|
في الفصل بين الجنسين مدرسيا
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 15:30
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لا أحد يعرف كيف تنتج القوى والشخصيات السياسية بعض مقترحات قراراتها الاستفزازية التي تثير الكثير من السخرية والاستهزاء وأحيانا الغضب لنكتشف إن هذه القوى والشخصيات مبدعة الى حد العبقرية في دفع المواطنين الى اليأس من منها، ولنأخذ مثلا مساعي التشديد في الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية، فكما يعرف كل العراقيين ومنذ عقود إن هناك فصلا بين الجنسين في المدارس المتوسطة والثانوية ومنذ التسعينيات بدأ النظام السابق في حملته الايمانية!! بالفصل في المدارس الابتدائية أي إن هذا الفصل موجود فعلا وربما يتعرقل في بعض المناطق أما لعدم وجود عدد كاف من أحد الجنسين (غالبا البنات) لتشكيل مدارس مستقلة أو بسبب عدم وجود أبنية تسمح بتحقيق الفصل، وبمعنى آخر ان داعمي فكرة الفصل بين الجنسين إنما أرادوا انجاز المنجز واكتشاف المكتشف ولو كلفهم ذلك سخرية وامتعاض الناس، وربما كانوا يتمنون تحقيق كسب من وراء دعوتهم تلك عبر الحديث عن الدين والاخلاق الحميدة والتقاليد الاجتماعية ليكون الفصل بين الجنسين معركة لإستعراض العضلات الخطابية في أجواء الحملات الانتخابية (هذا السجع جاء عفوا)، ولكنهم نسوا ان الطرق الوعرة وغير المعبدة واكوام النفايات وازمات السكن والكهرباء والبطالة وازدحامات الطرق والخروقات الامنية واستفحال الرشوة والفساد الاداري والمالي وغيرها من الفضائح اليومية المعلنة قادرة على اختراق سواتر الاخلاق والتدين الزائفة لبعض الوجوه وان معركة الفصل بين الجنسين في المدارس لن تكون جزءا ناجحا من عمليات الغش الكثيرة التي يبرع الساسة في ابتكارها عبر ممثليهم الثانويين في مختلف ادارات الدولة. على مدى عقود كانت المدارس الابتدائية العراقية مختلطة وهناك حالات قليلة من الاختلاط في المدارس المتوسطة والثانوية (كانت غالبا في القرى والمدن الصغيرة لقلة اعداد الطلاب) ومن هذه المدارس المختلطة خرجت شخصيات سياسية دينية كثيرة عرف بعضها بالاعتدال والتسامح وعرف غيرها بالتطرف والتعصب وربما كان بين قادة الارهاب من درس في تلك المدارس المختلطة، وشهد المجتمع العراقي مثل كل مجتمع بشري آخر مستويات مختلفة من التمسك بالتعاليم الدينية والتقاليد الاجتماعية ولا يستطيع احد أن يثبت ان الاختلاط في المدارس والجامعات كان سببا في أي إنهيار خلقي بل هناك كثير من حالات الانهيار جاءت من بيئات تعتمد الفصل بين الجنسين في الدراسة وفي غيرها من مجالات الحياة، وفي المقابل هناك مجتمعات مجاورة للعراق تتشدد منذ عقود في تطبيق الفصل بين الجنسين ومع ذلك فإن مستويات الانهيار الخلقي (المقصود هنا الجنسي لأنه الوتر الذي يقصده دعاة الفصل) لا يقل عن مجتمعات الاختلاط إن لم يزد عليها، كما إن مستويات تخريج التطرف والتعصب والارهاب تزداد في مجتمعات التي تفصل بين الجنسين ولا مبرر لإهدار الوقت في ذكر الامثلة. لقد أخطأ الذين ابتكروا معركة الفصل بين الجنسين في هذا الوقت حتى لو قصدوا بذلك مجرد الدعاية السياسية على اعتبار انهم متمسكون بالدين والاخلاق والتقاليد ففي اكثر المجتمعات تشددا في علمانيتها هناك الكثير من المدارس التي تقوم على اساس الفصل بين الجنسين وغالبا هي مدارس نخبوية، ومن هذه النقطة الاقتصادية يأتي خطأ توقيت دعاة الفصل بين الجنسين حيث تشهد معظم المدارس العراقية ازدحاما في أعداد الطلبة الذين يفترش الكثير منهم الارض، وتعاني المدارس من غياب البيئة التعليمية المناسبة وكذلك هناك الكثير من المدارس الطينية وتشكو مناطق سكنية من عدم وجود مدارس فيضطر الاطفال الى قطع مسافات طويلة من أجل الوصول الى مدارسهم وغالبا ما تكون الطرق المؤدية الى تلك المدارس غير معبدة، وكان الاجدى بحماة الاخلاق والدين ان تستفز مشاعرهم حالات الطفولة المعذبة في العراق وهي تسعى لنيل التعليم بدل أن يقصروا اهتمامهم بالفصل بين أطفال هم دون سن الحلم ولا لوم ولا تثريب عليهم لادينيا ولا اجتماعيا فيما يبدر منهم هذا على فرض انهم يدرسون في مدارس مختلطة وهي قليلة عموما. كان الاجدى توجيه هذه الجهود لإستثارة حمية وغيرة الاثرياء والنافذين والساسة لبناء مدارس مناسبة بدلا عن مدارس الطين لتكون هناك مبادرات شخصية من أثرياء وساسة لبناء مدارس عامة على حسابهم الشخصي فهي مع الفائدة المجتمعية والبر الديني تمثل دعاية انتخابية وسياسية تعيش لعقود وتلتصق بحياة المئات وتدخل الى الاسر وترضي الامهات المشغولات بتعليم ابنائهن، وهذه الممارسة موجودة في كثير من البلدان والمجتمعات ويخلو منها العراق على كثرة مظاهر التدين التي فيه. بعض الشخصيات الثانوية في الاحزاب الكبيرة تتبنى مبادرات غير مدروسة تسيء بها لأحزابها وهي تظن انها تحسن من صورتها وهذا جزء من مأساة السياسة في العراق.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلوك الانتخابي..النهوض متأخرا
-
الموازنة ..أمراض مزمنة
-
قانون الاحزاب..ملف مزعج
-
الفكة..حقل الفشل
-
دعاية إنتخابية في الخارج
-
حملات قاتلة
-
تأثير الرأي العام
-
ضربة إستباقية
-
الضامن الامريكي وسياسة التوتر
-
الحوار المتمدن في توهجه الثامن
-
هل تقتل الديمقراطية نفسها؟
-
محرقة الانتخابات
-
أخطاء فوق أخطاء
-
وهم الدولة ووهم الدولة الكبيرة
-
مخاطر الانتخابات القادمة
-
هل العراق جديد؟
-
دائرة كركوك المغلقة
-
فوضى أمنية
-
لغز العبوات اللاصقة
-
هدية خاطئة
المزيد.....
-
مسؤول مصري لـCNN: وفد حماس بالقاهرة الأسبوع المقبل لبحث المر
...
-
العراق.. تراجع عن مطلب خروج الأمريكيين
-
ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيط
...
-
متظاهرون يتصدون لمحاولة طرد أحد المستأجرين من حيّ تاريخي في
...
-
51 مليون يورو .. بيع سيارة مرسيدس للسباقات تعود إلى الخمسينا
...
-
رئيس جمهورية بريدنيستروفيه: احتياطيات الفحم لتوليد الكهرباء
...
-
لافتات في غزة دعما لموقف السيسي ورفضا للتهجير على أنقاض الحر
...
-
الخارجية الروسية تؤكد أهمية عرض الممارسات الدموية للقوات الأ
...
-
-أمريكيون موتى-.. خبير يذكر ماسك بـ-الأهوال- التي رأتها القو
...
-
أسير محرر يعود إلى غزة ليكتشف مصرع زوجته وطفلته خلال الحرب (
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|