|
فتاوى الريسوني : الخفيات والأبعاد .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 16:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك أن مهمة الإفتاء بقدر ما هي جليلة بقدر ما هي خطيرة مصداقا لقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار). فإذا كان القصد من الفتوى بيان شرع الله وحكمه في نازلة معينة كما انتهى إليه فهم واجتهاد الفقيه ، فإن المفتي مأجور ومشكور مادامت غايته البيان والتوضيح دون أن يكون له في ذلك منفعة خاصة أو مصلحة لجهة يواليها أو ينتصر لها . إذ غاية المفتي رضا الله والتيسير على خلقه بما يضمن مصالحهم . وجرأة الدكتور الريسوني على الإفتاء بتحريم التسوق من المحلات التجارية التي تبيع الخمور تفرض محاكمة خلفياتها وأبعادها . إذ ليست المرة الأولى التي يجرؤ فيها الدكتور الريسوني على الإفتاء في قضايا ظاهرها فقهي وباطنها سياسي . مما يعني أنه ينتصر لموقف سياسي ويشرعنه فقهيا ، بحيث لا يكون القصد رضا الله وبيان حكمه وإنما تقوية طرف سياسي والانتصار له ضد طرف أو أطراف سياسية منافسة له . فهو يُوقّع عن الله تعالى لفائدة طرف سياسي تعوزه ثقافة التدافع السياسي السليم والواضح . ويمكن التحقق من هذا عبر رصد بعض فتاواه كالتالي : 1 ـ في مسألة ولاية المرأة الرشيدة على نفسها في الزواج كما جاء بها مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 99 ، حيث شدد الدكتور الرسيوني على رفضها والحكم على الزواج بالبطلان . ولم تكن الغاية الحقيقية هي بيان شرع الله ، بل الانتصار لموقف حزب العدالة والتنمية المناهض للمشروع حينئذ . إذ لو كان الأمر فعلا يتعلق ببيان شرع الله لما تراجع الدكتور الريسوني عن فتواه بعد ستة أشهر فقط وأجاز للرشيدة الولاية على نفسها حتى مع وجود الأب . 2 ـ في موضوع إمارة المؤمنين حيث تجرأ على نفي الأهلية عن الملك في توليها بقوله ( الملك الحالي ـ يقصد محمد السادس ـ حسب تكوينه ، لا يستطيع أن يضطلع بسلطة الفتوى التي تعود أساسا لأمير المؤمنين ) . لهذا أفتى بالتالي ( أظن أننا لسنا ملزمين بالبقاء متشبثين بالطريقة التقليدية في تصورنا لهذه المؤسسة . وكذلك في تقديري أن أمير المؤمنين يمكن أن يكون ملكا ، رئيس الجمهورية أو حتى وزير أول )( أوجوردوي لو ماروك 12 مايو 2003 ) . وعلل الريسوني موقفه هذا كالتالي ( ينبغي أن نعلم أنه مع التطور السوسيو ـ سياسي وتطور "الإمارة" يصبح من التعسف مركزة كل السلطات بيد رئيس الدولة ، ويصبح من الضروري توسيع دائرة اتخاذ القرار ) . وكان هذا الموقف يناصر نزوع الحزب للهيمنة على الشأن الديني . 3 ـ في مسألة المهرجانات الثقافية التي يناهضها حزب العدالة والتنمية ليس بالتدافع السياسي الصرف ، ولكن بالتوظيف الديني البئيس . وكان الدكتور الريسوني رهن الإشارة وفتواه تحت الطلب ، والتي يحكم فيها على المشرفين والساهرين على إقامة وإنجاح المهرجانات الثقافية والفنية بأنهم إخوان الشياطين . 4 ـ في تحريم التسوق من المحلات التجارية التي تبيع الخمر . وهنا ينبغي التذكير بالمعارك السياسوية التي يخوضها حزب العدالة والتنمية ، عبر تهييج المواطنين واستنفار الجمعيات التابعة له والمتعاطفة معه ، ضد صنف من الأسواق الممتازة من أجل حمل المواطنين على مقاطعتها بحجة بيعها الخمور . وهنا يوظف حزب العدالة والتنمية آليات أبعد ما تكون عن السياسة .إنها آلية الديني/الفقهي لينقل الصراع من مجاله السياسي والقانوني إلى المجال الديني كما لو أن الأمر يتعلق بحرب دينية . وهذا مضمون فتوى الريسوني التي يميز فيها بين حزب "الشيطان" الذي يحشر فيه عموم الأحزاب والجمعيات المدافعة عن حق المواطنين في الحرية والانفتاح والترويح عن النفوس ، وبين حزب "الرحمن" الذي يحصره على أتباع حركة التوحيد والإصلاح وذراعها السياسي . بالتأكيد أن الأمر لا يتعلق ببيان حكم الشرع في شرب الخمر ، الذي هو حكم معلوم من طرف كل المواطنين . بل الأمر يتعلق بإصرار حزب العدالة والتنمية على خوض الصراع السياسي لفرض مشروعه المجتمعي تحت غطاء ديني . ومن شأن هذا التوظيف الديني في المجال السياسي أن يقود إلى فتنة طائفية بسبب تقسم المواطنين إلى كتلتين : كتلة اللادينيين ، وكتلة المؤمنين . وهذا ما يفصح عنه صراحة مقال نشرته "التجديد" تحت عنوان " الخمر وصراع المشاريع المجتمعية" جاء فيه(إن الجدل المثار بشأن الخمر في المغرب يعكس بوضوح صراع القيم والمشاريع المجتمعية في البلد بين مشروع مجتمعي يرى إمكانية التطور والتحديث ومواكبة العصر مع المحافظة على القيم والأخلاق الإسلامية والخصوصيات الوطنية والحضارية، ومشروع يرى أن مواكبة العصر والحداثة لا تستقيم دون ركن الدين وحصاره في أماكن العبادة، وإطلاق الحريات الفردية حتى وإن كانت متعارضة مع هوية البلد وخصوصيته ودستوره). وهذا تأكيد لما سبق وقاله الدكتور الريسوني لقناة العربية ( الآن هناك دعاة كثيرون للإصلاح لكنهم مثلا في بلدنا وفي غير بلدنا يرون بالذات أن الإصلاح هو إزالة ما بقي من ديننا ، ونحن نقول الإصلاح هو إعادة ما ضاع من ديننا ) . إذن ، بات مؤكدا أن العدالة والتنمية ينقل صراعه ضد خصومه السياسيين ، وفي مقدمتهم حزب الصالة والمعاصرة من المجال السياسي إلى المجال الديني . ولا خلاف ، في هذه الحالة ، بين التكفيريين والبيجيديين ،إذ كلاهما يرمون الحداثيين بمعاداة الدين وإفساد قيم المجتمع الدينية والاجتماعية . وإذا ما تمادى فقهاء الحركة والحزب في فتاواهم فسيكرسون المسئولية المعنوية لهيئاتهم في التحريض على العنف والإرهاب ؛ لأن إلصاق تهمة معاداة الدين للحداثيين ،وتحريم التسوق من المحلات التجارية بعينها يشرعن للجهاديين قتل الأبرياء وتخريب الممتلكات . لهذا ، وأمام مخاطر التسيب في الإفتاء لغايات سياسوية ، بات لزاما على إمارة المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى التدخل لحماية أرواح وأعراض وممتلكات المواطنين أيا كانت قناعاتهم الفكرية والسياسية . ذلك أن الجهة الوحيدة المخولة بالإفتاء هي المجالس العلمية . وأي تهاون سيفتح باب جهنم على المجتمع والدولة والنظام .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زواج القاصرات جُرم اجتماعي وقانوني .
-
جماعة العدل والإحسان والنبوءة المكذوبة .
-
هل ستكون الأحزاب السياسية في الموعد مع رهان الجهوية ؟
-
من يجر المغرب إلى فتنة الإفتاء ؟
-
أفْغَنَة شمال إفريقيا جزء من إستراتيجية تنظيم القاعدة.
-
ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟
-
موقف الإسلاميين إزاء النضال من أجل حقوق المرأة .
-
لما الإصلاح يقوده الأمراء ويناهضه الفقهاء !
-
هجمة التطرف من المحيط إلى الخليج .
-
هل ستعي الجهات المعنية رسائل جماعة العدل والإحسان ؟
-
جماعة العدل والإحسان وحوار الطوفان لإسقاط النظام .
-
معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور .
-
هل يمكن أن تكون مدونة الأسرة قاطرة للإصلاحات الشاملة ؟
-
القيم بين الخصوصية والكونية .
-
الدولة بين اتهامات الإعلاميين ومخططات الإرهابيين .
-
أما آن للحكومة أن تتحمل كامل مسئوليتها تجاه الشعب ؟
-
مواجهة الإرهاب والتطرف ضرورة تحتمها نوعية الخلايا المفكَّكة
...
-
11 شتنبر :ذكرى الأحداث الإرهابية التي جسدت مخاطر التطرف الدي
...
-
لم يتمسح مصطفى العلوي بأعتاب الشيخ ياسين ؟
-
جماعة العدل والإحسان حركة انقلابية ترفض العمل في إطار حزبي .
...
المزيد.....
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|