زهدي الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 2888 - 2010 / 1 / 14 - 02:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان ذلك في القسم الثاني من العام 1959. وكان ما يسمى بالمد الثوري قد انحسر بشكل درامي، حيث تم حل فصائل المقاومة الشعبية ولجان الدفاع عن الجمهورية وجرت حملات القاء قبض واسعة ضد الشيوعيين والديمقراطيين والتقدميين بلا هوادة. ومما زاد في انحسار المد الثوري الخطاب التعس الذي ألقاه (الزعيم الأوحد) عبد الكريم قاسم في كنيسة مار يوسف. وبدت المسألة في البداية كما لو أنها حملة تاكتيكية ضد اليسار، يراد منها توجيه ضربة قاضية ضد البعثيين والقوميين. أو هكذا كان يفكر البسطاء من مؤيدي الثورة، ممن كانوا يعتقدون بأن عبد الكريم قاسم عضو في الحزب الشيوعي العراقي وأسمه الحزبي "مطر".
أقول، في مثل هذا الوقت سألني صديق عن مصير البعثيين الذين تطاردهم الجماهير من جهة وسلطات الأمن من جهة أخرى. وبدا لي الأمر كما لو أنه يعطف عليهم. ووجدت سؤاله في غير محله هو الذي يعتبر نفسه من جبهة اليسار، رغم معرفتي أنه لا يتعاطف معهم. قلت له: لماذا تفكر في مصير البعث ولا تفكر في مصير جماعتك الذين يطاردونهم كما تطارد الذئاب الخراف؟ قال متأملا بلهجة حكيم: هذا موضوع يمكن أن نناقشه فيما بعد، والآن أريد منك الجواب على سؤالي: هل يتمكن عبد الكريم من القضاء على البعث؟
قلت بدون تفكير:
"كلا".
عرفت أنه كان لا يتوقع مني هذا الجواب. وحين أراد أن يعرف سبب إجابتي بنعم، قلت إن لهذا الحزب تنظيما وايديولوجية. لم يقتنع صاحبي بكلامي. وصاح غاضبا: أن ايديولوجيتهم فاشية.
قلت: بالضبط لهذا السبب.
وظل مصرا على رأيه بأن قاسماً سيوجه إليهم ضربته القاصمة في الوقت المناسب ويعيد المد الثوري إلى مجراه السابق وينتهي كل شيء. ظل صاحبي يحلم بامنيته إلى أن صحا يوم 8 شباط 1963 على طرقات أفراد الحرس القومي على باب بيته. وكان ما كان.
وشاءت الصدف أن تجمعنا جبال كردستان، لنعيش حياة الانصار ونسقط النظام الدكتاتوري الشرس بأسلحتنا البالية. ثم جمعنا السجن لنقضي فيه عقوبات جريمة تأييد الثورة والدفاع عن الزعيم الأوحد. واستمر حوارنا كما لو أنه انقطع قبل أيام.
"هل تتذكر نقاشنا؟"
"نعم أذكر ذلك ولا أنساه"
وتبين لي من خلال مناقشاتنا الطويلة أن صاحبنا قد استوعب الموضوع بشكل واف. ولما مدحته لموقفه وتحليلاته، قال متألما:
"ولكن، بعد خراب البصرة. ما الفائدة؟"
والآن يهزني أنا السؤال الآتي:
"هل يمكننا أن نستفيد من تجربة مر عليها نصف قرن من الزمن؟"
"لم لا؟"
أين تكمن إذاً خطورة البعث؟
خطورته تكمن في أنه يملك تنظيما وايديولوجية.
تنظيماً مافيوياً وايديولوجية فاشية وفلسفة انتهازية، محتواها:
"الغاية تبرر الوسيلة وانحني أمام العاصفة"
#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟