|
لا فرق بين يسار الصهيونية و يمينها فالبوصلة معطلة!
رانيا حديد
الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 15:53
المحور:
القضية الفلسطينية
ساحاول فيما يلي لملمة ما دار في رأسي اثناء قراءتي للمقال الذي كتبه السيد الصهيوني اليساري يعقوب ابراهامي بعنوان اليسار العربي و-الكيان الصهيوني-... ان معاداة الرجعية العربية و الرأسمالية العالمية لا تعني معاكستها تماما في الاتجاه. و على أي حال فالصهيونية هي جزء لا يتجزأ من المشروع الاستعماري. هي احد التجسدات للاضطهاد المنظم الذي تمارسه الامبريالية الرأسمالية العالمية ضد الشعوب الفقيرة. و هي في نهاية المطاف انعكاس لتسلط الرجل الغني الابيض و المغاير، الذي اتخذ من الحداثة واجهة له و سلاح يستخدمه في اخضاع الشعوب الفقيرة و المصادر الطبيعية. طبعا لا ننسى ان الحداثة هي مشروع نهضة فكرية كان من انفع ما انتجته هو الفكر الدارويني و الماركسي و الفرويدي و مدارس فلسفية اخرى تمكنت من تقديم رؤية عادلة للصراع البشري و بحثت و تبحث عن الادوات اللازمة في تهديمها للسائد و في دفعها لعجلة التطور الانساني التاريخي. و لكن الحداثة انتجت ايضا الرأسمالية التي ادت بدورها الى خلق نظام اقتصادي عالمي و متكامل ادواته الرئيسية الاخضاع و التسخير- دينا جديدا، ربه السوق و قوانينه و أداته المال والته الحرب. العالم كما نعرفه اليوم عبارة عن استمرارية للصراع الطبقي في حلة جديدة، اسمها الحداثة. الموضوع اذن اكثر تعقيدا من مجرد ما تفضلت به. معاداة الصهيونية بكيبوتساتها تندرج في اطار معاداة الانظمة التسلطية المبنية اساسا على اخضاع و تسخير الآخر في خدمة المشروع الرأسمالي. بالتالي فنحن لا نعادي الدولة العبرية فقط كمعاداتنا لمشروع دولة اسلامية او دولة فلسطينية بالمفهوم الحدودي السايكسبيكي أو كلاهما، انما نعاديها لكونها امتداد للمشروع الاستعماري الرأسمالي! في محاولاتنا انتقاد اليسار العربي او التخلف الشعبوي العربي عموما، يجب الحذر من الوقوع في التعاطف مع المشروع الصهيوني او الرأسمالي الذي اتخذ من الديموقراطية، و الحداثة عموما واجهة له. ان من السذاجة التفكير انه بالامكان وضع اليسار الصهيوني في كفة اليسار العربي، تماما كما ان الديموقراطيين في الولايات المتحدة الامريكية ليسوا انعاكسا لديموقراطيي العالم. و حتى في الحديث عن اليسار العربي فلنتفق أولا على تعريفه. اليسار العربي هو استمرارية لليسار العالمي الممزق و المبعثر و المصغر و المهمش و المهزوم. أما ما يسمى اليوم يسارا صهيونيا ليس فمن المؤكد انه "اسم على غير مسمى". نعم، يوجد يسار في الدولة العبرية و لكنه لا يتجاوز البضعة الاف و هم بمجملهم معادين تماما للمشروع الصهيوني الرأسمالي. المشروع الصهيوني لم يقم من اجل حماية الشعب اليهودي بل هو تهديد له، تماما كما ان الاسلام السياسي لم و لن يقدم أي حلول للازمة العربية بل هو ترجمة لها. نحن اليوم بحاجة الى ثورة تهديمية شمولية تتناول السياسي و الاجتماعي على حد السواء. طبعا لا يملك احد الاجابة الذهبية عن السؤال الذي لا يفتأ يفرض نفسه بصيغ مختلفه محصلتها "كيف؟" لا تحاول ايهامنا بواقع مختلف من خلال اعتماد المسميات الاعلامية و لا تحاول شحذ تعاطفنا بغوغائيتك. ان للتسلط اشكال مختلفة، و في ذلك فان يسار الصهيونية هو الوجه الاخر ليمينها. بالطبع فانه من الاهمية بمكان التنبه الى ان الدولة الصهيونية هي اكثر تعقيدا في قرائتها من مجرد احالتها الى محركها الرئيسي، أي التسلط. فالواقع الاسرائيلي اليوم هو انعكاس للهجمنة الاشكنازية الغنية الذكورية الغيرية مقابل اخضاع الاخر: الفقير، الامرأة، الاسود، اليهودي الشرقي، العربي، الفلسطيني، الخ. ان يكون نائب رئيس البرلمان الاسرائيلي عربيا لا ينفي اسباب معاداة المشروع الصهيوني كمشروع استعماري رأسمالي. لا مانع مثلا ان يكون في الجبهة الشعبية (اسم على غير مسمى) في فرنسا التي يديرها الفاشي لوبين اسودا او عربيا، و لكن لا يغير هذا من قراءتنا للحزب و سياسته. يجب ان ننظر الى الاشياء نظرة اكثر نضجا من مجرد القراءات الساذجة للاحوال الاجتماعية و ربطها بالواقع السياسي. تزودنا دراسة المجتمع الاسرائيلي بمادة هامة من اجل دراسة المحركات الاقتصادية العالمية للواقع الجيوسياسي الذي نعيشه اليوم. لا داعي للتذكير ان من اهم العوامل التي ساهمت في ارتقاء الحركة الاسلامية في فلسطين في الثمانينيات وصولا الى مجدها في بداية التسعنيات هو سياسات المحتل الصهيوني و التي كانت انعاكسا لسياسات الامبراطورية الرأسمالية في تحالفها مع الحركات الاسلامية من اجل مواجهة المد السوفييتي اثناء الحرب الباردة. و هو امر لا ينكره احد. عليه من المهم ان نواصل ادانة الرأسمالية العالمية و الصهيونية في تحليلنا للتخلف الذي يعانيه العالم العربي بفقرائه و نسائه و اقلياته، و ذلك من اجل ان يتمكن الانسان المضطهد من الربط بين تخلفه و بين الاضطهاد الذي يعيشه. و هذا بالطبع لا يلغي الحديث عن مسؤولية المضطهد امام نفسه و امام الطغيان الذي هو محور الحوار و مربط الفرس. اذن يجب عدم الكف عن ادانة الانظمة التسلطية بكافة تجلياتها و تنبيه شعوبنا الى آفاتها. نحن اليوم بامس الحاجة الى خطابا صريحا و مترابطا يقدم نظرة شمولية و حلول جذرية قادرة على تناول الاضطهاد بكافة اشكاله و مستوياته، لا التستر عليه كما تفضلت من خلال مقالك. ان الاضطهاد في محصلته هو النجاح في تسخير الموارد الطبيعية و استغلال غالبية الشعوب في خدمة اقلية يمثلها الرجل الغني الغيري و الابيض. هذا الاخير ليس مسلم او بوذي، و ليس اسود او عربي، و ليس امرأة او مثلي... لن ينضم اليساري اليك يا صديقي طالما لم تنضم اليه. هو يدرك ابدا ان البرجوازية ليست رفيقا له و انما جلاده و اما انت فعليك ان تختار بين ان تنضم الى حاشية جلاده او ان تجلد معه!
#رانيا_حديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|