|
مقدمة في الغدر والتملق عند العرب
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 31 - 08:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يهدف هذا المقال الى بيان أحد اسباب تخلفنا كعرب وتردى اوضاعنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والرياضية ........الخ من سيئ الى اسوأ وذلك من خلال تحليل احد المظاهر الإجتماعية التى تبدو بسيطة ومعتادة لدينا رغم خطورتها وتسببها فى اختلال منظومة القيم لدينا ويهدف المقال أيضا الى الأجابة على سؤال محورى ألا وهو لماذا ينتشر التملق لدينا بهذا الشكل الخطير ؟ وبداية فان الغدر هو ان تنكل بشخص يفترض انه قريب منك على حين غره وعلى نحو غير متوقع له تماما ، اى ان الغدر لا يأتى الا من قريب كاشح ولذلك فانه يكون اكثر ايلاما واشد اذى . اما التملق فهو ان تداهن وتتودد الى صاحب نفوذ معين إما اتقاءا لشره أو لتدعيم مكانتك لديه أو اكتساب صلاحيات ومزايا لا تستحقها وغالبا على حساب أخرين اكثر استحقاقا ، وينتشر التملق كأسلوب حياة فى العالم كله ولكن بدرجات مختلفة ولكننا فى العالم العربى نفخر بأننا اصحاب ريادة وتفوق على العالم كله في فنون التملق كما سوف أوضح حالا. وكثيرا ما نخلط بين النفاق والتملق فنستخدم مصطلح النفاق عوضا عن مصطلح التملق فنقول على فلان انه منافق عندما نراه فى وضع تملق . والتملق هو ما سبق الحديث عنه، أما النفاق فهو ان تقول ما لا تفعل او ان تدعى انك تؤمن بمبدأ معين وتسلك على نحو مغاير تماما كأن تقول انك تقدس الأمانة وتكثر فى الحديث عن فضائلها وانت تحترف الخيانه ، او ان تقول انك تحب الصراحة والصدق وأنت كذاب حتى النخاع. والنفاق يمثل عقدة نفسية ولا يضر إلا صاحبه ، أما التملق فهو اسلوب انتهازى رخيص ويأخذ اشكالا عديدة لدينا كعرب إذ يمكن ان يتحقق عن طريق الإطراء الزائد على صاحب النفوذ واضفاء الكثير من الخصال التي لا يستحقها عليه كأن تقول له ما اذكاك وانت تراه ينضح غباءا ، او ان تقول له لسانك "ينقط عسل" كما نقول في مصر والكل يشهد بان فاه لا يخرج الا حجارة "دبشجي" وقد يأخذ التملق شكل المبادرة بتقديم خدمة معينة او تقديم هدية عينية او ذم شخص تشعر ان صاحب النفوذ يكرهه و هكذا . وهناك الكثير من الأمثله الشعبية العامية لدينا التى تبرر التملق كأسلوب حياة مثل " إذا كان لديك عند الكلب حاجة فقل له يا سيدي " والمتملق شخص شديد الذكاء وخفيف الحركة وتلاحظ هذا بوضوح فى معظم المحيطين بأصحاب النفوذ فى العالم العربي سواء كانوا من السياسيين أو الأغنياء ، فتجد هذا المتملق حاد البصر ولماح بشكل مذهل ويقف دائما على أطراف أصابعه مستعد دائما لتلبية اى اشارة تند عن سيده ، فما ان يبادر السيد بأى التفاته نحو اى شيئ الا وتجد صاحبنا بين يده ملبيا " نعم سيدى " فأذا كنت تعانى من خشونه فى المفاصل فأنك لا تصلح لهذا العمل الذى يتطلب ليونة عالية فى المفاصل وخفه شديدة فى الحركة واخذ وضع الانحناء الدائم امام السيد . كما ان من الخصائص الأساسية التى ينبغى ان يتمتع بها المتملق الاستعداد لتقبل اى نوع من الامتهان من سيده على الملأ دون اظهار اى نوع من التبرم بل على العكس تماما فان المتملق يتلقى الأهانات عادة وهو يضحك ! وإذا ما تبسم السيد أو القى بنكتة سخيفة تجد صاحبنا اول من يضحك وبشكل هستيرى ، اما اذا حدث ما يحزن السيد فان المتملق يظهر من الحزن والأسى اضعاف ما يظهره السيد . وفى ظل الديكتاتوريات التى تحكمنا فى العالم العربى ستجد ان معظم القيادات في الحكومة نفسها وفى كافة المصالح الحكومية والأعلام والجامعات والمجالس النيابية والقضائية .......... الخ من فئة هؤلاء المتملقين والمتسلقين وهناك دائما من هم اكفأ وأشرف منهم ولكنهم مبعدون لانهم لا يحبون ولا يجيدون فنون التملق ، وكما هو معروف فان قياداتنا العربيه تفضل دائما ما يسمون بأهل الثقة (التملق) على اهل الخبرة وهكذا فقد ضيعنا التملق وكان من ضمن الاسباب الاساسية لمسيرة التخلف التي تتجه دائما بنا إلى الخلف ولم نعد نتنازع مع الأمم الأخرى إلا على المؤخرة في كل شيء. والسؤال لماذا نتميز على كافة الأمم فى شيوع التملق لدينا بهذا القدر ؟ لقد وجدت من خلال قراءتى لتاريخ العرب منذ عصور الخلافة الاسلامية وحتى الأن ان الغدر والخيانة كان هما المحركين الاساسيين لمعظم الاحداث ، ستجد دائما عددا لا بأس به من المؤامرات والاغتيالات ، ستجد أخا يغدر بأبيه او بأخيه من أجل اغتصاب الحكم أو الفوز بامرأة، ستجد ابنا يغدر بأبيه او بعمه من أجل نفس السبب ، وستجد حكاما يغدرون بوزارء أو مسئوليين أكفاء خوفا من حصولهم على شعبية لدى شعوب مغلوبة على أمرها. وقد توصلت الى حقيقة ان التملق كان هو الاسلوب الأمثل لاتقاء شر هؤلاء الحكام والمسئوليين واصحاب النفوذ ، نعم لم توجد وسيلة للتعامل مع هذا القدر من الغدر الا التملق ولهذا ينتشر التملق لدينا بهذا القدر الضخم دون سائر الأمم كنوع من الوقاية ضد غدر قد يضرب دون سابق إنذار. إن الحاكم الضعيف دائما ما يتوجس شرا من كل من يعملون معه ولا يظهرون نوعا من التملق وغالبا ما يغدر بهم . و لذلك يكفيك كل صباح أن تقوم بعملية مسح جوخ محدودة وبعض الكلام المعسول لسيادته حتى تتقى مخاطر أي عملية غدر غير متوقعة. وليس غريبا ان نجد ان اكثر من نصف شعر المتنبي وهو أكثر الشعراء العرب موهبه كان فى المدح وهو نوع من التملق استخدمه المتنبى كأسلوب للعيش واكتساب العطايا والنفوذ ، والمتنبي بهذا كان انتهازيا الى ابعد الحدود ويكفي ان تقرأ شعره فى مدح كافور الأخشيدى ثم ذمه بعد ذلك عندما اوقف عطاياه للمتنبي. ولو أنك أمعنت النظر في كل أنحاء العالم العربي لوجدت أن معظم المناصب القيادية في الحكومات و داخل المجالس النيابية والقضائية والإعلامية والجامعية وحتى الدينية سوف تجدها محتله بواسطة مجموعة من المتملقين ممن يسمون بأهل الثقة. ان غياب الديمقراطية لدينا فى العالم العربى وتكميم أفواه الشعوب وخضوع السلطتين التشريعية والقضائية لإرادة الحاكم الاله كل هذا يعنى ببساطة المزيد من الغدر والمزيد من التملق والمزيد من الضياع لأوطاننا. ولا حول ولا قوة إلا بالله .
محمود يوسف بكير مستشار اقتصادي مصري
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حقيقة دور المضاربين وأزمة النظام الرأسمالي
-
الإسلام ما بين التقدم والتخلف
المزيد.....
-
-معاوية-.. خالد صلاح كاتب المسلسل يوضح الغاية منه
-
وزير الدفاع الأمريكي يرد على هيلاري كلينتون بصورة لها مع لاف
...
-
ممثل شهير يعلق شعار -فلسطين حرة- على صدره خلال حفل -أوسكار-
...
-
زيلينسكي يرد بحدة على سيناتور جمهوري طالبه بالاستقالة
-
ستارمر يرفض إلغاء الدعوة الموجهة لترامب لزيارة بريطانيا
-
بعد المشادة مع ترامب ونائبه.. زيلينسكي يُعلق على موقف أوكران
...
-
ابتكار بخاخ أنفي لمساعدة المصابين بإصابات دماغية رضية
-
رئيس وزراء اليابان حول المشادة بين ترامب وزيلينسكي: لا ننوي
...
-
مسؤول إسرائيلي: المفاوضات ستبدأ بمجرد موافقة -حماس- على مقتر
...
-
أزمة كهرباء وانهيار العملة.. احتجاجات في حضرموت تعكس معاناة
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|