|
أزمة العقل المصري .... دولة دينية أم مجتمع مدني ؟
محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ
(Mohamed Wagdy)
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 09:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما كان مناط تقدم الشعوب برقيها وارتقائها صوب الأفضل .. فإن شهادة التاريخ عن المجتمع المصري ومدى ارتقائه وتحالفه تشهد بأنه لم تحدث فيه طفرة التقدم إلا عندما تكاتفت فيه القوى الشعبية محولة إياه لمجتمع مدني مؤمن بحرية العقيدة ولم يتخلف إلا تحت وطأة الحكم الثيوقراطي والعسكري . والنقد بمعناه السليم : " ذكر الإيجابيات وذكر السلبيات وطرق الإصلاح " مصطلح مفقود في المجتمع الذي يقع تحت وطأة الحكم الثيوقراطي الديكتاتوري .
إن حرية العقيدة أمر غير وارد في الحكم الديني ، أما عندما نسبر غور تفاصيل المجتمع المدني نجده في كل تفاصيله مؤمنا ً بها داعيا ً لها ... إن " توماس فيرجسون " ينادي قائلا ً " نحن لا يهمنا لونك ولا يهمنا دينك . يهمنا أن تعطي هذا البلد أفضل ما عندك وسيعطيك هذا البلد أفضل ما عنده .... لأنه لا يهمني إن كنت َ تعبد إلها أو تعبد حمارا ً " .
وعند دخول الحملة الفرنسية لمصر قامت بتشكيل ما يشبه مجلس الشيوخ ، وعرفت أساس المواطنة بأنها " حادثة الميلاد " بعيدا ً عن التفسيرات الثيوقراطية للمواطنة ، وبعيدا ً عن النظر للجنس والعرق .
وتلا ذلك ما قام به محمد علي باشا من تطوير بصورة أكبر وأشمل مساويا ً بين كل المصريين بكل فئاتهم ودياناتهم ، وقام بتشكيل جيش مصري منهم لما أثبتت له التجربة أن أهل هذا البلد هم الأقدر على حمايته ، ثم قلدهم الوظائف العامة ، وأعطاهم حق التملك وأرسلهم في بعثات للخارج لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي .
وقد أدى هذا الوضع لوحدة الشعب بعناصره في العصور المتتالية ، والأمثلة أكثر من أن تحصى أو أن تعد . وأبرز مثال في العصر الحديث ما شهد به اللورد كرومر حينما اشتعلت المظاهرات في وحدة وطنية لا مثيل لها فأعلن عداءه السافر للأقباط واستبدلهم بالمسيحيين السوريين ، وقال : " أقباط مصر أعداء لنا ، ويجب أن نبادلهم عداء ً بعداء " .
ولم تستطع انجلترا شق صف الشعب المصري لتماثله في طباعه وأخلاقه والعادات التي كانت شبه متحدة .. فقد كان المصريون بكل طوائفهم لهم أعياد مشتركة " على سبيل المثال عيد النيروز وشهادة التاريخ على احتفال المسيحيين والمسلمين به على حد سواء " . فلجأت إلى محاولة شق تلك الوحدة بالنعرة الطائفية فاستقطبت حسن البنا عام 1927 م ، وأعطته 500 جنيه " 300000 جنيه بسعر اليوم " فتراجعت حرية العقيدة وظهرت التفرقة الملعونة التي نعاني منها حتى الآن .
وقد تحولت الحياة السياسية من مجتمع يحوي الجميع " في عهد سعيد باشا كان الأقباط ضمن أي بعثات للخارج ، رئيس الديوان قبطي ، محافظ القليوبية والمنوفية من الأقباط " .. ثم نجد ويصا واصف .. بطرس غالي ، حتى كانت التراجعات . فنادرا ً ما تجد في مجلس الشعب قبطيا ً واحدا ً منتخبا ً ، والوظائف الحساسة تخلو منهم .. بل إن الدعوات الصريحة توالت وتداعت حتى وقف أحد قادة الإخوان عام 1997 م ليعلن أن " الأقباط يجب أن لا يدخلوا الجيش حتى لا يسهلوا مهمة الأعداء " !!!!!! .
أما موقف الدولة فحدث ولا حرج .. هو موقف المتفرج المسيطر على الأمور والمستعين بهم في أحيان أخرى والذي تخرج الأمور عن زمام يده في أحيان ثالثة . ففي عهد السادات يستعين بهم للقضاء على التيارين الناصري والشيوعي ، ولكن ما يلبث السحر أن ينقلب على الساحر فيقتل بيدهم في مشهد مهيب في عام 1981 م . فتتراجع الدولة عن الدعم بعد فوات الأوان ، وتدخل في عداء سافر معهم ، ولكن هذا تم بعد أن رسخ فكرهم في هيئات ونقابات كثيرة أدت إلى إصدار دعوات وقرارات وتوجيهات مجحفة " مصادرة كتب ، طلبات إغلاق معاهد فنية بحجة السفور والاختلاط ، أحكام قضائية بالحسبة على مفكرين وباحثين وعلماء ، أحكام بالردة ، أحكام بالتفريق بين باحث وزوجته " .
ولا ننسى أن بتر الجذور المصرية بدعوى التناقض بينها وبين العروبة أو الإسلام لا يؤدي إلا إلى إضعاف وحدة هذا الوطن وانعدام فرصة عودة الدولة المدنية الداعمة للمساواة بين الجميع . فالمصري البائس المغيب والوريث الوحيد للحضارة الفرعونية التليدة يتبرأ منها ليل نهار عندما يردد بغباء " قال يا فرعون إيه فرعنك قال ما لقيتش حد يلمني " . إلى جانب شياع فكرة كفر وحرمة كل ما يتعلق بالتاريخ الفرعوني وشركهم وإفكهم وطغيانهم .. في حين أنه لو تم التمسك بتلك الأصولية الواحدة الوحيدة التي منها خرج كل المصريين " مسلمين – مسيحيين – بهائيين – قرآنيين – شيعة " لصارت هناك قاعدة واحدة يرتكن إليها الكل ويحتكم لها الجميع في البحث عن الهوية المفروضة لشعب تاه بين ظلال العروبة وصرخات القائلين بأن مصر لم تشهد نورا ً إلا عندما جاء عمرو بن العاص بجيشه " نصف الجيش العربي من بدو سيناء الذين لم يكونوا مسلمين !!!! " داعين لمحو كل قومية مخالفة ، وقد بدأ هذا الفعل مع أول أيام الغزو العربي . فقد أرسل عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب يسأله عن مكتبة الإسكندرية واصفا ً له ما فيها من مخطوطات وبحوث ومراجع أذهلته فسأله عن لغتها فأنبئه أنها باليونانية والفرعونية فأمره بحرق المكتبة كاملة – في دعوة صريحة لمحو أي هوية غير هوية الغازين .
ختاما ً : لا خلاص إلا بدولة مدنية يتساوى فيها الجميع أمام القانون والدستور .
#محمد_وجدي (هاشتاغ)
Mohamed_Wagdy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية المرأة في اقليم كوردستان ... حقيقية ام زائفة
-
نقوش ٌ على رداء ٍ كهنوتي ٍ لا يزول - نص
-
ادخلوها بسلام ٍ .. آمنين
-
عندما تصبح شيطانا ً - قصة قصيرة
-
يا سيدي - شعر عامية
-
مكاشفة التجلي شعر عامية
-
قراءة في مخطوطة -يوحنا النقيوسي- عن أحداث الفتح العربي لمصر
-
من أين جاء التكفير في الإسلام ؟ - دولة مدنية أم دولة الكهنوت
...
-
قضايا مصرية -المستضعفون- ( 1) المتنصرون : ريهام عبد العزيز ك
...
-
سيوف
-
وحشية الأشواق
-
إبراهيم الدسوقي عبد السلام - قصة قصيرة
-
ما بال القوم تركوا تكفين نبيهم وذهبوا يتقاتلون على الخلافة ؟
...
-
دي أرضنا
-
عم وجدي - قصة قصيرة
-
خلص الكلام - شعر عامية
-
الشيعة في مصر - المشاكل - الخلفية التاريخية - نظرة مستقبلية
-
أطفال غزة محاصرون .. أطفال غزة يبيعون لعبهم ليعيشوا
-
انتظار
-
نكت عصر مبارك - قراءة سريعة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|