|
النظام السياسي الفلسطيني....بين واقع الحال و آفاق المستقبل
رامي مراد
باحث مهتم بقضايا التنمية - فلسطين
الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 12:43
المحور:
القضية الفلسطينية
توطئة عامة،،، يبدو من المريب او الغريب للوهلة الاولى ان نتحدث حول عنوان " النظام السياسي الفلسطيني"، في الوقت الذي لم يأخذ فيه هذا النظام شكله الواضح، بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، لها عاصمتها و سلطاتها المختلفة المنصوص عليها في الدستور، و لها اليات عملها و قوانينها، و احزابها السياسية و مؤسساتها المختلفة التي تستكمل بناء النظام السياسي. لكن التمعن في الحالة الفلسطينية، سيقودنا الى ان نلاحظ ان ثمة خصوصية تحكم مسار ولادة النظام السياسي الفلسطيني. ففي الوقت الذي مازالت فيه الحالة الفلسطينية تعيش مرحلة التحرر الوطني، و تناضل لاجل الخلاص من الاحتلال و الاستيطان، و استعادة الارض الفلسطينية التي ستقام عليها الدولة المستقلة، قامت على اجزاء من هذه الارض سلطة فلسطينية ذات بنية خاصة، باتت هي المعنية في ظل الاحتلال عن ادارة شؤون الضفة الغربية و قطاع غزة. الى ذلك ما زالت منظمة التحرير الفلسطينية، و رغم انحسار دورها، تحتل موقعها التمثيلي الشامل للشعب الفلسطيني في مناطق تواجده كافة، الامر الذي اوجد علاقة معقدة ما بين المنظمة، كمؤسسة و كفصائل، و بين السلطة الفلسطينية، و كذلك ما بين المنظمة والسلطة معا، و بين مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. من منطلق فهمنا لهذه العلاقات الشائكة، تم تناول النظام السياسي الفلسطيني بابعاده المختلفة، و واقعه المهدد اليوم و بشكل غير مسبوق بفعل عوامل التفكك و الانقسام وتراجع حاد للأفكار الوطنية التوحيدية التي عبرت عنها منظمة التحرير الفلسطينية عموما، لحساب الأفكار التي تروج لعوامل التفكك و التشرذم، التي تفرز مشاعر القلق و الإحباط و اليأس. و كنتيجة حتمية لهذه الافكار التشرذمية تعيش القضية الوطنية مرحلة فيها نوعا من التشابه في النتائج السياسية الكارثية بين مسار الحركة الوطنية في اعقاب سنة 1948، بعد ان اعلنت المنظمات الصهيونية المسلحة، و الاحزاب الصهيونية، قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، مستفيدة من امور عديدة اهمها خطة تقسيم فلسطين التي ناقشتها الجمعية العامة للامم المتحدة في دورة استثنائية عقدتها سنة 1947. و هنا رفضت الحركة الوطنية الفلسطينية بالاغلبية الساحقة قرار التقسيم، على اساس ان الموافقة عليه تعني التسليم بالاغتصاب الصهيوني لجزء من ارض الوطن. و كان هذا الراي المعلن لحكومات الدول العربية السبع التي كانت قد حصلت على استقلالها، الا ان موقفها تبدل بعد ذلك، حيث عادت فطالبت بالعودة لقرار التقسيم، بعد ان كانت اسرائيل قد اخذت اكثر من الارض المخصصة لها، و بعد جلاء اخر جندي بريطاني عن فلسطين ادخلت مصر و سوريا و الاردن و العراق جيوشها الى فلسطين، و اندلعت في منتصف ايار 1948 الحرب العربية–الإسرائيلية. و تولت القيادة العربية العسكرية زمام المبادرة في الصدام العسكري مع الجيش الاسرائيلي. هذه الحرب التي انتهت ببسط السيطرة الإسرائيلية على أجزاء من فلسطين. كل ذلك ادى الى عدم قيام الدولة العربية الفلسطينية، والى تشتت الشعب العربي الفلسطيني، وغياب حركته الوطنية لبضع سنوات لاحقة. و تمزقت باقي الارض الفلسطينية فخضع لواء غزة الى السلطة المصرية، في حين خضعت الضفة الغربية الى السلطة الاردنية. هذه الظروف التي شهدت محاولات حثيثة لضم الارض الفلسطينية المتبقية الى الدول العربية المجاورة، تماما كما يجري اليوم، حيث الجدار الذي يفرض وقائع حدود دولة إسرائيل، ولا يفسح أي مجال لإمكانية الحديث عن دولة فلسطينية في أراضي عام 1967. و مسار ما بعد اوسلو، الذي وقع عام 1993، بين وفد من منظمة التحرير الفلسطينية و اسرائيل، و اعقب هذا الاتفاق حالة من الانقسام السياسي الفلسطيني الحاد، و شطب البرنامج الوطني المشترك، و انفراط عقد الائتلاف الوطني في منظمة التحرير الفلسطينية. مما ادى الى اضعاف الموقع التمثيلي السياسي للمنظمة. وصولا الى المشهد السياسي الحالي و الصراعات على المصالح والصلاحيات و المحاصصة بين قطبي الصراع الفلسطيني. كل ذلك ساهم و بشكل فاعل في انتقال الحركة الوطنية الفلسطينية من واقع الأزمة التي عاشتها، و ترافقت معها منذ انطلاقها- هذه الأزمة التي تمثلت في غياب استراتيجية وطنية يتوحد الجميع حولها-، الى المأزق الحقيقي، المتمثل في تشرذم مجتمعنا و انكشافنا أمام العالم، مما فتح المجال أمام التدخلات الدولية و الإقليمية و بدأ يهدد استقلال القرار الفلسطيني، و بات يهدد مجمل القضية برمتها. و ساهم تآكل النظام السياسي الفلسطيني في السلطة و المنظمة، والتفرد غير المسبوق للمتنفذين فيهما، الى جانب العجز عن اصلاحهما، وإعادة بنائهما، وفق ما يتطلبه الواقع الفلسطيني اليوم، الى تراكمية الأزمة للمشروع الوطني، والهوية الوطنية. التي باتت مهددة بفعل تداخل العديد من العوامل أهمها وصول قوى فوق وطنية ( إسلامية ) الى مراكز صناعة القرار في السلطة الفلسطينية، و عدم قدرة هذه القوى من الموازنة بين مشروعها الإسلامي الفوق وطني، و بين المشروع الوطني. الى جانب غياب محددات واضحة و مجمع عليها للمشروع الوطني الفلسطيني بين قوى منظمة التحرير الفلسطينية. جذور الانقسام....و تداعياته على المشروع الوطني الفلسطيني: اولا/ الانقسام في اطار الحركة الوطنية و منظمة التحرير: نشطت حرب اكتوبر عام 1973 على الساحة الفلسطينية المناقشات التي كانت دائرة منذ ما بعد ايلول 1970، و دفعت بها نحو تبلور اتجاهين رئيسيين، يحبذ اولهما الاستفادة من الفرصة التي اتاحتها الحرب لتحقيق عدد من المطالب الوطنية الفلسطينية، على أساس النضال بالتعاون مع الدول العربية و الدول الاخرى الصديقة، لأخذ الحقوق الفلسطينية بعين الاعتبار اثناء مناقشة بنود التسوية. و يعترض الاخر على مبدا التسوية من أساسه، معتبرا أن حرب تشرين، بالرغم من نتائجها الايجابية الملحوظة، لم توفر الاساس للامل بتحقيق منجزات وطنية فلسطينية مرضية. دعاة الاتجاه الاول كانوا قد انتهوا الى قناعة بضرورة التعاطي مع المرحلية في تحقيق الاهداف الوطنية، لان موازين القوى القائمة في تطورها المنظور لا يفسح المجال للامل بتحقيق الهدف الشامل دفعة واحدة. كان الامل لدى هذا الاتجاه بانه من الممكن العمل لتحقيق عدد من المطالب المرحلية، و كانوا قد تلقوا وعودا قاطعة من الادارة المصرية، بأنها ستدعم المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، تقام على الاجزاء من الارض الفلسطينية التي ستنسحب عنها اسرائيل بموجب التسوية. بينما تمسك دعاة الاتجاه الثاني بمطلب تحرير كامل فلسطين، او على الاقل بمطلب الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني، وسمي هذا الاتجاه " تيار الرفض، او جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية ". في حين اطلق على الاتجاه الاول اسم " الاتجاه الوطني، او الثوري الواقعي ". احتدم بين الطرفين الخلاف ليفرز كتلتين تنظيميتين، تقود اولاهما حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، و الثانية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعمل كل تكتل على تثبيت وجهة نظره مستخدما كل امكانياته بما في ذلك تحالفاته العربية و الدولية، مما جعل الكتلتان تتوزعان قوى الساحة الفلسطينية باسرها في الاراضي الفلسطينية و في المهجر. و ساهم ذلك في مزيد من التدخلات العربية. لكن يجدر الاشارة هنا الا ان الخلاف بين قوى منظمة التحرير الفلسطينية، كان دائما حول الافكار و الرؤى لشكل الصراع، أو ماهيته و لكنه ابدا لم يكن على منظمة التحرير، وشرعيتها و تمثيلها، و كان الجميع يتفق على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي من اهم الانجازات للحركة الوطنية الفلسطينية. و ايضا لم تؤثر هذه الاختلافات و التجاذبات على تغير في اولويات النضال باعتبار ان الصراع و التناقض الرئيسي هو مع الاحتلال. ثانيا/ الانقسام بين قوى منظمة التحرير الفلسطينية من جهة و بين التيارات الإسلامية من جهة أخرى: منذ أواسط السبعينيات و حتى الانتفاضة الأولى كانت مرحلة اتسمت بالتنافس و التوتر على المستوى الطلابي و النقابات، بين المجمع الإسلامي من جهة، و القوى الوطنية المتمثلة في فصائل منظمة التحرير من جهة أخرى. فالقوى المعبرة عن برنامج حركة حماس -و التي لم تكن قد انطلقت بعد-، كانت خارج إطار المنظمة و ترفض الاعتراف بها، كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين. لكن و منذ الانتفاضة الأولى و حتى اوسلو بدأ الصراع على الهيمنة يأخذ شكلا ايدلوجيا بتعبيرات سياسية، و أصبحت حماس بميثاقها الذي حدد ملامح مشروعها السياسي الفوق وطني ( الإسلامي ) تشكل قوة سياسية و اجتماعية فاعلة، و بالتالي انتقلت من العمل الدعوي الى حزب سياسي اجتماعي. وأطلقت على نفسها اسم حركة المقاومة الإسلامية حماس، وازداد تأثيرها على المستوى الفلسطيني بازدياد فعلها الكفاحي، بالإضافة الى تواصل عملها الخدماتي و المجتمعي. و ساعدها أيضا شعاراتها الاجتماعية المعبر عنها بالخطاب الديني. و بدأ المد الجماهيري يتسع تحت أقدامها و كان ذلك على حساب حركة فتح و جماهيرها. مما دفعها لان تطرح نفسها دون الإعلان عن ذلك صراحة، كبديل ممثل للمنظمة. أو على الأقل تنقص من شرعيتها التمثيلية باعتبار أن جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني المتمثل بحركة حماس والجهاد الإسلامي غير منضويين تحت لواء المنظمة. و بعد ذلك كانت مرحلة ما بعد قيام السلطة الفلسطينية وفق اتفاقيات اوسلو، و التي أعادت فيها حركة فتح سيطرتها على النظام السياسي، و أحيت الآمال بقيام كيان فلسطيني تمهيدا لتأسيس الدولة الفلسطينية على أراضي 1967، مما أعاد التفاف الناس من حولها. بقيت حماس تشكل بديلا و قطبا آخر في الساحة الفلسطينية حمل نهج المعارضة لأسلو، و ساعد حماس بوقتها أن تتصدر المعارضة الفلسطينية، تراجع و ضعف و انحسار قوى اليسار الفلسطيني، نتيجة لضعف موارده و خطابه الغير ديني، و الذي لا يشكل المجتمع الفلسطيني والعربي حاضنا و وعاءا له، إضافة الى محدودية عمله الكفاحي، و انشغاله بالعمل المجتمعي و في المؤسسات الاهليه، -التي للأسف أيضا- لم يستثمر عمله فيها ليكون اقرب الى الناس، و يلبي حاجاتهم، بل شكل انسلاخا عن حالة العفوية الشعبية و اكتفى بالتأثير على النخب الفلسطينية. في الوقت الذي استفادت فيه حماس من جهودها المجتمعية و المساجد المنتشرة للوصول الى الناس و السيطرة عليهم من خلال وعيهم العفوي البسيط. و ساعدها بعد ذلك بداية انسداد آفاق الحلول السلمية مع إسرائيل، و تبدد أحلام قرب إنشاء الدولة كما وعدت المنظمة. الى جانب اندلاع الانتفاضة الثانية، و التي جذرت فيها حركة حماس شرعيتها عبر عملها الكفاحي و خصوصا العمليات التفجيرية داخل اراضي عام 1948. الى جانب استثمار حركة حماس لبعض أشكال الفساد الذي استشرى في صفوف السلطة. و كانت حماس تستفيد في وقتها بمدى التداخل الكبير و عدم الفصل بين مؤسسات حركة فتح كتنظيم سياسي، و بين السلطة الوطنية الفلسطينية. مما دفع الناس لفقد الثقة في قيادات فتح باعتبارهم رموز الفساد- كما روجت لذلك حركة حماس في حينها-. و كانت هذه ارهاصات لحصاد حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، و شكلت منعطفا تاريخيا في حياة القضية الوطنية و مستقبل النظام السياسي الفلسطيني. بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة بدأت أشكال الصراع بين قطبي الساحة الفلسطينية يطفو على السطح، و بدأت تأخذ أشكالا عنيفة. هذا الاستقطاب الحاد و استجابة لتداعياته تراجعت مفاهيم المواطنة و الهوية الوطنية بما يضمن إقامة الدولة المستقلة، و تعمق الانقسام الذي وصل الى الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، و الذي كان و لا يزال له بالغ الأثر على مجمل تشكل النظام السياسي الفلسطيني المهترىء أصلا. حيث كان الانقسام السياسي عموديا و أفقيا، بمعنى أن المجتمع الفلسطيني انقسم عموديا باتجاه خيارين، خيار سلطة الرئيس محمود عباس و حكومة فياض في الضفة الغربية، و خيار حكومة اسماعيل هنية في قطاع غزة. و ازدادت الهوة بين الفرقاء، الى أن اثر ذلك على بنية المجتمع الفلسطيني. فانقسم أفقيا على الصعيد الاجتماعي و الثقافي، حتى وصل الأمر لتزييف وعي الناس العفوي بقضيتهم الوطنية، حيث بدأت ثقافات التمييز بين قطبي الصراع والمتمثلان بحكومة رام الله و نهجها التفاوضي، و الذي ساهم الاحتلال عبر قطع الطريق أمام الحلول السلمية، وصول العملية التفاوضية الى طريق مسدود، من اضعافه على المستوى الشعبي، سواء في داخل الاراضي الفلسطينية أو المحيط الاقليمي. و بين قوى المقاومة والممانعة، والذي تقوده حركة حماس، و حاولت أن تجذر لهذه الثقافة، ( ثقافة القطبين ) عبر استثمارها لصمود أهل غزة أثناء العدوان الأخير من قبل إسرائيل على القطاع. حيث كان ولاشك إنجازا شعبويا بامتياز تمثل بصمود أهالي غزة. و استطاعت حماس عبر وسائلها الإعلامية و سيطرتها على وعي الشارع العفوي، و عبر خطابها الأيدلوجي الديني، بتصوير الانتصار في غزة، بأنه إنجازا لحلفها، و انحسارا للحلف المضاد، الذي اتهمته و بشكل صريح، بالتواطؤ و التآمر على غزة. مما ساهم و ساعد في ارتفاع نسبة الالتفاف الجماهيري حول حركة حماس، في الضفة الغربية و الأقطار العربية و الدولية، و تراجع و انحسار شعبية حركة فتح. هذا المشهد ربما لن يطول على اعتبار أن ثمة كثير من التحديات ستواجه حركة حماس على المستوى الدولي و الإقليمي، مما يفتح المجال لتساؤلات الناس عن مدى الإنجازات التي حققت مقارنة بكم التضحيات الكبير جدا سواء بالأرواح أو المباني و البنى التحتية. أزمة التصارع على الشرعية و تفاقم المأزق الفلسطيني: نتائج الانتخابات الأخيرة، الرئاسية و التشريعية أدت الى تكريس واقع الانقسام السياسي الراهن، و الذي أنتج بدوره (شرعيتان )على مستوى المجتمع و السلطة، و مستقبل الوحدة الجغرافية و السياسية للضفة والقطاع. شرعية حركة فتح المتمثلة في رئيس السلطة، وشرعية حركة المقاومة الإسلامية حماس المستمدة من المجلس التشريعي. حيث نشأ تناقض في البرنامج السياسي لكل منهما، حيث أن رئيس السلطة يود الاستمرار في العملية السلمية والامتداد لمشروع اوسلو الذي افرز سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني،- و الذي لن يؤدي الى إقامة الدويلة الفلسطينية إلا وفق الاشتراطات الإسرائيلية-، و لقد سعى عبر تكتيكات و جهود حثيثة من تقريب حماس من تلك الرؤية. وبالفعل قدمت حماس بعض التنازلات التي تقاطعت بمساحة هامة مع برنامج السلطة المتمثلة في حركة فتح، كما اتضح ذلك في بيان مكة و قبول حماس بدولة على أراضي الرابع من حزيران عام 1967، إلا أن هذه التنازلات لم تستطع أن تقنع فيها حماس الرباعية ليقبلوها كشريك سياسي فلسطيني، علاوة على أن الصراع على المحاصصة و رغبة حماس في استكمال التفاهمات ذات العلاقة بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن حماس ترى الوقت أصبح مناسبا جدا لدخولها الى منظمة التحرير لتبرر شرعيتها وأيضا ستكون قادرة الآن أكثر من أي وقت سابق على أن تطفي صبغتها على المنظمة بحكم قوتها الجماهيرية و المستندة الى نتائج الانتخابات التشريعية. و لكن رفض حركة فتح وتعطيل الإصلاحات المتعلقة بالمنظمة، استجابة ربما لضغوط عربية و دولية، و عدم جاهزية حركة فتح لتقاسم السلطة و المنظمة مع حركة حماس، أجج الصراعات مرة أخرى، بل فاقمها. مما دفع حماس لتنفيذ الحسم العسكري و السيطرة على قطاع غزة لفرض شرعيتها الدولية باعتبارها سلطة أمر واقع على مساحة مهمة من فلسطين، مستثمرة نتائج الانتخابات. كل ذلك لم يكن بعيدا عن أعين الاحتلال الإسرائيلي و أفعاله سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أن تكريس التناقضات الفلسطينية الداخلية هو مطلب و مصلحة إسرائيلية بحتة. وتجلت التدخلات الإسرائيلية بتأجيج الصراع الداخلي و الانقسام، هجومه الأخير على غزة. وهذا اتضح جليا من خلال تداعيات ما بعد الحرب على غزة، حيث حماس ماضية على ما يبدو بخلق واقعا سياسيا و كيانا لها في غزة، و تجلى هذا الانقسام بإعلان ما كانت تخفيه حركة حماس منذ انطلاقتها و هو تشكيل مرجعية وطنية للفلسطينيين، متجاوزا بذلك المنظمة. و أيضا حركة فتح من خلال هيمنتها على منظمة التحرير و مؤسساتها و عبر تفردها وممارساتها في الضفة الغربية، و التحرك الخجل لوقف العدوان، و قبولها للمبادرة المصرية و ترحيبها بقرار مجلس الأمن، رغم رفض حماس. كل ذلك عمق الانقسام. و بالعودة الى أزمة الشرعيات و التمثيل، لابد أن نعرج في هذا الإطار على أن شرعية منظمة التحرير الفلسطينية و تمثيلها للكيان الفلسطيني كانت على الدوام محل استهداف من قبل إسرائيل، و حاولت إسرائيل جاهدة من إضعاف مؤسسات المنظمة و خلق الكثير من البلبلة حول شرعيتها، للهروب من استحقاق وجود قضية وطنية لكيان فلسطيني من حقه إقامة دولته المستقلة. حماس و منذ انطلاقتها كانت ترفض أن تكون جزءا من منظمة التحرير و مع نمو قوتها على حساب تراجع قوة فتح أصبحت حماس تطرح نفسها كبديلا واقعيا يستمد شرعيته من الفعل الكفاحي و الالتفاف الشعبي حولها، وهذا ما عبر عنه خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عقب الهجوم على غزة، حيث اكد على ضرورة انشاء مرجعية تمثل قوى المقاومة و الممانعة الفلسطينية، و ان منظمة التحرير عبارة عن الشماعة التي يعلق عليها التنازلات – بحسب تعبيراته -، لكن اصطدم ذلك بالعديد من التصريحات الرافضة لذلك، و ايضا انشاء بديل للمنظمة لن يكون بالامر السهل، لاسيما في ظل رفض التعاطي مع حركة حماس على المستوى الدولي. مما جعلها تفكر ثانية بطرح آخر، لاسيما بعد المد غير الطبيعي لها على المستوى الشعبي، سواء في داخل فلسطين، أو خارجها. و تحاول استثمار صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لتصوير ذلك بأنه انتصارا لها و لبرنامجها. في الوقت الذي يتزامن فيه اضمحلالا كبيرا في الوجود الفعلي لحركة فتح على المستوى الجماهيري و الشعبي. مما بدى لحركة حماس أنها قادرة أن تدخل المنظمة، و يكون لها نصيب الأسد فيها، و لديها القدرة على التغيير في ميثاقها لتضيف صبغة حماس عليها و هي إذا ليست بحاجة لبديل ربما يصعب الحصول على شرعية له، مع توفر الحاضنة المعترف بها أصلا. و هي بذلك مدعومة من ما يسمى ( بمحور الممانعة العربي ). اعادة صياغة الشرعية بعد العدوان على غزة: تحاول حركة حماس، و عبر ما حدث اثناء الهجوم على غزة، حيث كانت حماس تدير معركة اعلامية، و لم تخوض معركة حقيقية، و استطاعت ان تشكل زخم عربي شعبي و تعاطفا جماهيريا كبيرا، يمكنها من استثماره سياسيا، كما فعلت حركة فتح عقب حرب الكرامة عام 1968، حيث صورت حركة فتح نتائج معركة الكرامة بالنصر الكبير لها على اسرائيل، في الوقت الذي هزمت فيه الجيوش العربية الجرارة، و استطاعت على اثر ذلك ان تقود الثورة الفلسطينية بعدها و تحظى بشرعية الدعم و الالتفاف الجماهيري حولها. و هذا ما فعلته وتحاول الاستمرار فيه حركة حماس عقب الهجوم على غزة، فهي تحاول ان تكسب شرعيتها من الالتفاف الجماهيري حولها سواء في الداخل الفلسطيني او على الصعيد الشعبي العربي. وهذا كما تعتقد حركة حماس سيمكنها من اختراق الحصار المفروض عليها دوليا و سيجبر العالم على التعاطي معها. و هذا بالفعل ما بدأت ارهاصاته بالحدوث، حيث بدأت فرنسا وبريطانيا و أوروبا بالتصريح بأنها ستقبل التعامل مع حكومة وحدة او توافق تضم عناصر من حماس، و هو ما كان مرفوضا قبل الهجوم على غزة. صحيح أن الفلسطينيين يتساءلون عن الثمن المرتفع الذي دفعوه في الحرب (أكثر من 1300 شهيد وخمسة آلاف جريح)، لكنهم لا يحملون حماس المسؤولية بقدر ما يعزون ذلك إلى جبن ووحشية الجيش الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين، نتيجة عجزه عن مواجهة المقاومة، وهو الأمر الذي كان ليختلف جذريا، لو كان ثمة عملية سلام حقيقية تنهي الظلم الإسرائيلي الممارس بحقهم، إذ كانت المقاومة لتكون غير شرعية أو مبررة حينها لانتفاء أسبابها. السيناريوهات المحتملة: يعتبر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة جزء أو حلقة من سلسلة حلقات في إطار مشروع متكامل. يهدف هذا المخطط و الذي كان الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة جزءا منه، الى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، و إنهاء ما تبقى من فرص لقيام دولة فلسطينية مستقلة. يصل الأمر في نهاية المطاف الى ربط غزة بمصر، و ما يتبقى من الضفة بالأردن. رفض مصر و السلطة السير باتجاه تحقيق هذا المخطط، كان سببا في تعطيله حتى الآن. وبالتالي كان العدوان على غزة ليضغط على مصر و السلطة الفلسطينية لإضعاف موقفهما. وأيضا كان ضغطا على حركة حماس لتقبل بتهدئة وفق المعطيات الإسرائيلية. تحاول إسرائيل و بشكل غير مباشر الضغط باتجاه فتح معبر رفح، مع إصرارها على إنهاء ملف الجندي جلعاد شاليط -حتى لا تقع باحراجات داخلية-. بيد أن إسرائيل تريد الضغط على مصر لفتح معبر رفح حتى تتخلص بعد ذلك من ارتباطها بقطاع غزة و قذفه ككرة ملتهبة في أحضان مصر. هذا السيناريو يتقاطع نسبيا مع ما تسعى إليه حركة حماس من ترسيخ واقعها في قطاع غزة، ليكون نقطة الانطلاق لمشروعها الإسلامي الفوق وطني. إسرائيل حققت جزءا مهما من أهدافها بالهجوم على قطاع غزة، تمثل في إقناع العالم بأنها لم تخض حربا ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد حماس، حيث اقتصرت الحرب ضد غزة و بقت الضفة تأخذ دور المتفرج. أيضا إسرائيل كرست واقع الانقسام بين الضفة و غزة على المستوى الشعبي علاوة على المستوى السياسي، و هذا ما ظهر أثناء و بعد العدوان من تصاعد وتيرة الاتهامات المتبادلة. لا يمكن التغاضي عن إنجاز إسرائيل بتحويل نظرة العالم من القضية الوطنية الفلسطينية الى قضية مقتصرة على قطاع غزة، و من يحكم غزة ومستقبلها السياسي. في ضؤ ذلك يمكن توقع جملة من السيناريوهات تتعلق بمستقبل المشروع الوطني برمته وهي على النحو التالي: السيناريو الأول: تأبيد حالة الفصل بين شطري مشروع الوطن بمعنى أن تستقر الأمور لحركة حماس لحكم غزة وتستقر الأمور لحركة فتح لحكم الضفة الغربية، وهذه رغبة خفية لغالبية أطراف الصراع،ونعتقد بان هذه الأطراف ستبدأ تدريجيا بالتعامل مع حركة حماس كسلطة في غزة ضمن شروط، وقد يبدأ هذا التعامل تحت شعارات الوضع الإنساني للسكان وعدم تحويل القطاع لسجن كبير،والتعامل مع الواقع،وعدم التحيز في التعامل مع طرفي الصراع الفلسطيني الخ. و هذا يتطلب تثبيت التهدئة بين إسرائيل وحركة حماس على حدود قطاع غزة، وربما تكون هدنة ضمنية والاتفاق على صفقة مع حماس لإطلاق الجندي جلعاد شاليط، وفي نفس الوقت ستبدأ إسرائيل بقطع علاقاتها تدريجيا مع القطاع وانتقال الدور لمصر. السيناريو الثاني: العودة للحوار إن كان الاحتمال السابق مرفوض وطنيا بغض النظر عن إمكانية تحققه عمليا فالبديل هو محاولة التجاوب مع الدعوات المطالبة بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 11 حزيران عن طريق الحوار. هذا الخيار وإن كان هو المفضل لدى غالبية الفلسطينيين إلا أن المراهنة على نجاح الحوار تكتنفها كثير من الشكوك،فقد سبق وان تحاور الطرفان في عشرات بل مئات جولات الحوار في القاهرة ومكة وغزة وقبلهما في السودان وأماكن أخرى وفي ظل ظروف أفضل من هذه الظروف ولم تُنجز الحوارات إلا تفاهمات ورقية لم تحل أي من الإشكالات العميقة للخلاف بين الطرفين. ورغم ذلك ربما تدخلات خارجية وخصوصا من مصر وجامعة الدول العربية قد تهيئ الظروف لنجاح المبادرات الحالية، لاسيما بعد الهجوم الأخير على غزة، و المؤكد أن هذه المبادرات أو المحاولات لإنهاء حالة الانقسام ستواجه مخاضا عسيرا و ربما تفشل في نهاية المطاف. ليس لغياب الإرادة بالتوافق بين الطرفين فحسب، بل لأن القوى الخارجية ستمارس ضغوطا على طرفي الحوار لإفشاله، والكل يعلم بأن القوى السياسية الفلسطينية هي لاعب صغير بالرغم من كونها صاحبة القضية في مقابل اللاعبين الكبار سواء كانت إسرائيل والولايات المتحدة أو دول عربية وإقليمية أخرى. السيناريو الثالث :من التقسيم إلى التقاسم فحيث أن السيناريوهات السابقة تتراوح ما بين الممكن المرفوض والصعب المحبب والمقبول، وحيث أن الأمر يبقي مفتوح لكل احتمال، هناك سيناريو يمكن اللجوء له والتعامل معه وطنيا إن فشلت الحوارات في التوصل للنتائج التي أشرنا إليها - وهنا نؤكد بان هذا ليس خيارنا ولكنه خيار يمكن التفكير به إن أغلقت كل الأبواب – ونقصد بذلك إن كان الفصل أمرا مفروضا على الفلسطينيين، يمكن آنذاك تحويل التقسيم إلى تقاسم والتقاسم، يعنى التفاعل والمشاركة في الإعداد للمشروع الوطني ضمن المعطيات المفروضة، وهذا يحتاج لوقف كل عمليات التحريض، من تكفير وتخوين، ووقف عمليات التصفية الممنهجة من كل طرف للطرف الآخر، تصفية حركة حماس في الضفة وتصفية حركة فتح في قطاع غزة. ومساعدة كل طرف للآخر في أن يستكمل مهامه حسب ظروفه ومعطياته وعلاقاته لتصفية الاحتلال، وما بعد زوال الاحتلال يمكن البحث قي صيغة توحيدية . ندرك تماما بان هذا الخيار قد يكون الأصعب والأكثر إثارة للجدل، ولكن يمكن التعامل معه مرحليا لتجنب مخاطر التقسيم النهائي، وهناك أمور كثيرة يمكن تقاسمها بالتشارك وتوزيع الأدوار واستمرار الحوار قد يكون مفيدا في هذا السياق . للأسف هذه السيناريوهات تتراوح ما بين المستحيل والصعب والمرفوض، والأخطر من ذلك أن نجاح أي سيناريو لا يتوقف على الإرادة الفلسطينية فقط بل يحتاج إلى إجازته من إسرائيل وأطراف عربية و إقليمية متعددة. المراجع: 1- الفكر السياسي الفلسطيني( 1964 – 1974 )، مركز ابحاث منظمة التحرير،1980. 2- التحرر و التحول الديمقراطي و بناء الدولة في العالم الثالث، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، مؤسسة ناديا للطباعة و النشر، رام الله، 1998. 3- العلاقات السياسية و الادارية المستقبلية للضفة الغربية و قطاع غزة، د. خليل الشقاقي، الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية، القدس، 1994. 4- الابعاد السياسية و القانونية في خطة شارون للفصل احادي الجانب، مركز الدراسات الجماهيرية، غزة، 2004. 5- عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، تيسير محيسن، مقابلة شخصية، 29/1/2009. 6- حرب غزة و اعادة تشكيل الشرعية، موقع انترنت مجلة كرنيجي، عمران الرشق، 2009. 7- استاذ العلوم السياسية في جامعة الازهر بغزة، د. ابراهيم ابراش، مقابلة شخصية، 30/1/2009.
#رامي_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بأي ذنب قتلت؟؟؟
-
مداخلة حول مبادرة الحملة الشبابية لدعم الوفاق الوطني
-
المرأة الفلسطينية في ضؤ نتائج الانتخابات التشريعية الثانية
-
رؤية الشباب لواقعهم و حقهم في المشاركة
-
يوميات مواطن على معبر رفح الحدودي
-
الحزب الثوري كأداة للتغيير
-
رؤية شبابية لعلاقة السياسي بالاكاديمي و صنع السياسات
-
محاورة بين احد الشباب الخريجين و مدير من اجل الوظيفة
-
المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الحق و الاستجداء
-
قراءة نقدية لحالة الأجهزة الأمنية الفلسطينية
-
أزمة التمثيل النسوي في المجالس الطلابية في جامعات قطاع غزة
-
واقعنا الاليم
-
نشرة اخبار الامة العربية
-
وصية ثائر
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|