|
تغييب الوعي
شريف السقا
الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 17:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا شك إن عقل الإنسان هو أقوى و امضي سلاح امتلكه الإنسان منذ بدء الخليقة و سيظل كذلك حتي نهاية العالم ... ففي البدء كان تصرفه غريزياً كباقي الكائنات ...إذا امطرت السماء كان يلجأ إلى كهف ليحميه من الأمطار و هجوم الحيوانات المفترسة و من الخوف و حب البقاء في وسط خطر إستطاع تطوير و بناء ميكانيزمات دفاعية عن طريق اختراعه للأسلحة البدائية للصيد و لأن الإنسان ليس بأسرع الكائنات و لا أقواها لكنه تبين إنه اشرسها على الإطلاق و إن كانت الحيوانات المفترسة لديها مخالب و أنياب و أظافر فأنه يمتلك عقلاً قادراً على الإبتكار و التفكير و التدمير و القتل في أن واحد ....
تجمع الإنسان مع بني جنسه لينشأ المجتمع و إن كان مجتمعاً بدائياً و عند ولادة المجتمع ولدت السياسة فلا أحد منهم يسبق الأخر فالمجتمع و السياسة ظاهرتان متلازمتان لأن عند نشوء المجتمع إنقسم إلى حاكمين و محكومين فيما يعرف بلتمايز السياسي للمجتمع .....
و لأن الإنسان جبل على الأمر و الطاعة فيما يعرف بجوهر السياسة عند الإنسان و من زاد الأمر عنده أصبح من الحاكمين و من زادت الطاعة عنده ظل من المحكومين ......
و لم يكن إختيار حاكم أو قائد القبيلة و العشيرة مبني على أساس أخلاقي لكن كان مبنياً على أساس القوة و القدرة على حماية القبيلة و بعد إن إستطاع توحيد القبائل و العشائر المتشابهة و التي تعيش في قطعة أرض واحدة ولدت الدولة و مفهوم الوطن الذي هو مفهوم إعتباري و عاطفي في المقام الأول ....
أي إن الإنسان مقابل الأمان و الإستقرار تنازل عن جزء من حريته للحاكم و الدولة و بما إن الدولة تمارس سلطتها من خلال إحتكار أدوات الإكراه المادي في المجتمع فأن الإنسان قد تنازل أيضاً عن سلاحه للدولة و إن كان من المسموح له بالإحتفاظ بسيف أو بخنجر فلم يكن مسموحاً له بإقتناء عجلات حربية مثل إليوم حيث إن هذه الأدوات مقصورة على الدولة و الدولة فقط ...
لكن السلاح الأقوى كان لابد إن يتم السيطرة عليه أيضاً لأنه أقوى الأسلحة ...
و بدلاً من شعار الله - الوطن - الملك الموجود إليوم تم إستبدال الله بالملك و الوطن بالملك ليصبح الشعار الملك الملك الوطن و هذا الشعار يحمل دلالات كثيرة لأن إن كان الإنسان يطيع الله و يمتثل لأمره بدون معارضة فأنه قد يعارض أو حتي يتمرد على سلطة الملك و من هنا كان يجب دمج الله في الملك و العكس بلعكس و في أحسن الأحوال كان الملك إبن الإله لضمان خضوع الرعية التام و تصبح أي معارضة للسلطة هو إعتداء على المقدس ذاته و تصبح أوامر الملك هي نفسها أوامر الإله و هو ما حدث في مصر القديمة و بابل و فارس و المايا و الصين حتي إن هذا الوضع إستمر في اليابان حتي عام ١٩٤٥ و عندما سمع اليابانيون صوت الإمبراطور هيروهيتو إبن الشمس في المذياع خروا على الأرض ساجدين لقد كان إبن الإله الشمس أول مرة يتحدث اليهم .....
كان ميدان و ساحة الصراع منصبة على السيطرة على عقل الإنسان و عمل كل شيء لضمان تغييبه و ضمان خضوعه الدائم لسلطة الإستبداد و إخماد أي محاولة منه لإسترداد حريته مرة أخري .... حتي عندما بزغ نور الأديان السماوية لتواجه نظرية الملك الإله و في الأية القرأنية يقول الله إلى موسي إذهب لفرعون فأنه طغي و يأتي المسيح ليهدم النظام الإستبدادي اليهودي ثم يأتي الرسول محمد ليهدم النسق الإنساني البالي و- لأن المؤمنين بالدين يرون إنه جاء لينشر السلام و العدالة و الحرية و يقول من لا يؤمن بالأديان انها حركات إصلاحية ثورية فالنتيجة واحدة هي تحرير الإنسان و هدم النسق القيمي و المفاهيم القديمة إلبالية و استبدالها بنسق قيمي و أخلاقي و تشريعي أكثر عدالة و مساواة .....
لكن بعد فترة ليست طويلة تحالفت السلطة مع رجال الدين لإخضاع الإنسان مرة أخري و لتجريده من سلاح الدين الذي منحه له الله لمقاومة الإستبداد و الإستغلال و لإسترداد حريته المادية و العقلية بل إن الله كان أكثر كرماً عندما منح الإنسان حرية الإيمان و حرية الكفر .... و الجدير بالذكر إنه تم إستخدام الدين كسلاح في يد الدولة لإخضاع السيطرة على الإنسان .....
و ذلك لأن المجتمع الإنساني لم يستطع التخلص من غرائزه المدمرة فهو لا يزال تنافسياً ،طماعاً ،عنيفاً ،مسيطراً ،قاتلاً.....
الأغرب إن شعار الله الوطن الملك لا يزال موجوداً حتي الأن و إن كان الله الأن يحتل المكان الأعلي فأن الملك يساوي الوطن ...أي إن شخص واحد يساوي شعباً ووطناً بأكمله و الأنكي إنه لا يزال يدعي إنه يحكم بإسم الله ....
إن تغييب الوعي و العقل الإنساني هي أهم وسائل السيطرة في المجتمع الإنساني و هذا التغيب العقلي هو ما إدي بنا إلى ما نحن فيه إليوم
فهو ما إدي إلى إن ١٪ من سكان العالم يسيطرون على ٤٠٪ من ثروات العالم و إن نصف سكان الكوكب يعيشون على أقل من دولارين في إليوم و إن أكثر من أربعة ألاف طفل يموتون كل يوم من أمراض يمكن التطعيم منها و إلى سيطرة إقتصاد المضاربات على العالم .....
لذلك فأن استردادنا لحريتنا العقلية و القضاء على هذا التغييب هو السبيل الوحيد للقضاء على هذا النسق القيمي و الإقتصادي و الإجتماعي و إستبداله بأنساق أكثر عدالة و أكثر مساواة و أكثر حرية .......
#شريف_السقا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفاشيون الجدد
-
مصر بين الدين و القومية
المزيد.....
-
جنسيات الركاب الـ6 بطائرة رجال الأعمال الخاصة التي سقطت وانف
...
-
الدفعة الرابعة في -طوفان الأحرار-.. 183 فلسطينيا مقابل 3 إسر
...
-
-كتائب القسام- تفرج عن أسيرين إسرائيليين وتسلمهما للصليب الأ
...
-
بعد 50 يومًا من التعذيب.. فلسطيني يعود بعكازين إلى بيته المد
...
-
توأم الباندا في حديقة حيوان برلين: التفاعل بين الأم وصغيريهْ
...
-
دراسة تكشف حقيقة الفرق في الثرثرة بين الرجال والنساء
-
هل صورك الخاصة في أمان؟.. ثغرة في -واتس آب- تثير قلق المستخد
...
-
تاكر كارلسون يصف أوكرانيا بـ -مصدر الجنون-
-
لا يوم ولا مئة يوم: ليس لدى ترامب خطة سلام لأوكرانيا
-
الصداقة مع موسكو هي المعيار: انتخابات رئيس أبخازيا
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|