طريقُ الشِّـهابِ ، وصالح بِـشْـتـاوه

سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 881 - 2004 / 7 / 1 - 08:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في أوائل حزيران هذا ، حضرتُ أسبوعاً من النشاط الشعري ، مـفتَـتَـحاً بمئوية بابلو نيرودا ، ومختتَـماً بعشاءٍ في مطعمٍ إيطاليّ بهيج .
سُــمِّـيَ الأسبوع " طريق الشــهاب " Camino delle comete
المكان : بلدة بستويا Pistoia بمنطقة توسكانيا الشهيرة بكرومها ونبــيذها الكـــيانــتي ذي الصيتِ الذائع ، وبحاضرتها عبر التاريخ ، فلورنســا .
أقيمت الأمسيات جميعها في حديقة دَيرٍ بوسط البلدة .
لا مواصلات ، ولا متاعب .
كل شــيء قريبٌ ، متاحٌ :
الفندق – ساحة السوق – المطاعم – الدير – الحيّ القديم المتبقي من العصر الوسيط ...
شاركَ في المهرجان شواعرُ وشعراء من الولايات المتحدة وفرنسا والبوسنة وإسبانيا وإيطاليا ( طبعاً ) وهولندا واسكندنافيا ومصر ( حسن طِـلِب ) وســوريا ( مرام المصري ) ، والعراق …
الشاعر الزنجي الأميركي ، أميري بركة ، كان نجم المهرجان بقصيدته الشهيرة في هجاء جورج دبليو بوش التي ترافقه في أدائها فرقةُ جازٍ كاملة .
أنا ألقيتُ قصيدتي : أميركا ، أميركا – باللغة الإنجليزية ، كما أُبرِزَتْ نصوصٌ مني مترجَمةً إلى اللغة الإيطالية ، ومعروضةً على الشاشة ، بينما كنتُ أقرأُ النصَّ العربي الأصليّ .
التقيتُ في بستويا أيضاً بسيدةٍ جاءت من روما ممثلةً لدار نشرٍ تعتزم إصدارَ أنثولوجيا لأشعاري باللغة الإيطالية.
*
في 1952 ، وبعد الإنتفاضة التي أسقطت ثلاثَ وزاراتٍ ، وأُعلنت بسببها الأحكامُ العرفية ، سَــيقَ طلبةُ الكليات جميعاً إلى معسكرات تدريبٍ بالشمال ( كردستان ) ، وهكذا وجدتُـني في خيمةٍ عسكرية بمنطقة سِكْـــرين .
كان برنامج التدريب كاملاً ، بما في ذلك الطعن بالحراب ؛ وما زلتُ أحملُ في أعلى شفتي العليا أثرَ حربةٍ أفلتتْ
من بندقية مُواجِــهي الذي بالَغَ في حماسته!
كان يتولّــى تدريبنا ضابطٌ شابٌّ حديث التخرج من الكلية العسكرية اسمه كمال المفتي ، وقد التقيتُ به أوائل التسعينيات في أربيل حين كان وزير دفاع كردستان .
أخرجَ محفظته الضخمة وأبرزَ منها صورةً ، وأشار إلى شبحٍ فيها : أنت!
*
آمرُ الســريّــةِ ، ضابطٌ أعلى رتبةً ، نحيفٌ ، كثُّ الشاربين ، جَـهْمٌ أبداً ، اسمــهُ صالح .
أمّـا لقبه السائرُ بيننا فقد كان : صالح بشتاوة .
البشتاوة : المسدّس القديم ، الضخم عادةً .
*
بينما كنا نعود ذات مساءٍ إلى فندقنا ، فندق باتريا ( الوطن ) قالت لي الشاعرة الأميركية ذات الأصل الهسبانيولي :
أتعرف؟
بلدة بستويا هذه ، كانت في العصر الوسيط ذات أهمية خاصة ، وقد أسهمتْ إسهاماً مباشراً في أن تأخذ العصورُ التاليةُ جانباً من مَـلْـمَــحها …
هذه البلدة Pistoia اخترعت المسدس !
Pistoia
Pistolet المسدس بالفرنسية
Pistol المسدس بالإنجليزية
وهكذا ، يا سادةُ ، يا كرامُ ، حصل صالح بشتاوة على لقبه !
*
بعد انتهاء المهرجان ، وفي الطريق إلى مطار بيسا ( حيث برج بيسا الشهير المائل ) ، سألتُ سائق السيارة بتلك اللغة العجيبة الوسيطة :
أصحيحٌ أن المسدس اختُــرِعَ في بستويا ؟
ابتسمَ السائقُ ابتسامةً عريضةً : نعم! نعم!
ثم أشارَ إلى برج بيسا البعيد …



لندن 30/6/2004

#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات