-الكنيسة إتحرقت والقسيس مات- ..ألف باء كراهية .

سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 23:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

ماذا نعلم أطفالنا ؟ ...ماذا نرضعهم ؟
ماذا ننقش على عقولهم الخضراء الصغيرة ؟
نحن للأسف نزرع فيهم الكراهية والتعصب والبذور الأولى لكل عنف وهمجية .

فى ريف مصر ومناطقها الشعبية تجد بعض الأطفال الصغار يرددون عبارة " الكنيسة إتحرقت والقسيس مات " عندما يمرون على كنيسة أو يشاهدون إمرأة مسيحية أو طفل مسيحى ليطلقوا شعارهم هذا ثم يفروا ضاحكين .

هناك من ينظر لهذا الفعل على أنه شقاوة أطفال يجب أن لا تستوقفنا ..وهى بالفعل شقاوة طفولية ولكن يجب أن تستوقفنا !!! .. لأن منها جاء كل مخزون التطرف والتعصب والإرهاب .!!!

" الكنيسة إتحرقت والقسيس مات " هل يمكن أن نعتبرهذه العبارة إبداعاً طفولياً .!!
لا ليست إبداع طفولى بل تلقين تم بواسطة الكبار لتزرع أول بذور الكراهية والتعصب والتمايز ..ولو حاولنا أن نصور العبارة إبداعاً طفولياً سخيفاً فلن نهرب أيضاً من مسئولياتنا كوننا خلقنا الفضاءات التى ينطلق منها أطفالنا فى كلامهم وإبداعهم وشقاوتهم .

فى كل الأحوال نحن لدينا مجموعة من الأطفال تردد عبارة " الكنيسة إتحرقت والقسيس مات " وتتحرك هذه الجملة على ألسنتهم لتخلق بدايات أولى لتحقير الأخر والتمايز عليه وإعلان الكراهية له .!!!

لقد سمحنا لهكذا سن صغير أن يلوك الأخر ويستهتر به ويعلن عن كراهيته له ..!!
هذا السلوك تم من تحت ذقن الكبار سواء بتوجيه الأطفال وتلقينهم أو تم رغماً عنهم ..وسواء أكان الأمر يبدو مزاحاً أم جاداً ..ففى كل الأحوال نحن امام عقليات صغيرة تتعلم ألف باء كراهية وتمايز ..ألف باء تعصب وإحتقار الأخر بمنتهى السهولة واليسر .

من قتلوا الأقباط فى مذبحة نجع حمادى وغيرها من المذابح والأعمال الإرهابية ضد الكنيسة والأقباط كانوا يرددون فى طفولتهم مقولة " الكنيسة إتحرقت والقسيس مات ".. لتكون البذور الأولى التى تلقى فى أرض التعصب والعنف لتعطى لنا إنتاج كله حنظل ومر .

ليست مقولة " الكنيسة إتحرقت والقسيس مات " هى الوحيدة التى تلقى فى نفوس وعقول أطفالنا بل هناك بذور كثيرة تلقى , منها ماهو فى صلب المنظومة الدينية وماهو من تراثها الحافل بكل عنصرية وتمايز على الأخر .

دعونا نلقى مفارقة هنا ستعمق رؤيتنا ...
يوجد فى التراث المسيحى ترنيمة جميلة تتردد على ألسنة الأطفال الأقباط عن مثل السامرى الصالح ليرتلوه بكورال جماعى لطيف ...
الترنيمة تحوى بكلمات مرتلة ومنغمة قصة إنسان تعرض لإعتداء من اللصوص ليلقى على قارعة الطريق مضجراً فى دمائه ..ليمر عليه كاهن فلا يعيره إهتماماً ..ثم يمر لاوياً وهو مساعد الكاهن فيهمله أيضاً ويكمل طريقه ..بينما يمر رجلاً سامرياً ( والسامرى فى هذا المثال يمثل الأخر المختلف عرقياً ودينياً) ليحمله ويسعفه ويطببه ويذهب به إلى فندق للإعتناء به ويدفع له مالاً .
بالطبع المثال واضح الدلالة والفهم وماذا يريد أن يقدم لمستمعيه ولتلك الأطفال التى تردده ترتيلاً .

هنا نستطيع أن نتلمس ماذا سنجنى من إلقاء البذور الأولى فى الأرض ..فإذا كنا سنلقى قصة وكلمة وأنشودة فيها حب ورحمة وإنسانية سنجنى فى النهاية محصولاً طيباً من الخير والمحبة ..وإذا كنا سنلقى بذور من الكراهية والتحقير والتمايز سنجنى حنظل ومر من التعصب والعنف والإرهاب .

#سامى_لبيب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين