|
السينوغرافيا ، سينوغرافيا المناظر المسرحية ، المناظر المرسومــة
مشعل الموسى
الحوار المتمدن-العدد: 879 - 2004 / 6 / 29 - 07:23
المحور:
الادب والفن
( المناظر المسرحية المرسومة ) " لكــي ترسـم بمنتهى الصــّدق ، يجــب أن تكــذب قليــلا ً " . - مونيــه .
التصويـر يمكنـه أن يكون متنفسـًا أكثـر يسرًا من النحـت بالنسبة للفنان ، والرّسام يتحـدث إلى الجماهيـر بلغة الألوان التي تجتذب العـيـن ، فالتصويـر أسرع تأثيـرًا في الشعـب وأقرب إلى قلبه ، ومع تقدم عصـر النهضة خطى التصويـر خطوة إلى الأمـام ، وأصبح الفـن الأعلى ووجه النهضـة وروحها ، لكن في هذه الفترة الأولى كان ولا يزال غير ناضج ، " فـدرس - باولـو أتشيـلو- فـن المنظور وكـان الراهـب - أجيليـكـو- المثـل الأعلـى الكامـل للعصـور الوسطى فـي الفـن ".
- المنظر التصويري المسـرحـي ( المرســوم ) . ظلت العمارة المسرحية وفن رسم المناظر عنصرين لا يفترقان حتى عصر النهضة ، وبعبارة أخرى فقد كان هناك اتجاه شديـد نحو اعتبار الخلفية المرئية جزءًا ثابتـًا من المسرح نفسه ، ويوجد هذا متمثلا ً في الواجهات المعمارية للمسارح الإغريقية والرومانية والإليزابيثية ، ونجد هذا أيضـًا في مسـرح القرون الوسطى .
في الحقيقة كان هناك بعض الإدراك لضرورة وجود المناظر في المسرح ، فأرسطوفان قد سبق سوفـوكل في تقديم المناظر للمسرح ، وتحدّث - فتـروفيـوس*- عـن البيـرياكتوس** وغيرها من قطع المناظـر ، ولا بد أن رجال الحرف المسرحيـة المسؤولين عـن مسرحيات الأسرار في القرون الوسطى ، قـد أظهـروا براعتهم وخيالهـم في إقامة المسارح المتحركة ( المتصلة ) ، وخاصة في مشهد الذي يصوّر فوهة الجحيـم ، وفـن رسـم المناظر أخذ دورًا مستقلا ً قائمـًا بذاته في عصر النهضة ، بما استحدثه هذا العصر من استخدام لقواعد علم المنظور في رسم تلك المناظر .
إن فكـرة خلق إيهـام أو تخيل الأمكنة ، إنما هي ثمـرة طبيعية لاهتمام القرن الخامس عشـر الميلادي بخطوط المنظـور وقواعـده ، هـذه القواعـد التي فتحـت آفاقــًا جديـدة أمام رسامي عصـر النهضة ، وفي الحقيقـة كان بعـض رسامي ذلـك العصر من أوائـل الذين رسمـوا المناظر - رافاييل ، مايكل أنجلو- ، هكـذا كان هناك اتجـاه قـوي لنقـل فـن التصويـر وتطبيقات علم وقواعد المنظور الـذي استقـرت قواعـده على اللوحات المسطحة والمسـرح .
عمومـًا ، فإن جذور الخلفيات التصويرية للمسرح ، مثـلها في ذلك مثـل لوحات فن التصوير ، تشير إلى إدراك علمي سابق لقواعد علـم المنظور ، تمامـًا كما لـو كان هـدف الفنان الأول هو محاولة إيجـاد تخيـل مرئـي لطريق آخـذ طوله إلى العمـق ، ونحـن نجـد ذلـك ممثلا ً إلى حدٍ ما في المناظر المسرحية التي رسمها – سيريليـو- ، والتي تشبه الرسومات المعمارية ، وقد وصفت هذه المناظر بأنها مناظـر كلاسيكيـة بالمقارنة بينهـا وبين الطراز الرومانتيكي الذي جــاء بعد ذلك ، وقـد أتت هـذه الرسومات دقيقـة هندسيـًا أكثر من أن تكـون جمليـة أو عاطفيـة الإيحاء ، لكن هذه الرسومات لمبكرة جاءت في نفس الوقت صلبة وخشنة معماريـًا ، والذي زاد من صلابتهـا كونها لم تكـن مرسومـة على المسطحات ، وإنمـا كان يتـم بناؤهـا كلما أمكن ذلـك ( بشكل بـارز باستخـدام القوالب ذات الأبعــاد الثلاثـة وغيـرها من مـواد البنـاء الصلبـة ) .
لم يطل الزّمن بالإيطاليين لاحتكار علم المنظور واستخدامه في التصوير ، ففي القرن17 الميلادي ازداد شغـف الإنجليـز بعـروض المناظـر التصويريـة فـي حفـلات البـلاط التنكريـة ، وكـان - جونز*- المسؤول الأول عن هذا الاتجاه الجمالي الزخرفي ، فمن إيطاليا جاء بتطبيقات علم المنظور ، وجاء بفكرة إطار فتحة المسرح ، و- جونز- لا يعتبر ناقلا ً لتلك العلوم والفنون فحسب ، بل جاء بابتكارات خاصة به ، تم هذا من خلال تكنيك اتـّبعه في عملية تغييـر المناظر ، كما تنسب إليه رسومات أكثر حرية في أسلوب تنفيذها ، وأكثر حرية أيضـًا من تلك التي أتى بها - سيريليـو- ، لكن مع كل الإنجازات التي وصل إليها البلاط الإنجليزي في مجالات رسم المناظر المسرحية فقد توقف تمامـًا في عام 1642 م ، حين تولى المتطهرون الحكم بإنجلترا ، فانتقـل النشاط مرة أخرى للقارة الأوروبية بخاصة إيطاليا ، حيث حقق رسّامـوا المناظر الإيطاليون نتاجات كثيرة ، فشاع في البندقية صيت الرّسـام - جياكوم توريللي- ثم قام أهالي المدينة إلى محاولة قتله اعتقادًا منهم بأنه حليف للشيطان بسبب إتقانه لرسم المناظر ، فهرب توريللي إلى باريس مصطحبـًا مناظره ، وتـفتـّحت البلاد عن براعـم جديدة في مجال رّسـم المناظـر المسرحية وتنفيذهـا .
ذكر أحمد زكي : " أما مسرح الإطار في إنجلترا ، لم يظهر إلا في عصر الإصلاح ( أي عصر استعادة الملكية ) ، حين اعتلى - شارل الثاني- العرش بعـد عودتـه من منفاه في فرنسا ، وقرر وقتهـا الملك الشاب استيراد أحدث مبتكرات الفن إلى بلاطه... بعودة ملكية شارل الثاني قدمت أعمال كوميدية راقية...في إطار مسرح الإطار تثريه تصميمات - إينجو جونز- بما حوته من مجموعـات للمسارب الجانبيـة ( الكواليـس ) والستائـر الخلفيــة ... ".
رغم أن المناظر التصويريـة سيطـرت على المسرح زهــاء الثلاثـة قـرون ( بسـبب حاجـة لتوصيف المكـان والزمـان فقـط ) إلا أنها أتت المناظـر المسرحية في أغلبهـا كي تعكس نوعية المكان المـراد تحقيقـه والزمان كذلك ، فالمناظر المسرحية كانت عبارة عـن رسومات مسطحة مرسومة على قطعـة قماش باتساع فتحة المسرح ، مشدودة أو على ألواح من الخشب متراصّـة ، وقد نجـد في المناظر تلك أبواب مرسومة أو سلم يؤدى إلى الأعلى أو شرفات أو أشجار أو طريـق ذاهب إلى عمق
اللوحة أو جبـل ...إلخ ، إلا أن تلك العناصر لا يتعامل معها الممثـل بكونها مجرّد رسومات ، ووجدت تلك الرّسومات لتجسّـد توصيفـات النص في أغلـب الأحيان لترجمة المكان والزمان بصـدق شديـد .
- الثورة علـى المنظـر التصويـري المسـرحي المرسـوم . الثورات تأتي بالشيئ المغاير لسابقة ، فالثورة تولدها الرفض للواقع المعايش ، كما تعمل على محـاولة إيجـاد واقع ومحيط تلائم شعاراتها ، فالثورات الفنية لا تكاد تنطفئ شعلتها ولا تتوقف مسيرتها ؛ إن العقل البشري في زمانه ومن خلال رحلته الزمنية ، هو في طبيعته ثائر على معطيات الطبيعة الكونية ، يثور بسبب غرائزه ويثور بسبب عقله أيضـًا ، ويثور بسبب تنوع التفاوت وتلك الفروق التي تجعلنا نحن البشر في تباين مستمر لا يكاد أن يحد ، من هنا أتى التناحر العملي والنظري بين العقول البشرية ، ولعل هذا التناحر أتى بالتالي على الطبيعة .
فالمناظر والديكورات المسرحية ، ليست أفضل من غيرها كي ينالها مما سبق ، بل ويجب أن يثار عليها بغية التجديد والتحسين للسعي إلى ترسيخ الفن وأخلاق الفن .
إن محطة المناظر التصويرية المسرحية ، ليست هي المحطة الأولى في رحلة المناظر المسرحية عبر الأزمان ، لكنها تعتبر الأبرز لما تحتويه هذه الفترة من جمال ورونق ، هذه الفترة التي عادت بها المسرحية إلى مكانة متميّزة بعد غياب المسرحية اليونانية ؛ إن كانت هناك ثورة على تلك المناظر التصويرية المسرحية ، فأيضـًا كانت تلك المناظر التصويرية المسرحية ثائرة على الفترة التي سبقتها ، لكن ما يهمنا هنا ، تلك المرحلة الانتقالية التي كانت بين أواخر المناظر التصويرية المسرحية وأوائل ما بعدها ( الطبيعية ) ، ومن أسباب تلك الثـورة : -1لا شـك بـأن العقـول الفنية هي عقـول متجددة ( على فرض ) ثائرة على واقعها ، خاصة تلك العقول التي تسبح وتتطلع إلى الحرية ؛ لقد أتت المناظر التصويرية انعكاسـًا لما هو في الطبيعة وخالية من عناصر الابتكار وفق منظورنا الحالي ، وأتت جامدة لا يتعامل معها الممثل ، ورغم إنها كانت تأتي لتجسّـد الواقع ، إلا إنها تضـل شيء مرسـوم رغـم الإتقـان الدقيـق .
2- وأتت بعد ذلك الرّغبة في صناعة ( المناظـر المصنـّعة ) ، لكن لم تكن تـلك الرّغبة هي الوحيدة والمطالبة فـي الثـورة ، بـل إنها سبب من أسـباب كثيـرة .
3- ربما كان المسرح قد عاد إلى اقتفاء أقدام المصورين في أوائل القرن 19 الميلادي ، الذين اتجهوا منذ عام 1830 م نحو الواقعية ، ثم عادوا منذ - إبسن- فتركوا الواقعية واتجهوا إلـى التجديد .
4- ولعل آلة التصوير ( الكاميرا ) بإمكاناتها وباعتبارها مرآة للطبيعة هي المسؤولة بشكل عام عن عدم الرضا عن المناظر التصويرية ، وتفعيل عنصر عدم الأريحية لتلك المحاولات لرسم وتجسيم الواقع .
5- أو لعله تأثيـر الوهـج الذي تعكسه الأضواء المستمدة من مصابيح الغاز أو مصابيح الكهرباء في المسرح هو السبب ، حيث أن تــلك الأضواء تسقط ظلال الإكسسوارات والممثـلون على تلك المناظر ( المناظر التي رسمت على أنها ذات خداع منظوري ، تحقـق البعـد الوهمي ) مما يكسـر عملية تحقيــق البعد ، لأن تلك الظلال قد تسقط على تلك المباني أو تلك الجبال أو السماء ، والتي يفترض أن تكون عالية وبعيدة عن الممثل ، هذا بالإضافة إلى العلاقات الغير طبيعية التي تنتج بين أحجام الممثلون وظلالهم وتلك الرسومات .
6- كما أن العلاقة بين الرسومات ( ذات البعدين ) ، والممثـل ( ذو الثلاث أبعاد ) تخلق تنافــرًا وعـدم ذوبان المنظر المرسـوم بالقالـب المسرحـي .
7- إن الظلال المرسومة بالألـوان في المنظـر المسرحي ، هي ثابتة الاتجاه لا تتحرك بسبب اتجــاه الشمس مثلا ً ، لكن الممثل على الخشبة يكـون تحت تأثيـر عـدّة نقـاط للإضاءة ، فنجد ظلاله متغيّـر ومتعـددة ، فظلال الممثـل لا تلائم الظلال المرسومة ، وسيدرك المتلقي بأن هناك نوعيــن من الظلال ، الأول طبيعي والآخــر مرســوم . لكن مهما تكن أسباب الثورة ، فإن بداية القرن 20 الميلادي شهدت ثورة معارضة لأسلوب المناظر التصويرية ، أو لعلها هي تلك النزعة الإبداعية التي توارثها وتداولتها المسيرة الإنسانية .
كان عمـوم الواقعيـّون ، هم الأقرب إلى النواحي العملية والتجارية ، وكانوا الأكثر توفيقــًا في النواحي المالية ، ومع بدايـات عـام 1850م تم استخـدام المناظر المعلقـة ، وهـي مناظر ذات أسقـف وحوائط خلفية وجانبية ، واستعملت بدلا ً من الستائر الملـوّنة المعتادة ، وقد أدلى هذا إلى استخدام أبواب ونوافذ حقيقية وأشياء أخرى مثـل المدافئ ذات الأبعاد الحقيقية ، وفي أميركا قدم المصمم الأميركي - ديفيد بيلاسكو- سهرة في أواخر القرن 19 الميلادي بتقديم سينوغرافيا غير مألوفة من خلال مسرحية ( الطريق السهل ) ، حيث ذهب - بيلاسكـو- لمنزل قديم كانت غرفه تـُـأجّر على السكــّان ، فلما رأى أحد غرف هذا المنزل أعجب بها ، فقام بنقل كل محتوياتها بما في ذلك الأبواب والنوافـذ وورق الحائط إلى خشبة المسرح حيث تم تركيبـها بعناية فائقة وبأمانة شديـدة ، وفي غير مناسبة قام - بيلاسكو- إلى حد إرسال مندوبين عنه إلى الخارج ليحضروا لـه حاجات ومتطلبات مـن مواطنها الأصليـة ، كي يستخدمها في أحد المسرحيات .
إن تـلك المحاولات المبالغ فيهـا بالنسبة لمفاهيمنا الحالية ، لم تخدم إلا عملية جذب الانتباه إلى حد ما لإبراز المهارة الحرفية التصويرية ، فالواقعية الكاملة أمر يصعب تحقيقه ، فالمصمم الواقعـي يستطيع أن يقيم بيتــًا حقيقيـًا علـى المسـرح وبتفاصيل متناهية الدقة ، لكن فكرة بأن الذي يقدّم أمام الجمهور هو ليس تمثيلا ً وليس بمسرح هذا أمر يهزم المصـمم الواقعـي ؛ ومن الأمور التي تدين الواقعية هي تلك الكلفة المالية العالية ( بالنسبة إلى باقي متطلبات الخشبة ) التي تلازم المناظر والديكورات التي تندرج تحت التصنيف الواقعي ، ولكن هذا لا ينطبق على الواقعية المحسّنة والمبسّطة .
المنظر التصويري المرسوم في فضاء المسرحية ، لا شك وأنه يخلق فضائين مستقلين عن بعضهما البعض :
أولا ً : فضاء خاص بالمنظر التصويري المرسوم ؛ فكانت تلك المناظر عبارة عـن فضاء إيحائي مستقـل تم توظيفه لخدمة المسرحية ، والممثل يعيش أمامها ويتحرك ويشيـر إليها بالبنان واللفـظ فقـط ، لا يستطيع أن يتواجد في عمق اللوحة المرسومة ويحرك بها ، فالمعايشة هنا بصرية وذهنية تتعـدى ذلك . ثانيـًا : وفضاء خاص بمكان العرض ، أي تلك المساحة التي تحددها سيـر وحركة الممثـل كحدود فاصلة بين مكان التمثيـل وتواجد الجمهور ؛ إن هذا المكان المشار إليه وذلك المنظر المرسوم هي بالحقيقة مكان واحد بالنسبة للمتلقي وهذا مغاير بالنسبة للممثـل ، ولا بد أن عقـل المصمم حينها أدرك هذا الفاصل ما بين المنظر ومكان تواجد الممثـل ، فقام المصمم باستيـراد إكسسوارات وبعض القطع المساندة لمحاولة تجسيم الواقع التي تفـرضها تلك المناظر المرسومة ، فعلى سبيل المثـل نجد مسرحية ذات منظر مرسوم يعبـر عن مكان مفتوح كغابة أو حديقة كبيـرة ، قد يجلـب المصمم أرجوحـة كي تتأرجح عليها إحـدى الممثلات ، ولعـل كرسـي أيضـًا .
رغم السلبيات والمآخذ التي أوردنها بحق تلك المناظر التصويرية ، ومن خلال بعـدنا عن تلك المرحلة كفترة تاريخية ، فإننا ننظر إليها باعتبارنا أصحاب اتجاهات مغايرة وثائرة على ما سبق ، إلا أننا ومن موقعنا الحالي لا نبخس حقها وجمالياتها الفنية العالية ، وهي في زمانها شيء مبهر وخلاق جميـل ، كانت تأثـث الفضاء المسرحـي بتفاصيلها وتصويراتهـا للطبيعة ، وأطلت على جماهيرها بقـوة وفخر وهي من العناصر الفاعلة وبل الرئيسة في عملية خلق الأجواء السينوغرافية ؛ كنـّـا ولا نزال نقـف بإجلال عـند زيارتنا للمعارض الفنية حين نشاهد لوحة زيتية ، فما هو حالنا إذن عندما نحضر عرضـًا من ذلـك النـّوع ، كي نجـد ماردًا زيتيـًا بارتفاع 6 م وعرض 12 م تقريبـًا .
ونكتفي ما أشرنا به إلى الفن الواقعي ، لأنها تمثــّل تلك المرحلة التي تلت رسـم المناظر التصويرية ، والتي توّضح لنا تلك الطفـرة التي أعقبـت رسـم أو تصميم المناظـر التصويرية .
- المنظـر المسرحــي المبني / المـجـسَّـم . مرحلة المناظر المبنية المجسّـمة والتي تلى تلك المرحلة التي سادت بها المناظر التصويـرية المسرحية المرسومة ، لا يعتبر ظهور جديد أو بداية ، لكن عودة المنظر المبني أو المجسّم للبيئة المسرحية هـو ما نشير إليه هنا ، والتي عادت بقوة مع ظهور الطبيعية .
فالمنظر المبني المجسّم ، كان ماثلا ً من خلال جزئية الإسكينا في المسرح الإغريقي ، وكذلك نجده في المسرح الرّوماني ، ولم يغيب هذا المنظر في العصور الوسطى من خلال ما يسمى بمسرح المصطبة والعربة والمسارح المتصلة في الكـنيسة ، لكنه حضور ( ولا نعتبرهُ غياب كلي ) هذا النوع من المناظر المبنية ، قد تنازل عن مكانته أو لعل دوره في عصر النهضة . لا شك بأن المناظر المبنية أو المجسّمة ، مختلفة كليـًا عن تلك المناظر المرسومة كالتي ازدهـرت في عصر النهضة ، ولا يصح لنا الإدعاء بأن المنظر المسرحي هي ظاهـرة جديدة ، وإن العـودة إلى تلك المناظـر المبنية هي ما تكون أقـرب للصحة ، فالمنظر المبني نجـدهُ من خلال المسـرح الإغريقي من خلال جزئية الإسكينا ، والتي سبق وأن أشرنا لها في أول هـذا البحـث .
رغم تداول الحركة المسرحية لكثير من تلك المناظر عبر مسيـرتها ، إلا أن المنظر المبني لم يختفـي على الإطلاق ، لكن المناظر المرسومـة كانت قـد استولت على فتـرة زمنيـة خاصـة فـي أواخـر العصـور الوسطى والنهضة ، لكن خلال تلك الفترتيـن كانت هناك ممارسات وأشكال المسرحية قـد مارست المنظـر المبني . ومن الأسباب الداعمة لعودة المنظر المبني هي ظهور الطبيعية ، والتي لا تتوانى في محاكاة الطبيعة ، وجلب كل ما هـو موجود في الحياة على المكان المسرحي .
كما لا نغفـل ، بأن وجود تلك الفترة التي ازدهرت فيها المناظـر التصويـرية المسرحية المرسومة وسادت على خشبة المسرح ، فلتلك المناظر جعلت من الممثـل بمعزل عـن تلك الرّسومات ، وكان الممثل يشيـر فقـط إلى تلك الرّسومات دون أن يتعامل معها ، فالممثل لا يمكن أن يتواجد على شرفة مرسومة ، فالعلاقة التبادلية الفعلية لما هـو مرسوم وبيـن الممثـل كانت علاقة غيـر متوافقة ، فتلك العلاقة عملت وفعلت لظهور ما هو مجسّـم ، فحركة الممثـل على الخشبة تحتاج لوجـود علاقة تفاعلية مع كل ما هـو كائن على هـذا الفضاء ، مع عـدم إغفـال دور التأليـف للمسرحيات الطبيعية الذي فعــّـل هـذا الـدّور ، المسرحيات ذات المناظر المرسومة ، تجعـل من الفضاء ينقسم لثلاثـة أفضيـة :
-1 فضاء الصالة ، أي مكان تواجد الجمهور ، وهو فضاء مستقـل ، فضاء بمعزل عن فضاء مكان التمثيل .
-2 فضاء مكان التمثيل ، والذي يشمل الحدود الحركية للممثـل .
-3 فضاء المنظر المرسوم ، وهـو فضاء متواجد في فضاء الحدود الحركية للممثـل ، قـد يشتركان هذيـن الفضائين بنفس القالب المكاني لكنهما غير منصهران ، فالمكان في المنظر المرسـوم لا يسمح بتواجد الممثـل ( كجسـد ) في عمق تلك اللوحـة المرسومـة . فوجود المنظر المبني ، والذي يحتوي على أبواب وشبابيك وحوائط وأغصان الأشجار وغيرها من تلك المفردات ، جعلت من المتـلقي أمام تجربة ( بعـد غياب ) لم يكن يألفها من ناحية ذلك الحضور من التأثيـث المكاني ، تجربة جعلت من هذا المتلقي أن ينصهر ( إندماج ) أمام هـذا الشكل من التأثيث ، فمع وجود هـذا التأثيـث مع كـل مفرداته ( ملابس ، إضاءة ، مكياج ، حركة ، حوار...إلخ ) تعمل على سلب الانتباه وشـد المتلقي كي يكون في خانة التلقي بـدل خانة المراقـب . أعـد مادتها / مشعل الموسى ، الكويت أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية [email protected] * * *
#مشعل_الموسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سينوغرافيا عصر النهضة _ سلسلة أبحاث أكاديمية
-
السينوغرافيا ، محطات أوروبية ، تاريخ
-
سينوغرافيا المسرح - السينوغرافيا والمسرح الرّومـــاني
-
مســارح العصــور الوســطى
-
كلمـات تحــتاج لرجــــال
-
السينوغرافيا والإشارات الأولى المســرح الإغريقــي
-
السينوغرافيا بين النظرية والتطبيق
المزيد.....
-
-أبوس إيدك سيبيني-.. جمال سليمان يعلق بعد ظهوره في فيديو مثي
...
-
عصام إمام: الزعيم بخير
-
مصر.. حمو بيكا يعلق على قرار إيقافه وإحالته للتحقيق
-
مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل وإحالته للتحقيق بعد فيديو تضم
...
-
ممثل كوميدي يصف نائب الرئيس الأمريكي بـ-قاتل البابا- ويفجر ض
...
-
الأسد يطلب من فنانة تقليل التطبيل منعا للمشاكل الزوجية
-
-نوفوكايين-.. سطو بنكهة الكوميديا يعيد أمجاد أفلام الأكشن ال
...
-
لقاء مع الشاعرة والملحنة اليمنية جمانة جمال
-
فضل شاكر .. نقابة الفنانين السوريين تمنح -عضوية الشرف- للفنا
...
-
رغم ظروف مالية صعبة - SVT مستعد لإستضافة مسابقة الاغنية الاو
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|