سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 16:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفكرالدينى مشيد على عدد لا بأس به من الغيبيات التى لا يمكن التأكد والتيقن منها بالرغم من عظم إدعائها ..فما بين الجن والعفاريت والشياطين أضافة إلى الملائكة ذوات الأجنحة ..إلى جنة الخمر والنسوان ..إلى جحيم النار والزقوم ...إلى وقت سيقوم فيه الأموات من الموت بعد أن ذابوا فى كل الوجود ..إلى يوم سيتم فيه هدم المعبد بكل مافيه.
الأنسان الدينى يحمل على كاهله كم من الخرافات والغيبيات لا يستطيع إلا أن يصدقها ويؤمن بها ..ولعل الفكر الدينى من الذكاء أن يجعل الإيمان بهذه الخرافات من صلب العملية الأيمانية ...وأن مجرد إثارة السؤال والتوقف أمامها يخرج المؤمن عن إيمانه .!!
ومن هنا تأتى أول دروس ترويض وتجميد العقول ..أن تسلم بأفكار غيبية كبيرة بدون أن ترفضها أو حتى تتوقف عندها أو حتى تتأملها , فيسهل بعد ذلك تعبئة رأسك بما لذ وطاب من الخرافة .
الغريب أن هذه العقلية المستسلمة المتقولبة لها من الجرأة أن تتعامل مع غيبيات الأخرين بجرأة شديدة !! فتحقر وتستهزأ بها بينما غيبياتها لا تزيد عنها شيئاً...لذلك سنحاول أن نسرد أحداث تجمع عليها كافة المعتقدات الإبراهيمية .
ومن الصعوبة بمكان الخوض فى الغيبيات كونها لا تمتلك أى دليل على وجودها ..بل تكون مهمة إثباتها موكولة لمن يدعيها ..ولكن من حقنا أن نناقش الأسطورة الدينية عندما تضع أقدامها على أرض الواقع ..أى عندما تمتلك الجرأة أن تقحم نفسها فى التاريخ بأحداث تدعيها , فحينها هى مطالبة كأى إدعاء أن يثبت ذاته ويعلن عن نفسه ونكون بذلك خرجنا من مجرد السرد الغيبيى لندخل إلى نفق التاريخ وأحداثه.
*** حاجة غريبة ...الضربات العشر .
تعرفون الضربات العشر التى ضرب الله بها شعب مصر العريق من أجل عيون الشراذم اليهودية ...لقد أثارت فى داخلى درجة من التوقف والرفض لهذه القصة المفعمة بالعنصرية والعنف والبداوة والهمجية ..ليس تعاطفاً مع أجدادى المصريين فحسب ..بل فى تلك الطريقة الشرسة التى تعامل بها الرب مع شعب بأكمله .
تقول الأسطورة ...أن موسى عزم على تحرير شعب أسرائيل من العبودية لفرعون والتوجه إلى أرض الميعاد , وهنا سنحترم موسى فى رغبته موسى التحريرية .
ولكن المشكلة أن الله أراد التدخل بشكل دراماتيكى لإنقاذ شعبه المختار ...فيستهل الكتاب المقدس فى بداية كل ضربة همجية... بأن يذكر أن الله قسى قلب فرعون حتى يتمجد الله وسط شعبه , هذا مع كل عمل بربرى يمارسه ضد شعب مصر .!!
لقد تحول شعب مصر العظيم بأطفاله وشبابه وشيوخه إلى فئران تجارب يتم ضربها حتى يتمجد إله البداوة .!!
حاجة غريبة ...طالما أن الله مارس هذه الأعمال الخارقة الأنتقامية أليس كان من الأفضل ومن الأسهل أن يمارس معجزات أقل وطأة وأعظم تأثيرا ..كأن يلقى غشاوة على عيون حرس فرعون ويعبر باليهود من مصر بهدوء وسلام ..أو ينقلهم على سحابة كبيرة سمائية بدون كل هذه الجلبة والضربات الوحشية ..هكذا كان لسان حالى فى الطفولة المبكرة .
يبدو أننى كنت أكثر إنسانية من إله البداوة ,,, أو قل بمعنى أدق أكثر إنسانية من هذا الشعب العبرانى مبدع الأسطورة المفعمة بكل الحقد والكراهية والعنصرية ضد الأخر .
كل الأديان الأبراهيمية اليهودية والمسيحية والأسلامية تعترف وتؤمن بهذه القصة التى إسمها الضربات العشر ..وليس من الغرابة أن تتفق جميعا على ماكل ماهو بشع .!!
للحديث عن قصة الضربات العشر شجون كثيرة ...ولكن سنكتفى بهذا القدر لأن الرؤية التى نحن بصددها تهتم فى وثوقية الحدث ذاته .!
نحن بصدد حدث تاريخى مهول مر بأحداثه الهائلة على شعب بأكمله ...
الحاجة الغريبة ...أن هذا الحدث ليس معروفاً ولا مذكوراً ولا مدوناً إلا فى الكتب الإبراهيمية ...!!!
يعنى أصحاب الشأن الذين إبتلوا بهذه الفواجع الكبيرة لم يذكروا عنها شيئاً .!
ولمن لا يعلم فالتاريخ المصرى القديم لم يهمل خاطرة ولا واردة إلا وسجلها على الجدران وأوراق البردى ...فمن المعتقدات والتاريخ إلى أداب التعامل والسلوك , ولم يتم ذكر لهذه القصة بالرغم من جلل دراميتها وفجيعتها , فحدث جلل بهذا الحجم لا يوجد له أى أشارة فى التاريخ المصرى القديم ......حاجة غريبة
قد يحاول أصحاب التبريرات أن يتحفونا بمنطق أن التاريخ المصرى لن يسجل خيبته أمام ضربات الله ...!
طبعاً هذا هراء شديد ...فما المانع من ذكر هذه الأحداث الجليلة كتاريخ بدون إنسابها إلى الله ...أى بتحويرها وإلباس الحدث إلى ألهة فرعون ...أى أن الألهة المصرية هى المسئولة عن كل هذه اللعنات , كما نفعل نحن وننسب كارثة تسونامى مثلاً إلى الله .
وحاجة غريبة ...أن لا تذكر أى حضارة مجاورة قصة الضربات العشر ...وحاجة غريبة أن لا نعثر على دليل أحفورى واحد يؤكد هذا الحدث الجلل.
نحن نفتش عن حدث مادى كبير فلا نجده ...نتكلم فى تاريخ فنجده هباء ..
أليس غريبا ...أن لا يوجد أثبات ولو بسيط على هذه المعجزات الألهية طالما هى وضعت أرجلها على الأرض وغزت عمق التاريخ .
هل نعتبر قصة الضربات العشر رصيد يضاف إلى كم الأساطير والخرافات التى تحفل بها الاديان .
حاجة غريبة .
*** حاجة غريبة ...عصا موسى وجيش فرعون .
ليس مشكلة أن الفكر الدينى يتكأ على غيبيات وخرافات ليس لها أى وجود ...ولكن المشكلة الأكبر أن يغرس قدمه فى الأرض والتاريخ .
قد تكون هناك حادثة ما فى التاريخ ويختلف البشر فى تفسيرها وتأويلها , فهنا لا بأس ولكن أن تبتدع قصة من أولها إلى أخرها ....فهذا هو العبث بعينه .
تكلمنا فى الجزئية السابقة عن الضربات العشر ...وبينا أن هذه الضربات الألهية المزعومة ليس لها فى التاريخ من واقع .
نأتى إلى شق موسى للبحر الاحمر بعصاه السحرية ليغرق فرعون وجيشه ...إذن نحن أمام معجزة ألهية أخرى من القوة والوضوح ..والغموض والضبابية أيضا ..وتكمن الضبابية فى عدم وجود تاريخ يؤكد هذه القصة إلا مدعيها .
فلا التاريخ المصرى القديم الذى لم يهمل لاشاردة ولا ورادة أشار إلى هذا العمل الجلل ...ولا تاريخ حضارات معاصرة للحدث ...وثقت له .!!
الأغرب من كل هذا ...أن القصة هى أيضاً بخلت علينا بأى دليل مادى يثبت هذه الواقعة الرهيبة بالرغم من ضخامة الحدث .!!
فنحن أمام جيش جرار بمعداته وعرباته التى تتعدى 600 عربة علاوة على ألاف من الجنود برماحهم وسيوفهم ودروعهم....جيش بهذا الضخامة ذاب فى مياه البحر دون أن نجد له أى أثر . !!
كان من السهولة على الله أن يهدى البعثات الاستكشافية التى قامت جاهدة تتلمس أى خيط تؤكد هذه الحدوتة ..فلم تفلح أى منها فى العثورعلى عربة واحدة من عربات جيش فرعون ..!!!ولا على سيف أو رمح أودرع أوخوذة .!!
أليس غريباً بأن نعثر على كل دقائق حضارات وثنية قديمة تمجد أصحابها وألهتها ( والمفروض أنها تمت بإرادة الله ) ومنها الحضارة المصرية التى أدعى الله أن أصحابها أعلنوا تحديه له ...ولم يقدر الله أن يظهر أثار معجزته العظيمة هو..حاجة غريبة .!
المشكلة هنا كما نوهت سابقا , ليست فى إبداع الخرافة فى المطلق كما فى قصص الجن والعفاريت والتى تم تحصينها بشكل جيد حتى تبقى لها وجود فى نفوس المتعاطين بها ..بل تكمن المشكلة أنه يتم العبث بالتاريخ أوبمعنى أدق يتم إختلاق وإختراق التاريخ .
طالما الفكر الدينى يتعامل مع التاريخ أو بمعنى أدق يتعامل مع المادة ..فأما أن يقدم رؤية صحيحة ومحترمة حتى لو إختلفنا معها وإما سيفضحه التاريخ .
*** الخروج العظيم .
وطالما نحن مازلنا فى محطة مصر فسنتطرق لقصة الخروج العظيم للشعب الإسرائيلى من مصر فى طريقهم إلى العزبة المحببة لهم وليهوه ..أرض فلسطين وكنعان .
الغريب ..أنه بعد تدخل الله بشكل إعجازى لخروجهم من مصر ..إلا أنهم بقوا فى سيناء لمدة تزيد عن الأربعين عاما ..!!
والأغرب ..أن شعب يقدر بعدة مئات الألاف من البشر عاشوا تلك الفترة من الزمن ولم يتركوا ورائهم أى قطعة فخارية أو عظمة بشرية أو جمجمة أو أى أثر يدل على أن هناك شعب عاش فترة ليست بالقليلة فى سيناء .
لقد حاولت بعثات إستكشافية علمية وعلى أعلى مستوى وخصوصا فى فترة الأحتلال الصهيونى لسيناء أن تعثر على أى أثر يدل أن هناك شعباً كبيراً عاش بمدة كانت كفيلة أن يشيدوا فيها قرى ومدن صغيرة ...فلم يجدوا أثار لوتد خيمة قديمة .!!
والذى يزيد الأمور غرابة ..أن الشعب اليهودى حريص على دفن موتاه وعدم تركهم لوحوش الأرض والسماء ونرى هذا الأمر أصيلاً فى ثقافتهم ..ولكننا لم نعثر لا على مقابر ولا رفات .!!
شئ غريب أن نجد كل السرد الدينى بما من وضع قدمه عنوة فى التاريخ غير قابل للأستدلال والتأكد من حدوثه .!!
وإلى حاجات غريبة أخرى .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟