|
مدخل الى نظرية التداول-الجزء الثاني-
بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 00:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما معنى التلفظ؟و ما هي نظرية التلفظ؟ إن أي إنتاج لغوي هو في الجوهر إنتاج لغوي لوضعية تواصلية ذاتية ومتفردة وليس مقطعا من مقاطع اللغة الطبيعية التي بتداولها الإنسان.إن التداول الحقيقي لمقطع من مقاطع اللغة يتطلب توفر أربعة عناصر: 1. متلفظ 2. وضعية تواصلية 3. زمان ومكان 4. ملتقط لعملية التلفظ كما يتضح من تحديد الأربعة عناصر إننا أمام بعد لغوي تم غض الطرف عنه من طرف اللسانيات المهتمة باللغة فقط.هذا البعد أصبح في تطور مستمر خلال العشريات الأخيرة للقرن الماضي وهو امتداد لأعمال رومان يكبسون وامبل بانفنيست. بإدماج العناصر الأربعة يتضح أن التلفظ هو الاستعمال الفردي لللغة وأي استعمال فردي يستدعي توضيح كل العوامل الموظفة بداخل فعل الكلام والتي يمكن حصرها كالتالي: 1. الطابع الفزيولوجي للتلفظ 2. المحيط الاجتماعي والمستوى المادي 3. المحفزات النفسية والعاطفية كل هاته العناصر ليست هي العناصر التي يهتم بها اللسانيون؛ همهم الوحيد حينما يتناولون التداول اللفظي هو تقديم الفعل ألتلفظي كمجموعة من البصمات، يتركها المتكلم بشكل لا شعوري بين ثنايا النص الملفوظ، سواء أكانت هده البصمات كلمات أو عبارات. موقف اللسانيين هدا منسجم مع موضوع دراستهم، لأنه إذا كان فعل التلفظ فعلا فرديا يتم إنجازه في ظروف محددة فكيف سيشغل هذا اهتمام اللسانيين الذين ينحصر موضوع اهتمامهم فقط في اللغة كنسق.إذا اعتبرنا مثلا الملفوظ المنسوب للويس الرابع عشر "الدولة هي أنا" الدارس اللغوي أي اللساني سوف لن يجد في هذا الملفوظ سوى كلام paroleبالمعنى السوسيري للمصطلح لكن المؤرخ في تناوله لهذا المقطع يجدر به دراسة هذا الملفوظ في تفرده لتحديد الظروف والغايات التي كانت السبب وراء إنتاجه. هذا الاختلاف الحاصل بين مناهج المؤرخين واللسانيين هو الذي دفع بالنظريات أللسنية للتداول إلى البحث في الآليات التي تحول اللغة كملك جماعي لكل أفراد المجتمع إلى خطاب ينتجه فرد بدلالات خاصة.هكذا فالتداولية هي مجال تحليل الخطاب بأدوات لسنية خالصة لأنها ترفض التقسيم بين ماهو لغوي محض وبين ماهو خارج اللغة .في تناولها للفعل اللفظي تميز بين شيئين: تميز بين ما هو خاص في كل عملية تلفظ لسني وبين ما هو عام. الجانب ألخصوصي لعملية التلفظ ينتمي إلى مجال غير معهود في اللسانيات التقليدية كما سبقت الإشارة إلى دلك أما الجانب العام فيتحدد كخطاطة عامة لعملية التلفظ بمعنى القواعد التي يتوفر عليها النظام اللغوي، حسب الجماعات الألسنية والجماعات الوظيفية، والتي تسهل عملية تواجد أفعال لفظية تميز هذه الأفعال وتفردها.إن اللغة بهذا المعنى تتوظف كشبكة من العلاقات توضع تحت تصرف كل متكلم وبواسطة هذه الشبكة يتم تحويل اللغة إلى خطاب. لنعد إلى الملفوظ المسند إلى لويس الرابع عشر "الدولة هي أنا"، بداخل هذا الملفوظ نجد على الأقل أثرين لتحمل مسؤولية استعمال اللغة من طرف المتكلم . "إن الدولة هي أنا" تعني أن المتكلم يطرح الدولة كمضمون لتلفظه أي كجواب لسؤال محدد هو : "ما هي الدولة ؟" المتكلم قام بتضمين كلامه بهذه الطريقة لأن اللغة توفر له البنيات اللغوية اللازمة لذلك وكذلك لأن التضمين ليس ظاهرة خارج اللغة.فإذا كان ضمير المتكلم "أنا" في هذه الوضعية التواصلية يدل على لويس الرابع عشر إلا انه في وضعيات أخرى سوف يدل على أشخاص آخرين لأن هناك قاعدة عامة لا تسمح لأي متكلم بأن يتموضع كذات متكلمة إلا إذا استعمل ضمير المتكلم " أنا". إن تموضع الأشخاص كذوات مستعملة لللغة يعود إلى توفر اللغة على صنف من الأدوات تسمى بالمفاتيحLes embrayeurs، هذا الصنف من الأدوات اللغوية وظيفته هي تسهيل عملية المزج مابين الخطاب وشروط إنتاج الخطاب. لكي نحدد طبيعة هذه الأدوات اللغوية يجدر بنا أولا التمييز بين الملفوظ النموذجي المجرد من مرجعيته الفردية والملفوظ الخاص الذي يستند إلى مرجعيته.فمثلا المقطع التداولي التالي " ليس من سمع كمن رأى" هذا كلام ينتمي إلى اللغة ولا يحيل إلى أي شخص معين ولا إلى أي وضعية تواصلية محددة وبالتالي لايمكن أن نسميه ملفوظا بل هو جملة تنتمي إلى اللغة وهي جملة نموذجية. لكن إذا ما تم استعمال هذه الجملة النموذجية من طرف شخص محدد في وضعية تواصلية محددة فان هذه الجملة تتحول إلى ملفوظ ويجب التعامل معها بمنطق أخر وبمعاني أخرى. انطلاقا من هذا التمييز تكتسي كلمة ملفوظ دلالتها. لكن، ما هو هذا الصنف من الأدوات أللسنية التي تسهل المرور من ما هو لسني خالص إلى ما هو ليس لسني؟ إنها بكل بساطة الضمائر: 1. ضمائر المتكلم المفصولة أنا ، نحن 2. ضمائر المتكلم المتصلة ت , نا – كتبت، كتبنا- 3. ضمائر المستمع المفصولة أنت ، انتم 4. ضمائر المستمع المتصلة ت ، تم 5. أسماء الإشارة هذا ، هذه ... 6. أسماء المكان هنا ، هناك ... 7. أسماء الزمان اليوم ، الأمس ... هاته الضمائر والأسماء تأخذ دائما دلالة جديدة في كل وضعية تواصلية جديدة لأنها غير محددة الدلالة أصلا، ماذا تعني كلمة "اليوم" إذا لم تكن موظفة في وضعية تواصلية؟ لاشيء لكن لفهم وظائف هذه الضمائر والأسماء يجب مقارنتها بالعلامات أللسنية التي تقترن بالدال والمدلول.إن استعمال الضمير المنفصل" أنا" يدل دائما على صاحب الخطاب أي المرسل و"أنت" على المرسل إليه بدون أن يدل على شيء أخر في حين الكلمات المعجمية الأخرى تتوفر على دلالة خارج أي استعمال ويمكن أن نجد لها مراد فات ونصنفها داخل مجموعة من الأشياء.لكن "أنا" فهو دائما "أنا" و"هناك" دائما "هناك" .هذه الدلالة التي تميز هذا النوع من الأدوات أللسنية يمكن الاصطلاح عليها بالدلالة الحلزونية. تماشيا مع هذا التحليل، يمكن الاعتقاد بان الضمائر الثلاثة أنا، أنت، هو تصنف ضمن المفاتيح وهذا خطأ، لأنه هنالك اختلاف جوهري ما بين الزوج "أنا"،"أنت" وضمير الغائب" هو". بالنسبة لضمير الغائب "هو" فان السياق اللغوي هو الذي يسهل عملية التأويل. إننا نحدد دلالته وفق الشخص الذي يعود عليه أما الضمائر الشخصية"أنا"، "أنت"، فتأويلها يتم وفق الوضعية التواصلية. وضعية المفاتيح اللغوية تختلف عن وضعية الأسماء الشخصية رغم أن هاته الكلمات تتميز هي الأخرى بالدلالة الحلزونية لأنها لا تعود إلا على أصحابها فالجراء مثلا تعنى الكلاب الصغيرة ولكن كلمة بوبي لا تدل إلا على كلب واحد وأوحد.ليست هنالك خصائص مرتبطة بالأسماء الشخصية ولهذا فدلالتهم الحلزونية ليست من نوع دلالة المفاتيح اللغوية. الاسم الشخصي يبقى قار ولا يقبل التحول أو التأويل في حين الضمائر الشخصية أنا, أنت هي أشكال لغوية كل مرة تأخذ معنى وفق السياق اللغوي. الضمائر الشخصية النحو التقليدي يتحدث عن الضمائر الشخصية بالنسبة ل:"أنا" و "أنت" ويلحق بهما خطأ ضمير الغائب "هو". سبب هذا الإلحاق الخاطىء هو أن تصريف الأفعال يوهم النحويين باقتسام نفس الخصائص من طرف الضمائر الثلاثة. لهذا السبب فضل ايميل بينفنيست تسمية الضمير الغائب هو بالضمير اللاشخصي لأنه يدل كذلك على أشياء الوجود الأخرى. الضمائر الحاضرة "أنا"، "أنت" تحيل إلى أدوار متبادلة دور المتكلم ودور المستمع وهذه الضمائر لايمكن الفصل بينهما فكل متكلم هو مستمع بالقوة وكل مستمع سوف يصبح هو الأخر متكلما حينما سيأخذ الكلمة ويجيب. كل شخص يتوجه إليه الخطاب هو حاضر بالقوة داخل هذا الخطاب سواء لفظيا أو ضمنيا وغالبية معنى هذا الخطاب تخص المتكلم لهذا السبب الوظيفي وتبعا لدراسات أنطوان كيليولي Antoine cullioli يفضل مجموعة من اللسانيين تسمية هذه الضمائر بالمتلفظين، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود حدود فاصلة مابين "أنا" و"أنت". فحينما يأخذ شخص ما الكلمة ويقول أنا كذا وكذا فانه يؤسس الأخر كمخاطب آي كذات مستقلة. إن كل ما يميز الضمائر المنفصلة "أنا" و"أنت" يميز كذلك الضمائر المتصلة التي تعود عليها مثل ت , ت ، نا ، تم ، ي ، كم . ضمائر الجمع نحن ، أنتم إن الضمائر "نحن" و"أنتم" ليست هي كما يعتقد الجميع جمع "أنا" و"أنت". القطط هي جمع قط لكن "أنا" و"أنت" لسنا إلا اثنين ولا يمكن أن يوجد منا أكثر.إن آداب الحوار ومستلزمات الوضع الاجتماعي تخول للمتكلم المفرد استعمال ضمير نحن وهذا ليس جمعا بمعنى الجمع ولكن فقط تضخيم لانا واحدة، نفس الشيء للمخاطب المفرد الذي نستعمل له انتم فهو ليس جمعا بل فقط تضخيما. رياضيا، يمكن تقديم المعادلات التالية لإيضاح دلالة ضمائر الجمع "نحن" و"انتم" نحن= "أنا"+"أنا" نحن = "أنا" + "أنت" نحن = "أنا"+ "هو"
انتم = "أنت" + "أنت" انتم = "أنت" + "هو" ضمائر التملك المتصلة بالنسبة لضمائر التملك المتصلة ، الياء في حصاني والكاف في حصانك وضمائر التملك المنفصلة - لي، لدي، له، لديه، لنا، لهم – هي فقط بدائل مورفلوجية ل – أنا، أنت، نحن، انتم –
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل الى نظرية التداول-الجزء الاول-
-
حدود العقائد و عقائد الحدود
-
التاريخ بالتماهي و التاريخ بالتماثل
-
الصحراء، القبيلة و ما قبل تشكل الدولة المغربية.
-
السياديون، الفدراليون و الجمهورية الفرنسية السادسة
-
حق تقرير المصير، هل هو حق أم باطل؟
-
الاستنساخ الدبلوماسي الفرنسي/ الأمريكي
-
نظام الحكم الذاتي الإقليمي القومي الصيني
-
من التاريخ ولدنا و اليه نعود
-
الحكومة الجزائرية من المقاربة التاريخية الى المقاربة النفعية
-
ملامح من تاريخ التعليم الجامعي الاوروبي
-
البنية المعرفية للبرلمانيين المغاربة
-
الصلاحية العلمية و العقيدة
-
-تحرير التنمية الاقتصادية- و -العصافير التي فوق غصن الشجرة-
-
سباق المسافات الطويلة
-
الإسراف و سوء بناء المنهاج التربوي الوطني
-
فدرالية تحت الطلب
-
من اجل تنمية الذكاء الوطني
-
سباق النعامات و الاحتياط الفدرالي
-
حول اقتصاد الجنس بالمغرب
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|