أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سامي المصري - النكسة 2- رد على مقال «من الخمسينات حتى نجع حمادي» للأستاذ شامل عبد العزيز















المزيد.....

النكسة 2- رد على مقال «من الخمسينات حتى نجع حمادي» للأستاذ شامل عبد العزيز


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 2905 - 2010 / 2 / 2 - 12:28
المحور: مقابلات و حوارات
    


مر 42 عاما على هزيمة 1967 ومازالت الشماتة الوهابية الصهيونية الاستعمارية المشتركة تتشفى في عبد الناصر لتهيل التراب على أمجاده الحضارية العملاقة. لو هناك إنسان آخر على الأرض حقق لشعبه جزءَ مما حققه عبد الناصر لخلد اسمه وأقيمت له تماثيل الذهب. لو قدرت أعمال عبد الناصر بأسلوب علمي أمين لاعتبره العالم الرجل الأول للقرن العشرين. إنجازاته على المستوى المحلي أو الأفريقي أو العربي أو العالمي بالغة الأثر. آثاره السياسية العميقة في العالم غيرت الكثير من المعالم، بل أفشلت الكثير من المخططات المدمرة ضد شعوب الأرض، فأبطلت الآثار الإستراتيجية المخربة للحرب العالمية الثانية. لقد أشاد بذلك شارل ديجول الذي لم يصل لحكم فرنسا إلا بفضل عبد الناصر ومعركة 1956 حين أسقط الأنظمة الفاسدة التي أفرزتها ومكنتها الحرب العالمية الثانية ضد الإنسان. إن قدراته الفائقة وأعماله البنائية وفكره المتحضر السابق لعصره قد حرك كل أعداء الإنسانية في محاولات مستميتة ومستمرة لتدميره وتدمير آثاره الحضارية، فصار هدفا لكل متآمر وخائن للقيم الإنسانية. جريمة تشويه اسم عبد الناصر بدأها أنور السادات الرجل الذي عمل في الاتجاه المعاكس تماما لكل انجازات عبد الناصر، كما حاول أن يمحو كل آثاره الحضارية فيما حققه لمصر من أمجاد ويطمس معالم نهضته لحساب الوهابية العروبية العفنة. كانت النكسة هي التكئة التي يعتمد عليها كل من يشوه التاريخ الحضاري لمصر ورائد حريتها العظيم. فلم يبطل الحديث عن النكسة في كل مناسبة وبدون مناسبة كوسيلة للإساءة للبطل ولمصر. لذلك رأيت أن الحديث عن عبد الناصر لا بد أن يبدأ بمناقشة حقيقة النكسة وما يعتريها من غموض متعمد.

في القرن العشرين كل الدول العظمى تعرضت لهزائم غاية في الضخامة أكثر من النكسة بما لا يمكن قياسها، وكان لها من الآثار العظيمة على الإنسانية، ومع ذلك فإنه ما من شعب يتعامل مع هزائمه بمثل ما يتعامل شعوب المنطقة العربية والإعلام المصري والعربي بل والعالمي مع نكسة 1967 بالتحديد. كل ذلك ليس له أي دلالة إلا بث روح الهزيمة والإحباط والتشهير بالفترة الحضارية الرائعة التي تخلصت فيها مصر من ربقة الاستعمار الذي عانته لمدة 2500 عاما متواصلة. الاستعمار يستكثر على مصر حريتها التي حققتها لفترة وجيزة خاصة الفترة الأولى من حكم عبد الناصر، لذلك فهو لا يستهدف فقط تشويه تلك الفترة بل يداوم على التذكير بذلك ليحبط كل محاولة لحرية الشعوب. من العجيب أن نري سيل المقالات التي تتحدث في أسى عن النكسة وتنسب لها جميع أسبابا الفشل والجرائم التي ارتكبتها الحكومات الفاسدة التي أتت بعد عبد الناصر. فما من فساد يذكر إلا ويكون فرصة هائلة لإلقاء بتبعاته مع كل الجرائم على عبد الناصر وعصره الذهبي الذي يسمى بالزمن الجميل.

كل الدول العظمى تعرضت للهزيمة في القرن العشرين. أمريكا هزمت هزيمة ساحقة في بيرل هاربر أمام القوات اليابانية ولم تكن لتكسب الحرب أمام اليابان إلا بسلوك جبان هو استخدام القنبلة الذرية. الثلاث دول العظمى التي تحالفت ضد ألمانيا، فرنسا وإنجلترا وروسيا كل منهم على حدة تعرضت لهزيمة مهولة كما هزمت ألمانيا وإيطاليا. وكل هزيمة كانت بحجم نكسة مصر في الأثر والخسائر آلاف المرات، ومع ذلك ولا شعب من هذه الشعوب ندب نكسته كما نفعل نحن ونحتفل كل عام بالذكرى بشكل مأسوي حتى ننسب زورا وبهتانا كل أسباب الفساد والفشل التي نعانيها اليوم لعصر يعتبر أكثر العصور ازدهارا في تاريخ مصر منذ قدماء المصريين.

فرنسا كانت في ذلك الوقت ثاني دولة عظمى على الأرض، وكانت تنافس بريطانيا على عرش العالم في التحضر والعلوم والاستعمار وكل شيء... فرنسا العظمى اندحرت في أسبوع واحد أمام قوات هتلر الذي اقتحم خط ماجينو الذي لا يقهر حسب ما قيل عنه من أساطير. اقتحم رومل فرنسا بوحدات البنزر فسقطت كلها كدولة وصارت بلا حكومة تحت الحكم النازي المذل بلا رحمة. على الأقل مصر أثناء النكسة احتفظت بقوامها كدولة حرة قادرة على صنع القرار. وكل ما خسرته جزء صحراوي لا يشكل أهمية كبيرة. ومع ذلك ففي فرنسا لا يتعاملون مع هزيمتهم التي أصبحت تاريخا، بمثل الندب والتباكي على سيناء العزيزة حتى بعد استردادها بل وبعد 42 سنةَ!!! لست أظن ذلك له شبيه، مع تأكدي أن كل الندابين لا يعرفون تماما ما هي الخسائر، بل لا يعرفون ما هي المكاسب التي حققتها مصر كرد فعل للنكسة، بل وقد أخفيت أسرار الحقائق العلمية للنكسة عن الكل حتى لا يكشف عن الأبطال الحقيقيين والمزيفين فتحولت النكسة لأحجية وسرا مطلسما دون مبرر.

بريطانيا العظمى صاحبة النصر الفاخر في الحرب العالمية الثانية لو رجعت للتفاصيل الدقيقة لهزائمها وفضائح انكساراتها في العديد من المعارك أثناء الحرب العالمية لتعجب كيف نسيت كلها تماما، فلا أحد يسمع غير النصر العظيم. القائد البريطاني العظيم "ويفيل" بعد أن اكتسح القوات الإيطالية في شمال أفريقيا، مما حقق له شهرة كبيرة إلا أنه لم يهنأ بذلك حتى ظهر رومل في طرابلس فجأة فتغيرت الموازين تماما. وصل رومل ومعه الفرقة 15 بنزر وبعض الوحدات المسماة بالفيلق الأفريقي وكان عددها وعتادها يقل كثيرا عن القوات البريطانية مما جعل ويفل يستهتر بها. وكان وفيل قد دعم قواته بفرقة هندية وأخرى أسترالية مما كان يعطيه ثقة زائدة, فأرسل بعض من وحداته إلى اليونان لدعم الجبهة التي كانت تعاني الهزائم هناك، وبدأ يعمل تحصينات دفاعية حول المواقع التي احتلها مما يظهر أن خطته انتقلت من الهجوم إلي الدفاع، وانتهز رومل هذه الفرصة حيث تكون القوات في أضعف حال، فبدأ ضرباته قبل أن يعطي ويفل الفرصة لبناء استحكاماته الدفاعية. كان ذلك في 24 مارس عام 1941. لم يكن وفيل قد هنأ بنصره حتى مني بهزيمة مريعة تلو أخري أكثر ترويعا وحوصر في طبرق وظل محاصرا 250 يوما انتهت بعزله بعد ضياع قواته. وعين آخر غيره وغيره وعزلوا كلهم مع تقهقر القوات من معركة فاشلة لأخرى أكثر فشلا. ومع كل هزيمة كان يعاد تنظيم القوات مع وصول الدعم اللازم للقوات البريطانية من فرق جديدة بعد أن تكون الوحدات شبه أبيدت أمام قوات رومل، الذي لم يصل إليه أي دعم. خلال هذا التقهقر هناك أسماء لعدة معارك منها إجدابيا، بني غازي، حصار طبرق، معركة الغزالة، معركة الكروسيدر(اسم دبابة بريطانية جديدة كانت دخلت المعركة لأول مرة وانتهت بهزيمة مروعة للقوات البريطانية وبما يعرف بمقبرة الدبابات) معركة البردية، معركة قبر صالح، معركة السلوم (حيث دخل الحدود المصرية)، معركة مرسى مطروح، معركة العالمين الأولى، معركة علم حلفا، معركة العالمين الثانية. كل معركة من هذه المعارك كانت بها خسائر تقدر بآلاف المرات لخسائرنا فيما يسمي بالنكسة. ومع كل مرة كانت تقيم الأخطاء بأسلوب علمي ليس فيه انفعال حتى يمكن تلافيها. وفي النهاية انتصرت بريطانيا، فهل تذكر بريطانيا تلك الهزائم كلها ونحرص على الندب ووضع الأخطاء تحت الميكرسكوب ونحدث عن العار والفضيحة أم يذكر النصر الأخير؟!!! لماذا نتعامل مع النكسة بكل هذا التهويل بل وتشويه الحقيقة إلا لغرض في نفس يعقوب؟!!!

إسرائيل في عام 1973 بعد أن قامت بعمل أكبر استدعاء للاحتياطي في التاريخ حتى أنها أغلقت مصانع الماس لأول ولآخر مرة في تاريخها. كان ذلك قبل الحرب بحوالي شهر استعدادا لتسديد أكبر ضربة قاضية لمصر. وفي يوم المعركة قامت طائراتها بعمل مظلة جوية فوق سيناء قبل ساعة الصفر بساعتين. وظلت الطائرات في الجو تنتظر الطائرات المصرية الضعيفة جدا حتى تقضي عليها في دقائق وبذلك تنهي على المعركة مثلما حدث في عام 1967. لكن الطائرات المصرية لم تظهر مما اضطر الطائرات الإسرائيلية العملاقة للهبوط في مطارات سيناء. وفي لحظة هبوطها انقضت عليها الطائرات المصرية ودمرتها جميعا على الأرض، كما دمرت كل مواقع الصواريخ بسيناء، كما قامت بتدمير كل مطارات سيناء، والأخطر من كل ذلك أنها قامت بدفن مركز قيادة سيناء الأمر الذي جعل خط برليف معطل تماما. إن من يتعامل مع الحقائق بشكل علمي يدرك أن ضربة الطيران الإسرائيلي في عام 1973 كانت أكثر فداحة وقوة من ضربة الطيران المصري يوم 5 يونيو عام 1967 بما لا يقاس إن ضربة الطيران الإسرائيلي عام 1973 لم تأخذ سوى دقائق معدودات ليس 6ساعات كما يقول الأستاذ شامل (عن ضربة الطيران يوم 5 يونيو)، وترتب عليها شلل كامل للقوات الإسرائيلية استمر لمدة أربعة أيام مما مكن قواتنا من أن تحتل وتدمر خط برليف الأسطوري!!! لمادا لا يحدثنا المتشدقين بالنكسة عن تلك الضربة العملاقة التي قامت بها مصر بقواتها الأضعف جدا لقوات أعظم منها جدا، بقدر عظم الطائرة الفانتوم أمام الطائرة السوخوي أو الميج 19. ولم تظهر طائرة إسرائيلية واحدة لمدة أربعة أيام وأول طائرة تظهر بعد ذلك كانت تحمل علم جنوب إفريقيا. ثم تلقت الإمداد الجوي السريع من أمريكا بطائرات مع الطيارين لتغطية الكارثة الإسرائيلية. لماذا لا نسمع من الصحفيين العرب الأشاوس سوى النكسة .. النكسة …؟ فلتقونا بها منذ 42 سنة مرددين دعاية العدو بصورة قميئة ومبالغا فيها. لماذا ينددوا ويكبروا بالهزيمة المصرية لمدة 42 عاما وأما النصر الساحق على العدو وهزيمة العدو فيخفونه؟ أليس ذلك خيانة؟!!!

مصر هزمت في معركة واحدة فقط في حرب مُروِّعة مع عدو غاية في الشراسة ساندته أمريكا بكل قوة سواء بالتسليح أم بالمساندة المباشرة (المركبة ليبرتي التي يتجاهلها الجميع). واستمرت الحرب ستة سنوات كاملة لم تكن ست ساعات ولا ستة أيام كما يزعمون!!! خلال تلك الفترة دارت العديد من المعارك الضخمة، وضعت كلها تحت مسمى غارات العمق. وارتكبت إسرائيل في تلك القترة جميع جرائم الحرب بينما كانت روسيا تمنع إمدادنا بالسلاح الضروري للدفاع عن النفس أمام أحدث الأسلحة الأمريكية التي تستخدمها إسرائيل. معارك كثيرة ورهيبة دارت كانت البطولة المصرية تتوالى من معركة رأس العش إلى معارك جزيرة شدوان، تم فيها هجمات فوق الطاقة والاحتمال ضد مصر المجردة من السلاح. في ليلة واحدة ألقت الطائرات الإسرائيلية 1200 طن من القنابل على ميل مربع في منطقة الزعفرانة، وكانت تعتبر أكبر كثافة نيران أسقطت في تاريخ الحروب على موقع. وصمدت مصر بكل جدارة ضد كل الجرائم. ولكن لا أحد يذكر لها تلك البطولات التي لا تقدر عليها حتى الدول الكبرى.

روسيا صاحبة المصلحة الأولى في النكسة من يوم أن زعمت أن هناك حشودا إسرائيلية على سوريا، ودفعت بمصر للحرب بأساليب غاية في الالتواء. كما كانت قد دبرت قبلا حرب اليمن لتنهك الجيش المصري قبل أن تدفعه للمحنة. وكانت السعودية هي المنفِّذ لجريمة اليمن، ولكن لا أحد يدين الجرائم السعودية في حرب اليمن لأنها كانت تعمل بكل همة لدمار الجيش المصري لحساب إسرائيل. إن عار اليمن لا يقع على عبد الناصر الذي استدِرج رغم معارضته الشديدة لها بضغط روسي فوق الطاقة لكنه يقع بالأكثر على الطرف السعودي الذي قام بدور العدو لينفذ خطة أمريكية مدبرة ليس فقط ضد مصر بل ضد المنطقة العربية كلها. كانت روسيا هي المستفيد الأول من الكارثة حتى تثبِّت وجودها في أخطر موقع استراتيجي على الأرض، ومدخل القارة الإفريقية. فوقعت مصر بين مطرقة إسرائيل وسندان روسيا اللذان تعاونا معا لتدمير الوجود المصري من أجل مصالح إستراتيجية مشتركة.

لم تكن النكسة هي هزيمة القوات المسلحة المصرية وحدها، لكن شاركها في الهزيمة القوات الأردنية التي لم تبذل أقل الجهد للدفاع عن أراضيها بل قدمتها هدية لإسرائيل عن طيب خاطر. أما على الجانب السوري حيث دُبِّرَت المكيدة لمصر كان العار الحقيقي حيث بيعت الجولان لإسرائيل بالثمن. الحديث عن النكسة الذي استمر 42 سنة حتى اليوم لا يشير بأي شكل للعار السوري الذي تآمر على مصر لحساب روسيا، ولا للفشل والفساد الأردني. لكن المقصود بأي حديث عن النكسة هو الازدراء يمصر وحدها وجمال عبد الناصر البطل القومي الذي يجود بمثله الزمان كل قرون طويلة. بالرغم من أن لا سوريا ولا الأردن بذلتا أي جهد أو تعرضتا لهجوم إسرائيلي واحد خلال حرب الست سنوات ولم يبذلا أي جهد في استرداد الأرض. ورغم أن مصر هي الوحيدة التي تحملت وحدها كل الحروب حتى استعادت أراضيها من فم الأسد بكل جدارة بالدم والفداء. وصمدت أمام كل قوى العالم ووقفت وحدها أمام أمريكا وروسيا، معا أصحاب المصلحة الحقيقية في النكسة.

لم يكن لدى مصر سلاح كافي ولا كفؤ للصمود أمام أحدث ما أنتجته المصانع الأمريكية، فكان السلاح المصري سلاح روسي من مخلفات الحرب العالمية الثانية. فلم تكن مصر تملك لا الكم ولا الكيف ولا الحد الأدنى من التسليح. وبينما لم تكن مصر تملك الدبابة البنزر ولا تلك الأسلحة النمطية الجبارة ولا عدد القوات أو كمية السلاح التي اقتحم بها هتلر خط ماجينو، ، فقد كان عليها أن تقتحم أكبر مانع مائي اقتحمه جيش في التاريخ، وذلك المانع يليه سد ترابي يرتفع ثلاثين مترا، وبه من التحصينات والألغام وقاذفات اللهب المسيطر عليها إليكترونيا، ما يفوق عشرات الأضعاف خط ماجينو وحصن كابتزو. وبكل تلك الإمكانيات المتناهية في الضعف تقف مصر أمام عدو يملك أحدث أسلحة أنتجتها مصانع العالم، وتقف امام أقوى حصن عرفته الحروب في التاريخ. ووقف البطل جمال عبد الناصر وراء شعبه وقواته المسلحة المجروحة يلملم شعثها ويجمع تمزقها ويضمد جراحها بكل الصبر ويخطط ويدرس ويدبر ويجمع كل الإمكانيات الضعيفة ويبث الأمل وينهض العزيمة، ويضع كل شخص في موقعه المناسب وكل قطعة سلاح يوفرها لتسد ركنا ضروريا.

وقام جمال عبد الناصر في الوقت المناسب بتوجيه رسالة لنيكسون عبر الإذاعة المصرية المسموعة عندما لم يجد أي أمل في فك الحصار السوفيتي الإسرائيلي عن مصر وقواتها المسلحة، بينما كانت ملايين الأطنان من القنابل تتساقط فوق القوات المصرية بالجبهة. شعر عبد الناصر بوعي سياسي فائق أن نيكسون يرقب بضيق التحالف الإسرائيلي السوفيتي ضد مصر، وكان ذلك بالتأكيد يتعارض مع المصالح الإستراتيجية لأمريكا في المنطقة. ورحب نيكسون بمبادرة عبد الناصر، ونجحا عبد الناصر ونيكسون معا في تحقيق وقف إطلاق النار. وبدأ المقاتل المصري يأخذ أنفاسه بعد ثلاث سنوات من الحرب التي لم تتوقف لحظة واحدة في أشرس قتال دموي في تاريخ الحروب. وبدأت مبادرة روجرز التي حققت لمصر حلما لم يكن ممكن تحقيقه في ظل التآمر الروسي، وهو إدخال الصواريخ المضادة للطائرات لمواقعها على الجبهة. نلك الصواريخ التي أعطت الدعم الكامل للقوات في المعركة الفاصلة عام 1973 وبذلك وفر عبد الناصر لقواته كل ما هو ممكن لتحقيق النصر. وكانت تلك المبادرة الحاسمة سببا رئيسبا لتخلص السوفيت من جمال عبد الناصر، كما كانت سببا في قيام أزمة ووترجيت التي أججها اليهود ضد نيكسون، وبسببها أيضا فقد روجرز موقعه كوزير للخارجية الأمريكية فخطف منه المنصب هنري كسنجر ليسيطر على مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، لكن بعد أن تحقق كل ما هو ضروري للمعركة الفاصلة. مات عبد الناصر وهو يعمل لأخر لحظة، يدرس ويخطط ويبذل عرقه دما تختلط بدماء كل شهيد في المعركة، ودموعه نارا تؤجج شعلة الكفاح المسلح لكل جندي في ساحة القتال. مات فوق سلاحه بعد أن حقق إيقاف إطلاق النار بحياته، ووفر أمن قواته في المعركة القادمة. إنها ملحمة الفداء والبذل والصمود والشجاعة والعطاء لآخر قطرة دم ولآخر لحظة من العمر. مات عبد الناصر بعد أن ترك رجالا بالقوات المسلحة ليكملوا مسيرته وقد أكملوها. يا للعظمة!!!

أما الشعب ذو الوعي الحضاري النادر فقد ودع زعيمه بما يليق به من التكريم. كل الشعب الحر بكى فقدان عبد الناصر بكل الصدق تقديرا لكل عطاء عبد الناصر. فلا النكسة ولا التشويه أمكنهم أن ينتزعا المحبة لعبد الناصر من قلوب الشعب. نفس الشعب قابل وفاة السادات بكل الفتور والازدراء. هكذا مايز الشعب وميز بين جمال عبد الناصر رجل النكسة وِأنور السادات رجل العبور.

هل هذا هو عار النكسة الذي يتشدق به كل المتخرسون منذ 42 عاما وحتى اليوم؟!!! هل لهذا المجد الرفيع يحاولون أن ينسبوا كل فشل وخيانة من أتوا بعده، فأفسدوا جمال مصر، والرفعة التي حققها لها عبد الناصر؟!!!

إذا كان ذلك المجد ترمونه بالعار، عار النكسة، يا عملاء الوهابية الصهيونية الإخوانية، فما أروع ذلك العار!!!!

هذا المقال مجرد مقدمة قبل أن أبدأ الرد على مقال الأستاذ شامل عبد العزيز، وتكملة التعليق على أحداث نجع حمادي المفجعة التي هي الموضوع الرئيسي للحوار. فرأيت أنه من اللازم أن أتكلم أولا عن النكسة لأضع أساسا لأرضية أي حوار مستقبلي، ولأسكت ذلك الحديث المسرطن المتكرر منذ 42 سنة. ومع كل التقدير للأستاذ شامل في كتاباته التنويرية، ومع ثقتي في أنه قد أقام فكرته على ما وصله من معلومات مضللة لم يعايشها بنفسه، لذلك وجدت أنه من الأمانة ألا اصمت عما عايشته بنفسي، لأطرح الحقيقة التي تلامست معها بشكل شخصي على ساحة المعرفة، فالحق أحق بأن يحق.

وللحديث بقية طويلة في كل المواضيع المفتوحة خاصة نجع حمادي، معذرة لوهني.

ملاحظة: مقالي الأول عن النكسة تحت الرابط التالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=137142



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجع حمادي 2- «الوضع الكنسي وسقوط أقنعة السلطة الفاسدة»
- نجع حمادي 1- «الوضع السياسي وفشل النظام المصري»
- كل سنة والحوار المتمدن بخير
- ما بين عزبة الهجانة ومذبحة الخنازير
- الأنبا شنودة يتعدى ويتحدى القوانين الكنيسة 2- «القرعة الهيكل ...
- أهل القمة ... و«القمامة» و «الرفاهية»
- الأنبا شنودة يتعدى ويتحدى القوانين الكنيسة -1
- حوار غبي في برنامج مزعج عن مشاكل الأقباط
- شعار المؤتمر السادس للحزب الوطني في مصر... «من أجلك أنت»
- التعصب الديني والخراب القومي والفساد الكنسي في مصر
- صراع أساقفة الأقباط حول الكرسي البابوي
- البطريرك الصحفي وأزمة دير أبو مقار
- مصر للمصريين .... وأزمة القمامة
- رواية عزازيل بلطجة وهَّابية: (4) هدفها تشويه التاريخ الحضاري ...
- رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (3) وتشوه أدبي يفتقر للحد الأد ...
- رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (2) تُسقِط الطبيعة الدموية الع ...
- رواية عزازيل بلطجة وهَّابية.. (1) أهم أهدافها بث روح الكراهي ...
- أوباما والأقباط بين حق السيادة والمواثيق الدولية لحقوق الإنس ...
- الدكتوراه الخامسة في النفاق... وبطريرك
- حرب إبادة الخنازير جريمة قومية


المزيد.....




- العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب ...
- ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا ...
- الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ ...
- صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م ...
- كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح ...
- باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا ...
- شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
- أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو ...
- زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
- مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سامي المصري - النكسة 2- رد على مقال «من الخمسينات حتى نجع حمادي» للأستاذ شامل عبد العزيز