|
نيفاشا.....أمل... أم خيبة أمل؟!
الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)
الحوار المتمدن-العدد: 881 - 2004 / 7 / 1 - 08:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
بقلم: د. الشفيع خضر سعيد عضو هيئة قيادة التجمع الوطني إستقبال الإتفاق: لماذا بالبهجة في الجنوب و بالوجوم في الشمال!!؟ عقود من الزمان والشعب السوداني في جنوب السودان ينوم متوسدا هدير المدافع ومحتضنا القلق ما إذا كانت هذه "النومة" ستكون الأبدية أم سيصحو على أزيز الطائرات وهي ترسل الموت من السماء، فيركض مرة أخرى دون اتجاه، لاهثا وسط رائحة الدم واللحم البشري المحترق، باحثا عن "الضنى" وعن الحياة. لذلك كان طبيعيا وموضوعيا أن تعم البهجة، ولومؤقتا، في الجنوب عندما تتوقف الحرب وتلوح في الأفق ملامح السلام، سلام من نوع جديد لا يقف عند وقف القتال فقط، وإنما يمتد ليرتبط بتحقيق العديد من الأمنيات والطموحات التي ظلت حلما بالنسبة إلى شعبنا في جنوب الوطن. كان الفرح موجودا أيضا في دواخل الشعب في شمال السودان. فمن الذي لايريد توقف الحرب وقتل الإنسان سواء في الجنوب أو الشمال؟ ومن الذي يود ديمومة رعب إخفاء فلذات الأكباد تحت السرير أو في دولاب الملابس هلعا من إنتزاعهم بواسطة عسس الحكومة ليرسلوا إلى المحرقة؟ لكن الفرح في شمال الوطن جاء مخفيا تحت حاجز من الوجوم والقلق والحذر....لماذا؟ أعتقد أن ذلك يرجع إلى عدد من الأسباب منها: 1- منذ البداية ضرب علي المفاوضات سياج متين من التعتيم ودس الحقائق من الشعب. ولهذا تعمق الشعور بأنها تسير وفق إرادة البعض وليس بإرادة الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية فيما يجري، وأنها تسير تحت ضغوط أجنبية مختلفة ومتباينة المصالح وليست ضغوط شعب السودان وإرادة شعب السودان. 2- عدم القناعة بأسباب استبعاد القوى السياسية الأخرى من حلبة التفاوض، إضافة إلى القناعة التامة بأن الطرفين المتحاورين لايمثلان كل شعب السودان، ولايحق لهما إقتسام السلطة بالكيفية التي تمت. وأن ما تم من تقرير في ما يخص حاضر ومستقبل البلاد، لن يكتب له الاستمرار، ولن يكتسب الشرعية بحكم الواقع أو بوضع اليد، ناهيك عن الاستدامة، لأنه يتم من وراء ظهر الأغلبية الساحقة من شعب السودان. 3- القناعة بأن الإتفاقية لم تخرس كل أصوات الحرب في مناطق السودان الأخرى. فقضية دارفور التي تمثل مأساة العصر، والتي أخذت بعداً استقطابياً حاداً في الداخل وتدويلاً أوشك على الدفع بالتدخل العسكري المعلن حتى من داخل أروقة هيئة الأمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام، تمثل جزءاً لا يتجرأ من أزمة الوطن والحل السياسي الديمقراطي الشامل لها. وأن عزلها عن المفاوضات يمكن أن يفجر الوضع في غرب البلاد كلها وربما يمتد إلى شمالها وشرقها وجنوبي النيل الأزرق بل والى المدن الكبرى ومن بينها العاصمة، فتتعرض البلاد إلى التمزق والتفتت. 4- قطاعات واسعة من الناس ظلت في انتظار تغيير مماثل لما افرزته ثورة أكتوبر 1964 وإنتفاضة أبريل 1985، اللتان جاءتا بواقع جديد مباشر وملموس تخلق وتشكل منذ الوهلة الأولى، لكنهم لا يرون في الأفق تخلقا أو تشكلا مماثلا أفرزته الإتفاقية الحالية. فالنظام هو نفس النظام، وأفراده هم نفس الأفراد، والمعاناة هي نفس المعاناة، بل وإستغلال الدين في السياسة يستمر، ناهيك عن الشعور بأن الإتفاقية ربما توفر الأمان لشرائح الطفيلية الجديدة وأثرياء الحرب وسماسرة المجاعة وناهبي المال العام....! قد تكون هذه الرؤية قصيرة النظر، أو متعجلة النتائج، أو فطيرة التحليل، لكنها موجودة ومتأصلة وسط هذا القطاع الواسع من الناس في الشمال. وإذا كان من الممكن البحث عن تبريرات ما للوجوم الذي واجه به شعبنا في الشمال الإتفاقية، فإنه من غير الممكن تبرير حالة الحيرة والإضطراب التي أصابت قطاعات واسعة من نخب السياسة والثقافة بعد توقيع الإتفاقية، فركنت إلى الأحاديث الدائرية " أو النقة بلغة أهل السودان"، وراحت تطرح سؤالا تلو الآخر يبحث عن إجابات تائهة، في حين أن هذه النخب هي التي من المفترض التوجه إليها بحثا عن هذه الإجابات حول حاضر ومستقبل الإتفاقية! إن النظرة الموضوعية للعملية التي توجت بلإتفاقيات الإطارية الموقعة بين الحركة الشعبية وحكومة الإنقاذ، تبدأ بإقرار أن عددا من العوامل ساهمت في تشكيل السمات والملامح الأساسية لهذه الإتفاقيات. من ضمن هذه العوامل: أ- إن التفاوض، ثم الإتفاق، جاءا نتاج حالة توازن الضعف والإرهاق التي تمكنت من الصراع السياسي في البلاد. ب- الضعف الملحوظ في نشاط الحركة السياسية والجماهيرية داخل السودان على الرغم من استمراريته وتصاعده. ج- الثقل الدولي الذي دفع بكل آلياته من أجل وقف الحرب منطلقا من فهم محوري أساسه أن المشكل في السودان جوهرة الصراع بين الجنوب والشمال. ومنذ بداية العملية التفاوضية، كنا ومازلنا نؤكد - عن قناعة راسخة - على ثلاثة حقائق أساسية هي: 1- التفاوض بدأ ثنائيا وسينتهي ثنائيا رغم أنف كل الأصوات التي ظلت تنادي بتعديل هذا الوضع الشائه. فهذه هي إرادة القوى الدولية التي تولت قيادة قطار التفاوض حتى محطته الأخيرة، وهذه الإرادة صادفت هواً عند أهل الحكومة، كما لم تجابه بموقف قاطع من الحركة الشعبية التي لا أعتقد أنه كان بإمكانها فعل أكثر من مجرد المطالبة بإشراك الآخرين. لكن مسألة الشمول والثنائية لابد من فهمها أيضا في إطار كونها جزءا من الصراع السياسي الذي يضع على القوى الأخرى واجبات مصيرية لابد أن تضطلع بها. 2-لا مجال لعدم الإتفاق، بل حتما سيفضي التفاوض إلى إتفاق ما يوقعه الطرفان، وهو ما حدث بالفعل. وقد كان موقفنا، ولايزال، هو أن المحصلة النهائية للتفاوض، وبغض النظر عن درجة رضانا عنها، ستحقق على الأقل ثلاثة إنجازات رئيسية هي- أولا: وقف الحرب في جنوب البلاد، وهو إنجاز لايمكن مضاهاته بأي انجاز آخر إلا ذلك الذي سيطوي صفحة الإحتراب إلى الأبد. ثانيا: ستشكل الاتفاقية اختراقا قويا في جدار الشمولية، كما ستخلق واقعا جديدا في البلاد يفتح آفاقا أوسع نحو التحول الديمقراطي، ويهيئ مناخا أفضل للصراع السياسي. ثالثا: ستأتي الإتفاقية بتأكيد آخر على فشل مشروع إعادة بناء الدولة السودانية على أساس آيديولوجي، أيا كانت هذه الآيديولوجية. 3- ليس صحيحا القول بأن الدخول في التفاوض ومانتج عنه من إتفاق، هما فقط ثمرة الفعل العسكري في ميادين القتال بين الحركة الشعبية والحكومة، أو نتيجة لجهود المجتمع الدولي وحدها، بل هما ثمرة الجهد الجماعي والإرادة الجماعية لكافة الأطراف: ميادين القتال، الفعل السياسي للتجمع والمعارضة الشعبية، مقاومة الشعب السوداني للحرب، دور الشخصيات الوطنية، ثقل المجتمع الدولي ومساهمات أصدقاء السودان خاصة مصر وليبيا ومجموعة الإيقاد...الخ. وعلى ضوء تلك الحقائق، كان لابد للحركة السياسية والجماهيرية السودانية أن تنبذ عقلية الإنتظار والترقب، وأن تهيئ حالها لمرحلة ما بعد الإتفاق بهدف استثمار هذا الواقع الجديد الذي سينشأ لصالح استنهاض نشاط شعبي فعّال، وحراك جماهيري متصل ومتقد يقوم على تكامل مختلف أشكال العمل السياسي والجماهيري، وذلك من أجل التصدي لحزمة من القضايا الأساسية الملموسة في وجهة تعزيز السلام وجعله شاملا، ووجهة تحقيق التحول الديمقراطي، و إنطلاقا من حقيقة أن مجرد اعلان الاتفاق والاحتفال بتوقيعه لن يعالج مفاصل الأزمة، ناهيك عن أن منهج التفاوض الذي استمر قاصرا حتى النهاية سيلقي بتبعاته السالبة دون شك.
السلام في الجنوب حلقة واحدة فقط من حلقات الأزمة السودانية! ثنائية الحرب والسلام في السودان تعتبر حلقة محورية في مفاصل الأزمة السودانية الممتدة منذ فجر الإستقلال، لكنها حلقة واحدة ضمن عدة حلقات أخرى. فالسلام وحده لن يشبع الجوعى ويكسي العرايا ويعالج المرضى....والسلام في الجنوب وحده لا يعني وقف الحرب في غرب الوطن، أو نزع فتيلها في شرق البلاد. ومن ناحية أخرى، فإن الصراع السياسي في السودان ليس مجرد صراع حول السلطة بين المعارضة والحكومة،كما لا يمكن حصره في أنه معركة بين الشمال والجنوب، مثلما لا يمكن توهم حله بمجرد وقف القتال بين المتحاربين. لكن جوهر الصراع هو في الحقيقة حول إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة، القائمة على الاعتراف بالتعدد الاثني والديني والثقافي، والمرتكزة على أسس النظام الديمقراطي التعددي، وعلى التنمية المتوازنة بين كل أطراف البلاد، وذلك في ظل نظام للحكم يحقق هذه الأهداف. ومن الواضح هنا أن السلام وحده لن يصمد أو يصبح مستداما إذا لم يرتبط بعلاج قضيتي الديمقراطية والتنمية اللتين تشكلان حلقتين أخريين من حلقات الأزمة الوطنية في السودان. والحلقات الثلاثة - السلام، الديمقراطية والتنمية - هي المدخل لعلاج الحلقة الرابعة من حلقات الأزمة والمتمثلة في قضية وحدة البلاد. ومن الواضح أن أزمة بهذا العمق وبهذا التشابك والتداخل في حلقاتها المكونة، لا يمكن حلها عبر تحالف أو شراكة بين طرفين فقط، حتى وإن كان لهما فضل وقف الإحتراب تمهيدا لتحقيق السلام. إن حل الأزمة هي مهمة شعب بأسره! ومن هنا كان تمسكنا بمشاركة الجماهير الواسعة في كل شيئ، في التفاوض وفي تنفيذ نتائجه. هذه هي الشراكة الوحيدة التي يمكن أن تخرج بلادنا من الأزمة. وهذه المشاركة لن تتأتى إلا عبر التحول الديمقراطي الواسع والحقيقي الذي يضمن إشاعة الديمقراطية وحرية الرأي الآخر والتعبير عنه في الصحف والندوات والمظاهرات وغيرها من أدوات التعبير والتنظيم المعلومة، كما يضمن الغاء قانون الطوارئ وكافة القوانين الاستثنائية التي تلجم شعب السودان.
هل القضية هي الإنفصال و الوحدة، أم حوجات وطموحات شعب؟ دوائر كثيرة، في داخل البلاد وخارجها، لا يهمها في الإتفاق سوى قضية الإنفصال والوحدة، فتنتزع من النص كل ما تراه مرتبطا بهذه القضية، دون إنتباه لجدلية العلاقة بين كل مكونات بنود الإتفاق. وفي الغالب فإن هذه الدوائر تبغض تماما شعار تقرير المصير، وإذا قبلته فعلى مضض. لن نختلف مع من يقول بأن قضية الوحدة والإنفصال تشكل بالنسبة له مسألة حياة أو موت، أو أنها هي المنظار الذي يرى به ومن خلاله بنود الإتفاقية الأخرى، فهذا من حقه. ولكننا فقط نود أن نقترح عدم إهمال تناول الموضوع من جانب آخر نطرحه من خلال التساءل التالي: هل الأولوية هي تناول الموضوع من زاوية الوحدة والإنفصال، أم من زاوية حوجات وطموحات شعب يعاني ويموت؟ الأولوية بالنسبة لنا هي البحث في الإتفاقية عن ما يلبي حوجات وطموحات الشعب. فهذه هي التي تحدد المسار: إما نحو الوحدة أو الإنفصال. بمعنى إذا ما تحقق السلام العادل والشامل، وتحققت التمية المتوازنة، وتحقق الإقتسام العادل للسلطة والثروة، وتحققت دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع غض النظر عن الدين أو العنصر أو النوع أو الثقافة...الخ والتي تسود فيها الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان....إذا ما تحقق كل ذلك...هل سيبقى هنالك سبب واحد لإختيار مسار الإنفصال؟ أما شعار تقرير المصير، فإنه يمثل بالنسبة لنا معنىً عظيما جوهره: لا للحرب...ونعم للإختيار وفق الإرادة الحرة غض النظر عن درجة رضانا لهذا الإختيار. وبالتالي فبدلا من التخوف والقلق حول نتيجة ممارسة هذا الحق، نتجه بكل قوة نحو وضع الأسس وتحقيق الغايات والطموحات الكفيلة في حصر الإختيار في خيار الوحدة. أقول هذا وأنا ألمس في الإتفاقية بعضا من التناقض في هذه النقطة. فرغم أن الإتفاقية تزخر هنا وهناك بمقومات الوحدة، إلا أنها أيضا تحمل مقومات قد تغذي اتجاهات الإنفصال مثل تقسيم التشريع في البلاد على أساس ديني، وكذلك الإتفاق على أن ينال الشمال 50% من عائد ثروات الجنوب.
ومضات هامة تستوجب الإنتباه والتفكير...والإستثمار!! في الفترة الأخيرة التي أعقبت التوقيع على الإتفاقية، استوقفتني، وربما آخرين أيضا، ثلاثة محطات مليئة بالومضات المشعة تستدعي الوقوف عندها وبحث كيفية إستثمارها لصالح الوطن والمواطن: المحطة الأولى: برتوكولات نيفاشا ،مواثيق أسمرا 1995 ومشروع التجمع للإجماع الوطني: المتصفح بتمعن لبروتوكولات نيفاشا الموقع عليها، سيجد تشابها، وليس تطابقا، بينها وبين مواثيق أسمرا للقضايا المصيرية (1995)، مثلما سيلحظ نفس التشابه مع مشروع التجمع للإجماع الوطني، وذلك في عدد من المواقع مثل: العلاقة بين التشريعات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، اللامركزية والحكم الذاتي للمناطق الثلاثة، اللجان والمفوضيات المقترحة، تقرير المصير...الخ. المحطة الثانية: الدعوة التي أطلقها د. قرنق بتبني ميثاق وطني يجمع كل القوى السياسية في البلاد: في خطابه في حفل التوقيع على البروتوكولات في نيروبي بتاريخ 26 مايو الماضي، نادى د. جون قرنق بضرورة وأهمية مشاركة كافة القوى السياسية السودانية في رحلة ترسيخ السلام وتحقيق التحول الديمقراطي خلال الفترة الإنتقالية، عبر تبني ميثاق وطني تجمع عليه كافة هذه القوى، ميثاق يكون متماشيا لا متقاطعا مع بروتوكولات نيفاشا. المحطة الثالثة: لقاء التجمع الوطني والأستاذ علي عثمان: عند إلتقائه بوفد التجمع الوطني الديمقراطي في القاهرة بتاريخ 9 يونيو الجاري، طرح الأستاذ علي عثمان ثلاثة نقاط أساسية هي: أ- نيفاشا مجرد مدخل ونقلة للسودان للدخول في رحاب أوسع بما في ذلك الإتفاق على حد أدنى لمشروع تعاون وطني وقومي حول قضايا أساسية لبناء الوطن، ومن بعد التنافس الشريف انتخابيا لتنفيذ هذا المشروع. ب- هذا المشروع يستوجب أن نرمي وراء ظهرنا كل مرارات وخصومات الماضي. ج- المطلوب أن نتقدم إلى الأمام لنتوصل إلى الآليات الملائمة لتحقيق الشمول والمشاركة دون إقصاء لأي أحد. لكن هنالك مناطق معتمة، بل ومظلمة، تشوه مسار الومضات المشعة من هذه المحطات الثلاثة، مثلاً: - أي اتفاق بين الحركة والحكومة لابد أن يحتوي على درجة من درجات الشراكة، هذه مسألة مقبولة ومفهومة. لكن أن يصل الأمر حد اتفاق الطرفين على تحديد دور ومسار ونسب مساهمات القوى الأخرى، فهذا أمر غير مقبول، ويتناقض مع ما جاء في المحطات الثلاث حول الوفاق القومي والإجماع الوطني. مثلا ألم يكن من الأوقع بدل إختزال الرئاسة في التركيبة المقترحة في البروتوكولات (رئيس ونائب أول ونائب) حفاظا للواقع الحالي (الرئيس البشير والنائب الأول علي عثمان) الذي سيهتز قليلا بدخول د. قرنق لمؤسسة الرئاسة، ألم يكن من الأفضل بالنسبة لقضية الوطن أن تتوسع مؤسسة الرئاسة، مادام فكرة التوسع تم إقرارها، لتشمل ممثلين عن يؤر التوتر المتصاعد في غرب السودان وشرقه؟ - من الممكن أن نرمي، كسياسيين، وراء ظهرنا كل مرارات وخصومات الماضي. لكن هل يمكن إقناع الجماهير بالتخلي عن مطلبها العادل في مساءلة ومحاسبة من تتهمه بإنتهاك حقوقها وسلب أموالها وأموال الدولة؟ قد تكون هنالك إمكانية لدحض هذه الإتهامات، ولكن أليس من الأفضل إقتراح آلية لتحقيق هذا الغرض مثل آلية الحقيقة والمصالحة، بدلا من إختزان المرارات التي حتما ستنفجر طال الزمن أم قصر؟ - مهما كانت النوايا، ومهما صرف من تنظير وشرح مسهب حول كيف سيلتزم الطرفان بتكوين الجيش القومي السوداني، فإن القوى الأخرى لن تبلع فكرة أن يشرف حزبان فقط (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) على إعادة تكوين وهيكلة الجيش وأجهزة الأمن! إن هاتين المؤسستين بالذات هما محط أنظار الجميع خلال أي حديث عن التغيير أو السياسة أو الديمقراطية أو الحلقة الشريرة....ليس في بلادنا فحسب وإنما في سائر بلدان منطقتنا. إن شعارات الشمول والمشاركة وتحويل الإتفاق من ثنائي إلى قومي، وهو ما تومئ به المحطات الثلاثة أعلاه، لا يمكن اختزاله في مجرد إعادة توزيع كراسي السلطة بين القوى السياسية المختلفة، وإنما يعني صياغة مشروع متكامل، يمكن أن ينطلق من بروتوكولات نيفاشا الموقع عليها، تجمع عليه كافة القوى السياسية السودانية بهدف فكفكة حلقات الأزمة السودانية المتمثلة في وقف الحرب في كل ربوع الوطن،التحول الديمقراطي، التنمية المتوازنة بين كل أطراف البلاد، إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة على أسس جديدة، ووحدة البلاد القائمة على الطوع والإرادة الحرة. مشروع كهذا يستوجب البدء فورا في تبني عددا من الخطوات الملموسة المحددة، مثل: - عرض الإتفاقية النهائية التي سيتوصل إليها الطرفان على مؤتمر واسع يضم كل ممثلي المعارضة السودانية، وذلك قبل ان يتم التوقيع عليها، بل ويتم هذا التوقيع أمام هذا المؤتمر الجامع ووفقاً لموافقته. - الاعتراف بأن ما يحدث في دار فور مشكلة سياسية تتطلب حلاً سياسياً قومياً وليس عسكرياً، وأن هذه المشكلة لا يمكن حلها إلا عبر مؤتمر سياسي وطني جامع يسع كل القوى السياسية السودانية، و يمثل فيه أهالي دار فور بما في ذلك القوى المعارضة المسلحة. - البدء فورا في تنفيذ كل متطلبات التحول الديمقراطي: إلغاء القوانين المقيدة للحريات، رفع حالة الطوارئ إلا في مناطق القتال، رفع الرقابة عن الصحف، حرية العمل السياسي والنقابي، رد المظالم، صياغة قانون الإنتخابات الديمقراطي.........الخ. - مخاطبة قضايا المعيشة و معاناة الحياة اليومية للمواطن السوداني بما في ذلك قضايا المفصولين والمشردين والنازحين، والمشاركة الواسعة في اعادة تأهيل الاقتصاد، إصلاح الخدمة المدنية......الخ.
خيارات القوى السياسية الأخرى! آخذين في الإعتبار كل ما ذكر أعلاه، فإن الخيارات أمام الحركة السياسية السودانية غير المشاركة في عملية التفاوض تبقى مفتوحة على كل الإحتمالات: 1- في حال تمسك الطرفان بما اتفقاء عليه في البروتوكولات دون إقتراح آليات مناسبة تلبي قضية الشمول والمشاركة الواسعة، ربما تتمسك القوى السياسية الأخرى بالتركيز على مفاصل التحول الديمقراطي بما في ذلك اللجان والمفوضيات المقترحة بعيدا عن قبول المشاركة الرمزية في السلطة التنفيذية كما تقترح البروتوكولات. 2- في حال تنفيذ متطلبات التحول الديمقراطي، وتنفيذ صياغة برنامج للإجماع الوطني، ربما تشارك هذه القوى في كل مفاصل السلطة غض النظر عن نسب هذه المشاركة.
وفي الختام: نحن ندعو إلى إجماع وطني يوحد القوى المتباينة، بل والمتعارضة، والتي ظلت – لأسباب سياسية واجتماعية وتاريخية وإقليمية…الخ – تتخاصم وتتصارع حقبا طويلة قبل أن تقتنع بان الوطن كله أصبح في مهب الريح وان خطرا داهما يتهددها جميعا، وان التفكير السليم يقول بان ما يجمعها من مصالح – في الحد الأدنى الضروري للحياة – أقوى مما يفرقها، وأنه آن الأوان كيما تلتقي بجدية واخلاص لصياغة واقع جديد في السودان يحافظ على دولته الديمقراطية الموحدة، ويهيئ مناخا ملائما للتداول السلمي للسلطة ولإنجاز مشروع تنموي لصالح الجماهير السودانية التي ظلت صابرة لعقود من الزمن لا تحصد سوى الريح، رغم أنها أبدا لم تفقد الأمل. الشفيع خضر سعيد القاهرة: يونيو 2004
#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)
Sudanese_Communist_Party#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمة جريدة الميدان (العدد 1993) 27 مايو 2004
-
المؤتمر القومي الجامع هو مفتاح الحل لمأساة دار فور
-
أول مايو، عيد العمال
-
يا جماهير دار فور..اتحدوا
-
في الدولة الإرهابية
-
دولة الإرهاب، والهوس الديني
-
نضال الحركة الجماهيرية:
-
سفر الخروج ولوثة العداء للحزب الشيوعي
-
لا لميزانية الجوع والإذلال وإفقار الجماهير
-
رأي الحزب الشيوعي السوداني في الإتفاق الإطاري بين الحكومة وا
...
-
لا... لزيادة أسعار السكر والبترول
-
رأي الحزب الشيوعي السوداني في الإتفاق الإطاري بين الحكومة وا
...
-
للعاملين مطالب عادلة
-
العنف ليس الوسيلة لإسترداد الحقوق ومعالجات الإدرات تراكم الأ
...
-
الجمعيات الطوعية، ومنظمات المجتمع المدني وتحديات خدمة المجتم
...
-
بيان من اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السودانى - مأسـاة كسـل
...
-
تعليقـات في السياسـة الداخلية - المنظمة الارهابية (الفرقان)
...
-
لا وحدة دستورية من وراء ظهر الشعوب وفي غياب الديمقراطية
-
ندعم مبادرات ابناء دارفور لحقن الدماء واخماد الفتنة
-
موقف الحزب الشيوعي السوداني حيال عملية التحضير لمؤتمر المرأة
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|