أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 5من رواية تصبحون على غزة















المزيد.....

الفصل 5من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 22:54
المحور: الادب والفن
    


5
ذات مساء ، زارت أم إبراهيم جارتها تعاتبها أمام ابنتها ريتا : أيا جارتي ، إذا كنتُ قد انشغلتُ بقدوم إبراهيم ، أليس من حقي عليك أن تقومي بزيارتنا والاطمئنان علينا أكثر من ذي قبل ؟ خاصة وأنني لم أعد أملك الوقت الكافي للحديث معك عن التفاصيل اليومية للحياة كما كنا نفعل دائماً ، ومع ذلك شفعت ريتا إليك ، فقد قامت بالواجب على أكمل وجه ، ولا يسعني إلا أن أشكرها الآن أمامك حتى تتأكد بأن حبي لها ذاد أضعاف ما كان عليه على الرغم من أنها لا تراني سوى للحظات ثم تنفرد مع مريم بحديث الصبايا ، ولكنها معذورة ، فللعمر حدود ، وأعمرهما متقارب جداً ، بينما انسجامي أنا لا يكون سوى معك.
خرجت ريتا تصنع القهوة ، استغلت أم إبراهيم غيابها ، اقتربت من أم ريتا ، همست في أذنها ، إبراهيم يرغب بالاقتران من ريتا وطلب مني الحصول على موافقتك .
ملأت الابتسامة مساحة وجه أم ريتا وحملتها الفرحة على جناحيها .قالت :
- لا أملك قرار الموافقة من عدمه . إنها صاحبة القرار ، هكذا أبيها يردد أمامها دائماً حتى غدونا لا نجرؤ على التدخل في إبداء الرأي!
- ولكن أنتم الخير والبركة وأصحاب القرار أولاً وأخيراً، ولن تعترض عليكم مهما بلغ الأمر ، ثم أن إبراهيم أيضاً لا يقبل الارتباط بواحدة دون موافقتها .
- سأعرض عليها الأمر .
ولكن أرجو ألا يكون أمامي حتى لا يصيبني الحرج إن رفضت أو تمنعت متعللة بالأعذار .
- رغم أنني أمها وأعرف أنها تميل إليه ، أخشى من المفاجأة ، علماً بأنها لن تجد أفضل منه مناسباً لها ، فهو لا ينقصه شيء والكثير من الصبايا يتمنون الارتباط به !
دارت الدنيا دورتها في عقل أم إبراهيم ، فأسكنتها الحيرة والارتباك وتعدد الاحتمالات وانفتاحها على فضاءات من الخوف والغرابة ، وفوق ذلك ، حدة السؤال القاطع : هل من الممكن رفض إبراهيم بعد كل هذا الانتظار الذي لمسناه أثناء غيابه ؟
وكان الوقت يأكل نفسه كنار على موقد، ولم تستطع أم إبراهيم احتمال انتظار الرد على السؤال في غيابها ، ولما جاءت ريتا بالقهوة ، تناولتها أم إبراهيم ووضعتها أمامها في الوقت الذي قالت فيه :
- لن أشرب قهوتك قبل أن أعرف ردك على سؤالي !
- أي سؤال يا خالة ؟
- لقد أودعته عند أمك ...
احتارت ريتا أين تدع نظرها يستقر ، عند الأم أم الخالة ؟.
قالت أم ريتا :
- لا تستعجلي الأمور يا أم إبراهيم ، اشربي قهوتك ولن يكون إلا ما يطيب خاطرك .
- ولكن ليس قبل أن أعرف الرد ..
- هوني عليك يا جارتي
تدخلت ريتا بعد أن كست الحمرة وجنتيها :
- ماذا هنالك ؟
ردت الأم :
- سأحدثك فيما بعد .
ردت أم إبراهيم :
- الآن أريد سماع الإجابة كي يطمئن بالي ..
تدخلت ريتا :
- عمّاذا تتحدثان ؟
- لا شيء يا بنيتي .
- أرجوك يا أم ريتا ، الخوف تغلغل إلى أعماقي وأريد التخلص منه، اسمعيها السؤال كي أحصل على الإجابة !
- أي سؤال وأي إجابة . إن لم تتحدثا بوضوح سأغادر المكان حتى تنتهيا من هذا الأمر .
- يا أم إبراهيم ، لا تأخذ المسائل على هذا النحو
- اعذريني يا جارتي ، لم أعد احتمل بعد أن زرعت الشك في نفسي !
- لم أقل شيئاً يخيفك .
- بلى قلت ..
- كل ما قلته أن القرار بيدها أولاً وأخيراً ، وهذا لا يوصلك إلى ما وصلت إليه ، بل هو مطمئن أكثر مما يجب ، خاصة وأنك على دراية كاملة بمشاعرها والمعاناة التي كابدتها جراء الانتظار حتى تحين اللحظة.
خرجت ريتا من الغرفة غاضبة دون كلمة في وقت عرفت فيه على نحو عميق عمّ تتحدثان ،أخذها التفكير بالعناد عند حدود الرفض ، لا من أجل المعارضة بقدر ما هو احتجاج على مصادرة رأيها، وعدم الاستجابة لمشاركتها في الحديث الذي يطول حياتها إلى أبد الآبدين ، ولكن فجأة غزاها الخوف إن هي رفضت ، قد لا يقبل إبراهيم على نفسه التقدم إليها مرة أخرى فتصبح ضحية عناد غير مبرر من المؤكد أن يودي إلى الجنون ، غير أن التمنع العقلاني لا الرفض هو وحده القادر على تعزيز مكانتها ورد الاعتبار لها ، لاسيما عندما تأتي أم إبراهيم من أجل تطييب خاطرها ، وربما تصطحب معها صديقتها مريم التي تعرف تماماً الواحدة منهما كيف تفكر الأخرى .
على أيه حال ، لم تأخذ أم إبراهيم الإجابة في تلك اللحظات ، فقد تمترست وراء إصرارها، في حين لم تجرؤ أم ريتا، بعد أن خرجت ابنتها من الغرفة غاضبة ، على توجيه السؤال إليها ، فاعتذرت لأم إبراهيم بلباقة : أخشي إن سألتها الآن يركبها العناد وترفض ؛ فالأفضل الانتظار حتى تهدأ .
وبعد أيام هدأت النفوس ، عادت إلى طبيعتها بسرعة ، على غير توقع من أحد ؛ في ذلك اليوم تقابل إبراهيم باكراً مع ريتا عندما خرج إلى السوق ؛ أمام منزلها ، اعتلت شفتيه ابتسامة عريضة في وقت وقفت فيه أمام الباب عندما شاهدته قادماً على بعد أمتار ، وقف أمامها مباشرة فانزاحت الستارة عن شفتيها ، وكانت المرة الأولى التي يقفان فيها أمام بعضهما وجهاً لوجه . كانت أقصر منه قليلاً .
سألها بشكل مباشر :
- أليس من حقنا أن نفرح كمايفرح الآخرون ؟ لقد انتظرنا طويلاً يا ريتا !
- نعم ، لقد انتظرنا طويلاً !
- إذن ، ماذا يمنعنا ؟ لماذا التباطؤ ؟
- هو سؤال أجبني عنه ..
- وما هو؟
- هل تحبني فعلاً أم أن قيود الوعد هي التي تشدك ؟
- الآن تسألين هذا السؤال ...
- كي أطمئن .
- نعم ، إنني أحبك ومستعد للصراخ بأعلى صوتي حتى يسمع العالم إذا كان هذا يطمئنك !
- لا ، لا داعي . أرسل أمك اليوم لتحصل على الإجابة ...
ذهب إبراهيم إلى السوق ، فيما النشوة حملت ريتا على سنانها ؛ وقفت أمام المرآة لأول مرة تتفقد أنوثتها ، قوام ممشوق كالأيام الخوالي،خصر نحيف ملفوف كبقايا ذكريات ، بشرة بيضاء نقية صافية كالصباح الطازج الذي لم يعكره حراك الناس وأنفاسهم، هكذا تعرفت على جسدها واكتشفته كما لو أنها لم تره من قبل ، جسد أسطوري من مخلفات الحروب على مر التاريخ
في الليل زفت أم إبراهيم الخبر لأهل الحي بزغرودة مدوية امتدت طويلاً قبل أن ترد عليها مريم بواحدة أقوى لكنها خجولة سرعان ما تلاشت ، فأطلت النساء من بيوتهن فيما نزل الأطفال إلى الشارع يتحسسون الخبر، وينقلون تفاصيله للقلوب الولهانة.
علقت بعض الصبايا : إنهما على علاقة حب منذ بواكير العمر ، بينما علق البعض الآخر :
لقد صبرت ونالت ، ومن منا تنتظر أفضل من إبراهيم ؟
ينفرد إبراهيم وريتا مع بعضهما لأول مرة ،بعد إعلان الخطبة يتبادلان أطراف الحديث والابتسامات ، تحلق مشاعرهما في فضاءات مفتوحة على المدى والاحتمالات في لحظة عشق غير مسبوقة ، تتقاطع العيون بالعيون وتشتبك الأصابع بالأصابع ، يدخلان من بوابة الحاضر إلى تفاصيل المستقبل ، يؤرقهما تربية الأطفال في ظل مجتمع يترك أبناءه للهو على ضفاف الشوارع والأزقة ، يسأل إبراهيم ريتا :
- هل أنت مستعدة للسفر إلى ألمانيا والعيش هناك؟
- ونترك الأهل !
- فرص العمل هناك متاحة للجميع ، وسنقوم بزيارتهم كل عام .
- وما عساي فاعلة في بلاد لا أعرف فيها أحداً
-الجاليات العربية أسهل ما يكون في إقامة العلاقات معها ، فقاسم الغربة يجمع بين مختلف الأقطار.
- وكيف هي ألمانيا ؟ حدثني عنها .
- مصحاتها تستوعب المدمنين على المخدرات والمسكرات والرذيلة، ورغم ذلك ، مجتمع منتج قابل للحياة والتجديد ولا يقف أمام طموحه عائق .
- وهل تريد مني الذهاب إلى مجتمع بهذه المواصفات ؟
- لا أحد يعترض سبيل الآخر ، كل يتصرف على حريته ،ومن يخالف القانون يقع تحت طائلته !
- كيف هي الحياة هناك ؟
- المحال التجارية والمؤسسات العامة نظيفة ونقية ، أما الشوارع فهي كالزجاج لا يعكر صفاءها سوى المتسكعين المدمنين الذين ينتقلون بين الأرصفة والحفلات الدافئة ، البعض منهم كبقايا روث علق أسفل حذاء أصحاب المال .
- ألهذا الحد يفعل المال فعله ؟
- إن لسطوة المال قوة سحرية من الصعوبة التصدي لها ومحاصرتها عند معظم الناس ، غير أنها تنهار أمام الأيدي النظيفة والضمائر الحية .
يزداد قلق ريتا وحيرتها ، يأخذها الصراع في السفر من عدمه إلى مدارات لم تتوقعها يوماً ، حب اكتشاف العوالم الجديدة يحفزها ، بينما الخوف من المجهول والضياع في تفاصيل المستقبل يقمع رغبتها ، الأطلال على المخمورين وهم يتسكعون في الزحام من خارجهم الحيادي يدفعها باتجاه الموافقة ، فيما تصور حالة البؤس التي يعيشونها ينفرها تماماً ، سماع دوي الآلات الصناعية وهي تهدر في عملية إنتاجية متواصلة بغية تأمين الحياة للأجيال القادمة إغراء لا يقاوم ، غير أن تحول الإنسان إلى آلة صماء تستجيب دون وعي لدورة رأس المال وطواحينها المهلكة التي تستنزف الجسد والروح يقف سداً منيعاً أمام الموافقة . صراع بين المتناقضات أوقعها في فخ السؤال الذي يجر السؤال مبتعداً عن الإجابة التي تعمق القلق ولا تخفف من وطأته ، فلا السؤال يضعك على أعتاب المعرفة ، ولا الإجابة تقطع دابر الشك باليقين، مما جعل الموضوع برمته قابل للنقاش وإعادة النظر في مسوغاته ، الأمر الذي دفعهما مكرهين إلى تأجيل البحث فيه إلى وقت لاحق .
وذات مساء ، قالت مريم تخاطب إبراهيم :
- ماذا تنتظر ؟ ولماذا لا تحدد موعد الزفاف ؟
رد عليها وفي نبرته حد قاطع :
- ما زال هناك متسع من الوقت يتجاوز الشهر رغم أن الزمن يطير دون جناحين .
- وأبوك لا يشغل نفسه بالعرس والتحضير له تاركاً لنا الإعداد لكافة المراسيم التي ترافق هذا العمل



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 4 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل3 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل2 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل1 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل16 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 17من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 16من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 14 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 5من رواية تصبحون على غزة