|
ليفرد طائر الثقافة جناحيه !
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 23 - 21:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
دردشة
في النشاطات الثقافية والسياسية ، التي كان لي شرف المساهمة بها داخل وخارج الوطن ، يتذكر زملائي جيدا "صراعي" الدائم من أجل استخدام وتثبيت تعبيريّ "خارج الوطن" و"داخل الوطن" ، في البيانات والوثائق ، لأني ـ عزيزي القاريء ـ أجد في تعبيريّ "الخارج" و"الداخل " ـ حافّ ! ـ ، شيئا صار يوما بعد أخر يأخذ طابع التفرقة ووضع الحواجز المفتعلة، خصوصا حين يستخدم من قبل من يضمر نوايا الاساءة للاخرين بهذا الشكل أو ذاك ، فالامر عندي ليس مجرد اصطلاح أو مفهوم لغوي بقدر ما هو قضية انتماء لوطن ، يجب تكريسها بكل الوسائل والمفاهيم ، وهو ايضا قضية تربوية للنشأ والاجيال القادمة، فكلمة "الوطن"، العميقة بدلالاتها يجب أن تكون هي الغالبة والموحية والحاضرة، في ظل اوضاع سياسية واجتماعية وثقافية مربكة تعرض فيها موضوع الأنتماء الى الكثير من الخلل والاجحاف ، خصوصا من بعد تشكيل حكومات محاصصة ذات طابع طائفي واثني عرقي ، فمن الامراض التي أبتلى بها واقع الثقافة العراقية هو التقسيم البغيض إلى ثقافة "داخل" وثقافة "خارج" و" مثقفي الداخل" و"مثقفي الخارج" ، خصوصا حين يحاول "البعض" استثمار ذلك لاغراض بعيدة عن عالم الثقافة ، وبالمحصلة تكون مساهمة لدق اسفين التفرقة بين روافد الثقافة العراقية ! في نهاية سبعينات القرن الماضي ، حين اشتدت عواصف الارهاب السياسي للنظام العفلقي المقبور، وصار الموت والسجن والتسقيط السياسي والاذلال ، يتربص بالآلآف من معارضي سياسة الحزب والفكر الواحد ، لم يكن هناك من خلاص ، سوى المنفى الاضطراري أو الصعود الى جبال كردستان ضمن فصائل الكفاح المسلح ، ومن بقي داخل الوطن ـ عزيزي القاريء ـ تعرض الى ما صار معروفا لكل العالم . وفي سنوات لاحقة في المنفى الاجباري ظهرت اصوات يروقها تصنيف الثقافة العراقية وفق الابعاد الجغرافية ، ولم يكتف "البعض" بذلك ، بل خلط كل الثمار في السلة ، فوجدنا من يرى ان كل مثقفي "الداخل" طبالون ورداحون ومداحون لفكر الديكتاتور وحروبه المجنونة ، وأن من يعيش في "الخارج" هو صاحب الموقف الواضح والمبدع الحقيقي ! ومن بعد طول معاناة ونضالات وتضحيات شعبنا العراقي ، أُنهك جبروت القمع فتهاوى صنم الديكتاتورية البغيضة بسهولة تحت سرّف دبابات المحتل الامريكي ، وسرعان ما وجدنا ان المعادلة اختلت ، اذ صار "البعض" من المثقفين داخل الوطن يستلذ بأستخدام تعابير "الداخل" و"الخارج" ، ـ وللاسف ! ـ وجدنا "البعض" منهم يرون ان كل مثقف يعيش خارج العراق يعتبر عندهم .." تخلى عن الوطن ولم يعش محنته " !! ، ومن بقي داخل الوطن يعتبر عندهم المبدع الحقيقي ، وان " مثقفي الخارج" لا يعيشون الثقافة الا كترف في حياتهم الرخية الناعمة ! ولم تتوقف الامور ـ عزيزي القاريء ـ عند احاديث المقاهي والحانات ، بل راحت هذه المفاهيم تتسرب وتنسحب الى بعض المراسلات والكتابات والمتابعات النقدية التي يقدمونها هنا وهناك ويتناولون فيها النشاطات والابداعات خارج الوطن ! مناسبة هذا الحديث ، استلامي لعدة رسائل اليكترونية من بعض الاخوة القراء المحترمين يعلقون على موضوعات سابقة نشرت في هذا العمود ، ووجدت ان منهم من استخدم وبسخاء تعبيرات "الخارج" و"الداخل "، وايضا لاحظت انه في الاسابيع الاخيرة ظهرت بعض الكتابات لبعض الزملاء والزميلات من الكتاب ، في بعض الصحف العراقية، حول موضوع الثقافة في " الخارج " و " الداخل " ، فتولد عندي احساس وكأن هذه التعابير مع تكرار استخدامها ، واذ صارت تثير المزيد من الحساسية بين من يرفضها ولا يتعاطاها ، فأنها تكاد تتحول الى شتيمة بشكل ما عند "البعض" المتناسين تماما حقيقة ، ان اي طائر سليم البنية ، صحيح الجسم ، لا يمكنه التحليق عاليا ولا الرفرفة ، ولا الغناء والصدح ، ولا مواصلة حياته البهية أن تعطل أحد جناحيه ، او تكسر بعض من ريشهما الجميل! فكيف لطائر الثقافة العراقية البهيّ ، بريشه الزاهي بالوان الطيف العراقي، ان يحلق ويرفرف بدون اي من جناحيه الجبارين ، وهما " الداخل " و"الخارج"؟ّ! أن عطاء المثقفين العراقيين الحقيقين، الامناء لمستقبل العراق الديمقراطي ، لم يتوقف رغم كل الاجواء المحبطة ، داخل وخارج الوطن ، ففي داخل الوطن ، وبعيدا عمن التحق بركب النظام الديكتاتوري ـ طوعا أو تحت ضغوط ـ كان على الكثيرين من مثقفينا ، ولمواصلة عطائهم الفكري ، التفنن في مراوغة اجهزة الديكتاتورية التي كانت تشترط على المثقفين طريقة الكتابة والرسم والحديث والتفكير ، وخارج الوطن فأن المثقفين العراقيين من مَن سجلوا موقفا واضحا ورافضا للديكتاتورية المقبورة وثقافتها، كان عليهم مراوغة كواتم الموت والحفر بالاظافر لايصال ونشر ابداعاتهم وسط حصار المؤسسات العربية المتواطئة مع سلطة الديكتاتور. ان استعادة طائر الثقافة العراقية لعافيته وبهاءه ، كي يحلق عاليا ، بحاجة الى المزيد من التعاون بين المثقفين العراقيين واطرهم الثقافية الفاعلة ، من بعد وقفة وجدانية حقيقية لمراجعة النفس ، والتحلي بثقافة التسامح والاعتذار والتعاون ، لينهض وطننا معافىً صحيحا ، وليفرد طائر الثقافة جناحيه الجبارين على سعتهما في سماوات الوطن الديمقراطي الفيدرالي المستقل !
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في أنتظار المثقف -السيادي- !
-
ماذا يعني في بلد أوربي أن يكون أسم المجرم : إبراهيم ؟!
-
أصنع مستقبلك أيها النمر العراقي !
-
من أجل أن يشج رأسك كتاب !!
-
مثقف راهن !
-
الكاتب عبد المنعم الاعسم : لو امتدحوك فهذا يعني أنك على خطأ
...
-
من أجل الحوار والتمدن … تحية !
-
عَمود بالعرض !!
-
السينما تخلد قصة وفاء كلب ياباني !
-
ديمقراطية الخورمژ !
-
خذ بالك من أنف الديمقراطية ؟!
-
الكلاب المسعورة !!
-
صورة -العدو- البشع في الدراما التلفزيونية العربية -رجال الح
...
-
هل سيشهد العراق فترة حكم الديكتاتورية الطائفية ؟
-
النكات الطائفية !
-
التراث العراقي تراث تعاضدي أنساني
-
لقاء مع المناضل الشيوعي والاستاذ الجامعي الفرنسي باتريك ريبو
-
لقاء مع قيادي بارز من الحزب الجزائري من أجل الديمقراطية والا
...
-
المؤتمر الخامس للأنصار الشيوعيين العراقيين ينهي أعماله في بغ
...
-
وقائع المهرجان الثقافي الثالث للأنصار الشيوعيين بغداد 6 8 آب
...
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|