أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أشرف البطران - قراءة في كتاب -لذة النص-















المزيد.....

قراءة في كتاب -لذة النص-


أشرف البطران

الحوار المتمدن-العدد: 2894 - 2010 / 1 / 20 - 14:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعد رولان بارت معلماً من معالم الحركة الأدبية في فرنسا,وواحد من أهم المشتغلين بالنقد الفكري والأدبي,وله إسهامات عديدة ومتنوعة,سيما في مجال نظرية النص مع زميلته جوليا كريستيفيا.

نظرية النص وموقع اللذة منها.

قبل الخوض في تفاصيل هذه النظرية,نجد أنفسنا نقف أمام التساؤلات التالية: ما هو النص؟ وهل يوجد فيه شيء آخر غير المعنى؟ ثم ما علاقة المعنى باللغة؟.
يعرف أبو حامد الغزالي اللغة على أنها "لفظ دال بتواطؤ" أي لا لغة في لفظ غير ذي دلالة,وبالتالي لا معنى,ولكنه كمعنى فقط يتحول إلى جسد بارد,تماما مثل دمية عروس جميلة خالية من الحياة,إذن لماذا تغوينا النصوص أحيانا فنقرأها مرات عدة على الرغم من أننا أدركنا المعنى منذ القراءة الأولى؟ثمة أشياء أخرى في النص غير المعنى.إننا أحيانا نعبر النص فنشتمه ونتلمسه ونرى شخوصه ونسمعهم ونحاورهم.حينها يكون النص جسداً حيا,بل ضاجاً بالحياة,والنص بما هو جسد,فهو مادة للمحبة والكراهية والغواية والعشق.إذن,النص معنى,.وأسلوب تعبير عن هذا المعنى المتوالد في نسيجه اللغوي.
إن نظرية النص في سياق اشتغالها تعتمد على مجموعة من العلوم: اللسانيات,المنطق,المادية الجدلية,التحليل النفسي,حيث ترى النظرية أن على المشتغل بالنصوص التمييز بين مفهومين,الأول خلقة النص (بنية النص) وهو بشكل عام ما يعرض له التحليل البنيوي أو ألعلاماتي من أنظمة سردية,وبلاغية,وأسلوبية.
والثاني : تَخَلّق النص بما يمثله من علاقات متبادلة بين الكاتب والنص وبين القارئ والنص,من قبيل استكشاف المعنى والدلالات والتأويل واللذة.وقي سياق هذه الرؤية,فإن النصوص تشترط وجود أسس معرفية للكتابة والقراءة,سيما وأن القراءة- القارئ- هو الغاية من وراء كل نص مكتوب,فعندما يصطدم النص بمتلق سطحي سيكون في أحسن أحواله مستهلكا لغوياً,يتعامل معها بقراءة إسقاطيه,نافيا بذلك مبرر وجوده كنص,وهذا يدفع به إلى التلبس والغموض,ومن ثم إلى المجهول,لأنه غير قادر على فك شفراته الأدبية,فالرؤية البرانية للنصوص تقتضي وجود قارئ جيد,قادر على سبر أغوار النص واستكشاف مواطن الإبداع والجمال فيه,من اجل الوصول إلى الإغراء والفتنة,الدهشة واللذة المحرقة التي تسكن تحت جلده,وتظهر آثارها عبر الإحساسات والانفعالات التي ترافق عملية القراءة,حيث تنطوي على تأويلات لمعنى النص,فهي إذن تؤثر في عملية تخلقه وتعطيه دلالات قد تكون غائبة عن ذهن الكتاب,وبذلك يتحول القارئ إلى عنصر مشارك في عملية صياغة النص واكتمال نضوجه.

تاريخية مفهوم لذة النص

يعتبر رولان بارت أول من كتب ونظّر لمفهوم لذة النص بطريقة تعبوية دفاعية,على الرغم من أن كثيراً من المفكرين سبقوه بالإشارة إلى هذا المفهوم تلميحا وليس تصريحا من قبل بروتولد بريخت,كما نجد في التراث الأدبي العربي أن أبا الفتح بن جني أشار إلى مفهوم لذة النص,يقول المتنبي:-"إن بن جني أدرى بشعري مني لأنه يحب ويعقل",بمعنى أنه يتعقل النص الشعري باستكشاف المعنى,وكذا يحب أن ينسج علاقات غرام وهيام وحب مع النص.أيضاً أشار محي الين بن عربي إلى هذا الموضوع في كتابه "الفتوحات",حيث يقول:- "عن الحروف امة من الأمم,مخاطبون ومكلفون,وفيهم رسل من جنسهم,ولهم أسماء من حيث هم,وهم على أقسام كأقسام العالم المعروف,فمنهم عالم الجبروت,ومنهم عالم الأعلى,وهو عالم الملكوت,وفيهم عامة وخاصة الخاصة". لا يفهم من توصيف ابن عربي إلا أن النص عالم وحياة وبشر وكائنات وأشياء,وليس مجرد كلمات مرصوفة بدقة بارع نحوي.من هنا,يمكن القول أن ثمة علائق حب وغرام,وأحيانا كره تنسج أثناء فعل القراءة بين القارئ والنص اللذوي,هي تماما كالعلاقة بين العاشق والحسناء,بمعنى أن فعل القراءة هو الذي يجعل النص مفتوحا وقابلا لإعادة الإنتاج,يملك قدرة أصيلة على استعادة ذاته بشكل متجدد خلال عمليتي التفسير والتأويل.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا,لماذا نقول لذة النص ولا نقول متعة النص؟في الواقع إن من الصعب التفريق بين مفهومي اللذة والمتعة,وفي عمل بارت يتطابق المفهومان أحياناً,وأحياناً أخرى يتفارقان.لكن بشكل عام,المتعة حالة متقدمة عن اللذة,بمعنى أن المتعة هي اللذة في حالتها الأرستقراطية,لكن الثقافات المختلفة أطرت المفهومين بسمات تنتصر للمتعة على حساب اللذة,فالمتعة مشرعنة-حسية-صوفية,المتعة لفظ مهذب وأرستقراطي وابن عائلة,في حين أن اللذة محرمة-جسدية-شهوانية,اللذة لفظ دوني وابن شارع.
علاقة اللذة بالكتابة والقراءة

يرى بارت أن كل نص يقرأ بلذة فهذا يعني أنه كتب بلذة,وهنا يتساءل بارت: هل الكتابة بلذة تضمن أن القارئ سيحظى باللذة؟وجوابه عن هذا السؤال لا.إذن على الكاتب أن يبحث عن القارئ ويغويه,فالغواية دوما مقترنة باللذاذة.كما أنها أي الغواية تمثل الفضاء المؤثث لنص الخطاب.

قراءة بلذة ------------ كتابة بلذة
كتابة بلذة + عناصر الغواية ------------قراءة بلذة
وحتى يكون النص لذيذاً,يجب أن يخضع لشروط لذاذة النص,فالناسخ لكتابة نصه يستخدم لغة فطرية تلقائية غير ودودة.(امرأة مغناج ذات وجه حليبي ضاحك) (سيدة ذات وجه أبيض باسم),إن النصوص – أية نصوص,إن هي أرادت أن تكون مقروءة كما يرى بارت,فإن شيئا من العصاب ضروري لإغواء قرائها,مثل هذه النصوص المدهشة هي نصوص مغناج,فالكاتب يرفض أن يكون مجنوناً ولا يرضى في الوقت نفسه أن يكون سليماً بمفهوم التحليل النفسي,بل يموضع نفسه في حالة من الهذيان,حالة وسطية بين السلم والجنون.فالكاتب هو المعصوب,والعصاب هو الإدراك الوجل لعمق المستحيل,بلغة أكثر تبسيطا:النص يتولد في اللاوعي ويكتب في الوعي.يخالفه في ذلك " باتاي" حين يقول: إن النص يجب أن يولد من رحم الجنون,ولكنه ضد العصاب."دي ساد" من ناحية أخرى يقول: إن لذة النص تتأتى من بعض القطيعات أو من بعض التصادمات بين ما هو سائد ومقنن ومشرعن,وبين ما هو مرفوض بمعايير العصمة الأكاديمية والمناهج المدرسية والأيديولوجيات المتزمتة.وبحسب نظرية النص,فإن القطع أو التصادم يرسم حافتين للمشهد’الحافة الأولى حافة هادئة ومطابقة ومنتحلة,أما الحافة الأخرى,فهي حافة صادمة متموجة وحرة.وهنا يراءى موت اللغة’لأن القارئ يرى صورا وليس كلمات,لأن الكلمات هي أصوات دالة على المعنى ولكنها في الوقت نفسه مفعمة بالانفعالات,فعندما نقول وردة فإننا نتصور الوردة واللون والرائحة واليد التي بها,إذن اللذة تنساح في مكان ما في النفس,تفل وتبضع وتشك وتهدم وتقوض في الذات,تخلق لدى القارئ حالة من التفاعل الحر مع عالم متخيل,تنبض بداخله الأشياء والشخوص والحوارات بالحياة,ويعتمد ذلك كله على طبيعة السرد,فالسرد اللذوي له جمل وكلمات تمارس على القارئ فن التعري البطئ للغة,وذلك من أجل الوصول إلى عمق اللذة,وهذا يفترض بالنص أن يكون مشبعاً بالشهوة حتى يتضمن عودة القارئ مرة أخرى,فالنص يجب أن يشتهي القارئ,حيث أن الكتابة هي علم متع الكلام,وبالتالي هو سرد متمهل صادم يبعث على النهم ولكن ببطء,ولا يريد القارئ أن ينتهي النص المشهد بعكس السرد التقليدي الذي يفرض على القارئ أحيانا القفز من أجل الوصول إلى النتيجة.
إن حالة التفاعل و الانصهار بين القارئ والنص تغني تجربة التلقي لديه,بحيث تأخذ أبعاداً تأملية وآفاق أرحب نحو الشمولية,بعيداً عن التجمد داخل أسوار منطوق الكلمات,فالنصوص ليست الحدث الوحيد الذي يحقق القيمة الجمالية,فهنالك أيضا تفاعل المتلقي وردود فعله إزاء هذه النصوص,حين يتأملها ويشرحها ثم يحقق قيمتها الجمالية في شكل موضوع جمالي,يكون متجذر في الوعي الجماعي أكثر من الوعي الذاتي,كما يرى يوس وإيزر رائدا نظرية جمالية التلقي.

موقف الأيديولوجيا من مفهوم لذة النص

الأيديولوجيا كمفهوم وممارسة تعاني كثيراً من الإشكاليات والتعقيدات التي جعلت منها موضع خلاف دائم مع كل المشتغلين فيها,وعلى مر العصور,بالتالي فهي ليست حديثة المولد والنشأة والفعل’بل قضية قديمة جديدة لم تغب عن تجليات الفعل الإنساني في حاضره وماضيه ,ولن تكون غائبة عن مستقبله في هذا السياق.وكما هو معروف فإن الأيديولوجيات,بما تمثله من أفكار ومبادئ وقيم يفرضها واقع معين في الحياة,تحاول من خلاله تسويق نفسها على أنها المنقذ والمخلص لكل المشكلات الحياتية العالقة.فقد تعددت وتنوعت طرق الترويج لذاتها في الأوساط الاجتماعية,ولطالما وجدت الأيديولوجيات والأيديولوجيات المتناقضة في النتاجات الإنسانية,سيما في المجالات الأدبية والفنية مطية سهلة,وسبيلا خصباً في التسويق محليا والتصدير خارجيا,فلا غرابة إذا قلنا أن الأيديولوجيا حاضرة في كل النصوص والكتابات,وهذا ما يؤكده علم النص الحديث باستحالة الغياب الكلي للأيديولوجي والسلطوي,فإن لم تظهر آلية اشتغاله على السطح ففي ثناياه وطبقاته العميقة.

في غمرة الزحام الأيديولوجي المار عبر النتاجات الأدبية,ظهرت مناهج نقدية تعمل في سياق اشتغالها وتعاطيها مع النصوص بصورة موغلة في الأيديولوجيا,وبشكل تعسفي متحرر من كل القراءات النقدية العلمية لتلك النصوص .هذا التطور العشوائي للمذاهب النقدية الناطقة بلسان جميع الأطياف السياسية,من شأنه أن يفرض على النص ونظريته قانونا تكون وظيفته الأساسية منع وحرمان أنفسنا من اللذة الرئيسية وتركها للفن السياسي.إن التنظير الفكري المعاصر وما يقف وراءه من أيديولوجيات,يكيف نفسه لواجبات أخلاقية تنفي مفهوم اللذة ومن ثم المتعة,وتعتبرهما من سقط المتاع,حيث يرى بارت أن اليمين كأيديولوجيا يتبنى فكرة أن اللذة ضد التثقيفية,لأن اللذة هي رد فعل القلب ضد العقل,والإحساس ضد البرهان,والحياة الحارة ضد التجريد البارد.أما اليسار فيضع المعرفة والنهج والالتزام في مواجهة اللذة البسيطة,متناسيا بذلك لفافة التبغ الفاخرة لماركس وبريخت,لكن ماذا لو كانت المعرفة نفسها لذيذة؟ لقد أجمعت الفلسفات والاتجاهات السياسية يمينها ويسارها على إهمال اللذة ,على الرغم من أنها تنطوي على شعور بتماسك الأنا في سياق من الرضا والراحة والطمأنينة. اللذة هي نقيض الألم,وفي حالات الألم تنفسخ الأنا نتيجة تسلط واضطهاد الآخر,أما في حالة اللذة ينسى الإنسان هذا الآخر وقهره وينخرط في لذته.

إذا كانت اللذة لا يمينية ولا يسارية,هل معنى ذلك أنها تقف على الحياد؟.يبدو أنها غير قابلة للموضعة في مكان ما,لأنها تنبجس من مصادر عقلية وغرائزية,عقلية:-مثل القراءة,والكتابة,والتلقي والفنون – وغرائزية,كالمشرب,والمأكل,والمرأة والجنس وما يرافقه من عمليات بيولوجية.نلاحظ أن كل غريزة ارتبطت بلذة ما,وهذا أمر ضروري للحفاظ على الإنسان وبقاءه.ولهذا فإن مهاجمة الأيديولوجيات لغريزية الإنسان بحجة أن هذه الغرائز حيوانية,أمر فيه كثير من الظلم والتعسف والقهر.









#أشرف_البطران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...
- إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق ...
- مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو ...
- وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
- شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
- فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أشرف البطران - قراءة في كتاب -لذة النص-