|
القدسُ وحبيبتي و(مِحبَرَةٌ تنتَحِب)* 1
زياد جيوسي
كاتب واعلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2894 - 2010 / 1 / 20 - 12:17
المحور:
الادب والفن
[url=http://www.servimg.com/image_preview.php?i=230&u=12018225][img]http://i11.servimg.com/u/f11/12/01/82/25/mahbar11.jpg[/img][/url]
ما زالت القدس محرمة علينا نحن أبناءها، نحن الحالمون بالحرية للقدس والوطن، فلا أمتلك إلا أن أطل عليها من التلال المطلة من بعيد، أرافق روحك معي، روحكِ التي لا تفارقني كما الوطن، أنظر من البعيد، الحزن يسدل نفسه على روحي (مثل ليل.. يطوي عباءته، ليسدل النهار)، فأهمس في أذنكِ (كلمات في رذاذ المطر)، لكنها كما أرواحنا، أنتِ.. أنا (تحلم بليل لا يعرف الانكسار)، فأنا في رحلةِ العشق والوطن (مثل ليل.. أدمن الصمت، وما.. مل الانتظار..)، وما زلت أنتظر الموج لأهمس لكِ (هاهو الموج!.. يثمل من عيون الحلم، ودموع النهار). أيا قدس.. أناديها كما أناديكِ، فقد طال الغياب بيننا، أنتِ في ظلِ البعادِ، والقدس في ظل الأسر، لكنني أحلم باللقاء، فأنا لست من (راح يهذي، في لحظة الفراق)، وسألتقيك من جديد، كما سألتقي القدس أنا الذي سوف يأتي (حاملاً كفيه وسط جسر مترنح)، لكني أبداً لن أكون أنا من يأتي (قابضاً أوراقه، جواز سفر، تأشيرة عبور، وجسداً فارغاً إلا من الضياع.. )، فأنا الذي أقسمت أن أعود (محملاً بهاجس اللقاء..)، كي نبسم أنتِ وأنا و(نكتب أبجدية الأبد..). أقف على تلك التلال التي تطل على القدسِ من البعيد، فقد (عادَ التتارُ بمنجنيقاتٍ)، أنظر الأقصى وهو (يحاصره الجدار) وحراب الجند، فأشعر أن جسدي تشظى (وذاب بين حجرٍ وطينٍ)؛ لكني ما زلت أؤمن أنه (سيولد نهارٌ جديدٌ على مرايا جسدها الصوفي)، رغم الاحتلال الذي أتى (على طاولة مشروخةٍ.. رمى ثوب الحضارة) و(راح يبتكر الغواية) واخترع أسطورة أرض الميعاد، فهو يعلم أن الأرض مقدسة و(لا بد من ثَمالةٍ خرافيةٍ تراوده خلف المكان)، فلا يريدها (تُخْرُج كل صباحٍ من جعبتها حزناً)، ولا يريد أن يراها (تقطف أغصان النهرِ)، ويريدها فقط أن تتغير (وتدورُ كما الرأس في الخمرِ)، كي (يغرقُ البنفسجُ بحلكته بينما الماء ينسربُ من شرفة الغياب)، فهو احتلال (خلفَ صدرهِ يخفي ما تبقى من نهار). ما زلتِ الحب الذي يرافقني رغم أن (سنوات تعبر والليل يطوفُ الذاكرة)، فلا يمكنني إلا أن أحلم بك من البعيد و(أطوي غربتي في رائحةِ الجرح)، ولا أرى في هذا اليوم الذي يعني لي الكثير إلا (الصباح.. تتناهبه الأشباح)، وأرى أنه (لا يزال الباب موصداً والنوافذُ تُحركُ غبارها بالسكونِ)، وأراك المرأة التي (تقف خلفَ البابِ أو تتهشم أظافرها من الطرْق)، وأشعر بك الأنثى التي تكاد تتفجر من براكين مكتومة في داخلها، لا تقدر على المقاومة (وفي المساءِ تلفظُ أنفاسها)؛ فأغمض عينيّ وأناديكِ (فيباغتُني الحُلم) و(نجوب معاً شوارع المطر). أيا قدس التي (تحتضن الأنثى وجهك)، أما زالت (الشوارع مكتظة بالمارة)، رغم السنوات التي تجري (والذاكرةُ على السبورةِ)، أغمضُ العينين وأتذكر باب الزاهرة الذي كنت أعبره طفلاً فأتخيل الآن ما (يعانيه الأصدقاءُ كل ليلٍ)، قلق وألم و(ربما موتٌ بطيءٌ)، فتلتف روحي حول البوابات المغلقة في وجهي (والرأسُ مثقلة بأنينِ السنين)، وأرى أنني من يحمل (بين كفَّي نعشاً لجمجُمةٍ وجسدٍ)، فتصر روحي أن تجول باب العامود وباب الأسباط وباب المغاربة وباب النبي داود وباب الخليل والباب الجديد، وأقف (أنتظر صباحاً آخر)، فربما يأتي الفجر ويضمني، فأضم يدكِ ليدي وأركض (لأعانقَ الهواءَ والمارةَ والنافذة)، ونسير معاً في سوق خان باب الزيت، ومنه نجول الأحياء المقدسية لعلي أتمكن من أن أعيد النقاء للبلور الثلجي الأبيض، بعد أن لوثته بقع زرقاء وسوداء، ومعك حبيبتي سأرى أن القدس (لها رائحة الأرضِ في الطين، ووجه ممزوجٌ بشمالِ الأرضِ وجنوبِ البحر). تعالي لنحلق رغم الجندِ ورغم الأسلاك الشائكة في فضاء القدس، فأنا من (يشدني الدفءُ إلى أحضانِ طيفك) كي (أغفو بسلام)، فنصلي في الأقصى ونشعل الشموع في القيامة، وفي المسجد العمري نترحم على عُمر، فلا أحد حافظ على عهدته، ونحلم بغضبٍ ساطع آت (فيضج الحُلمُ بطفلٍ يعانق الشجر، يحتضن الأغصانَ)، فأمسك يدك لنسير في طريق الآلام كأننا (جسدٌ يترنحُ في ذاكرة المطر)، ونجتاز عقبة التقية وعقبة الخالدية، ونجول حارات السعدية والنصارى وباب حطة، وحي المغاربة الذي هدموه على رؤوس صحبه، ليقيموا لأنفسهم هياكل (على أكتاف نساءٍ نَسينَ أنوثتهُنّ)، وهم يعلمون أنه سيأتي اليوم الذي نصرخ فيه: (لنا البحرُ في زرقته ولكم السفنُ حين تشتعلُ الشواطئ). كوني معي فهذا اليوم لي، عودي كما كنتِ (طفلة تلهو مع الرملِ، فتَكسَّر زَبَدُ البحر)، ودعيها (تتغلغلُ الأصابعُ _ الطفلةُ إلى نبضِ الحُلمِ _ البحر)، فما زالت على شفتيكِ (تنكسرُ الأحرفُ مبللة بالأرجوان)، وما زلت أرى في (وجهكِ بنفسجاً يتيه في حقولِ البيلسان)، ولا أحلم مثلهم بسلامٍ لا يأتي، فما زال هناك (ثمة من يلهثُ في الصحراءِ وراء الغبار)، ولا يريد أن يعلم أن الاحتلال كان دوماً (سارقَ الأحلام)، ولا يرى أن (العتمة تخنقُ الليلَ في مهدهِ)؛ فتعالي.. (لعلي أستحمُّ، أنامُ وأغرقُ في ثُمالةِ الأنثى التي تتقاذفها أمواجُك).
(رام الله 29/12/2009)
* كلّ ما هو بين أقواس للشّاعر عبد الوهاب العريض، من مجموعته الشّعريّة "مِحبرةٌ تَنتَحِب"، الصادر عن دار فراديس للنشر والتوزيع- البحرين- 2009م.
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com http://www.arab-ewriters.com/jayosi
#زياد_جيوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوح الروح 1
-
من وحي -سأحاولكِ مرةً أخرى- *1
-
قراءة في (نهيل نسمات كرمية).. بقلم الدكتور: حسن محمد الربابع
...
-
عمّان و (كأي غصنٍ على شجر)* 1
-
منّي.. إليّ..
-
فضاءات قزح.. محطات شعورية/ بقلم: أحمد أبو صبيح
-
تنهدات جيوس (فراشة أم ضوء؟)* 1
-
-كلارينت-
-
زياد جيوسي في لقاء مع صحيفة الاتحاد: أرحل في الزمن لأسرُدَ ر
...
-
صباحكم أجمل/ أنّات القدس 2- الجيب (جبّعون)
-
صباحكم أجمل/ أنّات القدس 1
-
-فضاءات قزح- حلقت بالكتّاب العرب إلى الواقع الفلسطيني الداخل
...
-
-فضاءت قزح-
-
مفتوح.. مغلق
-
صباحكم أجمل / همسات - بغداد 1
-
شغف
-
من بوح (رفسة غزال)
-
شهداء بلا مأوى
-
من وحي -حكاية حبّ- للأديبة عبير محمّد
-
بين بغداد وعمّان والقدس
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|