|
الاعياد الدينية فى العراق القديمة - ردا على ماذا تعرف عن عاشوراء
محمود جابر
الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 18:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مرة بعد مرة يرسل لى الصديق العزيز وليد مهدى توضيحات عن اعياد العراق القديم والارتباط الانتربولجى والمسيولوجى بين التقوس العاشورائية التى ما تزال تحيها الطائفة الشيعية فى العراق وما كان يمارس فى العراق القديم وهذا ان دل فانه يدل على عمق الحضارة العراقية القديمة وانفتاح الاسلام كمستقبل عام لكل حضارات الارض مستوعب لها ومتعايش معها بل يمتزج فيها وتمتزج فيه .. واليكم الموضوع المرسل من الصديق العزيز : الاعياد الدينية في العراق القديم وكيفية الاحتفال بها
حنا عبدالاحد روفو
مقدمة: مما لا شك فيه ان الدين لدى الاقوام القديمة التي عاشت في بلاد الرافدين كان له دور مهم في الحياة اليومية، ولا نغالي ان قلنا ان ذلك الدور لا يزال يحتل المكانة الاولى لدى كل الشعوب في العالم. وقد حكم ملوك العراق القدماء باسم الحق الالهي باعتبارهم ممثلين حقيقين للالهة ونوابا عنهم، وكانت الالهة متعددة وكان الملك يجمع السلطتين الدينية والدنيوية بيده. فهو القائد الاعلى في الحروب، والملك في وقت السلم ورئيس الكهنة وممثل الالهة في ادارة المعابد ورعاية شؤون الرعية، وقد اصبح الملك بعد انتقال الحكم من السومريين الى الاكديين الساميين ينظر اليه كاله بشري يحكم باسم الالهة كما كان فرعون في مصر. لذا فقد وضع الملوك الاكديون امام اسمائهم الاشارة الخاصة بالالهة وهي (دنكو) السورية او (ايلو- اوايلو السامية) التي تعني الاله، وقد تغير الاعتقاد بعبادة الملك زمن سلالة حمورابي او الدولة البابلية الاولى، واصبح يمثل الالهة في الارض بالرغم من انه بشر يكلم الالهة ويراهم ويتلقى منهم الاوامر،ويؤيد ذلك ما نراه واضحا في مسلّة حمورابي المشهورة التي يقف فيها الملك امام الاله (الشمس) اله الحـق والعدالة(1) وقد قــال حمورابي ان الالهة قد نادتني لامنع الاقوياء من ان يظلموا الضعفاء وانشر النور في الارض وارعى مصالح الخلق(2). وقد تغير مفهوم الملك في الدولة الاشورية واصبح يعد الرئيس الاعلى للدولة والقائد للقوات وفارس الفرسان فكانت مهمته سياسية وعسكرية ودينية وكان يرى الالهة في الرؤيا كما رأى اشور بانيبال الالهة عشتارالهة اربائيلو عندما همّ بمحاربة الثائر العيلامي تي اومان(3) ونظرا لتعدد الالهة فقد كان لكل اله عمله واعياده الدينية المعينة. ولكن اهم هذه الاعياد هو عيد رأس السنة الجديدة او عيد السنة البابلية والذي يسمى بعيد (اكيتو). عيد اكيتو او عيد رأس السنة البابلية: يعتبر هذا العيد من الاعياد المهمة في العراق القديم. ولقد كانت الاحتفالات تقام في بابل بمراسيم خاصة وكذلك كان يُحتفى به في مدن اخرى خارج بابل في اربائيلو، حران، اوروك، ونينوى. وقد تم التنقيب في اوروك وعثر على بيت (اكيتو) ومعابد اخرى في بابل تعود الى العصر الكلداني الحديث(4). وكانت هذه الاعياد تقام في بابل كما قلنا وفي اوروك وغيرها من المدن بسبب تاثيرها بتيارين قويين من العقائد الدينية السائدة اولهما: عبادة الهة الخصب ذات الاصول العميقة الغور والشائعة في جميع انحاء الشرق الادنى منذ عصور ما قبل التاريخ. والثاني: نظرية نشأة الكون السومرية الاحدث تاريخا نسبيا. اذ ان كل دويلات المدن السومرية كانت تؤمن وتعتقد بان خصوبة حقولها ومواشيها وسكانها كانت بواسطة الزواج المقدس بين اله المدينة والهتها. وقد ورد ذكر مثل هذه الزيجات في نصوص تعود الى عصر سلالة اور الثالثة وعلى سبيل المثال بين ننكرسو وبابا في لكش، وبين نانا وكولا في اور، وبين آنو وانانا في اوروك وبين انليل وننليل في نفر، وتقام مراسيم هذه الاحتفالات والتي تسمى: زامكوك (أي عام جديد بالسومرية) مرتين في كل عام في الربيع (الاعتدال الربيعي) والخريف (الاعتدال الخريفي). ويتم تنظيم هذه الاحتفالات والمراسيم من قبل حاكم المدينة قبل وقت مبكر من حلول ايام العيد. ثم طور رجال الدين في (نفر) قصة نشأة الكون فتسبى خلعة الى (انليل) بعد ان انتصر على تيامات وقوى الظلام، وبعد الخليقة اصبح مجمع الالهة العام برئاسة اله الريح الذي يجمع بيده مصائر الارض وقدر البشرية. ولم يكن الخلق والبت في المصائر مسألة نهائية ثابتة تجري مرة واحدة في السنة لتستمر ابدا، بل كان الاعتقاد السائد هو انها عرضة للنظر والمراجعة السنوية المشروطة بناءً على تجدد الصراع الكوني كل عام واستحالة التكهن بنتائج ذلك الصراع، وهكذا فقد امتزجت في عيد رأس السنة الجديدة فكرة الزواج المقدس بقصة الخليقة في وحدة متناغمة، حيث جرت مزامنة تحول الطبيعة من الجدب الى الخصوبة والنماء وفي تلك الدراما المزدوجة اسند الدو رالرئيسي الى الاله (مردوخ) ليجمع مع شخصيته الخاصة كاله للخصب والنماء، وشخصية انليل بطل وملك الالهة(5). ولقد احتفل السومريون بهذا العيد منذ الالف الثالث قبل الميلاد باعتباره طقس الزواج المقدس (الزواج الالهي(6)) ولكن في الالف الاول قبل الميلاد ادمج هذا العيد بعيد اكيتو. كيفية الاحتفال بعيد اكيتو: يعتبر هذا العيد من اهم اعياد العراقيين القدماء في التاريخ ويحتفل به لمدة اثني عشر يوما، ويبدأ العيد في شهر نيسان حيث يحل فصل الربيع الذي يمثل نهاية الشتاء البارد وبدء موسم الدفء والنمو الذي يرمز الى الحياة والخير، وينتهي في الثاني عشر من نيسان. ومغزى الاحتفال به مشاركة الارض في افراحها حيث تلبس حلة قشيبة في بداية كل عام في فصل الربيع، فهو عيد خلق الارض وحلول الاستقرار والخير والنمو والبركة كما ورد ذلك في قصة الخليقة البابلية ووفق منهاج خاص. وكانت الاحتفالات تقام في معابد المدن وكان الملك يشارك فيها وتقام في المعبد الرئيسي للاله الذي يسمى معبد اكيتو ايضا(7). وقد تم العثور نتيجة التنقيبات على الواح من الحجر والالواح الاسطوانية وبالكتابة المسمارية تحوي نصوصا حول هذه الاحتفالات والتي تدوم اثني عشر يوما على عدد اشهر السنة(8). وهذه المعابد الخاصة بالاحتفالات كانت خارج اسوار المدن وقد عثر في بابل على شارع الموكب وباب عشتار من قبل بعثة المانية(9). ان الايــام الثمانية الاولى من الاحتفالات تختص بالتكفير عن الذنوب حيث ان الاله مردوخ يكون محتجزا اثناءها في جبل العالم الاسفل وتقدم فيها الضحايا والقرابين وتعين درجات الكهنة ومراتبهم لياخذ كل حسب درجته مكانته في الاحتفالات. بدءا ب (الاورلو- رئيس الكهنة) في اليوم الاول من نيسان حتى اليوم الرابع منه لا يقيم احد من العباد في معبد (ايساكلا) عدا الكهنة حيث تقام الصلوات وتنشد التراتيل ويجري التهيؤ للاحتفالات التي تاتي بعدها. وفي اليوم الاول ايضا ياتي الاله (ناهو) من معبده البيت الحصين في بورسيبا لزيارة الاله مردوخ كبير الالهة للاشتراك في هذا الاحتفال، وياتي رئيس الكهنة في المقدمة والكهنة خلفه ليكسوا تمثال الاله مردوخ بكسوة ثمينة وحلة مطرزة قشيبة من المحتمل انها كانت بيضاء اللون. وفي اليوم الثاني يتكلم رئيس الكهنة ويقوم منفردا في الطواف حول تمثال الاله مردوخ ويقوم بصلوات في الليل وتنشد تراتيل في مدح مردوخ. وقبل الفجر بساعتين يتطهر هذا الكاهن بمياه النهر ويرتدي ثوبا من الكتان، ويدخل المعبد الذي فيه مردوخ، ويناجي الاله ثانية ثم يفتح الابواب كالمعتاد، ويكون قد دخل قبله السادن والكاهن المختص، ويتم ترتيل قصائد العزاء ويلتحق بهما كاهن اخر يشاركهم في قراءة تلك التراتيل ويستمرون في اقامة الصلاة امام الاله حتى الصباح. وقبيل مغادرتهم مخدع الاله مردوخ يؤدون بعض المراسيم الدينية الاخرى لتاج الاله انو ثم يصلون ثلاث مرات للاله: ديب: وقد ورد وصف هذا اليوم على رقيم طيني فيه نقص في بعض الاسطر من الكتابة المسمارية وقد ورد فيه: (أيها السيد يابيل الذي ليس له مثيل عندما يغضب، ايها السيد يا بيل الملك الجليل…) وبعد هذه الصلاة ياتي الكاهن ويتوجه الى باب المعبد لفتحه وينهض كهنة المعبد الذين يسمون بالاكدية ايربابيتو أي خدم المعبد ويؤدون الصلاة وينشدون التراتيل امام الاله بيل والالهة بيليت (مردوخ وزوجه)، ثم يقوم الكهنة النائمون واسمهم بالبابلية –كانو- بانشاد التراتيل المحزنة ثم ينفرد بعد شروق الشمس رئيس الكهنة باقامة الصلاة لمردوخ ومن ثم يشترك مع بقية الكهنة، وبعد مغيب الشمس بثلاث ساعات يستدعى الكاهن الاكبر (الاوريكالو) او (اوركلو) بتلاوة قصيدة (اينوما ايليش) أي قصة الخليقة المفصلة كاملة وتستغرق هذه الاحتفالات الايام الاربعة الاولى ويكرز اليوم الخامس للتطهير حيث يقوم الكاهن (المشماشو) برش اركان المعبد بالماء المطهر وتدق الطبول وتتلى الادعية وتحرق البخور ثم يجري اخيرا نحر خروف تمسح بدمه جدران المعبد ويرمى برأسه وجسمه في النهر، وكان المعتقد ان كبش الفداء هذا ياخذ معه كل اثام تلك السنة(10). ولم كان المشماشو يصبح نجسا جراء هذه الطقوس لذلك فقد كان عليه ترك المعبد (ايساكلا) لما تبقى من ايام العيد. وفي هذه الاثناء كان الناس يعبرون عن هياجهم بطريقة اكثر رسمية وحسب ما جاء في نص منقوش على رقيم(11) يشير الى تعالي اصوات البكاء والنحيب عند الاهالي، ونشوب فوضى تبلغ اشدها، وينشب عراك في اماكن عديدة، وتندفع عربة بعل مردوخ بدون سائق بسرعة الى بيت اكيتو، وان احد المجرمين يتخفى بلباس الملك وتطلق يده حرة للعبث في المدينة. وهذه هي بالتاكيد تجليات للهستريا والفوضى الجماعية التي ربما كان مبعثها محاولة خلق صورة فوضى التي تعم الكون بسبب اختفاء الاله. وبعد مغيب الشمس بثلاث ساعات يستدعي رئيس الكهنة حدادا وثلاثة صناع مهرة وحائكا ويعطيهم عددا من الجواهر وذهبا من خزينة مردوخ، فيصنعون تمثالين لاحتفالات اليوم السادس من ايام العيد ويعطى الكاهن الاكبر الاله بيل ابتداءا من اليوم الثالث وحتى السادس قطعا من لحم الغنم المذبوح قرابين للصناع الذين كانوا يطعمون خيار لحوم الاضاحي، اما الكتف فهو من نصيب الحفار(12). وكذلك في اليوم الرابع يتوجه الملك الى بارسيبا (برس نمرود) عشرة اميال جنوب بابل، كي يستدعى الاله (نبو او نابو) الذي يتوجب عليه فك اسر ابيه مردوخ من سجن العالم الاسفل، ويعود مصطحبا معه تمثال (نبو) الى ايساكلا (المعبد) بعد يوم. وفي باب المعبد يتخلى الملك عن شارة الملوكية (الصولجان والسيف) مسلما اياها الى الكاهن (الاوريكالو) الذي يضعها على كرسي امام مردوخ، ثم يلطم الملك على خده. وضمن الاحتفالات الدينية كان الملك بنفسه يقوم بتقديم الطعام الى الالهة ويذكر انه كان يلبس الملابس البيضاء من اجل اتمام هذا الطقس وملابس اخرى من نوع آخر. وفي مناسبات كان الملك يرتدي الملابس الخشنة البسيطة وكانت تعتبر من ملابس التوبة والغفران(13).وبموجب المفاهيم المعروفة عند سكان العراق القدماء ان مجمع الالهة في السماء هو الذي اول الامر المظهر الخارجي للملوكية والاحتفالات الخاصة بها وكانت رموز الملوكية حسب الاساطير المدونة بالمسمارية وقد وضعت في احتفال خاص في السماء امام كبير الالهة المعروفة (آكو)(14) ومن ضمن هذه الرموز الصولجان والتاج وهذه الرموز الخاصة بالملوكية كانت تميز ما بين الالهة الخالدين عن البشر وغير الخالدين بما في ذلك من هو من اصل الهي. وهذا المفهوم عن الملوكية بقي منتشرا الى زمن قيام الثورة الفرنسية وكانت تسمى نظرية الحق الالهي للملوكية. وكانت الوان الانسجة المستخدمة والمستعملة للملابس لها ارتباط بمفاهيم دينية. وبتقاليدها الخاصة.فكان اللون الاحمر عندهم رمز لطرد الارواح الشريرة والى القوة الجسدية والنشاط وهو اللون الذي يرمز الى الحرب والثورة. والارجواني يدل على الرفعة والقوة، ويقوم الكاهن بمرافقة الملك عندما يتقدم الى حضرة الاله (بعل) وعليه ان يجره من اذنيه ويركّعه على الارض، وعلى الملك ترديد هذه العبارات لمرة واحدة فقط: لم اذنب يا سيد البلدان، ولم اغفل ربو بيتك، لم اخرب بابل، لم اسبب لها الهوان. لم انسَ مناسك معبد ايساكلا، لم اوسع باللطمات خدّ أي من عبادك، ولم اهنهم. لقد حرصت على بابل ولم اقوض جدرانها. فيردد الكاهن مطمئنا ملكه قائلا: (لا تخف: سيستجيب الاله بعل لصلواتك وسيعظم سلطانك ويعلي ملوكيتك ويباركك الاله الى الابد ويحطم اعداءك ويسقط كل مناوئيك). ثم يعيد الكاهن للملك شارته (الصولجان والحلقة ويلطمه مرة اخرى). على الكاهن لطم الملك فان سالت دموعه فهذا يعني ان الاله راضي وان لم تظهر الدموع فتلك دلالة على ان الاله غاضب وان العدو سينتفض وينتصر(15). ان رمزية هذا الطقس الديني المهم تشير الى ان الملك يقوم بهذا الدور الذي هو بمثابة تقديم نفسه كبش فداء للمجتمع والتكفير عن اثامه ويتذكر بانه مدين بسلطانه الى الالهة وليس لاي شخص اخر، وبعد تطهره واعادة تثبيته يكون باستطاعته دخول المعبد للقيام بالاحتفالات التالية، اذ لا يجوز القيام بها عند غيابه. ومن هنا نستنتج كم كان دور الكاهن الاعلى مهما آنذاك، وفي غضون اليومين السادس والسابع تصل الى بابل تباعا الالهة (سبا) (كوثا) (كيش) (اوروك). والمدن الاخرى. قادمة عن طريق البر او بواسطة الانهار في حين يكون الملك مشغولا في ايساكلا (المعبد) بانجاز مناسك عديدة وطقوس خاصة بالمناسبة تستهدف اعادة مردوخ الى الارض والذي كان يبعث في اليوم الثامن من نيسان من جديد فيدخل الملك ضريح الاله وياخذ بيده باعتباره المشارك في العيد ويضعه في الساحة الفسيحة للمعبد وتجتمع كل الالهة لتمنحه القدرة والسلطان الواحد بعد الاخر، وخلال هذا الاجتماع للالهة تمنح السلطة لمردوخ كما هو مدون في ملحمة الخليقة. وفي اليوم التاسع يبدا الاحتفال بموكب هائل ويضم تماثيل كافة الالهة، يتقدمها مردوخ في عربته الوهاجة المزدانة بالذهب والفضة والتي يقودها الملك بنفسه وتطوف شارع الموكب عبر بابل وسط اريج البخور واصوات المغنين والتراتيل والموسيقى بينما يركع الناس تعبدا وخشوعا لدى مرور هذا الموكب المهيب. وفي العاشر من نيسان الذي هو انتصار للاله مردوخ مع الالهة الاخرى ويترك الموكب المدينة مغادرا من باب عشتار وبعد مسيرة قصيرة على الفرات يبلغ الموكب بيث اكيتو. المعبد المزين بالنباتات والورود وسط ميدان فسيح. وقد تم التنقيب في اوروك واظهرت هذه التنقيبات –بيت اكيتو الخاص بها- كما تم التنقيب في بيت اكيتو العائد لاشور والذي وصفه سنحاريب وحسب ما ورد فقد كانت هناك ثلاثة معابد للاكيتو في بابل خلال العصر البابلي الحديث عصر الامبراطورية الكلدانية عهد نبوخذ نصر. وكانت المواكب تدخل من بوابة عشتار وهي البوابة الرئيسية لسور المدينة الداخلي وهي مدخل المدينة من الناحية الشمالية وتمثل النقطة التي يتوغل منها الى شارع الموكب ويعود بناء بوابة عشتار الى فترة سابقة لعهد نبوخذ نصر الكلداني ولكنه اعاد بناءها وتعميرها وتجميلها بحيث اصبحت اكثر اتقانا واحكاما وانه زيّنها بالثيران والتنين وبالطابوق المصقول المطلي ووضع ابوابها بعد ان غطاها بالنحاس وثبت فيها مغاليق ومفاصل من البرونز(16). وقد كشفت البعثة الالمانية عنها فوجدت اسس وقواعد بعض قطع الزينة اثناء التنقيبات التي قامت بها مما ساعدت على معرفة التشكيلة الزخرفية للبوابة التي كانت مزدوجة تتالف من بوابتين الواحدة خلف الاخرى، باب خارجي وباب داخلي يوصل بينهما جدار قصير يجعل منهما بوابة واحدة، ويوجد في مدخل كل بوابة منهما برجان بارزان خلف كل واحد منهما فناء يرجح انهما مسقفان لحماية البابين اللذين يؤديان اليه من عوامل الجو. وان البرجين اللذين يقعان على جانبي المدخل في جهة الشمال والغرب شانهما شان الواجهة كلها والممر الرئيسي والواجهة الجنوبية الشرقية المواجهة للمدينة وقد زينت جميعها بحيوانات في صفوف افقية تبدو فيها تماثيل الثيران والتنانين لكل من يدخل المدينة وكانها تتقدم لاستقباله وقد احصى عدد هذه الحيوانات التي تزين البوابة وملحقاتها فكانت 575 تمثالا. ومن هذه التماثيل 125 لا تزال موجودة على البوابة. التي انتقلت الى متحف برلين(17). كيف يبدأ الاحتفال: تدخل المواكب من بوابة عشتار وهي البوابة الرئيسية كما قلنا الىشارع الموكب الذي يعتبر الشارع الرئيسي لمدينة بابل والطريق المقدس الذي يربط المدينة ببيت الاحتفالات الدينية المعروف ببيت اكيتو. ويخترق شارع الموكب من بوابة عشتار في اتجاهه نحو الجنوب، ثم يمتد بمحاذاة الضلع الشرقي للقصر الجنوبي ويعبر قناة ليبيل حيكال بواسطة جسر خشبي ثم يمر بمعبد (نابوشخاري). الواقع الى الغرب ويستمر الشارع جنوبا بمحاذاة سور الزقورة ومعبد ايساكلا ثم ينعطف غربا حتى يصل نهر (اراختو) وهو جدول ياخذ مياهه من نهر الفرات ثم يعبر النهر بواسطة جسر مخترقا المدينة وملتقيا بشارع (ادد) نتيجة تقاطع شارع (شمش) لها. ولقد اطلق البابليون على القسم الشمالي من الشارع والذي يبدا من بوابة عشتار شمالي المدينة الداخلية ثم يمتد جنوبا حتى ينحرف غربا بين زقورة بابل ومعبد مردوخ متصلا بالجسر المسمى جسر (بور- شابو) ومعناه (لن يعبر العدو) والقسم الجنوبي من الشارع اطلق عليه اسم عشتار لاماسو او اومياشو بمعنى عشتار حامية جيوشنا(18). اجراء مراسيم الزواج المقدس: بعد دخول الموكب الملكي الى بيت اكيتو في اليوم التاسع والذي يعتبر انتصار الالهة على قوى الطبيعة فيعم الفرح كل الشعب(19). وفي اليوم العاشر كانت تتم مراسيم اجراء الزواج المقدس في بيت اكيتو الخاص او يتم بعد ذلك في ايساكلا، ويتم الجماع بين الاله والالهة المتجسدين في غرفة المعبد المقدس التي تعرف باسم اكبار(20). وكانت الالهة كلها تمكث هناك ثلاثة ايام وتعود الى ايساكلا في الحادي عشر من نيسان حيث تجتمع من جديد لتقرير مصائر الارض والاعلان عن نبوات تتعلق بحوادث معينة كالحروب والمجاعات والفيضانات وغيرها. او ربما كانت الالهة تعيد حمايتها لبابل وملكها، لان الملك كما كان المعتقد ينتخب من قبل الالهة ويقلد صفات الملكية من قبلها(21) وكان الاحتفالات تختتم بوليمة كبرى ترافقها الترانيم والموسيقى والصلوات. وفي اليوم الثاني عشر تعود جميع الالهة التي كانت قد قدمت الى بابل راجعة الى مدنها كما يعود الكهنة الى معابدهم والملك الى قصره وهكذا يختم الاحتفال بعيد راس السنة العظيم. وهذه الاحتفالات لم تكن بعيدة العلاقة عن الواقع الدنيوي للحياة الاقتصادية في مملكة بابل الكلدانية، حيث كان رجال الدين يتابعون باهتمام في مناطق بعيدة لتطمين الحاجات المادية للمواطن اضافة الى الحاجات الروحية. وكان الاحتفال بعيد اكيتو- في مدينة اور اصلا كما في مدينة نيبور ايضا مرتين في السنة في الشهر الثاني عشر وفي الشهر السادس او الرابع. وكان يفرق بين العيدين ويطلق عليهما: اكيتو موسم البذار – واكيتو قطع الشعير او الحصاد. وتشير الادلة الى ان الاحتفال بالعيد كان اصلا من احداث الخريف والذي يرتبط اصلا بالارض المفتوحة في الخريف يعود باصوله الى تقليد نشأ من دافع العامة النفسي في مجتمع زراعي بان يخرجوا ويفتشوا الريف في نهاية الصيف، وعندما يخفض الهواء البارد من الحرارة المتوهجة التي تغلف بلاد ما بين النهرين بين شهر مايس وايلول لتعلن ثانية عن حلول موسم حراثة وبذار الارض، ولم يكن لعيد اكيتو اصلا علاقة بالزواج المقدس ولكن في الالف الاول ق.م اصبح العيدان عيدا واحدا كبيرا يقع في الربيع في الايام الاحد عشر الخاصة بالاحتفال برأس السنة الجديدة. وحول الزواج المقدس:- يذكر (هيرودوتس من القرن الخامس ق.م) ان الكاهنة العليا لم تكن تمضي الليلة مع الملك بل كانت يقظة وحيدة في غرفة الزفاف المقدسة حيث كان الاله نفسه ينزل لاخذها(22). وعندما كانت الاحتفالات تقام في مدن اخرى كان الملك يرسل من ينوب عنه لحضور واجراء مراسيمك الاحتفالات فيها عوضا عنه. واثر وفاة الملك نبوخذ نصر وفي عهد الملك نبونائيد بعده الذي حكم (555- 539 ق.م) اهملت الاحتفالات لان الملك كان غائبا لوجوده خارج بابل وقد اتهم الملك بانه يهمل الامور الدينية وهذا كان سببا من اسباب سقوطه. واثر سقوط بابل على يد الفرس الاخمينيين سنة 539ق.م اقيم الاحتفال بعيد اكيتو كي يكسب الفرس ولاء البابليين لهم ولا سيما الكهنة. ولا تزال بعض الشعوب في العالم تحتفل بانتهاء فصل الشتاء وقدوم فصل الربيع اذ يعتبر موسم تجدد الحياة في الطبيعة ويفسر هذا الاحتفال حسب مفهوم كل شعب، له فعند الفرس والكرد والايزيديين يسمى نوروز أي اليوم الجديد وبدء السنة الجديدة.
الهوامش والمصادر: 1- مسلة حمورابي: لقد تولى حمورابي الحكم في بابل عام 1948ق.م حسب ما يذكر جيمس هري في كتابه انتصار الحضارة (ص187) وهناك مؤرخون يقولون انه تولى الملك سنة2003ق.م (المؤرخ دلايورد) والمؤرخ (اولبرايت يقول عام 1800ق.م).وظل في الحكم 57 سنة واشتهر بقوانينه التي نقشها على عامود من حجر الديورت ارتفاعه ثمانية اقدام تقريبا ومجموع الكتابة فيه اكثر من 3600 سطر وفوق الكتابة يشاهد حمورابي الى اليسار واقفا امام اله الشمس الجالس في الناحية اليمنى يتلقى منه القوانين وهذا العامود يسمى مسلة حمورابي. 2- د- احمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ ص468. 3- ادوارد كييرا، كتبوا على الطين ف7 ص87 ترجمة د.محمود حسين الامين الطبعة2 سنة 1964. 4- جورج رو، العراق القديم، ص633. 5- المصدر السابق 4ص 531_532. 6- سليمان عامر (العراق في التاريخ القديم). جامعة الموصل 1993 ص135 ج2. 7- د.طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة بغداد 1955 ص258. 8- المصدر السابق 4 ص523. وكذا المصدر السابق7ص. 9- المصدر السابق 4ص531 _532. 10- لا زالت عادة نحر الاضاحي من الحيوانات كالغنم والبقر تمارس الى حد الان وهي امتداد لتلك التي كانت تقام في تلك الازمنة الغابرة وقد اخذها العبرانييون اليهود اذ كان يكفر الكاهن الاعلى عن خطايا الشعب بالذبائح والدم وهذا الدم يرشه الكاهن على انحاء الهيكل. 11- المصدر السابق ص4 . 12- مجلة التراث الشعبي- 163. 13- حضارة العراق- نخبة من الاساتذة. ص24. 14- المصدر السابق ص13. 15- المصدر السابق4. ص530. 16- كتاب نبوخذ نصر الثاني (حياة محمد) ص105 لسنة 1983. 17- المصدر السابق (طه باقر) ص7. 18- المصدر السابق ص 7. 19- جورج بوييه شمار- المسؤولية الجزائية في الاداب الاشورية والبابلية ترجمة سليم الصويص ص382 وزارة الثقافة والاعلام العراقية. دار الرشيد للنشر 1981. 20- هاري ساكس، عظمة بابل، ترجمة د. عامر سليمان ابراهيم ص438- دار الكتب للطباعة والنشر. 21- المصدر السابق20 ص439. 22- الحياة اليومية في بلاد بابل واشور- جورج كونتينو. ---------------------------------------- نشر في مجلة (المثقف الكلداني) التي تصدر عن الجمعية الثقافية الكلدانية – عينكاوة، في 2001
#محمود_جابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشوراء بابل وعاشوراء كربلاء .. ردا على ماذا تعرف عن عاشوراء
-
ماذا تعرف عن عاشوراء
-
غزة حرة
-
دور شيوخ الوهابية فى تفجير الأوضاع الداخلية
-
الاصلاح السياسى فى مصر ( رؤية شيعية)
-
الطبقة العاملة والانتخابات الايرانية
-
خطاب نوايا
-
بعد غزة ماذا سيجرى في المنطقة
-
هل يصبح العرب رعايا ايرانيين?
-
نكبات مايو
-
الزبون زعلان له ؟!!!خطاب الى السيد جمال مبارك ورفاقه
-
الدين واشكالية الشر
-
السعودية وامريكا من تقديس النفط الى امتهان الاسلام
-
بدر مرزوق الذى أخجل منه ... واستكمالا لحاصدوا الشر
-
حاصدوا الشر 2/2
-
العلم نور ردا على جاك عطا لله
-
إلى متى تستمر مفكرة ابن سلول في الفتنة ؟!!
-
حاصدوا الشر
-
من كتاب بروتوكولات حكماء العقبة.. ماذا يحدث فى غزة 2/2
-
من طالبان الى فتح الاسلام ... وللسعودية وجوة كثيرة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|