|
قصائد للشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا: أريد أن أحلم بك لا أن أحبك
اسكندر حبش
الحوار المتمدن-العدد: 2908 - 2010 / 2 / 5 - 23:53
المحور:
الادب والفن
لم يعد الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا غريباً عن القارئ العربي، إذ عديدة هي الترجمات التي نجدها اليوم، لهذا الشاعر الذي وسم وحده، تاريخ الشعر البرتغالي، في النصف الأول من القرن العشرين، أكان ذلك عبر اسمه الفردي أم عبر أحد أسمائه البديلة. قسم لا بأس به من هذا الشعر، نقله غير اسم إلى العربية، أكان في كتب أم في الصحف والمجلات. هنا ترجمة لبعض قصائده التي كتبها باسم شخصيته الحقيقية، أي فرناندو بيسوا، وهي من كتاب Cancioneiro (الأغاني)، وحين أقول كتاب، فبالتأكيد أقصد وفق الترتيب الذي عمل عليه دارسو بيسوا، إذ كما نعلم، لم يترك وراءه سوى كتاب صغير («رسالة»)، أما عمله بأسره فقد اكتشف بعد موته في ذلك الصندوق العجائبي. إذاً، ووفق الترتيب الذي صدرت عليه أعماله الكاملة، تشكل هذه القصائد، مجموعة من القسم الأول لكتاب «كنسونيرو» لبيسوا، وهو جزء حمل عنواناً فرعياً هو «بعيدا عنّي في نفسي»، حيث تضمن القصائد التي كتبها ما بين 1911 و 1930
تحليل مجردة جداً فكرة كينونتك التي تأتي إليّ، ناظرة إليك، التي تركت عينيّ في عينيك، تتوهان عن بصري، ولا شيء يبقى في نظرتي، وجسدك يبتعد عن نظري بعيدا، وتبقى فكرة كينونتك قريبة جداً من فكرة أنني أنظر إليك، ومن معرفة تجعلني أعرف بأنك موجود، وبأني – عبر كوني واعياً بك فقط – أفقد الإحساس بنفسي. هكذا، في عنادي لكي لا أراك، أُكَذّب وهم الإحساس وأحلم: لا أراك، لا أرى شيئاً، لا أعرف بأني أراك ولا حتى بأني موجود، باسماً من عمق هذا الغسق الداخلي الحزين الذي عبره أحس بأني أحلم بأني أشعر بوجودي.
يا ناقوس قريتي ([) يا ناقوس قريتي الناحب في المساء الهادئ، كلّ نقرة من نقراتك ترّن في قعر روحي. وتقرع ببطء شديد كما لو أن الحياة تُحزِنك وما إن تدق القرعة الأولى حتى ترّن كالصدى.
زأرت حقاً قربي حين مررت، شارداً أبداً، وبالنسبة إليّ، أنت كالحلم، ترنّ في البعيد داخل روحي.
كل ضربة من ضرباتك ترج في السماء المنفتحة، أحس الماضي أبعد، أحس الحنين أقرب. ([) كل القصائد التي تحمل هذه الشارة ([)، هي قصائد لم يضع بيسوا عناوين لها في الأساس. من هنا، ووفقا للتقليد الأوروبي، ارتأينا أن نجعل البيت الأول منها، عنوانا للقصيدة.
تغني، حاصدة القمح المسكينة ([) تغني، حاصدة القمح المسكينة، تظن نفسها سعيدة، ربما؛ تغني، وتحصد القمح، وصوتها، مليء بترملّ مجهول وسعيد،
تتأرجح مثل نشيد عصفور في الهواء الأنظف من عتبة. كم من انحناءات في اللُحْمَةِ الناعمة للصوت الذي تنسجه في نشيدها!
سماعها، يجعلنا سعداء، حزانى، مرّ العمل والحقول في صوتها، وتغني كما لكي تغني، كما لو أنها تملك أسباباً أخرى غير الحياة.
آه، غنّي، غنّي بدون سبب! تستولي الفكرة على أحاسيسي. تعالي وانشري في قلبي صوتك الحائر، المتموج!
آه! لو يمكنني أن أكونك، وأبقى أنا نفسي! لو أملك لا وعيك السعيد ووعي ذلك! أيتها الأغنية! أيتها الحقول! أيتها السماء! العِلمُ
يزن كثيراً والحياة قصيرة جداً! اجتاحيني! بدّلي روحي بطيفك الخفيف، ومن ثم، حين تحملينني، أمضي!
ها أنا عندي مخرجي المنهمك ([) ها أنا عندي مخرجي المنهمك في أعمق أعماقي، طافياً على بحر وجودي الميت، الأكثر حميمية
في هذا الإحساس المتحرك للمياه أشعر بكل الثقل الذي أنا عليه... ها أنا في التأرجح حيث أهدهد حياتي – الألم.
مركب منزوع الأشرعة... مقلوب الصالب... السماء المليئة بالنجوم باردة كالسيف.
وأنا الريح والسماء... أنا المركب والبحر... ومع ذلك، هذا ليس أنا وأريد تجاهله.
إله أحيانا أنا الإله الذي أحمله داخلي: حينذاك أكون الإله والمؤمن والصلاة والصورة العاجية حيث ننسى هذا الإله.
أحيانا لا أزيد أكثر عن ملحد بهذا الإله الشخصي الذي أكونه في نشوتي. أتأمل في داخلي سماء بأسرها وهي ليس سوى سماء عالية وفارغة.
حركاتي، ليست أنا ([) حركاتي، ليست أنا، كمّا أن السماء ليست شيئاً، جزئي الذي لا يخصني لا يسير على أيّ طريق. صوت الريح يغفو في النهار الذي بدون سبب. عارمٌ هو سأمي. من كينونتي كلّها، أنا فارغ وباطل.
لو على الأقل موجة تجيئني ذكرى من سماء أو من بلد أفضل من هذه الحياة! لكن هذه
الفكرة، التي أظنها كخاتمة أفكاري، تغفو في متعتي الطيّبة مثل طحلب في الماء.
وفقط في النهار الغريب عمّا أحسه وعّما أنا عليه يرحل كلّ ما لا أملكه كلّ شيء هنا حيث لست موجوداً.
لست أنا، لا أعرف شيئاً، لا أملك شيئاً، ولا أذهب إلى مكان. أُنومُ حياتي في قلب ما لا أعرف.
شهرزاد لا أعرف بما أفكر فيه لكن أيّ سعادة في التفكير بذلك... لست شيئاً إن لم يكن هذا التناغم الداخلي ما بين الوجود والاستماع إلى الموسيقى التي تُغَنّيكَ، التي تُثنيكَ عن الحياة، عن هذه اليقظة عديمة الفائدة التي يعتقدونها مفيدة، إحساس ميت حقيقي، مرّ لكن روحي تظنه مفيداً بدون جدوى.
الإنسان كلا: أيّ كلمة أخرى، ستزيد عن حدّها. لا كلمة أخرى! من صوتك، لا تترك إلا الصمت الداخلي! مثل بحر مبهم على شاطئ قاحل، ينتشر الألم على قلبي.
أيّ ألم؟ لا أعرف. من يدعي معرفة ما يشعر به؟ ما من حركة. لا شيء يحيا بعد الذي يجب أن يموت إلا ضوء القمر، الوقت، الفوحان البليد والمبهم والكلمات التي علينا قولها.
مسافة من إذاً همس لك بهذا السرّ في أذنك التي لا تسمــعه سوى إلهات نادرات – الحب هــذا مليء بالإيمان والخوف ولا يكون صحيحاً، إلا بكونه سرّاً مفشياً؟ مَن، قبل أن يحين الوقت، أفشى لك به؟
لم أكن أنا، لأنني لا أجرؤ على قوله لك. ولم يكن آخر، إذ أنه يجهله. لكن من إذاً يلمس شعرك من على جبهته كي يقول في أذنك كل ما يشعر به؟ ومع ذلك، هل كان هناك أحد، حقاً؟
أو فقط، أنت من حلم بذلك، أنا الذي حلمت به لأجلك؟ لم أظهر من جانبي سوى عن غيرة تجاهك لأفترض أن أقول ذلك، لأنني لن أقوله أبداً، لأفترض بأنه حقيقي، لأنني تخيّلته فقط في أحلام لا أعرفها أبداً؟
مهما كان من أمر، من اقترب بهدوء إذًا من أذنك المصغيّة بشكل مبهم كي يحدثك عن هذا الحب الحاضر داخلي، لكنه بقيَ سجين أفكاري المحترق من الرغبة والذي لا يشعر بشيء أبداً؟
هذه الرغبة، بدون جسد وبدون فم، هو نفسه فقط الذي، قرب أذنيك، جاء من حلمي إليك كي يُسرّب الجملة الأبدية، المجنونة وغير المستحقة – الجملة التي تنتظرها الإلهات، من الغبطة التي، شيئاً فشيئاً، يتقيد بها «الأولمب».
عن السفير
#اسكندر_حبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصائد للشاعر اليوناني كوستاس كوتسوريليس
-
في الجانب الآخر من المقهى
-
قصائد للشاعرة السلوفاكية ماريا ريدزونوفا فيرينكويوفا
-
كيف يتكلم الشعراء عن تجاربهم؟
-
أندريه فيليتير: لا أشعر بأنني فرنسي شعرياً( واستدراك من الكا
...
-
الكاتبة الإيرانية زويا بيرزاد: الكلمات تتعلق دائما بأشخاصها
-
بين ساراماغو وبرلسكوني
-
قصائد للشاعر الإيطالي ألفونسو غاتو
-
هل هناك مكان بعدُ للثقافة «القومية» الصافية؟
-
سميح القاسم : مع حبي لبيروت، سأبقى في الرامة !
-
-في قلب هذا البلد- لكوتيزي «صاحب نوبل»: الكتابة بحد الشفرة
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|