|
قراءة في الجزء الأول من المجاميع الشعريةللشاعر الفلسطيني محمد الأسعد( قصيدة الهايكو أنموذجا )
عبدالزهرة لازم شباري
الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 17:52
المحور:
الادب والفن
هم كل كاتب أو ناقد يرى في النقد منهجاً أو واسطة يستطيع به أن يلج في أغوار الموضوع الذي يروم السفر بين خلجاته وإرهاصات مؤلفه سوى إن كان شعراً أو قصة أو رواية أو أي موضوع آخر في المسرح أو السينما وغيرها . أن يدخل بين جزئيات الكتاب المعني وأن يبدأ بتحليل الأشكال والصور التي تتجلى فيه ! وهنا لا بد لي من الإبحار وسط أمواج لجي بحر الجزء الأول من المجموعات الشعرية للشاعر الفلسطيني محمد الأسعد الذي كان لي الشرف في الإطلاع عليها والتبحر بين سطورها وصور قصائدها المبدعة التي سوف تأخذني على ما أعتقد إلى أقاصي الأرض الجرداء لأبقى وحيداً مع الأشكال الكونية التي يحاورها الأسعد ، ولكي لا أكون في موضع المساءلة والإنحياد إلى جانب معين يفيض علي بشيء من الاتهام والمغالاة ، إذن لا بد لي من رسم الإطار العام الذي تدور عليه أحداث وصور قصائد الجزء الأول من معاناة هذا الشاعر ومجموعاته التي أنوي الدخول إليها ووضع النقاط التي أراها أمامي كوجهات نظر قابلة للنقاش وربما الجدل ، وهكذا هو عالم الأدب والإبداع الذي فيه يضع القارئ والكاتب في إطار الأسئلة ووضع الإجابة عليها ، سوى كانت هذه الإجابة شافية ومقنعة أو عارمة الجدل بعيدة عن الإقناع!! وبهذا يكون المفتاح السحري الذي يفسر ماهية الكتاب المقروء مهما كانت مادته ، لأن في احتدام النقاش في أي موضوع لا بد من الوصول إلى بعض الحلول التي تفسر لنا العمق الجدلي وبالتالي حل النقاط المتشابكة والغامضة فيه ، وما يروم شاعرها وسط لجة تكوينه الثقافي وذوقه الجمالي الذي أراه أقرب إلى تكوينه المترامي الأطراف مع القلق والشعور المبعثر بين العزة بالنفس كعربي مسلوب الوطن ، وبين تحريك الضمير الحي الذي يتقلد سيفه دائماً وفي كل عبارة يكتبها تنم عن الفارس العربي الغيور والمدرك تماماً لما يدور من آلام لشعبه ! فيتجلى به الإشراق الذاتي بالانتماء إلى عروبته وإلى وطنه السليب ، ولأن انتمائه العميق للأمة ومستواها الثقافي والحضاري يحتم عليه أن يبقى وفياً ممتطياً صهوة جواده مجردا سيفه وقلمه ليذود بهما عما يراه كشاعر له إحساسه المشرق المعبر الذي يدق ناقوس حربه ضد المحتلْ !! فقصائد هذا النصف الأول من مجاميعه الشعرية تتراصف فيها دلالات الإيقاع الحسي والشعور بالغربة والترحال من فيء إلى غيره وتذكره موطنه الأصلي فلسطين وما الم به من محنة وتشرد ، فهو يمسرح الظلم الذي وقع على أبناء جنسه من قبل الصهاينة اللقطاء في مجمل قصائده وومضاته التي ينحو بها على نهج شعر الهايكو الذي يتمثل به الشعراء اليابانيون ، مشيراً إلى روح الواقع المر الذي يعيشه شعبه ضمن تلك الأوساط التي جعلته دائم الترحال هكذا !! فهو يزاوج تلك السطور والكلمات القليلة في ومضته الدالة على الحدث بإيقاعات ذات رمزية واضحة ينبعث منها عطر وجوهر العمق الدلالي الذي يحاول الشاعر فيه فك الألغاز والصور التي قد تبدو غير مفهومة لدى القارئ والمتتبع ! ولأنه يحاول أنسنة الحالات والرموز التي يراها في وجوه العابرين من أبناء وطنه المشرد ويرسمها بقصائده وومضاته الرمزية وتأويلاته الإنشطارية ليكتب تأريخ شعبه وأمته وما مر ويمر عليها خلال حقبة من زمن الأحتلال الصهيوني الغاشم !! ففي ومضاته القصيرة في تراكيبها والغنية في فقه معانيها وفبركة الواقع الحياتي التي تعيش بها هذه الإرهاصات ، أستطاع أن يغني مسامع القارئ في فك الإبهام والغموض الذي قد لا يفهمه المتتبع في دراسته لأوضاع شعبه المضطهد ! فمثلاً قوله الذي يؤكد فيه على قوة شعبه ومقاومته الصلبة كأشجار الخيزران التي لا تنحني للريح مهما كانت قوية فيقول ........ (( أشجار الخيزران ، تنتظر لمسات الريح ، أصغ .... ألا تسمع أصواتها !!))
وقوله في تعهده وصوته الصارخ بوجه الصهاينة مذكراً إياهم بصلابة شعبه وتعففه فهو يقول نحن كالصبار والحجارة القاسية التي لا تهمها الحياة القاسية مهما كانت صعبة فهم ( شعبه) كالنسيم في الصباح المعطر الذي يمر على أشجار الزيتون ! فيقول ................ (( حيث كنا ، ليس سوى الصبار والحجارة ، وكالنسيم العابر بين.. أحراش الزيتون ! )) ثم يذهب بعيداً مؤكداً قدرته على لم الشمل الذي قد يراه مشتتاً ليجمعه في أناشيده التي تنطوي على حبه لوطنه وشعبه ! فيقول ... ((بنشوة من إكتفى.. بجرعة نبيذْ ، يطوي الشعر أوراقه على سطوره الثلاثة ! ))
ويؤكد أيضا قوة شعبه مرمزاً له بالحجارة المرمرية التي لا تحز بها الأزاميل رغم قسوة الأيام لأنها دائماً تتوجه نحو العطاء وخضرة الأعشاب وأشجار الزيتون منذ عهود مضت ولا زالت فيقول ......... (( كم هي حية هذه الحجارة تحززها الأزاميل، وخضرة الأعشاب .. منذ عصر البرابرة !! ))
تم ينطوي متذكراً غيابه عن وطنه وأهله مخاطباً الأرض بنبرة حزن وألم ويقول .. (( يا شجر الصبار ، كم مرت أزهرت في غيابنا )) وهكذا في كل ومضات هذه المجموعة ( ظهيرة العصافير) التي لا تكاد تعبر للقارئ عن مكنونات الشاعر المتألمة !! وكذلك هو الحال في مجموعته الأخرى ( أفاريز النوير ) الذي يعبر بصورها المبدعة على وجع نفسه المتعلقة بالوطن فيقول ........ (( ليتني عبر هذا المساء ، والأشجار !! صورة مرسومة بخطوط بسيطة )) حيث يتمنى لو يكون خطوط بسيطة في صورة معلقة على احد جدران البيوت المهدمة في وطنه ! وهذا هو مجرد تمني قد يراه بعيدا ً لأن إزهار النوير كما يقول وزقزقة عصافير الدوري تتباعد في الضباب الكثيف ! لكنما المتحدون والمحبون للوطن والأرض حتى ولو كانوا تحت رمال الصحراء فهم يسمعون ويفقهون المطر في نشيده وهو يروي طيات وجوههم وتمسكهم بالأرض ْ ! فيقول ............. (( تحت رمال الصحراء يسمع المتوحدون .. أنشودة المطر تروي حكاياتهم )) وهنا يؤكد تماماً وبصدق إنه مهما أكتنفه البعاد والتشرد لا بد أن يعود إلى وطنه الذي أحبه حب الرضيع إلى صدر أمه فيقول .............. ((أينما احمرت ثمار الصبار وتفتحت إزهار الدفلى أكون في وطني ! )) وحتى المقابر الدارسة المهجورة تحول عجائزنا التي ماتت منذ أعوام إلى حدائق من الزهور فيقول ........ (( صيف المقابر المهجورة يحول عجائزنا إلى أزهار، يوما بعد يوم !! )) فالشاعر محمد الأسعد وغيره من شعراء الوطن السليب أو بالأحرى كل شاعر معني بالتقاط الصور والحدث الذي يراه في الوسط الاجتماعي والطبيعي والذي يقرأه في وجوه الناس من خلال تجواله المستمر ومعاينة تلك الوجوه وما تنم غبرتها الدالة على الألم والحزن والظلم ، ويحشدها بتلك الومضات القصيرة التي تعطي للقارئ معنى وشرح وافي لما يدور في الوسط الاجتماعي . فالشاعر الأسعد على ما اعتقد ينشيء جسداً للشعر يروم من خلاله تعليل الأشياء المبهمة إلى واقع مفهوم ومعبر ! ولأن جسد الشعر عنده معني بفك الألغاز والصور البلاغية التي تعيش في مسارات الظلال والأشباح التي يراها دائماً في عيون الأبرياء من أبناء وطنه وهم يعيشون المحنة فيقول منبهاً قومه وأبناء شعبه بالأنغام التي تحدثها الأعشاب عند كل ربيع ، فهي تتحدث عن الراحلين عنا فيقول .................... ((أسمع قيثارة الأعشاب في كل ربيع ، تتحدث عن الأحباب الراحلين عنك وعني ستتحدث ذات يوم ))
,وهكذا في كل ومضاته الجميلة التي تنم عن معنى دفين وتعلن عن أشياء مخفية كامنة في المعنى ،كالمثل الذي يقوم بهذه العملية فهو يسعى إلى السير على آثار قصيدة الهايكو الذي سار على نهجها شعراء عظام في اليابان والصين مثل بوزون ، شيكي ، عيسى ، ماتسو باشو، وياكون وغيرهم كثير ، حيث تكمن التجربة الروحية في اكتساب القدرة على معايشة الخالد في اللحظة الراهنة ، والكوني في ذرة الرمل ، واليومي في رؤية الرائع وغير المألوف ، الذي وجد تعبيره العفوي في لآليء شعرية تمنحنا النشوة والسعادة وتدعو إلى التفكير والتأمل الهاديء والعميق . لكنه يعلن هنا في مجموعته (تهمس البوكنفيليا مثقلة بأزهارها الحمراء) عن جوهر قصيدة الهايكو أي اللحظة الجمالية أو ما نسميها بلحظة الاستنارة التي تأتي بعد الاضطراب والتمزق وإنقسام الوجود إلى ذات وموضوع ، أي اللحظة التي يشرق بها نور اكتشاف الإنسان لكينونته العميقة في هذا الكون !! فيقول هنا في هذه الومضة معبراً على أن شجرة المندلينا تطفح عبر أوراقها الخضراء بأزهارها البيضاء التي تشبه الثلج : .................... (( شجرة المندلينا ، طافحة فوق أوراقها الخضراء، أزهارها الثلجية ))
وفي ومضته الأخرى يؤكد على أن حبيبته في وصفها كالصباح في نداه ، وكالتفاحة في شذى عطرها فيقول .................. ((حبيبتي تفاحة ، في نداوة الصباح !!)) وهكذا في كل قصائده التي يعبر فيها عن مكنوناته الدفينة معرباً عن جوهر صوره المبدعة التي رصها في سمط قلائد شعره كما في (( فينيسيا ، صوفيا ، ذكرى ، بحر ، بيتولا ، سحابة ، خريف ، قيثار ، حارسة الليل ، حديث ، ضنون ، ذات يوم ، عصافير، وغيرها كثير فالمخيلة عند الشاعر تميل نحو الدقة والجمال المعبر عن الأسلوبية ومعادلة الذات مع الواقع الإنساني حيث أنه يماثل استقرار العلاقة بين الكلمة والجمال الذي ينوه عنه في الكلمة الأخرى من جهة ، والكلمة والموضوع الذي يروم التحليق فيه بأسلوب لا يخرج عن الذات والنشوة الروحية المنفعلة مع الحدث من جهة أخرى . ففي قصائده التي تعبر عن الوجع في ذات الإنسان المكبل بقيود الاضطهاد والظلم والتمرد إلا إنساني ، والقلق المزمن ومخاوفه التي سيطرت بالتأكيد على ذات الإنسان ومشاعره ، يتجلى الشاعر بمهارة فائقة ليعبر بها للقارئ عن ما لم يصل إليه أو ربما لم يعشه وهو منزوي في ما وراء الأشياء الأخرى !! فيقول في قصائد مجموعته الأخرى ( حدائق العاشق) وفي قصيدته الأولى ( أنا ناج من قبيلة مفقودة ) التي يعبر فيها عن تغربه من أهله وأبناء قومه اللذين تبعثروا في أقصاع الأرض والذي أفنى الحرب والقهر جزءً منهم فلم يبق إلا هو يمتلأ شوقاً وألماً لهم ! فيقول............................ (( أنا ناج من قبيلة مفقودة، الناجي الوحيد ربما ، لأن لغتي لم يعد يفهمها أحد ، وحقيبتي ممتلئة بأشياء لم يعد يتذكرها أحد، ولأنني وهو الأكثر أهمية أنادم أناساً وهميين من عصور غابرة !! ))
ويهيم ثانية في صوره الشعرية متخيلاً الوجوه التي يمر عليها في تجواله بين المدن الغربية والشرقية فيقول في قصيدته ( اللوح وما تبقى منه) (( اللوح أو ما تبقى منه لم يكن إلا شظايا ، ربما كان هكذا في الأصل من يدري .. لا أحد يهتدي إلا صورته الأصلية )) وهكذا في جميع قصائد هذه المجموعة الجميلة مثل ( النساء في خزانات الجوز، ما أن تتطاير شفافية الفجر ، النهار في أوله ، انتشروا على المنحدرات، تساقط الثلج طوال الليل، وغيرها من الصور الأخرى !! وأخيراً لا أريد أن أحلل مجاميع الجزء الأول وأسلب من القارئ فرصة التمتع بهذه القصائد الجميلة بقدر ما أردت الإشارة لها والتنويه عنها لأنني أرى في هذه القصائد القيمة والممتعة حقاً يقدم لنا شاعرها محمد الأسعد معلومات هامة عن تقنيات وجوانيات هذه النصوص الشعرية القصيرة والمدهشة , كما يقودنا بروية عبر مراحل وعصور تطور هذا النمط الشعري الهام في بلدان الوطن العربي ، والذي يستحق منا كمبدعين عرب المزيد من الاهتمام وترجمة الشعر الياباني والصيني الذي يهتم بهذا النمط من شعر الهايكو ، وأنا على ثقة أن أدبائنا ومثقفينا لا يفوتهم مثل هذه الاهتمامات ومن الله التوفيق !!!
في البصــــــ2010ـرة
#عبدالزهرة_لازم_شباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في المجموعة الشعرية - قصائد بصرية - للشاعر الدكتور أمي
...
-
ربما نسمل عين الشعر
-
بهاء الندى / الى الشاعرة المبدعة أمل الجبوري .. مع المحبة
-
ما سر انطفاء الضوء من رحم القصيدة
-
بوح القصيدة
-
ماذا تخبئ الى الشاعر المبدع بسام علواني
-
فترفقي بالحب
-
لنحلم مرة أخرى
-
أسباخ على طريق التعب
-
قراءة في المجموعة الشعرية
-
خدوش في الذاكرة
-
مزامير الإبداع في ديوان آخر الاشعار للشاعر الدكتور أمين عبد
...
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|