عبد العزيز الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 23:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هو الوعي ؟ وما المقصود به ؟ أين يكمن الوعي ؟ وما دوره ؟ ما هو اللاوعي ؟ هل الوعي أولا أي ( العقل المجرد ) أم المادة والطبيعة ؟ هل يمكن فهم العالم المحيط بنا من خلال الوعي أم إن العالم لايمكن إدراكه وفهم قوانينه التي تقع خارج العقل ؟ متى يعمل الوعي ومتى يحكم اللاوعي ؟ هل هما سلطتان منفصلتان أم مترابطتان تعملان سويه وفق آلية خاصة من التحكم ؟ هل اللاوعي لا عقل ؟ ما أهمية اللاوعي ؟ ما هي الحقيقة وما هو الواقع من يحكم من ؟ ومن يولد من ؟……………
كل هذه الاسئله وعشرات أخرى غيرها يطرحها العقل المفكر , محاولا التوصل ألي أجوبه شافية لها تعينه على فهم نفسه وبالتالي فهم المحيط الخارجي .. وعند التصدي للوعي ومحاولة وضع تعريف له نواجه بأنه لا يمكن وضع تعريف وافي وشامل للوعي ,و ذلك في الأساس لتشعب مسالكه ولاحتواءه على جوهريات الحياة والكينونة الادميه ,ولكن يمكن وضع معادل تعريفي , وذلك من خلال استعراض لبعض من محتويات هذا الاصطلاح , والوعي كمصطلح فلسفي , هو المعادل للعقل , والفكر , والمثال والصورة والذات , في مواجهة المادة والطبيعة والموضوع (أي كل ما هو خارج الذات ) ,والنقاش في هذه المسالة ,أي دور المادة والوعي وأولوية أحدهما على الآخر وتبعية أحدهما للآخر يعتبر من اجذر و أول مواضيع المناقشة الفلسفية التي تكشف عن الجوهر الفكري الأساسي للمنظر الفلسفي وفهمه للعالم بالتالي , إن الذين يقولون بان الوعي نتاج لحركة المادة والطبيعة والمجتمع ,أي إن كل ما هو ذاتي نتاج لكل ما هو موضوعي هم الفلاسفة الماديون لان الأولوية لديهم للمادة . أي لكل ما هو خارج العقل والدماغ والفكر المجرد , أما الذين يقولون بان الفكر , والوعي , والمثال للمادة موجود قبل المادة ومحكوم بإرادة قبليه فهم المثاليون وبعضهم يرى أن الفكر والمثال موجود فيما وراء الإنسان والمادة وهو مطلق وغير خاضع لسلطان أو قانون منظم وثابت ولا حكم لقوانين المادة من حولنا عليه أي بالتالي لا يمكن فهم العلم والدنيا والمجتمع أي لا يمكن فهم أي شئ موضوعي . وهؤلاء هم المثالين الموضوعيون أو المثاليون المطلقيون , أما الذين ينادون بان العالم موجود إنما على هيئة صور وأفكار في عقولنا وفي وجهة نظرنا له (أي العالم ) فهم المثاليون الذاتيون ,وظل النقاش والجدل حول هذا الموضوع ديدن الفلسفة منذ البداية حتى استقر الرأي في القرن السابع عشر إلى ما طرحه الفيلسوف الفرنسي رينه ديكارت في سؤاله هل إن العقل أو الوعي لا يعتمد حقا على المادة وهل إن الوعي يمتد ويتحرك وله طابع فيزيائي أم انه لا يمتد وراكد وليس له أية صفة فيزيائية ومن بعده ربط الإنكليزي جون لوك الوعي بالأحاسيس الفيزياويه والمعلومات التي يوفرها هذا الإحساس ووصل الأمر إلى القرن التاسع عشر حين أعلن الألماني جون فردريك هربرت أن الأفكار لها كميات وكثافات واتجاهات وهي التي تقود إلى العادات وربما تعين العادات الأفكار وان الأفكار تمر من مرحلة الحقيقة (الوعي ) إلى مرحلة الميول والأهواء (اللاوعي ) وان هناك خط فاصل بين الحالتين وصفه بنقطة عتبة الوعي , ومنذ ذلك الوقت استقر الرأي على معالجة الموضوع بالدر اسه العلمية التجريبية والاحصائيه … لقد أصبحنا ندرك ولا شك مما وصل إلينا من العلوم وما بين أيدينا من المعارف والمباحث والتجارب إلى أن للمادة سلطان في كل وقت ومكان وكل وضع , وما سلطان المادة أي ( الموضوع خارج العقل ) سوى قوانينه المتحكمه فيه ,, في حركته وتغيراته ,, وإلا لما أمكن أجراء التجارب وتحليل النتائج واختراع الأجهزة وابتكار التقنيات ولما تطور علم الفيزياء والكيمياء والفلك والطب ولما ازدهرت صناعة أو زراعة إلا بفضل هذا الحد الفاصل الذي اعترف به الإنسان على اعتبار أن الطبيعة والمجتمع لهما أحكامهما ومنافذهما وقوانينها رضي الإنسان أم آبى وما عقل الإنسان إلا جهاز , يأخذ من الطبيعة , والمجتمع والظروف,ويحلل ويركب ويناقش ويتفاعل ويستشعر ويتحسس بأدواته الحسيه ( المادية ) بطبيعتها , وكل هذا النشاط من التفاعل والتحسس والاستشعار والتحليل والتركيب والإدراك وما يفرضانه من حركة ونشاط هو ما يسمى بالوعي …..
وأذن فان الوعي هو (( اليقظة )) ’يقظة الكائن الإنساني الكاملة وإحساسه بوجوده ودوره وأهميته وضرورة فهمه لكل ما يحيط به وامكانية ذلك مع التفاعل اليقظ ( الواعي )مع المحيط .
في الوقت الذي كانت دراسة دور الوعي وميكانيكية تولده ونموه تنحصر في الدراسات الذاتية ,أي تقديم الذات كنموذج للدراسة وهو ما عمل علية كبار الفلاسفة والمفكرين وتركوا في هذا المجال تراثا أدبيا وفكريا كبيرا ورائعا , إلا أن القرن العشرين كان الشاهد على قتل واغتيال هذا الأسلوب في التحليل والدراسة في هذا المجال وخاصة وان منهجية البحوث العلمية فرضت قواعد مختلفة للبحث العلمي , وخاصة البحث العلمي ذو الاتجاه التطبيقي , حيث تفترض هذه المنهجية تقديم الإحصاءات والبيانات المأخوذة من الملاحظات المباشرة في التجارب المعملية والسريرية للتدليل على فرضياتها أو اقتراحاتها وفرضت هذه المنهجية شروطها على الدراسات السيكولوجية بشكل كبير ومن هذه الدراسات بالطبع ما يتعلق بدراسة الوعي و اللاوعي والدرجات المتقدمة من الوعي, وكذلك دراسة تأثيرات ألا دويه المختلفة على الجهاز العصبي , وعمل الدماغ , وتأثر الوعي بها من عدمه وكذلك دراسة النوم والأحلام ,وميكانيكية الأحلام , ودراسة الأفعال الشرطية واللاشرطية وتوسعت الدراسات وتشعبت ألا أنها رغم كل ذلك ما زالت فقيرة تماما وبحاجة ماسة إلى المزيد من أعمال الفكر والبحث والتأمل .
لقد اصبح التعريف الأقرب والأكثر تداولا للوعي ,على انه مجموع ردود الفعل والاستجابات من الذات للمحفزات والمنبهات والمثيرات في البيئة والمحيط الخارجي وبذلك أخضعت كل الدراسات في هذا المجال إلى المحاسبة وفق ما قدمته من نتائج معمليه في تجارب عشوائية أو محددة وفق خطة البحث , وهي تجارب سريريه ضمن دائرة الدراسات الطبية النفسية. إلا أن كل التقدم الذي حصل في هذا المجال وطوال العقود الماضية بناءا على النظريات الأساسية في هذا المجال , مثل نظريات فرويد أو يونج أو بافلوف أو من جاء بعدهم , وكل البحوث التي قدمت في مجال ما يدعى بالباراسيكولجي وهو دراسة الخوارق التي يكون بعضها على شكل خوارق في الوعي , أن كل ذلك لم ولن يمحي المتطلب الأساس للوعي ذاته وللفكر ألا وهو الخيال والجموح الفكري , والافتراض والحدس والتأمل ليس في مجال العلوم النفسية ودراسة الوعي تحديدا بل في دراسة كافة جوانب الحياة المادية والفكرية ,,, وان عودة لدراسة الذات أو دراسة المحيط بصوره خشنه ,عامة,ونظرية(كما نفعل هنا) غير قرونه بالتجارب المعملية وخاصة في الأمور ذات الطابع الاجتماعي الديناميكي أمر غير مستهجن ولا مستغرب أو بعيد عن جوهر الطرح العلمي , طالما إن مثل هذه البحوث سوف تطرح فرضيات للمناقشة ويمكن لأي مقتنع بها أن يرسم لها منهجية عملية لاحقة ويصمم لها التجارب اللازمة للإثبات , وبالتالي فان مثل هذه البحوث النظرية والافتراضية الطابع أمر لا غنى عنه للمجتمع الانساني وللتطور العلمي وخاصة في مجال الدراسات الإنسانية .
الميل ,الهوى , الرغبة , الحب , العشق , ألا حساس , الانتباه , اليقظة , التفكير , الإدراك , الشعور , الانجذاب , الانبهار , الاندهاش , التمنطق , الابتكار , الاختراع , الإبداع الفني , الإبداع اللغوي والأدبي , الخيال , الأحلام , التفكير المجرد , التحليل العقلي , التركيب العقلي , الانتشاء , الشهوة , عتبة المتعة , الحزن , الكابة , السرور , الضحك , البكاء , الحركة , الاستمتاع , الارتياح , الانزعاج , النرفزه , التشنج الهستيريا العبقرية الجنون الشعر موهبة الرسم والنحت بقية المواهب الفنية ….. هذه الصفات التي تستلزم أفعالا وعشرات أخرى من الأفعال ذات الجوهر المشترك وهو ضرورة أعمال العقل في الفعل بشكل أكيد وباتجاه فعال وقوي هي بعض مما نعنيه بالوعي وبصورة عامة باعتقادي فان مجمل الفعاليات التي تخص الوعي يمكن أدراجها في المجامع التاليه :
1:- مجموعة الفهم والعلم والإدراك والإحاطة والتعلم والامتهان وهي مجموعة المعارف الاوليه .ويقع ضمنها تعلم الدلالة والاشاره والمفردات اللغوية والمصطلحات والتراكيب اللغوية وتعلم اللغات الأجنبية .
2:- مجموعة الوعي بالوجود الحياتي والدفاع عن الذات والطموح في سبيل تحقيق الذات وهي تشمل مجموعة الغرائز الحيوية كإشباع الجوع والرغبات الجنسية ورد الألم واعادة الاعتبار للنفس .
3:- مجموعة الميول والأهواء والحب والانجذاب والتجاذب .
4:- مجموعة الإبداع الفني أو الأدبي أو العلمي (الابتكار والاختراع )
5:- مجموعة التحليل والتركيب الذهني والمنطق المجرد
6:- مجموعة الحدس والتنبؤ والتخمين .
7:- مجموعة العبقرية والجنون .
8:- مجموعة الإحساس والحركة وردود الأفعال .
9:- مجموعة الحفظ والذكريات والاستذكار والنسيان .
10:- مجموعة الأخلاق والقيم والاعتبارات الاجتماعية .
11:- مجموعة الأحلام والفنتازيا والخيال.
إن هذه المجاميع من النشاطات تعمل ضمن ملفات خاصة بها تتكون وتتزود بالمعلومات في فترات مختلفة من عمر الإنسان وقد تكون إحدى الملفات لا تحتوي إلا على النزر اليسير من المعلومات والبعض الآخر يحتوي على معلومات كثيرة وجوهرية ومتحركة ومتنامية باستمرار . إن فهم عمل الدماغ على أتساس تقسيمه إلى ملفات ووحدات تشغيلية منفصلة أمر اقره الكثير من الباحثين . ولكن الاختلاف , هو في تحديد هذه الملفات وأسبقية تكون إحداها على الأخرى , وميكانيكية تكوين أو أعداد كل ملف , حيث تختلف الملفات فيما بينها في الأهمية , والاسبقيه في التكوين والاعتماد , أحدها على الآخر ,و في نقل بعض المحتويات ذات الطبيعة المشتركة لملفين أو اكثر وتختلف كذلك في التقسيم الداخلي داخل الملف وطريقة الاستجابة . . كما إن البعض وربما الكثير من هذه الملفات ومهمات الوعي لا تختص بالمقدرة العقلية ومستوى تطور الدماغ أو حتى مقدار توفر المعلومات ذات الصفة ( الو عيية ) أن جاز التعبير ,, بل تعتمد على أجهزة وأعضاء في الجسم بعيدة ا و قريبة من الجهاز العصبي ولكنها تعمل في الخفاء ولها اجتهاداتها الخاصة بها وتحدد أعمالها ميكانيكيات خاصة بها بغض النظر عن أدراك المرء لها من عدمة , كالغدة النخامية والمنطقة المهادية والغدة الكظرية والبنكرياس والغدة الثايروديه والخصيتين والمبايض واجزاء وأجهزة أخرى في الجسم تسهم وتحدد مسارات الوعي من درجات مما هو تحت الوعي أو التي يمكن تسميتها بجذور الوعي أو الوعي الحيواني إلى درجة كبيرة .
كثير ما نقرأ في الأدبيات الفلسفية تقسيم عموم القول الفلسفي إلى المادة والوعي , أي العالم الموضوعي ,وهو كل شئ خارج ذواتنا من طبيعة إلى مجتمع كما قلنا سابقا والى ذات أي العقل الخاص بنا والذي به ندرك العالم المحيط بنا أي الموضوع وهنا يبرز مصطلحان أخران طالما استعملناهما حتى في كلامنا الشعبي الدارج واعني بهما كلمتي (الحقيقة )و(الواقع ) ولابد أن نتوقف عند معناهما قليلا قبل الاسترسال في الحديث عن الوعي
واذن للبحث صلة
مع التقدير العالي لقراءتكم
#عبد_العزيز_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟