|
لغة الحوار في الإسلام
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 22:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بات البحث عن لغة حوارية في الإسلام ضرورة يمليها التحدي الذي يمثله الغرب ، فإذا لم يتم العثور على تلك اللغة المعاصرة في قاموس الإسلام ، وهي بالطبع ليست لغة القرآن أو الحديث ، وإن كانت مستوحاة منها ، فإن البديل الجاهز هو لغة الغرب بكل قيمها ومبادئها . نقول ليست لغة القرآن ، لأن في القرآن أحكام وشرائع جميعها يرتبط بالسماء والوحي ، ولا يمكن معها مخاطبة العقل الغربي ، بما هو عقل مادي تجريبي ، لا يقنع ولا يؤمن إلا بما هو موجود أمامه من معطيات ووقائع ، فإذا ما كان الحوار المرتجى معه حوار ديني ، فإن الفشل سيكون نتيجته النهائية في ظل عدم اعتراف كل طرف بعقائد وشرائع الطرف الآخر ، ونقصد به الاعتراف العملي ، إن في القرآن أو الأناجيل أو التوراة ، وليس ذلك الاعتراف الشفهي والمبني على قاعدة عريضة من التسامح والتآخي ، الظاهر في اللقاءات الكبرى بين رجال الدين المسلمين والمسحيين واليهود ، إثر كل مؤتمر أو حوار . ومن حقنا أن نسأل ، لماذا البديل دائماً هو لغة الغرب ، إن كانت لغته أصلاً تسعى إلى تغير العقائد الدينية واستبدالها بأخرى سياسية تتجاوب مع تطلعاته ؟. الإجابة على هذا السؤال ، تقتضي منا تحديد نوع الحوار المطلوب من جانب الغرب أولاً ، قبل أن نغوص في تحديد شروطه على أساس أنها مرتبطة بتوفر الديمقراطية ، ولطالما كانت الديمقراطية ، أحد أهم شروط هذا الحوار ، فإنه سيغدو هنا على هيئة حوار ديني ، بين الشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية ، فشرط الديمقراطية ، وكما أشرنا آنفاً ، لا يتوفر في الإسلام ولا في المسيحية باعتبار أن الأديان لا تبشر بالديمقراطية كعقيدة سياسية ، قدر ما تبشر بعقائدها الدينية ، وهذا ما يؤكد مرة أخرى أن الحوار في أساسه سياسي ، وإن تراءى للبعض بصيغة حوار ديني بين الإسلام والغرب . إن الحوار السياسي ، بات يستدعي البحث عن اللغة المناسبة لدى الإسلام ، وهي غير تلك اللغة الموجودة في القرآن كما سبق أن أكدنا ، لغة عصرية قوامها العقل والمنطق ، وليس العنف أو الإرهاب ، فتلك اللغة إذا ما استخدامها المسلمون في حوارهم مع الغرب ، لا تعني البتة تخليهم عن دينهم وكتابهم ، باعتبار أن الحجة التي تقوم عليها لغة الغرب أقوى وأنجع ، ودائماً ما تطرح نفسها كبديل عن لغة المسلمين ، فمقوماتها السياسية حاضرة بكل قوة من خلال حفاظها على جملة القيم والمبادئ ، التي وإن تعارضت مع مبادئ المسلمين ، إلا أنها تظل نفعية تسعى وراء مصالحها اليوم وفي المستقبل . وما يعيق الحوار بين الشرق والغرب ، ليس الدين كما يبدو من جانب المسلمين ، بل الاختلاف العميق في تحديد أولويات هذا الحوار ، فظاهره يبدو على هيئة حوار ديني كما يريد المسلمون ، أما باطنه فيبدو على هيئة حوار سياسي بما تمليه الرغبة لدى الغرب . ولئن كانت الديمقراطية بين المتحاورين أهم شروطه وأبرز العوامل المؤدية إلى نجاحه ، فإن غيابها في الشرق عامة ، ولدى المسلمين خاصة ، لن يؤدي إلى استعلاء الغرب في حواره السياسي مع الشرق ، بل سيوسع من المسافة الفاصلة بينهما ، وسيزيد في ذات الوقت من حجم الهوة السحيقة ، وهو الأمر الذي سيدفع المسلمين مستقبلاً إلى تقبل القيم الغربية وتبنيها الكامل بكل ما تنطوي عليه من تجارب ، قد لا تتناسب مع موروثهم الديني والاجتماعي في ضوء التقهقر المريع ، الذي وصلت إليه المجتمعات الإسلامية على مختلف الأصعدة ، ومقارنتها مع ما وصلت إليه نظيرتها الغربية . من هنا ، فإن الديمقراطية باتت الشرط الأساسي لأي حوار سياسي بين الشرق الذي يمثله المسلمون ، والغرب الذي تمثله جملة المصالح السياسية والاقتصادية ، من دون أن تمثله المسيحية إلا ما ندر . كما أن الحوار السياسي ، يستحيل أن يغدو على هيئة حوار حضاري ، ليس لأن الإسلام يخلو من الحضارة ، ولا لأن المصالح والصراعات السياسية ، تجعل من لفظ الحضارة مصطلحاً خاوياً لا يتمثل وجوده إلا في القواميس ، إنما لأن تاريخ الحوار بين الشرق والغرب يؤكد على سياسيته ، وينفي دينيته . فإذا ما كانت الديمقراطية ، أداة هذا الحوار ، وهو ما ينبغي أن يكون عليه ، فإنه ومن دون شك ، حوار بناء ، يسعى لخير الإنسانية ، أما إذا كانت القوة هي لغته ، فإن ذلك يعيدنا إلى الماضي ، قبل مئات السنين بل وآلاف السنين ، حيث الكلمة للأقوى . وبكل الأحوال ، فإن الغرب لم يكن ضعيفاً في أي مرحلة تاريخية ، كحال ضعف الشرق الآن ، فلكي يكون حواراً متوازناً في ظل اختلال موازين القوى ، لا بد أن تلغى شروطه ، وأن كانت تتصل بالديمقراطية التي يصر عليها الغرب ، وبالقوة التي يحاجج عليها الشرق . فإلغاء الحوار ، وإن لم يكن متوازناً ، يعني استمرار الصراع إلى ما لا نهاية ، فالقصور الحاصل في مدارك الشرق ، بأن الغرب لا يحاوره سوى بلغة القهر والقوة والاحتلال ، وكذلك فإن اشتراطات الغرب ، المتمثلة بالديمقراطية والإصلاح المتعثر تحقيقه إلى ما هنالك من جملة تعديلات اجتماعية ، تعد من أبرز سمات الشرق ، لن تترك مجالاً لأي حوار سياسي من شأنه أن يحد من حالة الاستقطاب الحاد بين الشرق والغرب على أقل تقدير ، لاسيما في ظل فشل الحوار الديني .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
-
الديكتاتور 30 (أزمة 99%)
-
الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه
-
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
-
الإسلام دين أم حضارة ؟
-
الديكتاتور 28 ( الوريث زعيماً )
-
فساد الإسلام أم فساد السلطة ؟
-
نادين البدير : وجاهلية البداوة
-
الديكتاتور 27 ( اغتيال الزعيم )
المزيد.....
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
-
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من
...
-
ترامب سيرحل الأجانب المناهضين لليهود
-
الكنيست يصدق بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح لليهود بتس
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|