|
حيونة الأنسان!
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 31 - 16:58
المحور:
كتابات ساخرة
تختلط في ذاكرتي المتناقضات، ثمة اشياء جميلة، جميلة للغاية، وثمة أشياء قبيحة تبعثُ على القرف، كما تجتمعُ في ذاكرتي تحت سقف واحدٍ في قبعة رأسي تلك المتناقضات، كذلك هي الحياة تجتمعُ فيها الرذائل والقيم وتصطفُ معا ً في سلسلة متلاحقة ومتشابكة الخطوط المؤدية لبوابات لا يعرفُ سبر غورها حتى العرافون ...
الدم الأحمر القاني المسفوك الذي ينتشرُ في أروقة الموتِ على البلاط ورذاذه المنتشر على الجدران هو مزيجٌ من دماءِ حَمَامَاتٍ بيضاء وبقايا السائل اللزج من شرايين الأطفال المؤنفلين، وأخرى هي بقع حمراء تعود لبقايا أجسادٍ لرجال ونساءٍ من الأنصار، وفي زوايا الصورة المتخيلة بقايَا من لحم بشري عفن قذفته قنبرة مدفع إنطلقت من بعدٍ متخطية الحدود والموانع لتمزق أجساد أربعة جنودٍ كانوا يتسامرون في زمن الحربِ لساعة متأخرة من الليل. بعد أن حلّ الظلام ليغلف الكون بعبائته السوداء ويمنع إشتباك الطرفين لساعاتٍ محدودةٍ. لكن فرق الموت أبت أن تستجيب لنداءِ الطبيعة الداكن فعادت لتشغل الجوَ من جديدٍ بتلك القذائف التي توزعُ الموت والدمار، في معادلةٍ متواصلةٍ ليس للطرفين المباشرين علاقة بها بحكم عدم معرفتهم للبعض... الجنديّ الذي لقمَ المدفع العملاق لتنطلق منه تلك الشرارة التي تدفع القنبرة إلى الأفق البعيد لتسقطها على الطرف الثاني من الجنود المتسامرين وتمزقهم لا يعرفون بعظهم، ولا تربطتهم أية صلة في هذا الكون الشاسع. وحده قانون الصدفة يقررُ نتائج هذه اللعبة الخطيرة التي إبتدعها الكبار، ممن يشحنون الكون بالمزيد من التوتر والخلافات، ليبيعوا بضاعتهم الكاسدة على شكل مدافع بعيدة المدى وطائراتٍ حربية متطورة تنتجها الشركات المعولمة في هذا العالم الكبير. الذين يسْعوَن لضغطهِ وإختزالهِ ليصبح بحجم بيضة مسلوقة يفضلون تسميتها بالقرية الكونية، أسيادها الحقيقيون هم تجار الحروب الذين يكدسونَ الورق الأخضر في البنوك، بعد أن قرروا إضافة نوعية جديدة من البضاعة لمنتوجاتهم التي يقذفون بها في الأسواق العالمية هي سماد من نوع خاص قرروا إستخراجه من أجساد البشر..
لهذا إختلطت الروائح والرؤى فبتنا نشمُ رائحة الدم من الحليب ومشتقاة الألبان، ولا نفرق بين الصح والخطأ بعد أن تغيرت المفاهيم وأعيد إنتاج المصطلحات التي تجعل الثورة خطأ ً تاريخيا ً اقدم عليه وإرتكبه رجال ٌ من الحمقى والمغفلين بعد أن كانوا يوصمون بالأبطال الثوريين. في الوقت الذي أصبح فيه الحلال حراما ً والحرامُ حلال يتفردُ ويبرعُ في تطبيقهِ الأرهابيون المُنتجَوْنَ كبضاعة خالصةٍ من لدن أعتى شركات الرأسمال، التي قررت توزيعهم حسب الطلب في العديد من مناطق العالم لينتحلوا صفاة عديدة، بعد أن البسهم جلباب الدين الجديد، الذي من شأنه تدمير العالم ونشر الرذيلة بين البشر بفتاوي مدفوعة الآجر، دين يقادُ بالمشوهين من أشباهِ البشر ممن مازالوا بحاجةٍ إلى حليب كامل الدسم كي تنبت لحاهم الموعودة لتؤشر على بلوغهم السن القانونية وفق معطيات العلوم التي أتفقت على الثامنة عشر كحدٍ مقبول لهذا الوصف الذي يتداخل فيه الطب مع العلم والمعرفة . أو نشاهد أصابع للأطفال محشوة في حبات ِ الخِيَار المعدلِ وراثيا ً الذي يفوقُ طوله قامة الأطفال لحظة ولادتهم، كما إنتشرت بين المزارعين دعايات تؤكد وجود باذنجان أسود محشو بعيون بشرية وذهَبَ البعض في تأكيده وتصنيفه لعائديتها لفتاةٍ سمراء من جنوب مصر تعود لأسرة فرعونية. بينما تناقلت وكالة أنباء الجوناء صحة خبر وجودِ بطاطس ٍ برأس تنبتُ منه شوارب لمبارز فرنسي من زمن القرون الوسطى .. أما البشر فباتوا يصنفون بجيلين.. جيل العولمة الذي يصعدُ ويرتقي للأعلى، يولدُ بلا أرجل، يمتطي كل وليدٍ منه بُراق معاصرة تحلقُ به في فضاءاتِ الكون الشاسعةِ بلا توقفٍ، يدور في حلقات الفضاء باحثاً عن المزيد من الثراء يسعى ويطمح لتسريع حركة دوران الأرض، التي لا تناسبُ طموحاته ولا تتفق مع نزواته، ولا تشبعُ نهمه ونوازعه. يحثُ بُراقه لتزيد سرعتها الى الأقصى كأنها تطير، ويقال إنها تتقمصُ احيانا ًأشكال جديدة للصواريخ العابرة القاراتِ المحملةِ برؤوس نووية جاهزة للأنطلاق في كل لحظةٍ نحو العالم الأسفل على الصنف الذي مازال يتواجد على هيئة بشر ويتشبثُ بآدميته وصفاته الأنسانية وقوانين الطبيعة وقيم العدالة وحق الأنسان في الخيار والعمل من المزارعين والعمال والمعلمين وبائعي الورود وراقصات البالي والموسيقيين والنجارين والعشرات من أصحاب المهن الحرة كالبنائين والمعمارين ومصففي الشعر، من الذين يحفرون الملاجىء في أعماق الأرض ليتفادوا بها الأضرار المحتملة من كائنات السماء المعولمة مِمَن قررتْ إفناء العالم السفلي وتدميره عازمة على حرق مكتباته ومحو ذاكرته من الوجود وفق خطة محكمة النسيج تمتدُ خطوطها بين مصانع الحرب ومحطات الفضاء التلفزيونية ووكالات الأنباء التي بمقدورها إنتاج الحقائق المزيفة وتسويق البضاعة الكاسدة والفاسدة في علب مسلفنة جميلة المنظر وبراقة مغرية تنقل بالبريد السريع رغم إتساع المسافة والهوة بين الجيلين .. التغيير العاصف شمل جميع الأشياء بحيث باتت فيه إمكانية عودة الأنسان لعالم الحيوان مجددا ً قاب قوسين ليسَ إلا ّ.. حيثُ تعهدت مصانع إعادة التكرير المختصة بتحويل النفايات البشرية بعد تصنيف المزابل في الدول المعولمة بطرح نموذجها الجديد المؤمل إنتاجه في الصيف القادم على شكل حيوانات منقرضة حسب الطلب وسوف تكون إولى هذه المصنفات حسب البرناج الذي تم الأنتهاء من وضع خطته الأنتاجية في الأستعداد لتسويق نموذج ما قبل الأنسان النيدرتالي بالعودة إلى الأصل القردي، ويجري الآن التفكير بإعادة الأطفال للطبيعة وتركهم في الغابات تخلصا ً من اعباء ونفقات رياض الأطفال، وسوف توضع في أيديهم السكاكين الحادة المصنعة من مادة الستاند ستيل ليقوموا بذبح اقرانهم و ستقدم جائزة للذي بمقدوره ذبح أكبر عدد من اقرانه في أسرع وقت ممكن وبذلك التمرين العملي سوف يجري إختيار أفضل سكين في العالم من حيث الجودة وستمنح لقب سكين العصر التي سيفردُ لها كينسْ موقعاً في كتابهِ ذاكرا ً رقم ذبائحها في بابِ خاص لها من بين جميع السكاكين في العالم ... كما ولدت أنواع أخرى من الكائنات وهي منتعلة لأحذية في أسفلها نتوءاتٍ تبرزُ من خلالها أسنان حادة ومدببة على شكل مسامير قابلة للغرس في أجساد البشر، ويقال أن هذا الصنف المعدل جينيا ً قد دمجَ بين الفم والأرجل ليكون أكثر عمليا ً وفق معطيات الثورة العلمية التكنولوجية التي تدمجُ المصنفات في بعضها وتنتجُ الأشياء المركبة، وعند جدولة وضع الأنسان المُحَيْوَن تمّت من خلال التطبيقات المختبرية التأكيد على إمكانية دمج الفم والأسنان والأرجل، خاصة بعد أنْ ظهر للوجود نوع جديد من الرأسماليين مهمتهم هي عضُ البشر وتمزيق أجسادهم وتم انتاج واختبار هذا الصنف المُهَجَن لأول مرة في مصانع نيويوك بإشراف وكالة ال إف بي أي المعروفة .. ولتسويق المنتج والترويج لمزاياهُ وصفاته المدمجة والمهجنة طرحتْ مع مطلع العام الجديد أعلانات مدفوعة الأجر على شكل نافورة ينفثُ منها الدم كعلامة تجارية للوليد القادم الموعود.
صباح كنجي
ــــــــــــــــــــــــ * العنوان مقتبس من كتاب للشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان..
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكيمياوي في ذمة الشيطان..
-
حكاية شقيقين تناثرت أشلاؤهم
-
الرجل المخيف
-
لا يا العراقية.. اوقفوا هذا المعتوه!
-
الدليل الموعود
-
شجاعة مجهول
-
لغزُ الهدف..!
-
أم جمعة
-
رمزي
-
أيّها الشيوعيون لهذه الأسباب -لنْ انتخب قائمتكم-.!!
-
في منتصف الطريق..
-
الصورة وذاكرة الحدث قيس شاكر
-
صومُ رمضان يكشفُ زيفَ ونفاق -المؤمنين-
-
بالمختصر..3 مشهد.. كنتمْ خيرُ امةٍ اخرجتْ للناس ِ!!
-
حوار عن البيئة مع الدكتور الشذر
-
بالمختصر..2
-
بالمختصر
-
الموصل أم شعب الموصل؟.. نقاش في السياسة مع البروفيسور سيار ا
...
-
من ذاكرة الشيوعيين العراقيين في بحزاني..2
-
من ذاكرة الشيوعيين في بحزاني ...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|