أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - أووووورااااا ...















المزيد.....

أووووورااااا ...


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 12:48
المحور: الادب والفن
    


كم هو قوي هذا الحصان. وكيف كان قبل ان يمتلك قوته التي حباها به الخالق. كان ذا قوائم نحيلة لا حول لها ولا قوة، يكفيها بصعوبة جمة ان تقوى على الانتصاب حاملة جثته التي كانت تبدو للرائي كما لو أنها عيدان قصب جافة لا يمكن تحديدها بميزان قياس صغير، تُرفع على أطرافها العليا هيكلاً عظمياً كُسيَ بالجلد – كان اثقل منها.

ما ان ظهر فجأة بعد غياب طويل- بعد ان كان يلقب سابقاً بالسّلْدات( ). من باب السخرية لهزالة جسمه ما ان ظهر، اذا به يمتاز بجثة عظمية، وقوائم تهتز تحتها الأرض متى ما ارتفعت واحدة ونزلت الأخرى أثناء خطوه.

أتى ساخراً وكله كبرياء داعياً لنا بصوته الجهوري، لتدخلوا في العربة التي أمامكم، سأريكم عظمتي الحقيقية دوناً عن سائر المخلوقات. أليس كل الأحصنة تجر خلفها العربة بشكل دائم، وعدد الناس محدود لا يزيد عن عدد أصابع اليد، أما أنا فلا أجر العربة من الخلف، بل أحركها قَبْلي، وانتم جميعكم في داخل هذه العربة سأدفعكم حتى قمة تلك الهضبة.
- هيا تحركوا الى الداخل بسرعة.
هيا.. هيا- آمراً ومعفراً الأرض بقوائمه، ومن تأخر يرفع قائمتيه الخلفيتين رافساً الهواء بقوة ترتعد لها حبيبات الغبار المتطايرة، فيتدافعون الناس خيفة هذه الأقدام ذات الأضلاف الحجرية- وحتى لا يتقاعس من كان بعيداً، ينتصب عالياً صاهلاً بعنف، ويصادم بين اضلاف قائمتيه الأماميتين، فتتدافع الجموع البعيدة في هرولات وصياح محذراً غلق الطريق للوصول إلى العربة- كان الناس ما ان يقتربون من الجانب الأمامي للعربة، وبابها مشرع للفتح، يعطف يده الأمامية محلقاً برتل البشر يرميهم بقسوة الى الداخل، ويكرر هذا بيده الأخرى مع إطلاق زعقات التهديد والشتم.

- اركبوا بحفظ الله وأمانه.
.. الله يكون في عونكم. (بصوت حزين وأنا محشور مع الجميع)

وضع مأساوي، جميعنا أبناء البلد النائي هذا عن خارطة العالم، بعضنا فوق بعض، النسوة المحجبات يصرخن خوفاً من تلاصق أجسام الرجال المعرقة بهن، والأنفاس تنطلق دون ماسك..
بقوة هل كانت من الذعر أم من الرغبة التي انطلقت كاسرة عنان حزام العفة، ما ان لمس جسم بض يشع بالحرارة أحد أجسام الخلاسيين السمر.

الأطفال رغم زعيقهم هنا وهناك- بكاء متصاعد من وسط العربة أو أقصاها- كانوا يجدون عناية اكبر في ظل هذا الازدحام المميت- لم يكن يتأذى سوى الشيوخ الذين تركلهم الأقدام وتدفع بهم الأجسام الشابة المتضاربة للبحث عن فسحة ضيقة للجلوس.. حاشرة لهم في الزوايا الحادة من العربة- تلك المواضع المزدحمة بسياج حديدي بأبسط ضغطة تبدأ ظهورهم بالفرقعة والصراخ.

- ها.. انظروا إلى قوتي.

ببساطة يدفع العربة قبله بيديه فينة وأخرى بضربات من رأسه، كان هناك قلة منّا يحدق من نافذتي العربة ويصرخ مهللاً لقوة الحصان.. العظيم، بل كانوا يضخمون من كل نطحات رأسه، بأنه ما تكاد تلامس العربة سقف انفه حتى تركض متداعية من قواه السحرية ونحن نكاد نختنق من نقص الأكسجين وروائح الأجسام النتنة المتصاعدة من خلايا اكثرت حرارة الشمس من إفرازاتها- هذه الأجسام التي لا تعرف الاغتسال لأزمان طويلة، كانت لشحة المياه، او للتكلفة العالية للعطور المستوردة من الخارج، يرفع أسعارها العطار كما يشاء، ولا يتعاطاها حتى شهبندرات التجار وزوجاتهم.. ولا غيرهم..

- ما رأيكم هل تجدون اعظم مني؟

عيناه المتسعتان كانتا تشعان بإزدراء عجيب، اما حاجب عينه اليسرى كان يرتفع الى أعلى متقوساً اكثر مما هو مألوف، حتى يتبادر للذهن ان هناك من كان يشد هذا القوس بأقصى ما امتلك من قوة ليرمي سهامه الى قلوبنا، نحن المذعورون من فرط الرؤية الى عينيه الشرارية، وأجسامنا المتكسرة من كثرة الارتطام ببعضنا، وبجدران الغرفة العربة التي لا تمتلك منافذاً للتهوية- لم يكن لها سوى قضيبين حديديين عُلق بكل نافذة من نافذتي عربة (القلعة) التي سميت لاحقاً من هول التعذيب الذي يلاقيه كل واحد منا، متى ما حضر مزاج (السلدات) لاستعراض قوته ومهابته بين أوساط ناس البلدة التي خرج من رحمها وهو كائن بشع لا يمتلك أي سمة وراثية للقوة او الجمال من اجداده الاولين..
شهوة الانتصار جعلته يأمر بصنع عربات في أنحاء المعمورة، وسميت كل واحدة بانتسابها الى منطقتها، عربة القلعة، عربة الشبكة، عربة حجة، عربة المنصورة، عربة صلاح الدين، عربة حدة الحديثة، وعربة قصر البشائر وعربة.. و.. عربة..

الجميع كان يعرف انهم يخافوه و.. يعرف هو نفسه بذلك، ما ان يسير الا وتتفرق الكتل البشرية هاربة، اما من كان قريباً : (رتل آيات الترحاب) ، مستهلاً بتكرير لفظة سيدي مع احناء قامته لأسفل شبيهاً بحدوة الحصان.

ما الداعي لصنع عربات ليحتجزنا حتى الاختناق، مادام صار كبير بلدتنا، لا أحد يجيء في ذكره سوءاً- حتى في نفسه - إلا وانهال عليه بالمدائح وهو يكرهه:
- أفديك بأبي يا زعيمنا الحصان.

لم يمر زمن طويل إلا والتف حوله بعض تجار التهريب ووفود القبائل- كانوا يقيمون الولائم، ويحرسها آخرون مدججون بالسلاح- تعيسة كانت تلك المحافل التي يدعو اليها خيولاً تمثل كبار قومياتها- كان الاتيكيت الدولي ان يقعد على كرسيه الفاخر وسط المدعويين، والفاتحة تقسيم العمل- تدافعوا من يقف وراءه للحراسة استعداداً لحمايته من أي غدر، بعد حادثة الصّعَيْر، الذي صادفه وهو يحرث أرضه حين وجد بندقية جده الأول وهي مدفونة في صندوق متهالك مطمور في التراب.

كان متمرداً، إلا انه كان يخضع كغيره من أبناء القرية- شعر بعزيمة تدفعه بعد ان قام بتنظيفها، وأول ما أعلن هدية يقدمها لزعيمنا الحصان طلقة في القلب.

كان يسمع من جدته كيف جده كان بطلاً. لم يكن يأكل إلا ما كانت تصيده نباله من الطيور البرية- رفع بندقيته على بعد خمسة أمتار من المنصة- كان الضيوف قد تقافزوا في كل اتجاه دوناً عنه، والذي انتصب ساخراً والنار تقدح من عينيه- لم يرتجف صعير، مد قامته عالياً، ضغط الزناد، ولكن لم يبدر صوت عن آليته- كانت الطلقات محشورة في الداخل، كانت بندقيته قديمة.. لا تنفجر!!..
***
صعير صار جثة مسمرة في الجدار. أحشاؤه تتدلى خارج تجويف بطنه- كانت رفسة مهولة انبثق الدم القاني حاراً من فمه، وتحت قدميه تجمع كمستنقع- مُنِع غسل هذا السائل الحار حتى يكون عبرة، ومع الزمن صارت جثته لصيقة الجدار، كأنها قطعة منه، اتسخت مع مرور الوقت.

- سيدنا العظيم..
الأعداء يكثرون. لماذا لا تجعلنا متطوعين نخلصك منهم أولاً بأول.

كل حفل.. عذاب إضافي تحشرنا القوى المدربة بعضلات أجسادها المتضخمة.. دافعة بنا الى داخل العربة- من كان يسقط يجد سِباباً.. وبعض لكمات في أضلعه.

- .. لقد تطورتْ بلدنا في زمن زعيمنا العظيم. (مكبرات الصوت)
.. اللهم احفظه. (الحشد)

جاء النظام في زمنه. حتى العربة أصبحت تحرسها جماعات مدربة وهو يدفعها في اتجاه قمة الهضبة: والضيوف تقف مبهورة مصفقة مهللة- كانت موسمية الاحتفال تتزايد يوماً بعد يوم، وكان الطيران يحلق بكثافة على ارتفاعات منخفضة- كان أزيزها ترتجف لها القلوب، فتدخلنا في دوامة الخشوع لرهبة النظام.

- سيدي.. سمعتُ امرأة حاملة تشتم ذِكرك وأنت تكشف عظمة بلدنا بقوتك هذه، فـ.. فركلتها في بطنها.
.. سقط من رحمها قطعة لحم مغطسة بالدم و.. وماتت.
(خائفاً)
- اني امنحكم قوتي وسلطتي.. أبيدوهم جيداً.
- سيدي.. في جماعات متمردة. هربت الى الجبال.
(آخر)
- عليكم بهم..
لا تنسوا ان تبيدوا أسرهم.
***
زمن ذهب.. وآخر يأتي. مرض الزعيم.. حيا الزعيم، مرض مجدداً، ضمرت عضلات جسده، انطوى بعيداً في قصره.. وصوته ما زال جهورياً قوياً كما كان - يخافون لقائه وهو خلف ستاره العاجي الفاصل – آه.. لو.. رأوه!..
- سيدي.
.. العرش بدأ يهتز، ومساحات الحماية صارت تتقاطر عليه القوى والقذائف كالذباب العالق في مزبلة تفوح عنها الكثير من بقايا المواد السكرية.

اخرج عليهم.
- كذب. كذب بصوت مدوٍ.
عليكم بهم.
عليكم بهم.


(*) أوورا: لفظة متداولة في اللغة الروسية وتستخدم للدلالة على الاستحسان والاستهجان تجاه خطاب يقال وتستخدم للدلالة على الانتصار وكذا خيبة الأمل مع فارق الإخراج الصوتي للحرف.



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد .. أغنيات مرتبكة
- هروب ايجابي .. في بحث القيمة ( 1 )
- هروب ايجابي .. في بحث القيمة ( 2 )


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - أووووورااااا ...