|
مجتمعٌ يُعسِّر الزواج ويُيسِّر الطلاق!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2912 - 2010 / 2 / 9 - 14:08
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
للأعزب من الرجال يقولون "لا تتزوَّج، فما أصعب وأشق الزواج في مجتمعنا"؛ وللمتزوج منهم يقولون "طلِّقْ، فما أسهل وأيسر الطلاق"!
إنَّهما ظاهرتان اجتماعيتان متناقضتان؛ ولكنَّهما متَّحدتان اتِّحاداً لا انفصام فيه، عرفهما مجتمعنا (في السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص) وهما: ظاهرة استعصاء الزواج، وظاهرة استسهال الطلاق.
و"المصلحون الاجتماعيون" يحاولون إصلاحاً أُسَريَّاً؛ ولكن كمثل "مصلحينا أو إصلاحيينا السياسيين"، الذين يتوفَّرون على بحثٍ يشبه البحث في رائحة الشيء، وليس في ذات وماهية الشيء.
الطلاق عندنا الآن أصبح إلكترونياً (عبر الموبايل أو الانترنت) وإنَّ ظلَّ الزواج محكوماً بعادات وتقاليد أكل الدهر عليها وشرب؛ أمَّا "القضاة الشرعيون" فأفتوا بجواز هذا الطلاق شرعاً؛ ولكن بعد "إثباته".
في السنوات الخمس الأخيرة، عرف مجتمعنا نحو 300 ألف حالة زواج، ونحو 150 ألف حالة طلاق، أي أنَّ حالات الطلاق أصبحت 50 في المئة من حالات الزواج.
ويُتَّهم "الموبايل" و"الانترنت" بأنَّهما سهَّلا، ويسَّرا، وسرَّعا، الطلاق، فنسبة "أبغض الحلال" عند الله آخذة في الاتِّساع.
ونحن لو عزمنا على البحث في ذات الشيء، وليس في رائحته، لتوصَّلنا إلى أنَّ سبب "الطلاق"، أي سبب تزايد حالات الطلاق، يكمن في "الزواج" عندنا، فنحن نتزوَّج بما يجعل الطلاق النهاية السريعة للزواج.
وإنصافاً للحقيقة أقول إنَّ "الدولة" عندنا لم تؤدِّ "وظيفتها الاجتماعية" على "خير وجه" إلاَّ في تهيئتها "المناخ الاقتصادي ـ الاجتماعي" لجعل مجتمعنا مُسْرِعاً في التحوُّل إلى مجتمعٍ يتضاءل فيه، رقماً ونِسْبَةً، "المتزوِّجون الدائمون"، ويَعْظُم، في الوقت نفسه، "المُطلِّقون والمُطلَّقات"، و"جيش العاطلين عن الزواج"، أي العاجزون اقتصادياً عن الزواج.
لقد تراجع كثيراً منسوب "العدالة الزواجية"، في الأردن، فتعداد "جيش العاطلين عن الزواج"، من فئة الإناث فحسب، بلغ نحو 100 ألف "عاطل"، يُضاف إليهم، أو إليهن، العدد ذاته من الذكور، إذا ما افترضْنا أنَّ "العانِس" من الذكور، أو الرجال، سيكتفي بزوجة واحدة لا غير إذا ما استطاع إلى الزواج سبيلا. ومنسوبها تراجع، أيضا؛ لسببين آخرين، يؤلِّفان معاً ظاهرة اجتماعية واحدة هي ظاهرة "العائلة المؤلَّفة من زوج واحد فحسب ومن زوجتين، أو ثلاث، أو أربع زوجات (عدا المُطلَّقات)"، فـ "الذَكَر الإيجابي"، هنا، مقارنةً بـ "الذَكَر السلبي"، هناك، وهو "الذَكَر العانِس"، لديه أكثر من أنثى؛ والأنثى، هنا، أي حيث يكمن السبب الثاني، هي نصف، أو ثُلْث، أو رُبْع، زوجة.
والـ "لا عدالة الزواجية" نراها في الدرجة العليا من وضوحها في الرجل الذي أنعم الله عليه بقدرة على "التمويل الزواجي"، يُحْسَدُ عليها، فهذا الرجل، الذي هو فئة واسعة نسبيا من الرجال ذوي القدرة المُنْفِقين عن سعة، يُسَرِّح، أي يُطلِّق، بعض زوجاته حتى يظل محتفظاً بـ "الشرعيات" منهن (أربع زوجات فحسب) مضاعِفاً، بالتالي، "جيش المُطَلَّقات".
موازين الزواج اختلَّت عند الفتاة (وأهلها) فالشاب الطالِب للزواج، العازم عليه، لا يُعْرَفُ وزنه إلا في ميزان كـ "ميزان الشارع"، الذي إنْ لم تضع فيه نقوداً لن تَعْرِفَ، أو يُعْرَف، وزنك. أمَّا سبب هذا الاختلال في موازين الفتاة فهو الدولة بخططها الكثيرة لـ "التنمية الاقتصادية"، والتي أمعنت إفقارا في الشباب الذين هم في سِنِّ الزواج، فغدت الفتاة، التي هي في سِنِّ الزواج، مُكْرَهةً على نَبْذ "الموازين الإنسانية والحضارية"، وكل ميزان غير اقتصادي، أو مالي، فوحش الغلاء، الذي حرَّرته ونَمَّتْه خطط التنمية الاقتصادية، يلتهم المأكل والملبس والمسكن والدواء.. والإنجاب و"حقوق الأطفال" على اختلافها، وصار لا بدَّ، بالتالي، للفتاة (ولو كانت عاملة) من أن تبحث، أوَّلا، عن مقوِّمات "الأمن الاقتصادي ـ الاجتماعي" في الشاب المرشَّح للزواج منها.
وهذا الشاب يقع دائما بين مطرقة خطط الدولة الاقتصادية لتنمية الفقر بين الشباب وسندان العادات والتقاليد العائلية والعشائرية للزواج، فأهل الفتاة يفضِّلون أن تبقى عانسا إلى الأبد على زواجها من شاب لا يملك من المال ما يكفيه شرَّ زواج منافٍ لتلك العادات والتقاليد، التي يكفي أن تتحكَّم في الزواج، ماليا، حتى يَحْكُم الفقر حياة الزوجين سنوات عدة.
تلك العادات والتقاليد لا تَخْلِق الفتاة في "أحسن تقويم" إلا لتردها أسفل سافلين، فقبل "العنوس"، أو "التعنيس"، تشتط وتتطرَّف الفتاة في شروطها ومطالبها، التي جُلُّها مالي، أو يمتُّ بصلة إلى المال؛ أمَّا بَعْدَهُ، أو في أثنائه، فتَجْنََح لتطرُّف مضاد ومعاكِس، هو تطرُّفها في التنازل والتخلِّي ليس عن تلك الشروط والمطالب فحسب، وإنَّما عن حقوقها بوصفها إنسانا وزوجة، وكأنَّ "الحل الوسط"، الذي يَنْبُذُ الإفراط والتفريط معا، لا مكان له في "ثقافة الزواج" عند فتياتنا.
مجتمعنا لم يَعْرِف بَعْد العلاقة السوية بين الجنسين والتي يحتاج إليها كلا الجنسين احتياجه إلى الهواء النظيف؛ ويكفي أن نضيف إلى "أزمة العلاقة السوية" أزمة الزواج، أو "أزمة التعنيس" لدى الفتيات والشباب، حتى نحصل على مجتمع غالبية شبابه (من الذكور والإناث) لا شأن لهم بالحياة العامة، في وجهها السياسي على وجه الخصوص، فالشاب يَسْتَنْفِد جهده ووقته في تذليل عقبات من طريق زواجه هي كالجبال، حجماً وقوَّةً، فكيف له وهو على هذه الحال (من البطالة في وجهيها الاقتصادي والزواجي) أن يَخْرُج إلى غير رجعة من صفوف "الأكثرية الصامتة (سياسيا)"؟!
وأستطيع أن أقول عن الواقع وحقائقه، أي نيابةً عنه وعنها، إنَّ أشياء عدةً نتوهَّم أنَّها موجودة في مجتمعنا؛ ولكنَّها في الحقيقة غير موجودة، فالحُبُّ الحقيقي لا وجود له؛ والزواج الحقيقي لا وجود له؛ والرجولة الحقيقية لا وجود لها؛ والأنوثة الحقيقية لا وجود لها.
ونحن طالما سمعنا عن قصص حُبٍّ دامت سنوات، فأنتهت إلى زواج لم يَدُم أكثر من أيام أو أسابيع أو أشهر؛ فلماذا؟
لأنَّ تلك السنوات الطويلة من الحُبِّ لم يكن فيها من الحقيقة والواقع والصدق والشفافية إلاَّ ما يؤكِّد أنَّها زمن طويل استنفده "المحبُّون" في الكذب والخداع والزيف والتمثيل.. وفي حياةٍ وتجربةٍ، ظاهرهم فيهما غير باطنهم، وباطنهم غير ظاهرهم.
ولمَّا كان الزواج، شاءوا ذلك أم أبوا، هو الحياة بحقائقها العارية من كل وهم، تحطَّمت على صخرته، وبقوَّة الضرورة، كل أوهام الحُبِّ التي لبسوها زمناً طويلاً، أو البسوها لبعضهم بعضاً.
وأشد ما يدهشني ويثير حفيظتي هو ذاك الذي يحدِّثكَ عن الفروق النوعية، في مجتمعنا، بين "الزواج التقليدي" و"الزواج عن حُب"، مفضِّلاً الثاني على الأوَّل، وكأنَّ علاقة الحُبَّ، في مجتمعنا، تملك من الخواص والصفات ما يسمح لها بأن تكون كالكاشِف الضوئي الذي يُري كلا الطرفين الآخر على حقيقته بوجهيها الإيجابي والسلبي. إنَّ تلك العلاقة، ولأسباب لا تخص طرفيها وإنَّما تخص المجتمع، لا تُنْتِج "معرفةً"؛ بل تُنْتِج "جهلاً"، ومزيداً من الجهل، فكلَّما طال زمن الحُبِّ ازداد جهل كلا الطرفين بالآخر.
والرجال، أو الأزواج، في مجتمعنا يظهرون دائماً فشلاً وجهلاً وعجزاً في "الحبِّ"، وفي "الزواج"، وفي أن يكونوا "الآباء الحقيقيين" لأبنائهم، فلا شيء "ينجحون" فيه سوى "الطلاق" و"الإكثار من الزوجات"، و"الإكثار من الأولاد". إنَّهم يفشلون في ما يجب أن ينجحوا؛ و"ينجحون" في ما يجب أن يفشلوا!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدوُّ الإيراني!
-
-التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
-
قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
-
-ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!
-
-الإنسان-.. نظرة من الداخل!
-
-شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
-
هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
-
-ثقافة الزلازل- عندنا!
-
أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
-
مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
-
سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
-
حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
-
مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
-
نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
-
الأجهزة الأمنية العربية!
-
ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
-
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
-
احذروا فضائيات التكفير!
-
شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|