|
الرد الأردوغاني المزلزل
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2888 - 2010 / 1 / 14 - 14:53
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يبدو أن الأردوغانية ماضية في شق طريقها لتصبح مدرسة سياسية متكاملة في شرق أوسطي تنتشر فيه الأمية والجهل السياسي وغير ملم بأبجديات الفعل الوطني. وقد قطعت هذه الأردوغانية شوطاً طويلاً في هذا المضمار. فحالما عومل السفير التركي في إسرائيل السيد أوغوز جيليكول بتلك الطريقة المهينة والبعيدة عن كافة الأعراق والتقاليد الدبلوماسية، من قبل داني إيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، ظن البعض أن تلك الإهانة سيتم ابتلاعها والتغاضي عنها من قبل الأردوغانيين، وأنها ستمر مرور الكرام، أو أن تتم "شلبنتها"، ولفلقتها، بالطرق الدبلوماسية المعتادة، والتي تتسم بالمكر والدهاء والإخراج الذي لا يحرج أحداً على الإطلاق، ويرضي كافة الأطراف. غير أن تركيا الأردوغانية التي بات التألق السياسي جزءاً طبيعياً من مكوناتها، سرعان ما أرسلت الرسائل الغاضبة والعاجلة التي لا تقبل الرد ولا تحتمل التأويل وسياسة البين البين، وهددت إسرائيل الصلفة والعنجهية المتبخترة بالخنوع والانبطاح العربي والدعم الأمريكي، وذلك بسحب السفير التركي من تل أبيب إذا لم يصلها لغاية مساء أمس 13/1/2010 اعتذاراً رسمياً من الحكومة الإسرائيلية، وما لذلك من رمزية بالغة في بلوغ العلاقة حداً من خطورة وعدم اود متبادل بين الجانبين، وما قد يتلو ذلك من تصعيد قد لا يتم التحكم بمساراته، فيما بعد.
ويفاجئ، وعلى نحو غير معتاد، الجميع بخضوع وإذعان إسرائيل وهي التي ما اعتادت أن تنصاع لأي قرار دولي، وأرسلت اعتذارها في الموعد المطلوب، أي On Time بالضبط كما يقول أحباب الأعاريب من الإنكليز. (تخيلوا نفس السيناريو والاستجابات الغرائزية والعفوية التي تظهر "الكرم" العربي، فيما لو أن الأمر نفسه حصل مع مشيخة خليجية تزحف مهرولة باتجاه إسرائيل"بس رجاء التزام الجدية في التخيل وعدم الضحك")!!!.
وعلى عكس ما أشيع وظن به البعض، فإنني أعتقد بأن السفير التركي كان في غاية السرور، وليس الحرج أو الامتعاض، وهو يتعرض لذلك فقد كانت إسرائيل تظهر على حقيقتها الدبلوماسية البشعة، بعد أن ظهرت على حقيقتها العسكرية الأفظع والأبشع، وتلك الاجتماعية العنصرية الأسوأ، وغيرها الأخرى الأسوأ والأسوأ. وفقد خدمت حماقة نائب وزير الخارجية الإسرائيلي "أعداء" إسرائيل الكثر، بما لا يمكن تصوره، وقدمت لهم خدمات جليلة وعلى طبق من ذهب، وقضت بضرورة عدم الوثوق بهذا الكيان العنصري الاستيطاني السرطاني حتى من قبل أصدقاء إسرائيل وحلفائها التاريخيين، كالأتراك "سابقاً. ولقد جاء الاعتذار ليضع إسرائيل بمزيد من الإحراج، وحشرها في زاوية ضيقة والإمعان في تأليب الرأي العام الإقليمي والعالمي ضدها. وعلى العكس لم تكن تركيا خاسرة البتة، بل لقد استثمرت الموضوع إعلامياً وسياسياً، وخرجت به على أحسن ما يرام وما يكون، من نتائج صبت في صالح الأردوغانية التنويرية التي تتألق يومياً على صعيد الجيران، والإقليم، والعالم.
وفي الحقيقة، فإن سلسلة المواقف التركية "الطيبة" الأردوغانية ليست وليدة اللحظة، وربما كانت حادثة استقبال السفير بذاك الشكل المخجل، انتقاماً مبطناً لم يجد الإسرائيليون سواه للتعبير عن امتعاضهم من تركيا، بدءاً من رفض تركيا الانضمام عسكرياً لحرب بوش على العراق التي للإسرائيليين الباع الطولى فيها، ومروراً بالإهانة الكبيرة التي وجهها أردوغان نفسه لبيريز حين انسحب من قمة دافوس، فيما بقي أمين جامعتنا "المحبوب" والظريف عمرو موسى جاثما في مكانه، وليس انتهاء بوقف التعاون والمناورات العسكرية والاحتجاج الغاضب على العدوان على غزة، ناهيك عن سلسلة من الإزعاجات التركية التي تبدو "كيدية" ومستفزة ومستمرة لإسرائيل ما لم تخفف من جموحها وغلوائها، كتوقيع مجموعة من الاتفاقات الإستراتيجية الهامة و"المؤرقة" مع دول الجوار، وبناء شبكة جديدة من التحالفات الوثيقة مع ألد أعداء إسرائيل في المنطقة كسورية وإيران والتي تبدو نواة لتكتل شرق أوسطي مرعب فيما لو مضى بمساراته الصحيحة، وعلى الصعيد الإعلامي والشعبي التركي، يتم عرض مسلسلات تركية، بين الفينة والأخرى، وبغض طرف رسمي، تصور الوحشية والهمجية الإسرائيلية وما لذلك من انعكاسات وتبعات خطيرة على صورة إسرائيل وتأليب "بقية" الرأي العام التركي ضدها، والذي ما زال قسم منه يصدق دموع التماسيح وهمروجة الهولوكوست والعذاب الإسرائيلي.
إذن جاء الرد التركي الأخير الصاعق بالتهديد الفعلي والجاد بسحب السفير الإسرائيلي من تل أبيب، ضمن السياق المتوقع، ومتناغماً، بالمطلق، مع جملة من المواقف الأردوغانية التي باتت تشكل انعطافة تاريخية، وقطعاً وقطيعة على ما يبدو، قد تمهد للبدء مرحلة جديدة من تركيا تدخل الحقبة الأردوغنية وتترك وراءها تراث تركيا الأتاتوركية العلمانية الذي يبدو أنه بدأ يتواضع، إقليمياً، على الأقل أمام الأداء الأردوغاني المذهل. ولنا في هذا وقفة مطولة في الموضوع القادم، بمشيئة ياهو وهوت ميل والإنترنت إكسبلورر وبقية آلهة الإنترنت والعصر الحديث.
فهل يتعلم عربان التهارع والتسبيح والزحف الجماعي باتجاه إسرائيل، شيئاً من هذا التألق التركي الأردوغاني؟ نشك ونشكك في ذلك، وكالعادة. واللهم نشكو لك سوء العاقبة وسوء المصير.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العهدة العمرية والوزير الفصيح
-
سوريا وأمريكا والمعاملة بالمثل
-
العريفي وتفسيق آيات الله
-
همام البلوي: أيهما أجدى للمسلمين؟
-
وانكشفت جميع العورات
-
يوميات إعرابي بدوي في ديار الإيمان
-
تجريم الخطاب الصحوي
-
الاستخبارات الأمريكية من فشل لآخر
-
المنظومة الفارسية: مدن صناعية ومعسكرات عمل
-
هل سقطت دولة الخلافة فعلاً؟
-
هل القاعدة تنظيم إيراني؟
-
رسالة من جماعة القرضاوي
-
آلهة العصر الحديث
-
لماذا لا يقاطع القرضاوي، فعلاً، المسيحيين؟
-
هل يسقط نظام الملالي في إيران؟
-
جورج غالاوي يرد التحية للشيخ القرضاوي
-
ثقافةُ الموت أولاً
-
بترول العرب للعرب: متى يصبح الخليج عربياً؟
-
معطوب يا ولدي معطوب!!!
-
ماذا لو طالب اليهود بحقوق تاريخية في السعودية؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|