سعد الكناني
كاتب سياسي
(Saad Al-kinani)
الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 15:53
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
يتفق الكثيرون على ان دستور العراق ما بعد الاحتلال فرضته الإدارة الأمريكية ، وهدفها من جراء ذلك هو تقسيم العراق وتفتيت بنيته للإبقاء على الحكم الطائفي وتكريس كل الاوضاع الشاذة فيه. وكان الأجدر على ( قادة العراق الجديد والمشتركين بالعملية السياسية والقوائم الوطنية ) ) صياغة دستور وطني يجتمع العراقيون تحت عباءته بدلا من صياغة الدستور الطائفي والمذهبي و صعود التيارات المتطرفة (الإسلامية) التي تدعمها ايران والكويت وكل دوائر الاحتلال الامريكي و تمولها من منطلق تقسيمي ينزع الهوية الوطنية و يسعى لتغذية فكرة الانعزال الطائفي .. هذا الدستور الذي اعتمد في كتابته على ( قانون ادارة الدولة ) ما بعد 2003 حيث بداية المشروع الخطير في العراق منذ ذلك التاريخ بدأ مارثون (العملية السياسية ) وأتضح الاستعجال على أوسع ما يكون عندما سارعت الأدارة الأمريكية لأجراء أنتخابات (30-1-2005) لتأتي بحكومة الجعفري وبدأت عملية كتابة الدستور والاستفتاء عليه في ( 15-10-2005) وبعد شهرين الانتخابات الثانية ( 15-12-2005) التي جاءت بالمالكي الى السلطة . وجرت ثلاث عمليات سياسية خلال هذه المدة مما يؤكد حالة الأستعجال الامريكي الذي يهدف الى تثبيت نظام سياسي طائفي تم الاتفاق عليه بالكامل في مؤتمر لندن عام 2002 قبل غزو العراق . وقد اتفق من وقع على هذا الدستور إجراء تعديلات لاحقة على بعض فقراته على أن يكون ذلك التعديل خلال مدة لا تتجاوز الأربعة أشهر من أول جلسة يعقدها البرلمان(الذي انتخب في15/12/2005) أي بعد شهرين من الأستفتاء، و من الناحية العملية يتطلب التعديل على الدستور موافقة ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات وفي حاله رفضه فأن التعديل يعتبر لاغياً، في حين أعلن طارق الهاشمي رئيس الحزب الأسلامي انذاك بتاريخ12/10/2005(أننا حصلنا على فقرة تتيح لنا تغيير كل فقرات الدستور). لكن على أرض الواقع لم يحصل أي تعديل رغم مرور أكثر من اربع سنوات على ذلك التأريخ، وجاء رأي الحكومة الأمريكية في وقتها على لسان السفير الأمريكي جيمس جيفري(منسق شؤون العراق في وزارة الخارجية الأمريكية) حيث قال في(19/10/2005) (هذا يوماً تاريخياً ويوماًعظيماً للديمقراطية, ويوماً سيئاً جداً للأرهابيين) ومن هنا يتضح ان الادارة الامريكية مررت الدستور بأية طريقة كانت، ومن مواد هذا الدستور هي المادة (7) منه موضوع بحثنا هذا ونصها :-
اولاً :ـ يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً : ـ تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه.
وهذه المادة في جزئها الاول اعتمدت في ابعاد المرشحين للانتخابات التي ستجري في 7/3/2010 من قبل ما يسمى ( هيئة المسائلة والعدالة ) وفي مقدمتهم صالح المطلك ونهرو عبد الكريم وسعد عاصم الجنابي بالاضافة الى اكثر من 512 مرشح بحجة ان هؤلاء مشمولين بالاجتثاث ولغرض التوضيح ابين ما يلي :
1.وضعت عبارة البعث الصدامي بقصد سياسي واقصائي واضح جدا لان هذا العبارة هي فضاضة وذا مطاطية عالية فاذا انت تحت عنوان حزب البعث العربي الاشتراكي حتى وان كنت مسالما فانت مشمول بها واذا انت مؤمن بسلوكية ومواقف الحكومة السابقة بقيادة صدام حسين فانت مشمول بها ايضا واذا انت رافض الاحتلال وغزو العراق وترفض كل اشكال وانواع التسلط والطائفية والمناطقية والتقسيمية وجرائم الاحتلال والميليشيات وشرعنة الفساد المالي والاداري والسلوكي و ايران والاحزاب الصفوية فانت تحت مسائلتها القانونية .
2.هذه المادة تناقض نفسها في جزئيها الاول والثاني من حيث الواقع فهي ترفض الارهاب ان يكون مقرا او ممرا على الارض العراقية او التطهير الطائفي وما حصل في العراق ما بعد 2003 حصل العكس اليس وجود القوات الغازية وما عملته بالشعب العراقي يعد ارهابا ؟؟ الشركات الامنية وفي مقدمتها ( بلاك ووتر) والمرتزقة والميليشيات المسلحة وارهاب ايران واسلحتها ومخدراتها الوافدة للعراق وسيطرتها على بعض الاراضي العراقية اين هم من هذه المادة ؟؟
3. معظم القادة الامنيين في حكومة المالكي هم مشمولين اصلا بالاجتثاث السؤال لماذا لم يجتثوا ؟ الاجابة عليه لانهم محسوبين على احزاب السلطة بل هم اداة القمع والتطهير الطائفي ومساندة المحتل وخيانة الوطن وشرف المهنة !!
نعود مرة اخرى ونسأل .. لماذا لم يبعد اصلا صالح المطلك وهو من اول الداخلين في ( العملية السياسية ) والموقعين على الاتفاقية الامنية وهو واحد من الذين ساهموا بتجذير وترسيخ الحكم الطائفي بالعراق ، ولن يكون وجودهم أكثر من ديكور لتجميل الوجه القبيح للعملية السياسية ، التي جاءت بكل هذه الدمار والقتل والخراب للعراق والعراقيين ، ونستطيع أن ناتي بأمثلة عديدة عن الذين أعطوا الشرعية الكاذبة للعملية السياسية ، ولم يتمكنوا من إحداث أي تغيير طيلة السنوات الماضية اخرها ( كذبة وثيقة الاصلاح السياسي ) الذي اعتبرها طارق الهاشمي وصالح المطلك وخلف العليان انجازا وطنيا عظيما ومن حق المواطن العراقي ان يتسأل اين وثقية الاصلاح وما انجز منها ؟ بل اصبحوا هؤلاء اشد تحمسا من الاحزاب الطائفية لخدمة الاحتلال وفي مقدمة الموقعين على كل المعاهدات .. في هذا الاستبعاد انكشفت أبعاد حقيقة الصراع على السلطة في العراق وطبيعة القوى المتنفذة بها كما يظهر بجلاء فشل ثوابت العملية السياسية التي أسس لها الإحتلال المتمثلة بالمحاصصة الطائفية والعرقية المزدوجة غير المبررة ومحاولة تمريرها بغطاء الديمقراطية والإنتخابات المزيفة وعندما وجدت الأحزاب الطائفية الدينية والعرقية ضالتها وفرصتها للهيمنة وتحقيق أهدافها الدفينة المتمثلة بالتقسيم ونشوء حكم أقاليم الطوائف والمكونات لتستأثر بالسلطة في ظل هذه العملية السياسية وانكشفت بوضوح نتائج سلوكية الفوضى والديمقراطية الزائفة وطبيعة الحقبة الحاكمة وما شرعت لها من قوانين ومؤسسات لشرعنة سلطتها والإستفادة من السلطة والمال لتثبيت نفوذها في أوسع عملية فوضى عارمة وفقدان أمني وفساد مالي وإداري وماتبعه من نفوذ إيراني لقد نجح المالكي وايران وكل الاحزاب الصفوية بعراق اليوم من تحجيم وتطويق وإغراء وترهيب وترغيب وتفتيت وشرذمة داخل ( الكتل الوطنية المشاركة بالعملية السياسية ) وإثارة الخلاف والصراع فيما بينها مما أدى إلى ضعف أدائها ودورها لكن ما يحدث اليوم ومن خلال اجتثاث اكثر من15 كتلة سياسية خارج نطاق الأحزاب الدينية تقدمت للمشاركة في الإنتخابات القادمة تشير بوضوح أن دورالتصفية السياسية لهذه الكتل قد حان وأن قضية قبول مشاركتها الهامشية أساسا في هذه العملية لم يعد مقبولاً بعد أن اكتسبت الأحزاب الطائفية والعرقية الماسكة او الموكلة بالسلطة شرعية تسلطها ونفوذها الواهم. لقد اظهر قرار الاستبعاد تفاهه الشراكة والتوافقية والمسؤولية اذ لايوجد دستور منصف ولا قضاء نزيه ولا مساءلة شريفة أو نزاهة ملموسة.ولا وجود حتى لما أسموه توافقية سياسية والغلبة لمن في الساحة ويمتلك المال والسلطة والقوة وأمام السلطة تسقط كل هذه المحاصصات والتوافقات والشراكات والائتلافات والعلاقات. أن أهم ما يوحي به قرار الإجتثاث هذا هو ثبوث مصداقية كل القوى والشخصيات المناهضة للإحتلال من خارج العملية السياسية القائمة ومنذ الأيام الأولى للغزو بعدم جدوى المشاركة بالعملية السياسية والإنتخابات وكل ما أسست له هذه العملية من مخططات والتي لايمكن أن تثمرعن أي انفراج أو حل وأن الحل الوحيد لضمان بقاء عراق موحد قوي هو إنجاز التحرير الشامل لان إطار وجوهر العملية السياسية لم يتغير والتدخل الأمريكي المباشر في ملف الانتخابات برمته الهدف منه هو تثبيت سيطرة الأحزاب ذات النهج والتوجه الطائفي ، وهي رغبة امريكية واضحة لا تقبل الجدال ومن يريد أن يدخل الانتخابات بدوافع وطنية ونوايا حسنة لا تكفي لإنقاذ البلاد و للأسف اقول ان تشكيل كتل على (أساس وطني) بعيدا عن الطائفية هو في حقيقته مستند على اتفاق أصحابه على تقاسم السلطة أو الحصول على مكاسب سياسية و امتيازات أخرى سيادية ليس إلا ، ومهما قيل فإن هذه التحالفات تبقى تدور في فلك المحاصصة الحزبية مستفيدة من الغطاء الطائفي مستغفلة العراقيين لتمرير برنامجها السياسي البعيد عن تطلعات الشعب العراقي في اقامة وطن حر امن ....
#سعد_الكناني (هاشتاغ)
Saad_Al-kinani#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟