أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام البغدادي - كلام في اللقاء الجزء الثالث














المزيد.....

كلام في اللقاء الجزء الثالث


بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 2908 - 2010 / 2 / 5 - 15:58
المحور: الادب والفن
    


غبار, غبار يغطي كل شئ, غبار يغطي الارصفة و الشوارع و كل تلك الصور المقدسة للقائد الضرورة التي تنتشر في كل مكان و حتى تلك الآيات المخطوطة بدقة و حرفية على زجاج جميع سيارات الاجرة النصف مهترئة. غبار يغطي أسماء الله الحسنى, و غبار يغطي كلامه القادم من عصر لم يعد أحد يتذكره, غبار يغطي حتى تجاعيد وجوه الناس التي تعيش بين المبارك و المقدس. بعد صراع لم يستمر طويلاً بين سائقين لسيارتي أجرة, جلست في احداهما التي انطلقت بسرعة متشنجة الى مركز المدينة. و بعد أن حمد السائق الله على سلامتي, رغم أني لا أعرف سبباً منطقياً لأقحام الله في موضوع سلامتي, شكرته بأدب كعادتي و صمتت أراقب الاعلانات الكثيفة الموجودة على طرفي الشارع. مُعجنات النبي, طرشي العلوم, مشروع الامل لحل جميع مشاكل الشعب, الخ.

هناك أختلاف جذري في الطرق و الوسائل التي نعبر فيها عن الحب للشخص الذي نحبه. و هذا واضح جداً للأسوياء منا. بعضنا يكتب الشعر و الآخر يرسم على بعض الاوراق خطوط وجه حبيبه/حبيبته و الثالث, ببساطة لا يفعل شئ. هناك أختلاف جذري في مسألة تفهمنا لهذا النزيف المتواصل للمشاعر الضائعة في فضاء لا صدى فيه مع هكذا شخصيات أسفنجية تمتص كل ما تقع عليه ولا يهرب منها حتى صمتنا. هناك أختلاف في الاحاسيس, لابد أن يكون هناك أختلاف, و الا, فلا فائدة حقيقية من وجود جناح ثالث للعصفور الحائم بين عالمين حيث لا أجد نفسي بينهما الا جنحاً ثالث لا فائدة لهُ, ضلعاً زائد, و طرفاً غير مهم جداً بين طرفي المعادلة الغير محسومة بعد.

لازلنا في سيارة الاجرة ولازلت أشعر بضيق في صدري من كل هذا الغبار الداخل علينا من نوافذ السيارة المفتوحة لسبب لا أعرفهُ و المتوجهة الى الفندق ذي (الخمسة) نجوم الذي سيفاجأني بعدد نجومهُ فيما بعد. بصورة غريبة جداً و غير مفتعلة ابداً سألني السائق, و كأنهُ يسألني عن عمري أو صحتي, أن كنت أرغب أن يجلب لي (بنات). أصبت بالذهول أمام غرابة السوآل و مدى عدم التكلف الذي طرح فيه عليّ؟ حاولت تدارك ذهولي, بالشكر الغبي لهذا السوآل الذي يخدش بحدة كل جدران قوقعتي الفكرية. فكرة أغبى منها خطرت ببالي بحكم نشأتي في مجتمعات الشرف الزائفة, ماذا لو تصور السائق بأنني مثليي؟ ماذا لو عرض علي خدماته الشخصية؟ ماذا لو قرر ألاعتداء علي؟ ياالهي؟ أنتابتني في داخلي ضحكة هستيرية لكل أفكاري الغبية و لأستعانتي بأله لا أؤمن به بينما كنتُ مستمراً في محاولة أيضاح موقفي للسائق و كأنني مجبر لسبب ما لتبرير رفضي لهذه الخدمات الغريبة التي يعرضها علي. رن جرس الهاتف المحمول في جيبي بينما كنت اتحدث للسائق, نظرت فيه و كأنه قادم من عالم آخر وفي نفس الوقت قريب جداً مني, أغلقته و أستمريت في حواري مع السائق الذي لازال مبتسماً بصورة مصطنعة و غريبة.

الخوف من الحب قادم من قلقنا بأن نقف هناك يوماً ما على رصيف متشقق و بين ايدينا قلب قد تقطعت شريانيه و يرفض الموت. ليس هذا فحسب, بل يزداد هذا الخوف أتساعاً و رهبة مع وجود تلك الثقافة التي تقوم بتأليه و تعظيم و تخليد كل تلك الانواع اليائسة من الحب الفاشل (أبداً). ماكنة أعلامية كاملة عمرها مئات السنين شغلها الشاغل هو أبراز الوجه الجليل لهذا النوع من الفايروسات الفكرية التي أصبحت الاصابة بها سبباً مدعاة للفخر و الشكر. فهناك القباني, وهناك السياب و هناك الشعراء الموتى الخالدون, جميعهم يتغنون بعظمة الحب و جلال الحب و سخاء الحب. وهنا, أقف وحيداً على رصيف عمري, فلا بلقيس القباني تقف معي ولا سياب يغني لي أناشيد المطر الذي لم ينزل بعد. أقف منتظراً تقطع تلك الاوردة الزرقاء و الشرايين القرمزية, مرة أخرى, واحداً تلو الآخر, ببطء شديد و بهدوء... قطرات الدم تختلط مع الرمال الساخنة... و أبدأ بالاعتقاد بان صوت دقات قلبي بدأت بالخفوت, بدأت رحلة أخرى نحو بلدان الصمت حيث اللاعودة.

أعطيت ضعف المبلغ الذي أتفقنا عليه للسائق الذي أعطاني بدوره ورقة قذرة دسستها في جيبي كان قد كتب عليها رقمه, فيما لو أحتجته. هرعت الى باب الفندق, المُغطى بالغبار هو الآخر, رن الهاتف في جيبي مرة أخرى, لم أجد سبباً للنظر اليه و مليون سبب آخر للهرب منه. رن هاتفي للمرة الثالثة و أنا في المصعد, رن مرة رابعة و انا أفتح باب غرفتي, و عندما القيت حقيبتي, وبدأت بخلع ملابسي وصلتني رسالة قصيرة. هرعت الى الحمام و أفرغت كل مافي معدتي في حمام تلك الغرفة الذي بدا أضيق مما تخيلت بكثير. الانهاك الذي وقعت ضحيته و الشعور باتساع الهوة في داخلي كفضاء من الجوع و الخوف و الغربة يخترقني متوسعاً في كل اطرافي, يرميني أرضاً بين جدران هذا الحمام التي تأكلها الرطوبة و يلتهم كل ماتبقى من أقنعة كنت أحملها أمام نفسي كنت أريد أن تراها عشتار.

حينما يتجسد الفشل في أحد أفعالنا, بل في كياننا و ذواتنا نحاول ان نغطي فشلنا بأقنعة ذهبية تعطيه وجهاً براقاً للتجربة عندما ندخله أحدى صفحات مذكراتنا اليومية. لكنني الآن, وهنا بالذات, و انا أجلس نصف عاري بين ما أفرغت على تلك الارض الباردة في قعر عالم الذل الذي وجودي فيه و وجوده حولي ماسوى أنتهاك لوجودنا نحن الاثنين. عشتاري و مليكتي و معبودتي التي لم أحلم حتى بلقائها كل تلك السنين, موجودة الآن على بعد دقائق مني, تنتظرني. كل محاولاتي لتمالك نفسي بائت بالفشل, كل عضلة في جسدي دبت فيها حياتها الخاصة. الهاتف بدأ بالرنين مرة أخرى, لم يتوقف هذه المرة, و الجدران حولي لم تتوقف, و الزلزال الذي يخترق كل اوصالي لم يتوقف ايضاً. حينها, عرفت بأنني قد وصلت نقطة اللاعودة, بأن الموضوع أنتهى, بأنني قد دخلت الى عمق اعماقي و أقفلت كل الابواب الموصدة, وحان موعد أطفاء الانوار.

أحنيت رأسي, تذكرت أبتسامتها الجميلة, صوتها, و أخيراً تخيلت خيبتها اللامتناهية بسببي, ثم, أعتذرت عن كل شئ, لنفسي, لها, لكل الكون, الكون الذي أختفى فجأة من حولي, و أختفيت منه.

بسام البغدادي
http://al-baghdady.blogspot.com



#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام في اللقاء الجزء الثاني
- كلام في اللقاء الجزء الاول
- هل يملك الله أي خيار؟
- حواء و بناتها و التفاح
- لهم ملكوت الارض
- خالداً في ذاكرة عشتار
- عندما يخجل الرجال أن يكونوا رجال - الجزء الثاني
- عشتار و أبن القبيلة
- هل الله موجود الجزء الخامس و الاخير
- يا أولاد ال... من أجل كرة القدم؟
- هل الله موجود؟ الجزء الرابع
- هل الله موجود؟ الجزء الثالث
- هل الله موجود؟ الجزء الثاني
- هل الله موجود؟ الجزء الاول
- الالحاد تحت المجهر
- الى شقرآء تدور في فلكي
- الحجة الغائية في أثبات وجود الله
- هل الالحاد دين جديد؟
- الكتاب الذي هز عرش الرحمن بل قلبه
- التاسع من نيسان يوم تحرير ام سقوط؟


المزيد.....




- تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا ...
- -السِّت-.. ماذا تحمل الدورة الـ 9 من مهرجان -أسوان لسينما ال ...
- العراق.. مشاركة روسية في مهرجان -بابل- للثقافات والفنون العا ...
- بدايات القرن العشرين في المغرب بريشة الفنان الإسباني ماريانو ...
- اللقاء المسرحي العربي الخامس بهانوفر.. -ماغما- تعيد للفن الع ...
- يرغب بنشر رسالته في -الخلاص- حول العالم.. توصية بالعفو عن نج ...
- أهرمات مصر تشهد حفل زفاف أسطوري لهشام جمال وليلى أحمد زاهر ( ...
- الملتقى الإذاعي والتلفزيوني في الاتحاد يحتفي بالفنان غالب جو ...
- “هتموت من الضحك ” سعرها 150 جنية في السينما .. فيلم سيكو عص ...
- جوائز الدورة الـ 11 من مهرجان -أفلام السعودية-.. القائمة الك ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام البغدادي - كلام في اللقاء الجزء الثالث