أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كامل اللبدي - خمسون عاماً على ثورة الضباط الأحرار أين أصبحت الناصرية؟















المزيد.....


خمسون عاماً على ثورة الضباط الأحرار أين أصبحت الناصرية؟


كامل اللبدي

الحوار المتمدن-العدد: 179 - 2002 / 7 / 4 - 06:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


KAMEL LABIDI

  عندما خلعوا الملك فاروق، آخر ملوك مصر، في عصر كانت السلطة الفعلية  في يد بريطانيا الاستعمارية، والقسم الأساسي من الثروة، الزراعية بنوع خاص، تمسك به أقلية مصرية، بدا منفذو ثورة 23 يوليو عام 1952 أصحاب مشروع اجتماعي واعد لموطنهم ولباقي الدول العربية، وقد جاءت عملية الاصلاح الزراعي وإعادة توزيع الثروة وتأميم قناة السويس في العام 1956 وبناء سد أسوان لتزيد من الهيبة والنفوذ لدى جمال عبد الناصر، المحرّك الرئيسي للضباط الأحرار.

  الا ان انجازات عبد الناصر الذي تولى رئاسة الدولة حتى وفاته في 28 أيلول/سبتمبر عام 1970 لا تزال تسبب الانقسامات بين المصريين وتثير الكثير من الجدل. والسبب الرئيسي لهذا الانقسام يتمثل في موقف مختلف الفرقاء من السلطة الاحادية التي مارسها رئيس ذو شخصية متميزة، عرف كيف يبعث آمالاً كبيرة ليس في مصر وحسب وإنما في مجمل المنطقة التي طالما أذلها الاستعمار والتي كانت تتعطش الى الاستقلال والنمو والكرامة. سلطة تصدت للقوى الاستعمارية في تلك الحقبة وحاربت الفقر والمظالم الاجتماعية لكنها في الوقت نفسه مارست عملية قمع شرسة في حق المثقفين والمعارضين من كل فئة وخصوصاً "الاخوان المسلمين" واليسار.

  وتعترف هدى عبد الناصر، ابنته البكر التي تعاونت معه عن قرب وهي اليوم استاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، بأنها لا تزال معجبة بمشروعه السياسي. وهي منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً تنكب على الابحاث وقراءة الوثائق التي يمكن أن تعيد الاعتبار الى رئيس اتهم بأنه ساهم الى حد كبير في تحطيم هذا الحلم السياسي الذي شاركه إياه ملايين العرب على مدى ثمانية عشر عاماً. وهي ترفض الاتهامات المضخمة التي كان أول من أطلقها الرئيس أنور السادات الذي خلف عبد الناصر واغتيل في العام 1981.

  "لقد هوجم ووصف عن غير وجه حق بأنه قائد لم يكن أحد يستطيع أن يضيف حاشية معه. وهو بالعكس كان يتمتع بقدرة كبيرة على الانصات ولم يكن يتوانى عن القيام بالنقد الذاتي، حتى أنه دعا علناً الى التنبه من التأثير المشؤوم الذي مارسته مجموعات الضغط في أوساط معاونيه المقربين"، هذا ما صرحت به متذمرة في الوقت نفسه من أنها لم تستطع حتى الآن الوصول الى المحاضر الرسمية للاجتماعات الوزارية التي كان يعقدها عبد الناصر. وتضيف بشيء من الاستياء: "تمكنت من الوصول الى المحفوظات الرسمية الغربية وخصوصاً البريطانية والأميركية، التي تمتّ بصلة الى العلاقات مع مصر في ظل رئاسة عبد الناصر، لكني حتى الآن لم أنجح في الحصول على حق إلقاء نظرة على الوثائق الوزارية المصرية من الحقبة نفسها، فيجب ألاّ تبقى هناك وثائق سرية بعد مضي خمسين عاماً".

  إذاً، ليس من شأن مختلف الشهادات التي أعطاها رفاق عبد الناصر، كما معارضوه وضحاياه، ولا الوثائق التي كشفت عنها وزارتا الخارجة البريطانية أو الأميركية، أن تسمح بالقاء الضوء كلياً على محصلة ثورة الضباط الأحرار وبتحديد المسؤوليات وخصوصاً في الهزيمة المؤلمة التي ألحقتها إسرائيل بمصر في حزيران/يونيو عام 1967، ولا بإلقاء الضوء أيضاً على بناء دولة عسكرية بوليسية رهيبة.

  ويبدو أنه لم تتوافر بعد ظروف النقاش الهادئ، وفي أي حال فإن موقف الحكومة من تركة عبد الناصر ومحازبيه قد تطور على مدى السنين كما اتسع في شكل ملحوظ هامش حرية التعبير الممنوحة.

  وقد سحبت الحكومة مشروع قانون متعلقاً بنشر الوثائق الرسمية ويجرم الحصول على الوثائق المعتبرة "أسراراً لأسباب تتعلق بالأمن القومي" وذلك بعدما أثار ردات فعل قوية في أوساط الصحافيين والمفكرين. وقد شكلت لجنة خاصة للبحث في جوانبه السلبية. وأوضح سلامة أحمد سلامة، احد المحررين الأكثر احتراماً في الصحافة الحكومية، أن "هذا المشروع يضاف الى القوانين السارية المفعول الخاصة بالصحافة، ومن شأن هذا القانون أن يولّد مجتمعاً مغلقاً يجهل تاريخه وتراثه" [2] .

  وقد تكاثرت الكتب والمقالات الصحافية وحتى البرامج التلفزيونية الخاصة التي تمجد عبد الناصر أو تحاكمه، وذلك مع اقتراب الذكرى الخمسين للانقلاب العسكري الذي غيّر وجه مصر الى حد بعيد، وسمح لها بممارسة نفوذ لا سابق له في المنطقة العربية وعلى المستوى العالمي.

  ويعتبر الرئيس حسني مبارك، بعكس سلفه أنور السادات، أن الخطر الحقيقي على النظام يأتي من الاسلاميين وليس من الناصريين الذين قمعوا بشدة حتى اغتيال السادات على يد كومندوس اسلامي في 6 تشرين الأول/أكتوبر عام 1981، ومذّاك تعيش البلاد في ظل حالة طوارئ مما سمح للسلطة بشن حرب لا هوادة فيها على الجماعات الاسلامية المسلحة وبإحكام قبضتها على المجتمع وبتهميش الاحزاب السياسية المعترف بها [3] .

  وعلى كل حال، حصل الحزب العربي الديموقراطي الناصري في هذا الجو الاستثنائي على قرار قضائي في العام 1990 سمح له بموجبه بفتح مقر في القاهرة، لكن سرعان ما أدت الخلافات الداخلية الى تخلي الكثير من المناضلين والى إضعاف جمهور هذا الحزب. وهذا ما يعلق عليه محللاً محمود قنديل، الناصري المستقل والمدافع عن حقوق الانسان: "إن مأساة معظم الناصريين هي في أنهم ليسوا معتادين على العمل الجماعي وغير قادرين على إلقاء نظرة نقدية على تجربة عبد الناصر أو على تطوير فكره. فالمناكفات الداخلية التي تواجه فيها الحرس القديم مع المناضلين الشباب بلغت ذروتها في أواسط التسعينات وأدت الى إضعاف الحزب العربي الديموقراطي الناصري والى خلق أجواء احباط وخيبة أمل بين المناضلين الأكثر صدقا".

  ومن جهته فإن السيد محمد الفايق، وزير الاعلام السابق ومسؤول العلاقات مع حركات التحرر في أيام عبد الناصر، والرئيس الحالي للمنظمة العربية لحقوق الانسان، اوضح "ان التيار الناصري واسع جداً لكن المشكلة هو أن هناك عوائق أمام حرية عمل الاحزاب السياسية".

  ولم تكن مسألة الحريات الفردية تشغل هذا الوزير السابق في أيام عبد الناصر الى اليوم الذي ألقي به في السجن بأمر من الرئيس السادات. ويبرر السيد فايق نفسه قائلاً: "عندما يُحكم على وزير بالسجن لمدة عشر سنين لأنه عبّر عن خلافه مع رئيس الجمهورية وقدم استقالته، فهذا يعني أن هناك أزمة عميقة داخل النظام" ويذكّر في الوقت نفسه بأن الملف الشائك في الحقبة الناصرية كان ملف "الجرائم المرتكبة من جانب المستعمرين وليس المتعلق بانتهاك حقوق الانسان كما نرى الآن".

  هذا النوع من التحليل لا يؤيده طبعاً رجل مثل السيد رفعت السعيد، الأمين العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، الذي كان تعرض للتعذيب بوحشية في "مراكز اعتقال تابعة الثورة" وذلك لأنه قدّم "دعماً نقدياً" الى نظام جديد متعطش الى "دعم غير مشروط". ويضيف هذا المسؤول السياسي الذي كان سُجن للمرة الأولى في أواخر حكم الملك فاروق: "لقد عاملنا عبد الناصر مثل تلاميذ ليس عليهم سوى السمع والطاعة، وعندما كان يتخذ قراره لم يكن يتقبل أي نقد أو اقتراح أو تعديل".

  أما السيد حامدين صباحي، البرلماني ورئيس حزب "الكرامة"، التشكيل الناصري غير المرخص له فإنه يؤكد من جهته أنه: "من واجبنا الاعتراف بالاخطاء وبالانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان التي ارتكبت في عهد عبد الناصر مثل شنق الشهيد سيد قطب [4] وملاحقة الاسلاميين والشيوعيين. ويجب علينا تقديم الاعتذار الى عائلات هذه الحركات". وهو كرئيس سابق لاتحاد الطلاب في جامعة القاهرة لم يتعرف الى عبد الناصر شخصياً لكنه دخل السجن مرات عديدة لأنه دافع عن مبادئ عزيزة عليه، وهو يرى أن "ضعف المشاركة الشعبية في ثورة 23 يوليو عام 1952 وتقدم الاعتبارات الأمنية على السياسية هو ما ساعد في توجيه ضربات قاسية الى هذه الثورة".

  وحالياً، فإن بعض الشخصيات المعروفة بناصريتها تحرّك العديد من منظمات الدفاع عن حقوق الانسان ونقابات المحامين. وعلى غرار أصدقائهم السياسيين الذين يستمرون في شغل مواقع مؤثرة في وسائل الاعلام الحكومية وفي الوسط الثقافي، فإن هذه الشخصيات تتمتع بحرية تعبير كبيرة وهي تدرك رغم كل شيء الخطوط الحمر التي يجب عدم تجاوزها وخصوصاً انتقاد الرئيس حسني مبارك أو مهاجمة رؤساء الدول الشقيقة.

  لكن ورغم الخوف الذي يثيره البوليس السياسي في البلاد، يبقى عبد الناصر في نظر معارضيه قائداً تاريخياً عرف كيف يحتل موقعاً مميزاً في قلوب المحرومين وفي أوساط المثقفين. ألم يخبر الروائي والكاتب توفيق الحكيم، غداة وفاة "الرئيس" كيف أنه وقع أسير "جاذبيته" و"الصور الرائعة لانجازات الثورة" [5] .

  ويعتبر السيد أبو العلا المدحي، الزعيم السابق لحركة الطلاب الاسلاميين وأحد القائمين بمنتدى مصر للثقافة والحوار، أن "الجوانب الايجابية للحقبة الناصرية لا تقبل الجدل". ثم يوضح هذا المهندس الشاب الذي ابتعد منذ سنوات عن حركة "الاخوان المسلمين" [6] أن "الاصلاحات الاجتماعية ومجانية التعليم والعناية الطبية قد ساعدت في ظهور نخبة جديدة في البلاد متحدرة من الشرائح الاجتماعية الأكثر تواضعاً". غير أن هذه المكتسبات تسير في طريق الانقراض بسرعة كبيرة بفعل برنامج الخصخصة المتبع منذ أكثر من عشر سنين تحت العين الساهرة لممولي مصر، حتى وإن بدا أن الدولة تأخذ في الاعتبار حتى الآن التحفظات الشعبية.

  ويؤكد السيد محمود كندي أن بعض المنافع مثل الايجارات المخفضة في عقود الايجار القديمة أو المساعدات المادية التي تقدم لمن يحتاج من العائلات والطلاب هي "في طريق التفتت" في حين أن "ما تبقى من القطاع العام تمّ تدميره وابتلعته عملية الخصخصة المطبوعة بالفساد تحت أنظار المتآمرين من النقابيين المتحالفين مع حديثي النعمة".

  ويلحظ السيد عماد شاهين، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، أنه بات من غير النادر رؤية متظاهرين مناهضين للسياسة الحكومية يرفعون صور عبد الناصر أو حتى يهتفون بشعارات ناصرية من نوع "ارفع رأسك عالياً يا أخي!".

  وقد زاد الحنين الى الحقبة الناصرية حدة في نيسان/أبريل وأيار/مايو الأخيرين، خلال اعتداءات الجيش الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني. فعادت الى الموضة، اضافة الى صور عبد الناصر التي رفعها المتظاهرون في كل مكان من البلاد، أغان وطنية قديمة لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب، تصف عبد الناصر بأنه "نموذج الوطنية" وتدعو الى الوحدة العربية والى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي والاستعمار. وعادت على كل لسان كلمات أغنية عبد الوهاب: "أخي جاوز الظالمون المدى...".

  أما السيد محمود عبد الفضيل، الرئيس السابق لكلية العلوم الاقتصادية في جامعة القاهرة، فيقول إن "هذه الاندفاعة الشعبية الكبيرة للتضامن مع الانتفاضة هي من ثمار ثورة يوليو"، مذكّراً بأن عبد الناصر "عرف كيف يحطم التيارات الانعزالية التي كانت تقول بانتماء مصر أولاً الى الحضارة الفرعونية أو المتوسطية". وهو يرى أن إحد اهم إنجازات ثورة 23 يوليو، أنها نمّت في أوساط الشعب "بنخبه وجميع شرائحه الاجتماعية مجتمعة"، الشعور بأن وطنهم هو جزء متكامل من الأمة العربية وبأنه " خارج هذا المحيط لا يمكن أن ينهض نمو اقتصادي أو حركة سياسية جديرة بهذا الاسم".

  ويضيف السيد عبد الفضيل أن "سياسة الانفتاح الاقتصادي التي شرع فيها السادات وسرّعها مبارك يجب أن تأخذ في الاعتبار أن في المجتمع المصري "قوى اجتماعية مهمة وطبقة نخبوية مؤثرة متمسكة بالفكرة القائلة بالنمو الاقتصادي المستقل التي كانت عزيزة على عبد الناصر".

  فحملة مقاطعة البضائع الاسرائيلية والأميركية التي شجعتها خصوصاً لجنة دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني بالتعاون مع منظمات اجتماعية مهنية، تعطي فكرة عن عظمة  المشاعر الوطنية في المجتمع المصري، وحتى الصحافة الرسمية قد تأثرت بذلك في حين أن الارتهان الاقتصادي والعسكري المتنامي للولايات المتحدة يثير انتقادات قوية في الأوساط السياسية والثقافية على حد سواء.

  وتزداد هذه الانتقادات قوة بقدر ما تترافق حالة الارتهان هذه مع توسع الهوة بين الأغنياء والفقراء ومع التوقف المفاجىء للحركية الاجتماعية التي لقيت دفعاً لا سابق له غداة ثورة 23 يوليو.

  ويوضح السيد عبد الفضيل قائلاً: "من الطبيعي أن يبدي الناس الذين عرفوا معنى العدالة الاجتماعية والكرامة معارضة لكل محاولات التفريط بالحقوق المكتسبة وأن يحنّوا الى الحقبة الناصرية وحتى أن يتناسوا التعرض لمبادئ الديموقراطية البديهية ومبالغة عبد الناصر في الاستئثار بالسلطة".

  لكن الحكم الحالي الذي، في هذا المجال، يبدو بحسب المؤرخ شريف يونس من جامعة حلوان، وكأنه "تلميذ نجيب للمدرسة الناصرية"، لا يبدو مستعداً للسماح بتنظيم هذه المقاومة ولا حتى أن يجازف بإقامة ديموقراطية حقيقية في مؤسسات البلاد التي لا تزال تحت قبضة غالبية من الشخصيات الذين تعلموا السياسة قبل وفاة عبد الناصر في صفوف منظمة الشباب الاشتراكي أو في اتحاد الاشتراكيين العرب، ويضيف السيد يونس: "حتى النقابات تبقى خاضعة للسلطة تماماً كما في زمن عبد الناصر".

  والقانون الاستثنائي هذا، الموروث بدوره عن عبد الناصر، يسمح بكمّ الأصوات في المجتمع لكنه لا يمنع إطلاقاً تطور بعض التيارات السياسية في الخفاء، وهكذا فإن الحركة الاسلامية المصرية بكل اتجاهاتها، والتي حوربت بقوة وحظرت، الا خلال فترة قصيرة في زمن السادات، لم يكن ثمة ما يعوقها لتصبح القوة الرئيسة المعارضة في البلاد، متقدمة جداً على الناصريين الذين بدأوا هم بدورهم يغرفون من المعين الديني. ويعتبر الصحافي محمد سيد أحمد أن "الدولة لا تسمح للاسلاميين بأي وجود وتتجاهل عناصرهم الأكثر اعتدالاً مثل جماعة "الوسط". وهذا تكتيك أخرق وحتى غبي".

  ومن الأخطاء الكبرى التي كلفت البلاد غالياً، حرمان الطلاب منذ العام 1952 تعلم الديموقراطية والحرية. فبحسب السيد محمد نور فرحات، الأستاذ في الحقوق والمستشار السابق في الأمم المتحدة لشؤون حقوق الانسان، فإن الفراغ السياسي الذي تولّد عن ذلك داخل الجامعات "حوّل المجتمع الطالبي فريسة سهلة لتيارات المتطرفين الذين يستغلون الدين لتحقيق أهدافهم." وهو يرى أن "مرض الانتهازية والخبث" الذي فتك بالمنظمات السياسية المتحدرة من الثورة وحولها "رافعة للانتهازيين الحديثي العهد" يفتك حالياً بالحزب الوطني الديموقراطي بزعامة الرئيس مبارك.

  والحزب الحاكم، الذي وقع فريسة موجة من الاحتجاجات التي تضخمت أخيراً بعد سلسلة من قضايا الفساد التي تورط فيها نواب ومديرو شركات من الحزب، يبقى منقاداً للحرس القديم في مؤسسة الحكم. فهل سيجري في مؤتمره المقبل المنوي عقده في أيلول/سبتمبر "عملية علاجية يضخ فيها دماً شبابياً"؟ فمن المرشحين الى مركز الأمين العام الذي يتولاه الآن السيد يوسف والي، وزير الزراعة، سيكون السيد جمال مبارك، رجل الأعمال ونجل رئيس الجمهورية الحالي.

  وناهيك بغياب الديموقراطية وهو السبب الكامن وراء جميع المشكلات التي أعاقت تحقيق حلم التطور والاستقلال والوحدة العربية، يأتي التسلط الدائم على الساحة السياسية من جانب ضباط في الجيش ليساهم بدوره في خلق حالة من الخلل الفادح. ويعتبر السيد عبد الفضيل أن "من المهم إيجاد نوع من التوازن وعلاقة سليمة بين الجيش والمجتمع المدني".

  وحرية الكلام المعطاة للصحافة وللمثقفين والمسموحة حتى داخل البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الوطني الديموقراطي، يبدو أنها تؤمّن للسلطة بعض صمامات الأمان، فهي تمنح هذه الحرية مذكّرةً من وقت الى آخر المعارضة الشرعية التي ينتابها شعور بأنها "حبيسة"، بأن فسحة الحرية في مصر هي أوسع بكثير مما هي عليه في "بعض الدول الشقيقة" الأخرى.

  لكن وسائل الاعلام، وخصوصاً إذاعة "صوت العرب"، فقدت كلياً ما كان لها من تأثير زمن عبد الناصر في الشارع وفي "الدول الشقيقة". وأصبح المواطن المصري يتابع أكثر برامج تلفزيون "الجزيرة" القطري. فحرية التعبير في هذه القناة في مواضيع تعتبر من "المحرمات" في القاهرة، دفعت المسؤولين الى توسيع هامش حرية وسائل الاعلام السمعية البصرية وحلقات من تستضيفهم، حتى باتت تضم عناصر كانوا يعتبرون الى زمن قريب من غير المرغوب فيهم أو أنهم ينتمون الى تيارات سياسية غير مرخّص لها، من أمثال منتصر الزيات وسليم العوا وأبو العلا مهدي، والاسلاميين المستقلين مثل ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري أو أيضاً حافظ أبو سعادة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان.

  وهكذا بدأ المسؤولون يقرون بضرورة أن يرخوا الحبل في مجال الحريات العامة كي يقنعوا بشكل أفضل الرأي العام، في غياب الخيارات الديموقراطية الفعلية، بسياسات اقتصادية واجتماعية يصعب جداً تطبيقها. فبعد خمسين عاماً على انقلاب تموز/يوليو عام 1952، تفوقت الايديولوجيا الليبيرالية الغربية على الثورة الناصرية التي وقفت في مواجهة الغرب وعملت، سدى، لضرب حلفائه في المنطقة. لكن حتى الآن ليس هناك سوى انفتاح هش يقوم به نظام يفتقر الى البرنامج التعبوي، وهو انفتاح يسمح بالتعبير عن حالات القهر الهائلة التي يعيشها ملايين الفقراء الذين تفتك بهم المظالم المتزايدة، وتعيشها نخبة تتعطش الى العدالة ليس في مصر وحسب، وإنما في فلسطين أيضاً.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحافي.

[2] صحيفة الأهرام الاسبوعية، القاهرة، عدد 20-26/2/2002.

[3] يحظى الحزب الوطني الديموقراطي في زعامة الرئيس مبارك بغالبية المقاعد في المجلسين البرلمانيين (مجلس الشعب والمجلس الاستشاري). أما أحزاب المعارضة مجتمعة فتحظى فقط بـ17 مقعداً من الـ454 مقعداً التي يتألف منها المجلس(حزب الوفد، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، الحزب العربي الديموقراطي الناصري، الحزب الليبيرالي) ومن الـ37 عضواً المستقلين هناك 17 مقربون من "الاخوان المسلمين". وفي الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في 8 نيسان/أبريل عام 2002 اكتسح الحزب الحاكم 99.5 في المئة من أصوات المقترعين.

[4] إن سيد قطب، الذي أعدم شنقاً في العام 1965، أحد زعماء "الأخوان المسلمين"، يبقى أحد أرباب الفكر الأكثر تأثيراً في الحركات الاسلامية. حول تاريخ "الأخوان المسلمين" راجع:

Olivier Carré et Michel Seurat, Les Frères musulmans (1928-1982), LiHarmattan, Paris, 2002

[5] يقظة الضمير، مكتبة مصر، القاهرة، 1977.

[6] إن قرار مجموعة من الشباب الأعضاء في "الأخوان المسلمون"، بتحفيز من أبو العلا مدحي، بإنشاء حزب الوسط، قد أثار في العام 1995 غضب قيادة هذه الجماعة الاخوانية التي أسسها في العام 1928 حسن البنا. لكن السلطة رفضت الاعتراف بهذا الحزب الشرعي. راجع:

Wendy Kristianasen, … Liislam bousculé par la modernité î , Le Monde diplomatique, avril 2000

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#كامل_اللبدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كامل اللبدي - خمسون عاماً على ثورة الضباط الأحرار أين أصبحت الناصرية؟