|
قصة قصيرة بعنوان فارس من الكوفة
رحيم الحلي
الحوار المتمدن-العدد: 2892 - 2010 / 1 / 18 - 09:18
المحور:
الادب والفن
لا ادري كيف التقينا هل صدفة ام قدر محتوم ، حين خرجت صباحاً من بيتي الطيني ، اقطع الدروب الفاصلة بين الاشجار ، متخذاً قرص الشمس دليلاً في مسيرتي ، فأنا غريب على هذه البساتين ، لكن هذه الاشجار الخضراء تغريني في النظر اليها ، وهي تتزاحم في مد اغصانها ، انها ساحرةُ حقاً في قدرتها على إطفاء حزني . حين خرجت من لجة الاشجار المكتظة ، وانكشف ضوء الشمس حاداً في هذا الوقت الصيفي ، اكتشفت مأذنة قديمة مربعة الشكل ، وقبة تساقطت اجزاء كثيرة من قشرتها ، لابد انها تعود لأحد ائمة الصوفية هكذا ظننت في البداية ، اجتزتُ السياج الطيني المحيط بالطرف الجنوبي للمقام ، فتحتُ الباب الخشبي الاخضر ، واقتربتُ من القفص الحديدي للضريح الذي انبعث منه ضوءاً اخضراً ، قرأت اللوح المعلق على الضريح ، حلقتُ معه في فضاءات التاريخ البعيدة ، ادخل الهدوء الى روحي الهائمة ونفسي المضطربة ، اه انه فارس كوفي شجاع ثابت الجنان لم يتقلب تقلب الزمان ، ولم يتبدل تبدل المكان ، بذل روحه وفاءاً لعهده ،اه لقد اجتمعنا اخيراً رغم اختلاف الطريق ، وفارق الزمان لكننا التقينا ، صحيح انا لست نداً لك ، فبطولتك عظيمة وظرفك اصعب ، فأنت فارس معروف ومن وجهاء قومك ، اما انا فشاب صغير رفضت ان اطيع الطاغية في احدى حماقاته وتحديت سلطته الجائرة الفاسدة ، لم اتخلى عن اصحابي وحافظت على عهدي معهم ، سيدي انا من ربعك ، انت من اهلي ومن ديرتي ونحن غريبين هنا ، وكما قال الشاعر ان الغريب للغريب نسيب ، اذن نحن انسباء انتسبنا الى تلك المجموعة التي حافظت على عقدها ، سنلتقي كثيراً ، سأكلمك من وراء الضريح ، ثم مضت الساعات وانا اقفُ امسك بالضريح ، حين حَضَرَ اعرابي لم يؤدي مراسم زيارة الضريح اقترب مني أخذ يتفحصني ، وراح يدور حول الضريح ، يتأملني يجول ببصره يتنقل بين راسي واطرافي ، حتى اذا جاء الليل قال لي : - اذا احببت ان تنام في المقام وتكمل مناجاتك ، فهناك غرفة صغيرة فيها بطانيات وموقد صغير ، وهناك طعام خلَّفَهُ الزائرون ، لكن لاتفتح الباب الخارجي حتى لو سمعت طرقاً عليه ، واياك ان تعمل نفسك ممسوساً وتأخذ مالاً من الزائرين ، ابقى ماشئت في الضريح ، واكمل حديثك مع صاحبه ، وتصبح على خير . في المساء بقيت لوحدي في المقام بعد ان اغلق الخادم الباب الخارجي سمعت صوت المزلاج والقفل المنغلق ، خرجت الى الغرفة الصغيرة ، كان هناك طبَّاخ غازي صغير وابريق شاي كبير ، وعلبة زهرية اللون احتوت على السكر واخرى سوداء محكمة الاغلاق احتوت على اوراق الشاي ، كان هناك طعاماً متروكاً هي قطع من العجين المحمص بالزيت والزعتر ، اكلتُ قليلاً منه ، ثم عدتُ الى صاحبي الذي استغنى عن طعامنا منذ قرون عديدة ، وبيدي ابريق الشاي الساخن وكأسين من الشاي فوق صينية صغيرة ، ابتدأتُ الحديث : سيدي ليس لي صديق غيرك في هذه البقعة ، اريد ان احدثك عن قصتي بعد ان قرأت قصتك المكتوبة هنا على الضريح ، انا خرجت على الطاغية ورفضت جوره وحافظت على عهدي مع اخوتي الذين عملت واياهم لتحسين حياة الناس . وبعد صمتٍ قليل ، سمعت صوتاً يخرج من الضريح شعرتُ بخوفٍ شديد ، جلتُ برأسي في اطراف المكان ، الصمت والسكون يخيمان على المكان ، وددتُ لوهربتُ تَسللتْ الى روحي وساوس وافكار لاتمتْ الى قدسية المكان ، لكني خجلت واعتذرت من ضعفي ، فكيف لي ان اقلق بحضرة هذا الشهيد الشجاع ، حدثني الصوت القادم من خلف الضريح قائلاً : _ تكلم يابني . _ سيدي اريد ان اعود الى وطني فانا سجين الغربة متى سأعود ؟. اجابني : _ ستعود لكنك سترجع حزيناً اكثر من أي وقت مضى . _ لماذا سيدي ؟ _ لانك ستكتشف زيف الكثيرين وغدرهم وانحدارهم فقد اغرتهم الدنيا وباعوا انفسهم الى شياطينها ، وسيظلمك الاقربون ، وان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة ياولدي ، اشرب الشاي ياولدي فقد برد ، بعد لحظات من الصمت اكمل حديثه : _ ستعود حزينا ياولدي ، حين تكتشف حجم الكذب ، ومدى إنحدار من تحب في مهاوي الضياع ، ستُصْدَمْ ياولدي ، فقد هوى عمود بيتك وتساقطت جدرانه ، ربما كانت الغربة طلقة الرحمة ياولدي ، ثم اردف قائلاً : _ اما اصحابك فقد باعوا كتبهم ، وسكتَ الشعراء ، لهذا سيجوع الفقراء اكثر ، وسيتغَّرب الشرفاء في وطنهم ، وسيبدل النفاق راياته ، وتنتقل التيجان الى الملوك الجدد ، ويستمر التصفيق ، وتستمر المسرحية بعد ان انتهى فصلها الاول ، وسيهلهل الجياع المنشغلون في حكايات جداتهم ، النائمين في حلمهم الطويل ، وحين يستيقظون سيندبون حظهم ويلطمون صدورهم وسيعلقون خيباتهم على شماعة الاقدار . احسست ان يداً توقظني برفق ، فتحت عيناي إذ خادم الضريح يوقظني وابتسامة حنونة ارتسمت على وجهه الاسمر ، كان رجلاً في الخمسين من العمر ، وضع العقال الكوفي على رأسه ، واذا بعدد من الزائرين وقفوا بباب الضريح ، وجدت نفسي ممداً جنب الضريح . قال خادم الجامع : اوه يابني يبدوا انك سهرت كثيراً ، فقد غططت في نوم عميق ، ظننتك ميتاً .
[email protected]
#رحيم_الحلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستعود البلابل الى بساتينها ؟
-
المطرب ستار جبار بلبلُ في بستانٍ محترق
-
الشاعرالغائب ذياب كزار ابو سرحان
-
في الذكرى السادسة لرحيل الأديب والمناضل عبد الغني الخليلي
-
كمال السيد .. ذكرى وتأريخ حياة
-
يحيى قاف يقول الكلمة وما يخاف
-
المفكر هادي العلوي الاشتراكي الصادق في الذكرى العاشرة لرحيله
-
الاستاذ محمد علي محي الدين حقاً انت قلم الشهداء
المزيد.....
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
-
NOOR PLAY .. المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقه 171 مترجمة HD
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
بجودة HD مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بالعربي علي قص
...
-
حالا استقبل تردد قناة روتانا سينما Rotana Cinema الجديد 2024
...
-
ممثل أميركي يرفض كوب -ستاربكس- على المسرح ويدعو إلى المقاطعة
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|