أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الشعر والطواحين














المزيد.....

الشعر والطواحين


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 879 - 2004 / 6 / 29 - 07:25
المحور: الادب والفن
    


لا أعرف، حقاً، كيف يمكن لأيّ مشتغل بالأدب أن يكتب الكلام التالي الذي أقتبسه حرفياً، بما في ذلك علامات الوقف: "قصيدة النثر هي قصيدة وعي وصحو. أمّا قصيدة الإيقاع، فهي قصيدة سُكْر ودوخة. لا أستطيع التفكير وأنا أوقّع ما أقول.. ألم نتعب من الدوران والدوخة، ألم تضجر الذائقة العربية من الإيقاع وسلالته، ألم تضجر من الأوزان وسلالتها.. التفعيلة في طريقها إلى الإنزياح، إلى الإنقراض.. ألا يكفيها هذا الزمن الممتد.. أنصح شعراء الإيقاع بأن يكتبوا المراثي لشاهدات قبور قصائدهم الموقعة.. كما النثر العمودي سوف نجهز على التفعيلي.. فقط لأننا نحتاج إلى استخدام الوعي.. دخنا من رقص الإيقاع، فلم نعد نرى..".
صاحب هذا "الردح" هو الشاعر السوري محمد عضيمة، وجاء في جميع مقدّمات ما يسمّيها "مختارات الشعر العربي الجديد"، من الخليج والعراق وسورية ولبنان. "تطهير عرقي" أو يكاد، في ميدان أشكال الشعر هذه المرّة وليس في ساحات احتراب الأقوام والإثنيات والطوائف. والسطور أعلاه لا تشكّل منتهى الجسارة، والقعقعة، في أحكام عضيمة البتّارة الجامعة المانعة. هو يجزم أنّ "شعراء التفعيلة والأنظمة الدكتاتورية العربية توأمان ابتليت بهما الأمة منذ الاستقلال ولحد الساعة"؛ وأنّه "مع قصيدة النثر بدأت تباشير الديمقراطية سياسياً وفنياً"؛ وأنّ "شعراء التفعيلة، أو العموديين الجدد، يدرّبهم الإيقاع على العبودية والذلّ والتبعية، ولذا سرعان ما يستجيبون لأدنى إشارة من السلطة ومن الحاكم الثقافي والسياسي"...
والرجل لا يحارب على جبهة الشعر العربي وحدها، بل يطلق سيوفه في النحور شرقاً وغرباً، ويجهز على "التفعيليّ" في فرنسا مثل اليابان، فيقول: "جميع شعراء العالم يكتبون اليوم قصيدة النثر: انتهت أوزان مالارميه وأوزان أزهار الشرّ لبودلير، وانتهت أوزان باشو وإيسّا، وانتهت أوزان المتنبي وأبو تمام.. انتهت جميع هذه الأوزان. وصار الشاعر الديمقراطي هو من يكتب بحرية خارج أي وزن. من أمريكا اللاتينية إلى أمريكا الشمالية، إلى أوروبا، إلى الشرق الأقصى، صارت قصيدة النثر هي الرئة التي يتنفس من خلالها أي شعب من الشعوب، والرمز الصريح للحرية والانعتاق.. إلا شعراء اللغة العربية اليوم، يريدونها خليلية حتى العظام، وتفعيلية حتى النخاع. شعرهم هو الشعر، وشعر الشعوب الأخرى ليس شعراً، لكن ما ذنب هذه الأخيرة إنْ كانت لم تعرف الفراهيدي ولا بحوره، ولم ترقص ولم تجنّ على إيقاعاته وألحانه"...
إنه، كما لا يخفى، جاهل تماماً بحال الشعر في العالم، لكي لا نطلق عليه صفــــة أقذع: كاذب ـ متكاذب في آن. آخر خمسة شعراء حصلوا علي جائزة نوبل للأدب (فيسلاوا شيمبورسكا، شيموس هيني، ديريك ولكوت، أوكتافيو باث، جوزيف برودسكي) يكتبون القصيدة الموزونة، جميعهم وبلا استثناء، كلٌّ على إيقاعات لغته وثقافته بالطبع. ورغم أنّ جائزة نوبل ليست المعيار الأعلى، فإنّه لا يمكن الطعن في الجدارة الشعرية لأيّ من الأسماء السابقة.
ولقد اقتبستُ بعض أقوال عضيمة في تقديم ملفّ بعنوان "موقع الشاعر، مصائر الشعر"، تنشره فصلية "الكرمل" في عددها الجديد الذي يصدر هذه الأيام. والملفّ يقترح نموذجين عن السجالات التي تشهدها الحياة الثقافية الأمريكية الراهنة، ليس حول حال الشعر وأشكاله ومشكلاته ومصائره فحسب، بل أيضاً حول معنى الشعر ومفهومه في الجوهر. وإذا كانت المسائل المطروحة في هذه السجالات أمريكية المنشأ، فإنّ إشكالياتها ــ الأوسع والأعمق والأبعد ــ ليست كذلك تماماً، ولن يصعب كثيراً الانتباه إلى أنها في الآن ذاته قضايا كونية تخصّ فنّاً إنسانياً كونياً يعيش سلسلة من المآزق الناجمة عن شروط كونية بدورها، أو بالأحرى "معولمَة". ولقد ضربتُ عضيمة مثالاً على زيف نقاشات العالم العربي في معظم ما يخصّ الشعر والشعرية.
ولا أزعم، بالطبع، أنّ الحياة الثقافية العربية تشهد سجالات مماثلة، إذا كانت تشهد أيّ نوع من السجال في كلّ حال. لم يحن الوقت بعد لكي يخرج علينا صوت يعلن (كما تفعل جوان هوليهان صاحبة المادة الثانية في الملفّ) أنّ إمبراطورية الشعر العربي المعاصر مريضة، وأنّ هذا الإمبراطور الشعري أو ذاك عارٍ تماماً، وما من "ثياب" يرتديها وتستحقّ منّا التصفيق أو الإعجاب أو حتى مجرّد الذكر. ومن المبكّر أن نقف وقفة جدّية معمقة (كما يفعل دانا جويا في المادّة الأولى) عند مآل الشعر العربي المعاصر في ضوء ما تفعله التكنولوجيا الإلكترونية بعادات القراءة والاستقبال والتلقّي، أو ما يفعله كاظم الساهر بالقصيدة المغنّاة وبالجمهور الذي يستهلك معه ذلك "الشعر"، لكي لا نتحدّث عمّا تفعله نانسي عجرم بذائقة الإيقاع وحسّ الموسيقى!
غير أنّ أمثال عضيمة لا يكفّون عن تذكيرنا بالكثير من العجيج الكاذب والصخب الأجوف، ليس البتة حول جوهر المسألة الشعرية، بل حول الترهات والقشور والمعارك الكاذبة، وحيث تُدار طواحين الهواء بلا توقف، لكي يأنس أشباه الفرسان في أنفسهم سطوة إشهار السيف ميمنة وميسرة. غنيّ عن القول إنّ الواجب الأخلاقي يقتضي تنزيه أمثال دون كيخوتة عن الحروب التي يديرها أمثال عضيمة: لا الرجال هم الرجال، ولا حتى الطواحين هي الطواحين!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لوينسكي جورج بوش
- سياسة الذاكرة حيث ينعدم الفارق الأخلاقي بين هتلر وتشرشل
- المئوية الفريدة
- النظام الرأسمالي العالمي: التنمية بالدَيْن أم غائلة الجوع؟
- القصيدة والأغنية
- أنتوني زيني: العداء للسامية أم الحقائق على الأرض
- خارج السرب
- حزب الله في ذكرى التحرير: احتفاء مشروع وأسئلة شائكة
- السينمائي الداعية
- بريجنسكي والسجال الذي يتكرر دون أن يتجدّد: خيار أمريكا في ال ...
- فلسطين التي تقتل
- مصطفى طلاس والتقاعد الخالي من الدلالات
- تكنولوجيا الروح!
- أنساق الإرهاب: -الحملة- في اشتداد والمنظمات في ازدياد!
- برابرة -أبو غريب-
- ما وراء الأكمة مختلف كلّ الاختلاف عن الروايات الرسمية: واقعة ...
- قلعة الرجل الإنكليزي
- الأصولية المسيحية وجذور الموقف الأمريكي من إسرائيل
- شهادة الفلسطيني
- جدول أعمال أمريكا: صناعة المزيد من مسّوغات 11/9!


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الشعر والطواحين