|
حسب الشيخ جعفر ونوازع الحنين الى موسكو
مروج التمدن
الحوار المتمدن-العدد: 2895 - 2010 / 1 / 21 - 13:43
المحور:
الادب والفن
جاء الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر الى موسكو في الستينيات حين كان في سن الفتوة - ان جاز القول- اذا كان شابا رقيقا وحييا وقليل الكلام ... ووجد نفسه بغتة وسط طلاب معهد غوركي للأدب الذي يلتحق به عادة اصحاب المواهب الادبية من الشباب في الاتحاد السوفيتي. وفي الفترة التحضيرية حيث اخذ الدروس الاولية في تعلم اللغة الروسية مع الطلاب الاجانب والعرب الآخرين لم يكن يشعر بعد انه اندمج مع المجتمع الجديد الذي اختلف كثيرا عن مجتمعه الريفي في العمارة بجنوب العراق. لكن حسب الشيخ جعفر استطاع في سنوات الدراسة استيعاب الكثير في الادب الروسي ولا سيما الشعر الروسي. ولربما ان هذا جعله يترجم الشعر الروسي الى اللغة العربية بصدق وأمانة.كما انه التقى مع الادباء العراقيين والعرب الموجودين بموسكو ومنهم غائب طعمة فرمان وعبدالوهاب البياتي وارتاد المحافل الادبية السوفيتية كاللقاءات التي كانت تجري في معهده او في دار اتحاد الكتاب السوفيت .
ان حسب الشيخ جعفر شاعر متميز لكونه نسيج وحده .. فهو لم ينضم في شعره الى الموجة الثورية اليسارية التي ركبها بقية الشعراء العراقيين المعاصرين ، ولو انه كان يشاطر هم في افكارهم . وفي قصيدته التي القاها بمناسبة انقلاب 8 شباط/فبراير 1963 في قاعة متحف البوليتكنيك بموسكو وشارك فيها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري طرحت في القصيدة الصور والرؤى ذاتها التي ميزت وما زالت تميز ابداع الشاعر... بلا شعارات او دعوات سياسية. وساعدته معرفته العميقة لنظريات الادب وتياراته على تكوين منهج خاص به في التعامل مع النص الشعري.
ان حسب الشيخ جعفر يبقى وهو في بغداد على حنينه الى ايام موسكو حيث قضى فترة شبابه . وعندما زارها في الثمانينات صار يجوب بفرح طفولي الشوارع والاماكن التي تربطه بها ذكريات ايام زمان. ومازال موضوع الغربة والحنين يشغل حيزا كبيرا في ابداعه . وقال نفسه في حديث صحفي حول هذا الامر :"ان الشاعر الفذ والحقيقي يعيش غربتين غربة مكانية وغربة زمانية . لأن الشاعر لا ينتمي الى مكان جغرافي بعينه . إنما ينتمي الى العالم ككل . وانتماؤه الى العالم ككل يجعل منه غريباً ، فأنا شخصياً انتمي الى العالم ككل أو في الأقل الى بقع جغرافية محددة هي التي أجد نفسي فيها منسجماً وعندما أجد نفسي في بقعة لست على اتفاق معها فهي ليست بالنسبة لي وطناً ، كما أن القرية الطفولية أو المدينة الطفولية هي المنطلق الأول لغربة الشاعر ، فأنا عندما انتقلت من العمارة الى موسكو أي من العراق الى بلد أجنبي ،أصبحت موسكو بالنسبة إليّ كشاعر تشكل الرعشة الفنية أو الخفقة الفنية التي ظلت ترافقني أكثر من ثلاثين سنة ، بقوة تلك الخفقة أو الرعشة التي ابتعثتها في نفسي القرية الطفولية ، فأنا أنتمي روحياً الى مكانين في الآن نفسه ، الى مكان قروي طفولي وهو العمارة ومكان روسي ثلجي غابي سهوبي عواصفي ، فأجد نفسي ممزقاً بين منطقتين وهما منطقة الطفولة التي تشكل بالنسبة لي الهور والطيور البرية والجواميس والفلاحين والخضرة العراقية والتلال القديمة وتشكل أيضاً امرأة معينة ، امرأة قروية كانت الحلم الجمالي الذي استطعت من خلاله أن أنتمي جمالياً الى الرؤى الجمالية الأخرى ، أي مازلت الى الآن أنظر الى أي امرأة انطلاقاً من الرؤية الجمالية الأولى التي شكلت ملامحها امرأة قروية معينة اسماً وجسداً ، فقد كانت السنوات الأولى من حياتي في موسكو هي مجرد حنين أو انشداد عنيف الى مكان آخر وهو العمارة ، كنت طيلة السنين التي عشت فيها بموسكو اتطلع الى العودة الى هذه القرية الى هذه المرأة القروية الى تلك التفاصيل التي حفرت أخاديدها في روحي ، ولكن بعد أن عدت جغرافياً الى هذه القرية الأولى وجدت نفسي أعيش حالة أخرى وهي الحنين المعاكس أو الردة الحنينية الى موسكو التي كنت غريباً طيلة أقامتي فيها ومشدوداً بوتر عنيف الى القرية ، وعندما عدت الى القرية وجدت أن ذلك الوتر الحنيني قد رافقني وانشدّ محولاً اتجاهه الى موسكو وظلالها وغاباتها وثلوجها وهكذا ، فالآن عندما أعود الى موسكو سأعيش تلك الغربة التي اجتاحتني فور اطراقتي الأولى الى سمائها الشاسعة هذا ما كنت أعنيه بالغربة المكانية للشاعر ، أما فيما يخص الغربة الزمانية فإن الفنان مثلما هو ينتمي الى بقع مكانية متعددة فهو ينتمي كذلك الى بؤر زمانية متعددة وهذه البؤر أو المدارات لا تحدد بقرن أو عقد أو فترة معينة ، أنا قد أجد نفسي مثلاً قريبا الى المدار العباسي أو المدار الخيامي الفارسي أو الى المدار الاغريقي فحنيني وتشكلي الروحي يدفعانني لأن أعيش مراحل زمنية غابرة ، فحفنة السنين التي عشتها الآن بجسدي لا تشكل بالنسبة الي إشباعا فنياً أو حياتياً كما تفعله تلك الحقب والسنوات الماضية التي تشكل طموحي الجمالي فقد تشكر مثلاً إحدى الشخصيات النسائية الروائية من القرن التاسع عشر الجمال الجسدي أو الجمال النسوي بحيث أظل أبحث عن هذا الجمال الضائع رغم معرفتي أنه لم يعش زمننا ، وما إنشدادي الى هذه النماذج الفائرة في الزمن إلا لكونها تشكل بالنسبة الي رؤيا جمالية مطلقة" .
ولد حسب الشيخ جعفر في عام 1942 في العمارة (محافظة ميسان الحالية بجنوب العراق). وفي عام 1966 حصل على شهادة الماجستير من معهد غوركي للأدب بموسكو ، ولدى رجوعه الى العراق عمل في الاذاعة والتلفزيون. ثم نزح في التسعينيات الى الاردن بسبب تردي الاوضاع في العراق. ومن قصائده المعروفة "نخلة الله" و" زيارة السيدة السومرية" و" عبر الحائط في المرآة " و" مثل حنو الزوبعة " و" اعمدة سمرقند" و" رمال الدرويش" و" الريح تمحو والرمال تتذكر" و" ربما هي رقصة لا غير". كما ترجم من الروسية قصائد بوشكين وبلوك وماياكوفسكي واخماتوفا وحمزاتوف .
- من سلسلة " مبدعون عرب في موسكو" -
عن روسيا اليوم
#مروج_التمدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبدالوهاب البياتي .. والحنين الى عنقاء الحضارات
-
الشاعر ميخائيل إيساكوفسكي مؤلف اغنية -كاتيوشا-
-
الشيوعي ناظم حكمت.قصيدة رسالتي الأخيرة .1954
-
بيوتر تشايكوفسكي .. احد نوابغ الموسيقى العالمية
-
«ليسَ الماءُ وحدَهُ جوابا عن العَطش».. فلسفة أدونيس تتجاوز م
...
-
ليف تولستوي.. الكاتب الفيلسوف الانسان
-
آنا اخماتوفا..ابرز شاعرات روسيا في القرن العشرين
-
الشاعر ميخائيل ليرمونتوف مغني الحزن والاكتئاب
المزيد.....
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|