أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - لوينسكي جورج بوش














المزيد.....


لوينسكي جورج بوش


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 878 - 2004 / 6 / 28 - 04:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصحاء من المشتغلين في البحث والتأليف والتصنيف يستخدمون مفردة "تقميش"، التي تعني ترتيب المراجع وتهيئة الوثائق وفتح المصنّفات، قبل الشروع في تأليف كتاب ما. والمؤلف الذي أتحدّث عنه اليوم جمع من التقميشات ما علوّه 1.8 متر (بشهادة الصحافي والمذيع الأمريكي الشهير دان راذر)، حين وضع نقطة الختام على آخر فصول كتابه. ويوم 22 الجاري، حلّت البركة على المكتبات والأكشاك في الولايات المتحدة ومعظم أوروبا، وفي أماكن أخرى محظوظة من أرجاء عالمنا هذا، حين نزلت إلى الأسواق مئات آلاف النسخ من كتاب الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون: "حياتي".
الأخبار تقول إنّ الكتاب يقع في 975 صفحة، وهو يروي حياة الرئيس الأمريكي الـ 42، طفلاً ويافعاً وشاباً ورجلاً وكهلاً، طالباً ومحامياً، عضواً في الحزب الديمقراطي والكونغرس، حاكماً لولاية أركانسو، ورئيساً للقوّة الكونية الأعظم. ماذا أيضاً؟ تعرفون، دون ريب: مغامرة مونيكا لوينسكي، غراميات المكتب البيضاوي، دراما التحقيقات ودراما المحاكمة ودراما التبرئة... هذا ما يهمّ معظم الأمريكيين في المقام الأوّل، وهذا ما يقوله منطق ترويج السلعة ومهارات التسويق.
والمرء لا يلوم الأمريكيين حقاً، خصوصاً إذا ما استعاد مناخات تلك الأزمنة المشحونة بالمسرح السياسي والجنائي والبوليسي والقضائي. وبعد أكثر من نصف قرن على صدور رواية جورج أورويل "1984"، ولكن على نحو كان سيقشعرّ له بدن "الأخ الكبير" نفسه، بات الأمريكي يصل الليل بالنهار وهو يكدّس معرفة أورويلية كاملة الشفافية حول تفاصيل الحياة الجنسية لرئيسه الحبيب، الذي انتخبه مرّتين. كل شيء، تقريباً: أيّة فانتازيا جنسية تستهويه أكثر، أيّ شعر إيروسي يلهب مخيّلته، أيّ الأماكن هي الأنسب للغرام، أيّ الأوقات، أيّ الثياب...
آنذاك تحدّث البعض ــ بهمس خافت سرعان ما تعالى تدريجياً ــ عن الأبعاد النفسية الأعمق وراء هذا السعار الجماعي المحموم لهتك الأستار الشخصية للرجل الأوّل في البلد، الذي يزعم أبناؤه أنه بلد هو العالم بأسره . وهكذا حلّ زمان أمريكي عجيب أتاح لنا أن نقرأ كبار المنظّرين الليبراليين وهم يذكّرون الدهماء بأن تفاصيل الحياة الشخصية هي مكوّن أساسي في صناعة الوجود الإنساني المتمدّن (كما ينبغي أن يُقارن بالوجود الإنساني البربري، في الأدغال على سبيل المثال!). "لماذا يجد الأمريكيون كلّ هذه المتعة في هتك الأعراض"، سأل أنتوني لويس (دون سواه!) قبل أن يجيب بأسى عميق: "ألأننا فقدنا الإحساس بقيمة الحرّية الشخصية في المجتمع الأمريكي"؟
وشخصياً يحضرني من ذكرى تلك الأزمنة واحد من أبرز شخوص المسرح، وكنت شديد الإنشداد إليه، شديد الإعجاب بأدائه على الخشبة: ليس كلينتون، ولا لوينسكي، ولا حتى هيلاري رودام كلينتون، بل... هنري هايد، رئيس اللجنة القضائية في الكونغرس وكبير "المدراء" الجمهوريين الذين أداروا الإتهام. ثمة هالة ملائكية كانت ترفرف على وجه هايد، وعلى حركات جسده ولغة لسانه. وأمّا صوته فقد كان دائم التهدّج، تكاد العبرات تفيض من عينيه كلما اعتلى المنبر ليشرح هذه أو تلك من حيثيات إدانة كلينتون. وكان لا يكفّ عن الاستعانة بعبارة من الروائي الأمريكي وليام فوكنر تارة، ومن قصائد وليام شكسبير أو ديلان توماس طوراً؛ من نصوص "العهد القديم" حيناً (والوصايا العشر بصفة خاصة)، وخُطَب عظماء أمريكا الأسلاف حيناً آخر.
لكنّ الخصال تلك لم تكن هي التي تشدّني إليه في الجوهر، بل حقيقة أنّ المستر هايد كان أيضاً الدكتور جيكل، نقيض ذلك كلّه، تماماً كما في رواية ر. ل. ستيفنسون الشهيرة، حيث ينشطر الكائن الواحد إلى كائنين متناقضين: الأوّل نهاريّ أرستقراطي خيّر هو الدكتور جيكل، والثاني ليليّ صعلوك شرير هو المستر هايد. وهنري هايد كان رجل فضائح مالية وسياسية وقانونية، سبق للكونغرس أن أوصى بتغريمه مبلغ 850 ألف دولار، عقاباً له ولعدد من زملائه على إهمالهم الشديد في متابعة مسؤوليات إحدى اللجان، الأمر الذي كلّف دافع الضرائب الأمريكي خسارة مقدارها 68 مليون دولار.
وفي عام 1983 نظر الكونغرس في أمر توجيه تقريع إلى عضو الكونغرس الجمهوري دانييل كرين، بسبب ثبوت علاقته الجنسية بوصيفة في الكونغرس عمرها 17 سنة. لكنّ هايد هبّ للدفاع عن زميله وابن حزبه، رافضاً فكرة التقريع، ورافضاً أيضاً فكرة التوبيخ، مذكّراً الجميع أن الشفقة والعدالة ليسا متناقضين أبداً، وأنّ التراث اليهودي ـ المسيحي يقول: امقتوا الخطيئة، وأحبّوا الخاطىء!
ثمة من نموذج هنري هايد المئات، لكي لا نقول الآلاف، في مختلف مواقع السلطة وصناعة القرار في الولايات المتحدة، الذين سيقرأون كتاب كلينتون وهم يتحسسون رؤوسهم. مَن يأتي في طليعتهم؟ تعرفونه، دون ريب: جورج بوش الإبن، الذي صرّح في اللحظات الأولى بعد دخول البيت الأبيض أنّه سيردّ إلى المكتب البيضاوي شرف وكرامة الوظيفة. أيهما أسوأ، للإنصاف: مونيكا لوينسكي، أم تلفيق أسلحة الدمار الشامل العراقية وعشرات الأكاذيب الأخرى التي تُفتضح كلّ يوم... كلّ يوم؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة الذاكرة حيث ينعدم الفارق الأخلاقي بين هتلر وتشرشل
- المئوية الفريدة
- النظام الرأسمالي العالمي: التنمية بالدَيْن أم غائلة الجوع؟
- القصيدة والأغنية
- أنتوني زيني: العداء للسامية أم الحقائق على الأرض
- خارج السرب
- حزب الله في ذكرى التحرير: احتفاء مشروع وأسئلة شائكة
- السينمائي الداعية
- بريجنسكي والسجال الذي يتكرر دون أن يتجدّد: خيار أمريكا في ال ...
- فلسطين التي تقتل
- مصطفى طلاس والتقاعد الخالي من الدلالات
- تكنولوجيا الروح!
- أنساق الإرهاب: -الحملة- في اشتداد والمنظمات في ازدياد!
- برابرة -أبو غريب-
- ما وراء الأكمة مختلف كلّ الاختلاف عن الروايات الرسمية: واقعة ...
- قلعة الرجل الإنكليزي
- الأصولية المسيحية وجذور الموقف الأمريكي من إسرائيل
- شهادة الفلسطيني
- جدول أعمال أمريكا: صناعة المزيد من مسّوغات 11/9!
- احتفال شخصي


المزيد.....




- بطراز أوروبي.. ما قصة القصور المهجورة بهذه البلدة في الهند؟ ...
- هرب باستخدام معقم يدين وورق.. رواية صادمة لرجل -حبسته- زوجة ...
- بعد فورة صراخ.. اقتياد رجل عرّف عن نفسه بأنه من المحاربين ال ...
- الكرملين: بوتين أرسل عبر ويتكوف معلومات وإشارات إضافية إلى ت ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في كورسك
- سوريا بين تاريخيْن 2011-2025: من الاحتجاجات إلى التحولات الك ...
- -فاينانشال تايمز-: الاتحاد الأوروبي يناقش مجددا تجريد هنغاري ...
- -نبي الكوارث- يلفت انتباه العالم بعد تحقق توقعاته المرعبة خل ...
- مصر.. مسن يهتك عرض طفلة بعد إفطار رمضان ويحدث جدلا في البلاد ...
- بيان مشترك للصين وروسيا وإيران يؤكد على الدبلوماسية والحوار ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - لوينسكي جورج بوش