أن قتلوه بعد أن حرّض عليه الصحابة أنفسهم كعبد الرحمان بن عوف، الذي ـ و هو على فراش الموت ـ خاطب علي بن أبي طالب قائلا: " عاجلوه قبل أن يطغى ملكه".
و عندما طالب علي بن أبي طالب بعد أن تولى الخلافة ، عبد الله بن عباس ـ و هو أيضا صحابي شهد عصر النبوة ـ بإرجاع ما اختلسه من بيت مال المسلمين عندما كان واليا على البصرة رفض أية محاسبة و هرب بالمال إلى الحجاز دون أن يحركه "الخوف من الله" أو من "النار" رغم أن الخليفة بعث إليه يحذره من عقاب الآخرة قائلا في ما أورده الطبري في تاريخه:" بلغني أنك جردت الأرض و أكلت ما تحت يديك، فارفع إليّ حسابك و اعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس". و ابن عباس هذا هو الذي سماه المسلمون "حَبر الأمة" و ما زالوا يروون عنه الأحاديث بصفته شخصا "عدلا".
و عندما تولى خلفاء بني أمية أمور المسلمين كان شعارهم المشهور هو " من قال لي اتق الله ضربت عنقه". و دام الأمر على هذا الشأن إلى زماننا هذا في مختلف أقطار العرب و المسلمين، دون أن نتحدث عن قرون الإرهاب العسكري العثماني التي لا داعي إلى إيقاظ مواجعها. و في بلاد المغرب كان المخزن أكبر من يمارس النهب و السلب حتى شبهه الناس بالسيل الجارف أو بالنار التي تأتي على الأخضر و اليابس، دون أن يتورع السلاطين عن التظاهر بالتقوى و مجالسة الفقهاء و استمالتهم و حفظ القرآن و مداراة الزوايا و الإنعام على الأضرحة.
في مقابل هذا المشهد الكئيب نجد بأن حكام بلاد الغرب من "الكفار" الذين فصلوا السياسة عن وصاية رجال الدين و انتقلوا بها من مزاجية "الخوف من الله" إلى النظام العقلاني لاحترام القانون الوضعي و المحاسبة أمام الشعب، استطاعوا صون كرامة الناس و الإلتزام بحدود تواضعوا عليها كبشر على الأرض دون حاجة إلى آلهة أو قوى مطهرة تحكمهم نيابة عن السماء.
يا سيد بنكيران ! إذا كان ما ذكرناه شأن الصحابة فما بالك بأهل زماننا هذا ؟ لقد ظهر الحق في أيامنا أسطع و أكثر بيانا من أي زمن مضى، و هو أن البشر إن كانوا يحتاجون في حياتهم الشخصية إلى توجيه أخلاقي بالدين و إشباع روحي بالعبادة أو بالموسيقى أو التصوف و الزهد أو غير ذلك من القيم الجمالية و الروحية، فإنهم في تدبير الشأن العام بحاجة إلى ما يجمعهم بوصفهم مواطنين من بني الإنسان، لا باعتبارهم "جماعة من المؤمنين" لأنهم ليسوا كذلك، إذ لا يوجد دين واحد يجمع بين كافة أعضاء مجتمع ما مهما كان، إلا في ظل السلطة القمعية الجائرة التي تحجر على العقول و تكمم الأفواه. فإذا كان الخوف من الله لا يوحّد الناس لأنه وازع فردي اختياري و مزاجي فإن إلزامية القانون و ضوابط المؤسسة العصرية واقع يشمل الجميع، و المحاسبة لا تستثني أحدا مهما كان دينه أو عائلته أو منصبه، و هي محاسبة دنيوية تتم طبقا للقانون.
و قد استفاد اليهود من المكاسب الإنسانية الجديدة فحققوها في دولتهم إسرائيل التي بنيت على الإحتلال و اغتصاب الأرض، حيث يجرجرون حكامهم أمام المحاكم بتهم الفساد و خرق القانون كما يتم في جميع الدول الديمقراطية، أما دول العرب و المسلمين (التي انهزمت أمام إسرائيل) فما زالت دول الحكام المقدسين مدى الحياة، و الذين لا تناقش خطبهم و لا يُعقب عليها، و الذين يورثون كراسيهم لأبنائهم من بعد، بل إن ردّ فعل العرب و المسلمين على القيم الإنسانية الجديدة كان هو مقاومتها و مواجهتها بـ"خصوصيات" بالية، و لهذا ظلت دولهم دول استبداد و جور و ظلم في علاقتها بشعوبها .
إن أساس دولة الحق و القانون هو عقلنة تسيير المؤسسات، و هو أمر لا يخضع للأمزجة أو العواطف الدينية أو الإيمان أو عدمه، بل يخضع فقط لاحترام القانون لدواع مدنية تتعلق بالصالح العام لا بانتظار الجزاء أو الخوف من العقاب الأخرويين، إن احترام القانون طلبا للجنة أو خوفا من النار لا يعبر عن أي وعي مواطني أو التزام مدني عقلاني بقدر ما تحكمه الأنانية الفردية، و هي نفس الأنانية العمياء التي تجعل موظفا يترك طابورا طويلا من الناس بانتظاره و ينصرف إلى المسجد لأداء الصلاة حرصا على الفوز بالجنة، و لو على حساب مصالح الناس.
إنّ الوعي المدني المبني على قيم المواطنة هو ما وصلت به البشرية اليوم إلى ما بلغته من رقي و تقدم، و أنتم بدعواكم التي ترمي إلى إقامة السياسة على قناعات دينية تسعون إلى عزلنا عن العصر و إعادتنا إلى مساوئ الماضي المعيب، لأن ما تزعمونه من ارتباط التدين بالفضيلة و الطهرية أمر وهمي لا ثقة فيه مطلقا، يدلّ على ذلك ما اقترفه أصحاب العمائم في كل من إيران و السودان من ظلم و جور و فساد لا يقل عما اقترفه أسلافهم من المسلمين، و ما يرتكبه أصحاب الكوفيات في السعودية من موبقات و ما جرّ إليه مشايخ مصر بلدهم من مهازل التخلف التي أضحكت العالم و حولت مصر الحضارة إلى موضوع للتنكيت و السخرية.

تاريخ الكنيسة و تاريخ الخلافة:
قلتم:"الخلط بين السياسة و الدين كلمة قادمة من الغرب حين كانت هناك خطوط حمراء بين الكنيسة و الحكام، نحن ليست لنا كنيسة".
و نقول : علاوة على أن هذا تبرير لاستغلال الدين في السياسة لدى المسلمين و الذي أنكرتموه قبلا، فإنه يتضمن معطيات غير صحيحة تاريخيا، أنتم بصدد تكرار كلام قاله منظرو الإخوان المسلمين منذ ثمانين سنة، و لكنه شعار قام على الكثير من الانتقاء و التعمية، حيث يتم إخفاء أوجه التشابه التي تدل على وحدة التجربة الإنسانية في هذا المجال، و إليكم العناصر المغيبة:
ـ في الغرب كان الحكام يحكمون بـ"حق إلهي" يستمدون منه شرعيتهم الدينية ، و يخول لهم ذلك رجال الدين في مؤسسة الكنيسة، الذين كانوا حلفاء لهم في السياسة يتبادلون المصالح و الخدمات على حساب "الرعايا" Les sujets.
و في "دار الإسلام" كان الخلفاء و الملوك يحكمون باعتبارهم "أولوا الأمر" مهمتهم "حماية البيضة"، و شرعيتهم في السلطة مرتبطة بحماية الدين و تطبيقه، و كان حلفاؤهم في هذا "أهل الحل و العقد" الذين هم رجال الدين، و يسمون "فقهاء السلاطين" لأنهم يضمنون "طاعة الرعية" بإضفاء شرعية دينية على أفعال الحكام الذين لم يكونوا بالطبع ملائكة في جميع الأحوال، و يتبادل الطرفان المصالح و الخدمات مع الحكام على حساب "الرعية" التي عليها أن تخضع لأن الحاكم هو "ظل الله في الأرض"، و هي عبارة ابتكرها "أهل الحل و العقد". و إذا قلتم إن ثمة فقهاء كانوا يستنكرون ظلم الخلفاء و السلاطين قلنا إن هذا وجد في الغرب أيضا حيث ظهر الكثير من رجال الدين المعارضين للسلطة باسم الدين و يكون مصيرهم مثل مصير إخوانهم المسلمين. إن الفوارق التي ترونها بين تاريخ الكنيسة و تاريخ الخلافة ليست إلا على مستوى الجزئيات المؤسساتية، أما على مستوى الطابع العام للحكم و على صعيد النتائج فالأمر يتعلق بأنظمة ثيوقراطية إقطاعية: استغلال الدين في تدعيم الإستبداد و ممارسة السلطة عبر القهر و الظلم بجميع أنواعه.
المشكل بالنسبة لكم هو أن الغرب استطاع تجاوز محنته و تحرير السياسة من براثن الحكام و رجال الدين ليترقوا بسرعة مذهلة في مدارج الحضارة خلال القرنين الأخيرين، بينما تطالبون أنتم بالبقاء على العهد، رغم كل الأدلة التي تشير إلى أننا قد أصبحنا على هامش التاريخ.

العيد الديني و العيد "السياسي":
قلتم:"عندما يتم الإعلان عن أنّ عيد الفطر أو عيد الأضحى هو يوم عطلة، هل يتم ذلك لأن هذا العيد ديني أم سياسي ؟
نقول: هو عيد ديني للمؤمنين بالإسلام في المغرب، و الذين هم أغلبية السكان، و إعلان الدولة عنه لا يعني أنه "سياسي"، فالدولة العصرية مسؤولة عن تقديم الخدمات للمؤمنين بمختلف مللهم و نحلهم و تيسير شروط أدائهم لشعائرهم الدينية و حمايتهم من أي اعتداء أو عرقلة، و ذلك مثل ما يتم في الدول الديمقراطية المختلفة و التي لا تغصب الناس على العمل في الأعياد الدينية التي هي أيام عطل. و الذي جعلكم تتوهمون أن الأعياد عندنا "سياسية" هو مبالغة الدولة في احتكار القيم الرمزية الدينية و تدخلها السافر في هذا المجال باعتبارها "وصية "على الدين الذي جعلته رسميا، و هذا تسييس للمعتقد لا حق للدولة فيه مطلقا و لا حاجة للناس به لأنهم من الممكن أن يفرحوا بأعيادهم دون وصاية الدولة، ينبغي التمييز هنا بين استجابة المؤسسة لحاجة المجتمع و بين الوصاية السياسية التي تخدم مصالح السلطة و ليس مصالح السكان .

فقه التحالفات السياسية:
قلتم:" مستعدون للتحالف مع إخواننا في الإتحاد الإشتراكي و الأصالة و المعاصرة".
و نقول : هو إذن تحالف مصلحي براغماتي بدون مرجعية، و هو من المظاهر الفاضحة لانحطاط حياتنا السياسية، فعندما يتحالف حزب ذو مرجعية إسلامية مع حزب ذي مرجعية يسارية مع حزب ذي مرجعية سلطوية فما الذي سيكون باعثا على تحالفهم ؟ أرجو ألا تقول لي بلوغ الأهداف الكبرى، لأن هذا النوع من التحالفات يتمّ أساسا على حساب المرجعيات و الأهداف الكبرى، لأن ما يحكمه هو تنازلات تجعل كل طرف يضرب عرض الحائط بأهم ما يمثل نبل السياسة لديه ألا و هو المبادئ، و هي كلمة تثير سخرية الإنتهازيين، لكن عدم اعتبارها تعني أولوية التكتيك الظرفي و السياسوي المصلحي على مصالح الشعب المغربي .

مافيا الإقتصاد و مافيا السياسة:
قلتم "جلالة الملك هو جلالة الملك و "أونا" هي "أونا"، خاصنا نخلّيو جلالة الملك فالتيقار"
و لكن أونا تحظى بامتيارات سامية جعلتها تبتلع كل شيء، و تستحوذ على مراكز النفوذ و الثروة، و هي حظوظ لا تتوفر لأية مجموعة اقتصادية أخرى، بل و استطاعت أن تستغل مناجم و تستخرج ثروات طبيعية على حساب مصالح السكان الفقراء و دون أي تعويض لهم كما تقتضي ذلك القوانين الدولية، رغم أنها تقوم بتدمير البنيات التحتية و تلويث المياه الباطنية و إتلاف الغطاء النباتي، و لا أحد يجرؤ على الإحتجاج على "أونا" طبعا، بما في ذلك حزبكم، لأن الجميع يعلم بأنها تستند إلى سلطات الملك و نفوذه.
على الذي يريد انتقاد الحياة الإقتصادية بالمغرب أن يتوفر على الشجاعة الكافية لتحديد مكامن الخلل أو يصمت.

أفق الإصلاح السياسي :
قلتم: "السلطات كلها تجتمع بيد جلالة الملك، و لكن يجب أن يكون هناك من التفويض ما يكفي حتى يكون الوزير الأول و الحكومة مسؤولين حقيقة" .
و نقول: ثمة تناقض آخر في خطابكم حول الإصلاحات السياسية، فأنتم ترون ضرورة التقليص من سلطات الملك لصالح الوزير الأول و المؤسسات الدستورية الأخرى بنوع من التفويض، لكنكم في نفس الوقت تتشبثون بـ"إمارة المؤمنين"، و الحقيقة أن هذا اللقب يعني احتكار الملك لكل السلطات باستعمال الدين في السياسة و الجمع بينهما، و هو الخلط الذي يشكل أساس الإستبداد في التاريخ البشري كله، فأنتم في ورطة حقيقية لأن علّة وجودكم في الحياة السياسية المغربية هي استعمال السلطة لكم كحماة لإمارة المؤمنين، و كضمان لاستمرار الجمع بين الدين و السياسة ضدّ الديمقراطيين و الحداثيين الذين يطالبون بمؤسسات حقيقية، و أنتم تحاولون الخروج من التناقض بالقول إن الملك هو الذي يمكنه أن يبادر باقتراح الإصلاحات الممكنة و رسم الحدود التي لا ينبغي تجاوزها، و هذا معناه أنه لن تكون ثمة أية إصلاحات إذا ما اعتبر الملك بصفته أميرا للمؤمنين بأنه لا حاجة لذلك في الوقت الراهن. أنتم لا تنكرون أهمية الإصلاحات السياسية و ضرورتها، و لكنكم لا تملكون على ما يبدو شجاعة المبادرة كحزب معارض لطرح الموضوع و الضغط من خلاله من أجل حياة سياسية أكثر مصداقية، لأنكم في النهاية مجرد "رعايا" هدفكم المحافظة على ما هو موجود و تحصينه، و هل يمكن لمن يجد نموذجه الأمثل في الماضي أن يقترح مشروعا للمستقبل ؟ مستقبلكم هو الماضي، و لهذا لا مستقبل لكم إلا إن غيرتم ما بأنفسكم، و هو تغيير باهظ الثمن و لا طاقة لكم به في الوقت الراهن.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معنى العنصرية ردود سريعة إلى وزيرة الصحة
- ما قاله الريسوني في الخمر
- أسئلة الإسلام الصعبة
- حول استنكار بيع الخمور بالمغرب
- في أنّ دين الدولة مفروض و ليس اختيارا حرا (على هامش اعتقال م ...
- ما لا يفهمه المسلمون (على هامش النقاش الدائر بسويسرا)
- الصحافة و التحريض بصدد الكرة بين مصر و الجزائر
- مزيدا من المساجد للفقراء و المهمشين
- الحرية للصحف قبل المسؤولية
- القذافي و الأمازيغ
- هل الرابطة الدينية هي أساس الوحدة بين المغاربة ؟
- هل المغاربة -كلهم مسلمون- ؟
- رمضان عقيدة دينية أم قرار للدولة ؟ في مغزى رسالة زينب و من م ...
- -أخلاق- رمضان
- العنصرية بين العرب و إسرائيل
- أزمة الثقة في المؤسسات
- مهازل الخلط بين العلم و الدين
- حول ما سمّي -الظهير البربري- في الكتاب المدرسي، على هامش الح ...
- ملاحظات حول الكتاب الأخير لمرشد جماعة العدل و الإحسان
- عودة إلى موضوع التنصير و الأسلمة


المزيد.....




- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - رسائل قصيرة في الدين و السياسة إلى السيد الأمين العام لحزب العدالة و التنمية