حسن العاصي
باحث وكاتب
(Hassan Assi)
الحوار المتمدن-العدد: 881 - 2004 / 7 / 1 - 07:54
المحور:
القضية الفلسطينية
يرتبط موضوع الحرب الاهلية جدليا ,بالانا والاخر , فاذا كان انكار الاخر قد ادى الى بروز العنصرية والفلشية , بتفضيل مكانة عرق وشعب على اخر , فان انكار الاخر على الصعيد الوطني الفلسطيني يؤدي الى الانحراف والتآكل .
ان انكار الصهيونية للفلسطينيين شعبا وارضا وقضية وحضارة امر يبدو انه مفهوما في سياق الصراع , لكن انكار الفلسطينيين للفلسطينيين يظهر على انه واحد من الامراض الفكرية الاجتماعية علينا ان لانقربها , وهي ممارسة سياسية استبدادية على الجميع ان يعي خطرها ويتصدى لها .
بالمعنى المعرفي يعتبر انكار الاخر تناقضا منطقيا , فهو انكار وجود ماهو موجود , ولان انكار الاخر هو اعتراف بالانا فقط ورفض للعلاقة واستبعاد للحوار , فان هذا التناقض يسعى الى الانسجام مع ذاته في ممارسة عقائده , لذلك فانكار الاخر معرفيا يؤدي الى الغائه جسديا وفكريا ومحاصرته وتهميشه , ولاشك ان انكار الاخر منطق قمعي امتثالي يرفض الحرية والاختلاف ولايقبل الا الاخضاع , لهذا يلجا حامل هذا الفكر الى الاستبداد وممارسة القهر والعنف وصولا الى السجون والقتل .
الحرب الاهلية اقتتال داخلي , بعد ان تكون التناقضات الداخلية قد انفجرت واتخذت مستويات كمية ونوعية عميقة بالغة في شموليتها وخطورتها .
تختلف مقاربة مفهوم الحرب الاهلية باختلاف الواقع التاريخي لها , ففي التاريخ ظهرت الحرب الاهلية كحرب طبقية شملت المجتمع باسره واستقطبته بين حدين : الدفاع عن نظان اقتصادي اجتماعي سياسي وثقافي قديم , وبين قوى اخرى تطلع الى نظام جديد نقيض للواقع القائم .
فالثورة الفرنسية البرجوازية 1789-1794 , اعقبها فريقين متطاحنين , وكذلك الحرب الاهلية في اسبانيا في ثلاثينات القرن الماضي بين الجنرال فرانكو املكي وفريق الجمهوريين اللشتراكي , ايضا الحرب الاهلية اللبنانية 1975-1991 , وهذه الحروب تداخل فيها الاقتصادي مع السياسي , ويلتبس فيها الاجتماعي مع الطائفي ويتلاقى الداخلي مع الخارجي , وتجمع العقلاني مع اللاعقلاني والحقائق مع الاوهام , وتعم البلاد فوضى يشارك فيها الجميع ولاتؤدي الى انتصار احد .
في الواقع الافتراضي هناك ثلاث احتمالات بشان شعب يخوض نضالا وطنيا تحرريا :
اولهما ان تقع حرب اهلية قبل الوصول للنصر , الثانية وقوع الحرب الاهلية غداة تحقيق النصر , والاحتمال الاخير ان لاتقع هذه الحرب ايدا .
بالرغم من الصور الايجابية المشرقة والمآثر البطولية التي سطرها الشعب الفلسطيني في سياق مقاومته للاحتلال الصهيوني لارض فلسطين , الا ان هذه التجربة رافقها ايضا بعض المظاهرالسلبية والمريرة من نزاعات بين العديد من فصائل العمل الوطني الفلسطيني بدء من ثورة1936 –1939 مرورا بكافة المنعطفات التي مرتبهذه التجربة وصولا للثورة الفلسطينية المعاصرة . ولا اظن اني بحاجة الى انعاش ذاكرة المتابعين لهذه التجربة بسرد العديد من الامثلة .
في الانتفاضة الاولى سادت اجواء من التوتر مشحونة بحملات اعلامية بين السلطة الفلسطينية وبعض فصائل العمل الوطني المعارضة لاتفاقيات اوسلو و ومرت فترة حرجة برز الخوف خلالها من امكانية نشوب حرب اهلية .
في انتفاضة الاقصى الحالية تكررت هذه الظاهرة واخذت بعدا شمل فصائل اخرى منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قام اعضاء منها باغتيال وزير السياحة الاسرائيلي رحبعام زئيفي .
ان مايحدث من حالة تصادم بين السلطة الفلسطينية والجبهة الشعبية وحركتي الجهاد وحماس و وماتقوم به السلطة من مطاردة واعتقال بحق ناشطين فلسطينيين من هذه القوى انما يحدث في ظل ظروف اكثر تعقيدا وقسوة مماكان قائما ابان الانتفاضة الاولى , فالاحتلال الاسرائيلي اطلق العنان لقوته الغاشمة لتمعن في في سياسة التدمير بحق الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته الاجتماعية وتشكيلاته السياسيةدون ان يستثني السلطة الفلسطينية ذاتها التي يرتبط معها باتفاقيات ومعاهدات برعاية امريكية اوروبية .
كذلك فان مايقوم به شارون من تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني مستغلا المناخ الدولي الذي اعقب احداث ايلول في الولايات المتحدة للاستفراد بالشعب الفلسطيني الذي يتعرض لابشع انواع الحصار والقتل والقهر في ظل اختلال شديد في ميزان القوى لصالح اسرائيل التي تمارس عدوانها دون أي رادع معتمدة على الانحياز الاميركي , ومستغلة حالة البلادة واللامبالاة في العالمين العربي والاسلامي .
ان ابرز مظاهر الخلاف والصدام الداخلي الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1993 للان يعود الى منهجين فكريين سياسيين . اولهما يعتبر ان مرحلة الثورة انتهت وبدات مرحلة الدولة , والثاني يعتبر ان زمن الثورة وزمن الانتفاضة لم ينتهي ولم يبدا بعد زمن الدولة مادام الاحتلال جاثم على صدور الشهب الفلسطيني .
ان انفجار التناقض بين الحين والاخر بين السلطة الفلسطينية والمعارضة يجد تفسيره في هذا التناقض القائم في الواقع , تناقض بين احتلال اسرائيلي واقعي ملموس معاش , واستيطان يتمدد ويقضم الاراضي الفلسطينية , وقمع صهيوني يومي , وبين سلطة فلسطينية تتصرف بمنطق الدولة التي لم تقم بعد , وتسعى لضبط وضع شعبي مقاوم احتجاجي لايمكن ضبطه لان مسبباته لاتزال قائمة وتتمثل في الاحتلال .
ان السلطة الفلسطينية تعيش وضعية اشكالية , فهي تعمل في حقل الغام اسرائيلي وحقل الغام فلسطيني , فالسلطة التي هي اسيرة لدى الاحتلال مطلوب منها ان تكون سجانا للشعب الفلسطيني , السلطة تلجا الى حجتها في انها لاتسمح بازدواجية السلطة او اليام باعمال مخالفة للقانون , ان الوضع سيختلف في حال جلاء الاحتلال وزوال القمع الاسرائيلي وقيام سلطة وطنية حقيقية ذات سيادة تمثل مصالح الشعب الفلسطيني وتكرس علاقات وطنية داخلية قائمة على اساس القاسم الوطني المشترك , عندئذ ستكون حجة السلطة مقنعة وقوية .
الان يظل السؤال معلقا , هل ستنشب الحرب الاهلية الفلسطينية ؟
اظن ان هذا يعتمد على كيفية التعامل مع الخلافات السياسية بين القوى الوطنية الفلسطينية ووضعية التناقضات, والوعي الوطني وقوة الراي العام والضغط الشعبي على النخب السياسية .
لاتكمن لمشكلة في التناقض ,فالتناقض ليس مرضا فهو موجود في جميع الظواهر , لكن الامر يكمن في وعي التناقض وفي سبيل حله او التكيف معه , ان حربا اهلية فلسطينية ترتبط جوهريا بالمسالة السياسية , بالصراع على الاهداف والمصالح والنفوذ وطبيعة النظام السياسي .
لقد نال الشعب الفلسطيني اعجاب العالم من خلال كفاحه وتضحياته وبطولاته وصموده والان والشعب الفلسطيني يعيش مرحلة الاشتباك بين ومن الثورة وزمن الدولة وهي مرحلة مفعمة بالتناقضات مثلما هي ملتبسة باحلامها واوهامها فان هذا الشعب مدعو الى اثبات جدارته امام نفسه وامام العالم بقدرته على تجاوز هذه المرحلة .
ان الحرب الاهلية مرفوضة رفضا قاطعا بالنسبة للفلسطينيين , اننا نبحث موضوع هذه الحرب انطلاقا من اهمية استيعاب موضوعها وادراك خطورتها والعمل على تفاديها .
علينا ان نعي انه لاتناقض بلاحل , والصراع العربي الصهيوني ونواته الصراع الفلسطيني الصهيوني لايدوم الى الابد , وجدل القوى كجدل الافكار دار ويدور حول كيفية هذا الحل .
ان الشعب اكبر من الفصائل والاحزاب , والديمقراطية الوطنية اهم واسمى من الاهواء الحزبية والفصائلية , اظن انه مازال يلزمنا المزيد والمزيد من تعلم الديمقراطية ولغة الحوار والاعتراف بالانا وبالاخر .
وبما اننا نتحدث عن انسان لاعن بركان , وعن مخاوف من شيء يمكن ان يحصل على ارض الواقع وليس عن انفجار جرم فس السماء , يجدر بنا ملاحظة ان الشر كما الخير لايكون بل يتكون .
ان شعبنا الفلسطيني الذي عانى كثيرا وناضل طويلا مازال يتطلع الى ان تكون له دولة تحرص على الديمقراطية والكرامة النسانية, فالفلسطيني يستحق ان يكون له وطن تكون فيه المدارس والحدائق والمصانع اكثر من المقابر والسجون .
#حسن_العاصي (هاشتاغ)
Hassan_Assi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟