محمد جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 877 - 2004 / 6 / 27 - 08:44
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
صرخ الرجل بصوت اتعبته السنين و المال والبنين... تسعون عمري تسعون.
مم تشكو؟
لا اسمعك جيداً.... اخبرتك تسعون.. تسعون الا تصدق؟
داعبت كلمات كاتب المستشفى الكثير من الاولياء و..و...و.. ماذا بك مم تشكوووو؟
صرخة دوت في كل دهاليز المسشفى الذي عاد هو ايظاً بحاجة الى علاج، مم تشكوووووووووووو؟
كبر.
بهذه الكلمة البسيطة شرح الكهل المسكين حالته لكاتب المشفى و بالطريقة التي اعتقد بانها قد تبيّن سبب كل امراضه.... فايروس او جرثومة اسمها الكبر.
هل يصاحبك احد؟
لا اسمع جيداً.
بنفس شدة الصوت التي كادت تخرج كل المرضى من أسرّتهم.... من مععععععععك؟
بالراحة اسمعك جيداً ....الله وحده لا احد غيره.
وهل تصدق ان الطبيب سيترك مئات المرضى ينتظرون كي يسامر أطرشاً تجاوز التسعين؟ من.........!!
لم اسمعك.
لم اوجه الكلام اليك.
تعبٌ اشعر بآلام في صدري.
اقول ثوراً ويقول لي إحلبه.
لقد ربيتهم جميعا.... هم واولادهم وفي النهاية تركت وحيداً.
تمشى حتى نهاية الممر هناك الطبيب، لست طبيباً.....لو لم اكن حماراً لما صرت كاتباً.. لست طبيباً.
انهم يصغون لزوجاتهم وحسب.
غرفة الطبيب في نهاية الممر لا اريد سماع حكاية الف ليلة.
بليّةٌ نعم والله إنَّ الكبرَ بليّة.
اغرب عن وجهي الان واذهب الى الطبيب وإلا مزقت ملابسي.
بيد ترتجف كسعفة نخلٍ في ريح عاتية امسك الرجل بقصاصة الورق التي ستتيح له مراجعة الطبيب واستدار متكئاً على عكازةٍ منهكة مثله ثم تحرك ببطء شديد وكأنه يحمل اطناناً من الحديد.
طبيبٌ ممتاز لولا صوته العالي اطال الله عمره.
تلفت يمنة ويسرة باحثا عن الضوء في نهاية الممشى الذي سيسلكه و بالكاد ميّز بين الضوء المنبعث من مصابيح السقف واشعة الشمس التي سطعت عند باب المشفى الكبير والذي ترك مفتوحاً على مصراعيه ثم مشى مترنحاً نحو تلك الباب حتى غادر البناية وهو ممسكٌ بقوةٍ بين سبابته وابهامه بتلك الورقة الثمينة وكأنه يعتصرها.
في الطريق وعلى مقعد الحافلة الخطأ والمتوجهة بعيداً عن داره حكى لشريكة حياته الراحلة وردة وكأنها تجلس على المقعد الفارغ جواره عن عبقرية هذا الطبيب الذي اعطاه الدواء دون فحصه وبشرها برغم فقدانه لكل ما اقتنوه في مسيرة حياتهم القاسية بانه ما زال يحتفظ ببعض مصوغاتها الذهبية تحسباً للأيام السوداء القادمة.
#محمد_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟