|
السينوغرافيا ، سينوغرافيا المناظر المسرحية ، المناظر المرسومــة
مشعل الموسى
الحوار المتمدن-العدد: 879 - 2004 / 6 / 29 - 07:23
المحور:
الادب والفن
( المناظر المسرحية المرسومة ) " لكــي ترسـم بمنتهى الصــّدق ، يجــب أن تكــذب قليــلا ً " . - مونيــه .
التصويـر يمكنـه أن يكون متنفسـًا أكثـر يسرًا من النحـت بالنسبة للفنان ، والرّسام يتحـدث إلى الجماهيـر بلغة الألوان التي تجتذب العـيـن ، فالتصويـر أسرع تأثيـرًا في الشعـب وأقرب إلى قلبه ، ومع تقدم عصـر النهضة خطى التصويـر خطوة إلى الأمـام ، وأصبح الفـن الأعلى ووجه النهضـة وروحها ، لكن في هذه الفترة الأولى كان ولا يزال غير ناضج ، " فـدرس - باولـو أتشيـلو- فـن المنظور وكـان الراهـب - أجيليـكـو- المثـل الأعلـى الكامـل للعصـور الوسطى فـي الفـن ".
- المنظر التصويري المسـرحـي ( المرســوم ) . ظلت العمارة المسرحية وفن رسم المناظر عنصرين لا يفترقان حتى عصر النهضة ، وبعبارة أخرى فقد كان هناك اتجاه شديـد نحو اعتبار الخلفية المرئية جزءًا ثابتـًا من المسرح نفسه ، ويوجد هذا متمثلا ً في الواجهات المعمارية للمسارح الإغريقية والرومانية والإليزابيثية ، ونجد هذا أيضـًا في مسـرح القرون الوسطى .
في الحقيقة كان هناك بعض الإدراك لضرورة وجود المناظر في المسرح ، فأرسطوفان قد سبق سوفـوكل في تقديم المناظر للمسرح ، وتحدّث - فتـروفيـوس*- عـن البيـرياكتوس** وغيرها من قطع المناظـر ، ولا بد أن رجال الحرف المسرحيـة المسؤولين عـن مسرحيات الأسرار في القرون الوسطى ، قـد أظهـروا براعتهم وخيالهـم في إقامة المسارح المتحركة ( المتصلة ) ، وخاصة في مشهد الذي يصوّر فوهة الجحيـم ، وفـن رسـم المناظر أخذ دورًا مستقلا ً قائمـًا بذاته في عصر النهضة ، بما استحدثه هذا العصر من استخدام لقواعد علم المنظور في رسم تلك المناظر .
إن فكـرة خلق إيهـام أو تخيل الأمكنة ، إنما هي ثمـرة طبيعية لاهتمام القرن الخامس عشـر الميلادي بخطوط المنظـور وقواعـده ، هـذه القواعـد التي فتحـت آفاقــًا جديـدة أمام رسامي عصـر النهضة ، وفي الحقيقـة كان بعـض رسامي ذلـك العصر من أوائـل الذين رسمـوا المناظر - رافاييل ، مايكل أنجلو- ، هكـذا كان هناك اتجـاه قـوي لنقـل فـن التصويـر وتطبيقات علم وقواعد المنظور الـذي استقـرت قواعـده على اللوحات المسطحة والمسـرح .
عمومـًا ، فإن جذور الخلفيات التصويرية للمسرح ، مثـلها في ذلك مثـل لوحات فن التصوير ، تشير إلى إدراك علمي سابق لقواعد علـم المنظور ، تمامـًا كما لـو كان هـدف الفنان الأول هو محاولة إيجـاد تخيـل مرئـي لطريق آخـذ طوله إلى العمـق ، ونحـن نجـد ذلـك ممثلا ً إلى حدٍ ما في المناظر المسرحية التي رسمها – سيريليـو- ، والتي تشبه الرسومات المعمارية ، وقد وصفت هذه المناظر بأنها مناظـر كلاسيكيـة بالمقارنة بينهـا وبين الطراز الرومانتيكي الذي جــاء بعد ذلك ، وقـد أتت هـذه الرسومات دقيقـة هندسيـًا أكثر من أن تكـون جمليـة أو عاطفيـة الإيحاء ، لكن هذه الرسومات لمبكرة جاءت في نفس الوقت صلبة وخشنة معماريـًا ، والذي زاد من صلابتهـا كونها لم تكـن مرسومـة على المسطحات ، وإنمـا كان يتـم بناؤهـا كلما أمكن ذلـك ( بشكل بـارز باستخـدام القوالب ذات الأبعــاد الثلاثـة وغيـرها من مـواد البنـاء الصلبـة ) .
لم يطل الزّمن بالإيطاليين لاحتكار علم المنظور واستخدامه في التصوير ، ففي القرن17 الميلادي ازداد شغـف الإنجليـز بعـروض المناظـر التصويريـة فـي حفـلات البـلاط التنكريـة ، وكـان - جونز*- المسؤول الأول عن هذا الاتجاه الجمالي الزخرفي ، فمن إيطاليا جاء بتطبيقات علم المنظور ، وجاء بفكرة إطار فتحة المسرح ، و- جونز- لا يعتبر ناقلا ً لتلك العلوم والفنون فحسب ، بل جاء بابتكارات خاصة به ، تم هذا من خلال تكنيك اتـّبعه في عملية تغييـر المناظر ، كما تنسب إليه رسومات أكثر حرية في أسلوب تنفيذها ، وأكثر حرية أيضـًا من تلك التي أتى بها - سيريليـو- ، لكن مع كل الإنجازات التي وصل إليها البلاط الإنجليزي في مجالات رسم المناظر المسرحية فقد توقف تمامـًا في عام 1642 م ، حين تولى المتطهرون الحكم بإنجلترا ، فانتقـل النشاط مرة أخرى للقارة الأوروبية بخاصة إيطاليا ، حيث حقق رسّامـوا المناظر الإيطاليون نتاجات كثيرة ، فشاع في البندقية صيت الرّسـام - جياكوم توريللي- ثم قام أهالي المدينة إلى محاولة قتله اعتقادًا منهم بأنه حليف للشيطان بسبب إتقانه لرسم المناظر ، فهرب توريللي إلى باريس مصطحبـًا مناظره ، وتـفتـّحت البلاد عن براعـم جديدة في مجال رّسـم المناظـر المسرحية وتنفيذهـا .
ذكر أحمد زكي : " أما مسرح الإطار في إنجلترا ، لم يظهر إلا في عصر الإصلاح ( أي عصر استعادة الملكية ) ، حين اعتلى - شارل الثاني- العرش بعـد عودتـه من منفاه في فرنسا ، وقرر وقتهـا الملك الشاب استيراد أحدث مبتكرات الفن إلى بلاطه... بعودة ملكية شارل الثاني قدمت أعمال كوميدية راقية...في إطار مسرح الإطار تثريه تصميمات - إينجو جونز- بما حوته من مجموعـات للمسارب الجانبيـة ( الكواليـس ) والستائـر الخلفيــة ... ".
رغم أن المناظر التصويريـة سيطـرت على المسرح زهــاء الثلاثـة قـرون ( بسـبب حاجـة لتوصيف المكـان والزمـان فقـط ) إلا أنها أتت المناظـر المسرحية في أغلبهـا كي تعكس نوعية المكان المـراد تحقيقـه والزمان كذلك ، فالمناظر المسرحية كانت عبارة عـن رسومات مسطحة مرسومة على قطعـة قماش باتساع فتحة المسرح ، مشدودة أو على ألواح من الخشب متراصّـة ، وقد نجـد في المناظر تلك أبواب مرسومة أو سلم يؤدى إلى الأعلى أو شرفات أو أشجار أو طريـق ذاهب إلى عمق
اللوحة أو جبـل ...إلخ ، إلا أن تلك العناصر لا يتعامل معها الممثـل بكونها مجرّد رسومات ، ووجدت تلك الرّسومات لتجسّـد توصيفـات النص في أغلـب الأحيان لترجمة المكان والزمان بصـدق شديـد .
- الثورة علـى المنظـر التصويـري المسـرحي المرسـوم . الثورات تأتي بالشيئ المغاير لسابقة ، فالثورة تولدها الرفض للواقع المعايش ، كما تعمل على محـاولة إيجـاد واقع ومحيط تلائم شعاراتها ، فالثورات الفنية لا تكاد تنطفئ شعلتها ولا تتوقف مسيرتها ؛ إن العقل البشري في زمانه ومن خلال رحلته الزمنية ، هو في طبيعته ثائر على معطيات الطبيعة الكونية ، يثور بسبب غرائزه ويثور بسبب عقله أيضـًا ، ويثور بسبب تنوع التفاوت وتلك الفروق التي تجعلنا نحن البشر في تباين مستمر لا يكاد أن يحد ، من هنا أتى التناحر العملي والنظري بين العقول البشرية ، ولعل هذا التناحر أتى بالتالي على الطبيعة .
فالمناظر والديكورات المسرحية ، ليست أفضل من غيرها كي ينالها مما سبق ، بل ويجب أن يثار عليها بغية التجديد والتحسين للسعي إلى ترسيخ الفن وأخلاق الفن .
إن محطة المناظر التصويرية المسرحية ، ليست هي المحطة الأولى في رحلة المناظر المسرحية عبر الأزمان ، لكنها تعتبر الأبرز لما تحتويه هذه الفترة من جمال ورونق ، هذه الفترة التي عادت بها المسرحية إلى مكانة متميّزة بعد غياب المسرحية اليونانية ؛ إن كانت هناك ثورة على تلك المناظر التصويرية المسرحية ، فأيضـًا كانت تلك المناظر التصويرية المسرحية ثائرة على الفترة التي سبقتها ، لكن ما يهمنا هنا ، تلك المرحلة الانتقالية التي كانت بين أواخر المناظر التصويرية المسرحية وأوائل ما بعدها ( الطبيعية ) ، ومن أسباب تلك الثـورة : -1لا شـك بـأن العقـول الفنية هي عقـول متجددة ( على فرض ) ثائرة على واقعها ، خاصة تلك العقول التي تسبح وتتطلع إلى الحرية ؛ لقد أتت المناظر التصويرية انعكاسـًا لما هو في الطبيعة وخالية من عناصر الابتكار وفق منظورنا الحالي ، وأتت جامدة لا يتعامل معها الممثل ، ورغم إنها كانت تأتي لتجسّـد الواقع ، إلا إنها تضـل شيء مرسـوم رغـم الإتقـان الدقيـق .
2- وأتت بعد ذلك الرّغبة في صناعة ( المناظـر المصنـّعة ) ، لكن لم تكن تـلك الرّغبة هي الوحيدة والمطالبة فـي الثـورة ، بـل إنها سبب من أسـباب كثيـرة .
3- ربما كان المسرح قد عاد إلى اقتفاء أقدام المصورين في أوائل القرن 19 الميلادي ، الذين اتجهوا منذ عام 1830 م نحو الواقعية ، ثم عادوا منذ - إبسن- فتركوا الواقعية واتجهوا إلـى التجديد .
4- ولعل آلة التصوير ( الكاميرا ) بإمكاناتها وباعتبارها مرآة للطبيعة هي المسؤولة بشكل عام عن عدم الرضا عن المناظر التصويرية ، وتفعيل عنصر عدم الأريحية لتلك المحاولات لرسم وتجسيم الواقع .
5- أو لعله تأثيـر الوهـج الذي تعكسه الأضواء المستمدة من مصابيح الغاز أو مصابيح الكهرباء في المسرح هو السبب ، حيث أن تــلك الأضواء تسقط ظلال الإكسسوارات والممثـلون على تلك المناظر ( المناظر التي رسمت على أنها ذات خداع منظوري ، تحقـق البعـد الوهمي ) مما يكسـر عملية تحقيــق البعد ، لأن تلك الظلال قد تسقط على تلك المباني أو تلك الجبال أو السماء ، والتي يفترض أن تكون عالية وبعيدة عن الممثل ، هذا بالإضافة إلى العلاقات الغير طبيعية التي تنتج بين أحجام الممثلون وظلالهم وتلك الرسومات .
6- كما أن العلاقة بين الرسومات ( ذات البعدين ) ، والممثـل ( ذو الثلاث أبعاد ) تخلق تنافــرًا وعـدم ذوبان المنظر المرسـوم بالقالـب المسرحـي .
7- إن الظلال المرسومة بالألـوان في المنظـر المسرحي ، هي ثابتة الاتجاه لا تتحرك بسبب اتجــاه الشمس مثلا ً ، لكن الممثل على الخشبة يكـون تحت تأثيـر عـدّة نقـاط للإضاءة ، فنجد ظلاله متغيّـر ومتعـددة ، فظلال الممثـل لا تلائم الظلال المرسومة ، وسيدرك المتلقي بأن هناك نوعيــن من الظلال ، الأول طبيعي والآخــر مرســوم . لكن مهما تكن أسباب الثورة ، فإن بداية القرن 20 الميلادي شهدت ثورة معارضة لأسلوب المناظر التصويرية ، أو لعلها هي تلك النزعة الإبداعية التي توارثها وتداولتها المسيرة الإنسانية .
كان عمـوم الواقعيـّون ، هم الأقرب إلى النواحي العملية والتجارية ، وكانوا الأكثر توفيقــًا في النواحي المالية ، ومع بدايـات عـام 1850م تم استخـدام المناظر المعلقـة ، وهـي مناظر ذات أسقـف وحوائط خلفية وجانبية ، واستعملت بدلا ً من الستائر الملـوّنة المعتادة ، وقد أدلى هذا إلى استخدام أبواب ونوافذ حقيقية وأشياء أخرى مثـل المدافئ ذات الأبعاد الحقيقية ، وفي أميركا قدم المصمم الأميركي - ديفيد بيلاسكو- سهرة في أواخر القرن 19 الميلادي بتقديم سينوغرافيا غير مألوفة من خلال مسرحية ( الطريق السهل ) ، حيث ذهب - بيلاسكـو- لمنزل قديم كانت غرفه تـُـأجّر على السكــّان ، فلما رأى أحد غرف هذا المنزل أعجب بها ، فقام بنقل كل محتوياتها بما في ذلك الأبواب والنوافـذ وورق الحائط إلى خشبة المسرح حيث تم تركيبـها بعناية فائقة وبأمانة شديـدة ، وفي غير مناسبة قام - بيلاسكو- إلى حد إرسال مندوبين عنه إلى الخارج ليحضروا لـه حاجات ومتطلبات مـن مواطنها الأصليـة ، كي يستخدمها في أحد المسرحيات .
إن تـلك المحاولات المبالغ فيهـا بالنسبة لمفاهيمنا الحالية ، لم تخدم إلا عملية جذب الانتباه إلى حد ما لإبراز المهارة الحرفية التصويرية ، فالواقعية الكاملة أمر يصعب تحقيقه ، فالمصمم الواقعـي يستطيع أن يقيم بيتــًا حقيقيـًا علـى المسـرح وبتفاصيل متناهية الدقة ، لكن فكرة بأن الذي يقدّم أمام الجمهور هو ليس تمثيلا ً وليس بمسرح هذا أمر يهزم المصـمم الواقعـي ؛ ومن الأمور التي تدين الواقعية هي تلك الكلفة المالية العالية ( بالنسبة إلى باقي متطلبات الخشبة ) التي تلازم المناظر والديكورات التي تندرج تحت التصنيف الواقعي ، ولكن هذا لا ينطبق على الواقعية المحسّنة والمبسّطة .
المنظر التصويري المرسوم في فضاء المسرحية ، لا شك وأنه يخلق فضائين مستقلين عن بعضهما البعض :
أولا ً : فضاء خاص بالمنظر التصويري المرسوم ؛ فكانت تلك المناظر عبارة عـن فضاء إيحائي مستقـل تم توظيفه لخدمة المسرحية ، والممثل يعيش أمامها ويتحرك ويشيـر إليها بالبنان واللفـظ فقـط ، لا يستطيع أن يتواجد في عمق اللوحة المرسومة ويحرك بها ، فالمعايشة هنا بصرية وذهنية تتعـدى ذلك . ثانيـًا : وفضاء خاص بمكان العرض ، أي تلك المساحة التي تحددها سيـر وحركة الممثـل كحدود فاصلة بين مكان التمثيـل وتواجد الجمهور ؛ إن هذا المكان المشار إليه وذلك المنظر المرسوم هي بالحقيقة مكان واحد بالنسبة للمتلقي وهذا مغاير بالنسبة للممثـل ، ولا بد أن عقـل المصمم حينها أدرك هذا الفاصل ما بين المنظر ومكان تواجد الممثـل ، فقام المصمم باستيـراد إكسسوارات وبعض القطع المساندة لمحاولة تجسيم الواقع التي تفـرضها تلك المناظر المرسومة ، فعلى سبيل المثـل نجد مسرحية ذات منظر مرسوم يعبـر عن مكان مفتوح كغابة أو حديقة كبيـرة ، قد يجلـب المصمم أرجوحـة كي تتأرجح عليها إحـدى الممثلات ، ولعـل كرسـي أيضـًا .
رغم السلبيات والمآخذ التي أوردنها بحق تلك المناظر التصويرية ، ومن خلال بعـدنا عن تلك المرحلة كفترة تاريخية ، فإننا ننظر إليها باعتبارنا أصحاب اتجاهات مغايرة وثائرة على ما سبق ، إلا أننا ومن موقعنا الحالي لا نبخس حقها وجمالياتها الفنية العالية ، وهي في زمانها شيء مبهر وخلاق جميـل ، كانت تأثـث الفضاء المسرحـي بتفاصيلها وتصويراتهـا للطبيعة ، وأطلت على جماهيرها بقـوة وفخر وهي من العناصر الفاعلة وبل الرئيسة في عملية خلق الأجواء السينوغرافية ؛ كنـّـا ولا نزال نقـف بإجلال عـند زيارتنا للمعارض الفنية حين نشاهد لوحة زيتية ، فما هو حالنا إذن عندما نحضر عرضـًا من ذلـك النـّوع ، كي نجـد ماردًا زيتيـًا بارتفاع 6 م وعرض 12 م تقريبـًا .
ونكتفي ما أشرنا به إلى الفن الواقعي ، لأنها تمثــّل تلك المرحلة التي تلت رسـم المناظر التصويرية ، والتي توّضح لنا تلك الطفـرة التي أعقبـت رسـم أو تصميم المناظـر التصويرية .
- المنظـر المسرحــي المبني / المـجـسَّـم . مرحلة المناظر المبنية المجسّـمة والتي تلى تلك المرحلة التي سادت بها المناظر التصويـرية المسرحية المرسومة ، لا يعتبر ظهور جديد أو بداية ، لكن عودة المنظر المبني أو المجسّم للبيئة المسرحية هـو ما نشير إليه هنا ، والتي عادت بقوة مع ظهور الطبيعية .
فالمنظر المبني المجسّم ، كان ماثلا ً من خلال جزئية الإسكينا في المسرح الإغريقي ، وكذلك نجده في المسرح الرّوماني ، ولم يغيب هذا المنظر في العصور الوسطى من خلال ما يسمى بمسرح المصطبة والعربة والمسارح المتصلة في الكـنيسة ، لكنه حضور ( ولا نعتبرهُ غياب كلي ) هذا النوع من المناظر المبنية ، قد تنازل عن مكانته أو لعل دوره في عصر النهضة . لا شك بأن المناظر المبنية أو المجسّمة ، مختلفة كليـًا عن تلك المناظر المرسومة كالتي ازدهـرت في عصر النهضة ، ولا يصح لنا الإدعاء بأن المنظر المسرحي هي ظاهـرة جديدة ، وإن العـودة إلى تلك المناظـر المبنية هي ما تكون أقـرب للصحة ، فالمنظر المبني نجـدهُ من خلال المسـرح الإغريقي من خلال جزئية الإسكينا ، والتي سبق وأن أشرنا لها في أول هـذا البحـث .
رغم تداول الحركة المسرحية لكثير من تلك المناظر عبر مسيـرتها ، إلا أن المنظر المبني لم يختفـي على الإطلاق ، لكن المناظر المرسومـة كانت قـد استولت على فتـرة زمنيـة خاصـة فـي أواخـر العصـور الوسطى والنهضة ، لكن خلال تلك الفترتيـن كانت هناك ممارسات وأشكال المسرحية قـد مارست المنظـر المبني . ومن الأسباب الداعمة لعودة المنظر المبني هي ظهور الطبيعية ، والتي لا تتوانى في محاكاة الطبيعة ، وجلب كل ما هـو موجود في الحياة على المكان المسرحي .
كما لا نغفـل ، بأن وجود تلك الفترة التي ازدهرت فيها المناظـر التصويـرية المسرحية المرسومة وسادت على خشبة المسرح ، فلتلك المناظر جعلت من الممثـل بمعزل عـن تلك الرّسومات ، وكان الممثل يشيـر فقـط إلى تلك الرّسومات دون أن يتعامل معها ، فالممثل لا يمكن أن يتواجد على شرفة مرسومة ، فالعلاقة التبادلية الفعلية لما هـو مرسوم وبيـن الممثـل كانت علاقة غيـر متوافقة ، فتلك العلاقة عملت وفعلت لظهور ما هو مجسّـم ، فحركة الممثـل على الخشبة تحتاج لوجـود علاقة تفاعلية مع كل ما هـو كائن على هـذا الفضاء ، مع عـدم إغفـال دور التأليـف للمسرحيات الطبيعية الذي فعــّـل هـذا الـدّور ، المسرحيات ذات المناظر المرسومة ، تجعـل من الفضاء ينقسم لثلاثـة أفضيـة :
-1 فضاء الصالة ، أي مكان تواجد الجمهور ، وهو فضاء مستقـل ، فضاء بمعزل عن فضاء مكان التمثيل .
-2 فضاء مكان التمثيل ، والذي يشمل الحدود الحركية للممثـل .
-3 فضاء المنظر المرسوم ، وهـو فضاء متواجد في فضاء الحدود الحركية للممثـل ، قـد يشتركان هذيـن الفضائين بنفس القالب المكاني لكنهما غير منصهران ، فالمكان في المنظر المرسـوم لا يسمح بتواجد الممثـل ( كجسـد ) في عمق تلك اللوحـة المرسومـة . فوجود المنظر المبني ، والذي يحتوي على أبواب وشبابيك وحوائط وأغصان الأشجار وغيرها من تلك المفردات ، جعلت من المتـلقي أمام تجربة ( بعـد غياب ) لم يكن يألفها من ناحية ذلك الحضور من التأثيـث المكاني ، تجربة جعلت من هذا المتلقي أن ينصهر ( إندماج ) أمام هـذا الشكل من التأثيث ، فمع وجود هـذا التأثيـث مع كـل مفرداته ( ملابس ، إضاءة ، مكياج ، حركة ، حوار...إلخ ) تعمل على سلب الانتباه وشـد المتلقي كي يكون في خانة التلقي بـدل خانة المراقـب . أعـد مادتها / مشعل الموسى ، الكويت أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية [email protected] * * *
#مشعل_الموسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سينوغرافيا عصر النهضة _ سلسلة أبحاث أكاديمية
-
السينوغرافيا ، محطات أوروبية ، تاريخ
-
سينوغرافيا المسرح - السينوغرافيا والمسرح الرّومـــاني
-
مســارح العصــور الوســطى
-
كلمـات تحــتاج لرجــــال
-
السينوغرافيا والإشارات الأولى المســرح الإغريقــي
-
السينوغرافيا بين النظرية والتطبيق
المزيد.....
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|