أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - نشوء الدولة المركزية السعودية والمجتمع المدني ( 7)















المزيد.....

نشوء الدولة المركزية السعودية والمجتمع المدني ( 7)


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 01:20
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


نشوء الدولة المركزية السعودية والمجتمع المدني ( 7)


لا يمكن التطرق الى قضايا المجتمع المدني في المملكة، البدايات، المسار، المعوقات، والآفاق، بدون التطرق الى حدثين ومحددين أساسيين، هما أولاً: نشوء الدولة المركزية «الحديثة» الموحدة، ونشير هنا الى الإنجاز التاريخي، والتجربة الفريدة والهامة في منطقتنا (الخليج والجزيرة ( حيث استطاع القائد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، بما امتلكه من كاريزما شخصية، وإرادة صلبة، وعزيمة وشجاعة، إلى جانب قدرته الفائقة في استيعاب ومعرفة الواقع الاجتماعي الملموس، ولموازين القوى على الأرض، وتجسيدها في خططه التكتيكية والاستراتيجية، ومستفيداً من طبيعة التناقضات التي حكمت الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، كل ذلك مكنه من تحقيق أول وحدة عربية ناجحة في العصر الحديث، على الشطر الأكبر من الجزيرة العربية، وذلك على أنقاض حال التخلف المريع، والاحتراب والتشرذم السائدين آنذاك في معظم أصقاع الجزيرة العربية، والذي استمر قروناً عديدة. وهذا لا ينفي بطبيعة الحال حجم التحديات، والصعوبات الكبيرة والخطيرة التي واجهت الملك عبدالعزيز، سواء في سعيه لإرساء التوحيد الجغرافي ( المناطقي- القبلي ) في إطار حكم مركزي، والذي تكلل في الإعلان عن قيام الكيان السياسي الجديد «المملكة العربية السعودية» في 23 سبتمبر 1932 من جهة، ومن ثمة مواجهة تحديات ومتطلبات التوحيد الوطني- المجتمعي، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسمة بالتخلف والركود الشديدين، الى جانب عمق الانقسامات ) الجهوية والقبلية والطائفية) التاريخية والمذهبية والثقافية المتأصلة منذ زمن طويل من جهة اخرى. ذلك ان إرساء معالم الدولة الحديثة والعصرية، لا يعتمد على إرادة ورغبة الأفراد فقط مهما عظم وكبر شأنهم، بل انها تتطلب وتستلزم حدوث تغيرات عميقة في المجتمع والاقتصاد والمفاهيم والممارسات. وعي الملك عبدالعزيز لهذه التحديات، جعله يتصدى لقوى الجمود والتعصب والتخلف، التي ناصبته العداء، لأنها لم ترغب أو لم تستطع استيعاب متطلبات واحتياجات الدولة الفتية في ترسيخ أقدامها، واحترام اتفاقياتها مع سكان المناطق المختلفة التي انضمت الى الكيان الجديد، والتقيد بمعاهداتها مع الدول المجاورة والأجنبية، ناهيك عن ضرورة مواءمة الشريعة مع معطيات العصر والحياة المدنية، وبأنه لا تناقض بين الأصالة والمعاصرة، وبين القديم والجديد، أو بين المحلي والوافد.
اعتمد الملك عبدالعزيز سياسة الإصلاح التدريجي، إلا أن ذلك أدى عملياً إلى ولوج المجتمع والنظام مرحلة جديدة، تقتضيها احتياجات ترسيخ دولة وكيان سياسي مركزي موحد، على الرغم من ضآلة أو عدم نضج المقدمات والمقومات المادية، أو توفر الخبرات العملية المسبقة.
من هنا نستطيع القول إن وجود الدولة (الحديثة ( المركزية والقوية والمتجاوزة لمفهوم الدولة التقليدية القائمة على مفهوم الرعية، هو عنصر لازم وأساس لوجود وانبثاق المجتمع المدني. واذا كانت بدايات تشكل المجتمع المدني، قد سبقت أو واكبت ظهور الدولة القومية في اوروبا، غير انه لم يترسخ إلا بعد استكمال بنائها السياسي- القانوني في هيئة الدولة- الأمة، التي تستند إلى مفهوم جديد هي المواطنة، بحمولاتها من قيم وممارسات. اذن المجتمع المدني لا يتناقض مع وجود دولة وسلطة قوية كما هو حال المجتمعات الغربية حتى الوقت الحاضر، رغم انها استقالت أو تخلت عن كثير من وظائفها، ومهامها، وواجباتها الاقتصادية والاجتماعية التي اصبحت ضمن نطاق مسؤوليات (المنظمات غير الحكومية) المجتمع المدني. غير ان ذلك لا ينطبق بالضرورة على أوضاع الكثير من البلدان النامية، وفي مقدمتها البلدان العربية.
في ظل غياب وجود مجتمع مدني قوي وراسخ غالباً ما يؤدي على المدى الطويل إلى تفسخ النسيج المجتمعي- الوطني، لصالح إعادة إحياء وبعث المكونات والهويات الفرعية التقليدية القبلية والعشائرية والاثنية والدينية والطائفية ) مادون الوطنية ) . في ما يتعلق بالمملكة فإن نشوء الدولة المركزية الموحدة، مثل تاريخياً خطوة تقدمية الى الأمام، لأنها ببساطة خلقت الظروف الموضوعية الملائمة لتشكل مجتمعا موحدا، في دولة لها حدودها المتعينة، وأجهزتها ومرافقها المركزية، مثل الحكومة، الجيش، العملة النقدية، والتزاماتها تجاه السكان مثل التعليم والصحة والتوطين (للبدو الرحل). غير ان المجتمع آنذاك في مستوى ودرجة تطوره، ولأسباب موضوعية، كان يفتقر الى وجود مجتمع مدني، نظراً لغياب الطبقات والفئات الحديثة التي تمثل الشرط الأساس الثاني لوجود مجتمع مدني، وهذا لا يعني افتقاد اشكال أولية وبدايات جنينية لمجتمع مدني ، كنقابات وتجمعات الحرف والصناع والتجار والمطوفين كما هو الحال في منطقة الحجاز ، وقد حافظ الملك عبدالعزيز على ما هو قائم منها .
أدت عمليات استكشاف البترول، ثم استخراجه لاحقاً اثر منح حكومة المملكة في عام 1933 امتيازاً للتنقيب عن البترول لشركة ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا الأمريكية ، الى تبدلات بنيوية عميقة، وغير مسبوقة، وفي مقدمتها ظهور التشكيلات الطبقية، والفئات الاجتماعية الحديثة، التي تعتبر الشرط الضروري (بعد وجود الدولة) الثاني، لقيام المجتمع بوجه عام، والمجتمع المدني بوجه خاص .

وجود التعاضديات والعصبيات (القبلية والعشائرية والأسرية والطائفية) الفرعية التقليدية في الكثير من المجتمعات المتخلفة حقيقة موضوعية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها بقرارات فوقية ، وهذا يعني ان تلك الانتماءات التي ترسخت تاريخيا على مدى آلاف السنين، لن تختفي وتندثر تلقائيا بمجرد وجود الدولة الحديثة. فالتجربة التاريخية والعيانية، تؤكد وجود تلك التعاضديات بمستويات متباينة في كافة الدول والمجتمعات، بما في ذاك المجتمعات المتقدمة والمتطورة ، غير ان الفرق والاختلاف النوعي، انه في تلك الدول تتصدر أولوية الانتماء الوطني والمجتمعي، كمحدد أساسي للهوية الوطنية - الثقافية، ولقيم الحرية والمواطنة المشتركة، التي يتضمنها الدستور والنظام السياسي - القانوني ومجمل التشريعات التي ارتبطت تاريخيا بنشوء الدولة / الأمة.
والدولة هنا وفقا لتحليل ماركس أو طرح ماكس فيبر، و في الحالتين تمارس دور الضابط والموازن والمتحكم في وتيرة التناقض الاجتماعي، ومنعه من التصاعد سواء عن طريق (الأمن، الشرطة) أو عبر القوانين والتشريعات والتي لا يمكن فصلها عن الحراك الاجتماعي في المجتمعات الغربية على امتداد القرون الثلاثة الماضية، وتحديدا منذ معاهدة وستفاليا (1648م) التي تضمنت مبدأ السيادة واحترام الحدود الوطنية بين الدول، وفي الوقت نفسه اقرت السيادة المتبادلة بين الدولة والشعب، على خلاف العلاقة القديمة ، وفي حين انه لم يكن ذلك ممكنا في ظل التراتبية التقليدية السابقة، إلا انه تحقق مع بروز وظهور الطبقات الحديثة ومنظومة قيمها المرتبطة بالانتاج الحديث.
علينا هنا أن نميز بين السياق التاريخي لنشوء الدولة والمجتمع المدني في الغرب، وبين اشكاليات نشوء الدولة العربية «الحديثة» ففي البلدان الاخيرة جاء تشكل المجتمع ومن ثم ارهاصات المجتمع المدني، اثر انبثاق تلك الدول تحت تأثير عوامل خارجية (الاستعمار والامبريالية) كما هو الحال في معظم الدول العربية (والاستثناء هنا يتمثلان في المملكة العربية السعودية واليمن) الى جانب دور تأثيرات طارئة ومستجدة (النفط) في البناء الإقتصادي / الإجتماعي .كانت التعاضديات الارثية التقليدية (القبلية والعشائرية والذهبية والطائفية) هي السمة السائدة في الجزيرة العربية على مدى قرون، قبل نشوء الدولة المركزية، واستمرت حتى مرحلة اكتشاف واستخراج النفط، وهذا لا ينفي وجود بعض الارهاصات والمؤشرات الجنينية لوجود مجتمع مدني، والمعروف بأن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حين دخل الحجاز (1924) وافق على طلب الاهالي في تكوين مجلس اهلي يتكون من 15 عضوا يتم تعيينهم عن طريق الانتخاب، وفي عام 1925 اصدر أمرا بتشكيل مجلس يجمع بين التعيين والانتخاب، وفي عام 1927 صدر الأمر الملكي بتشكيل اول مجلس للشورى، وقد ترأس الملك عبدالعزيز أول جلساته.
لقد أدى اكتشاف النفط في السعودية من قبل شركة النفط الأمريكية ( أرامكو ) الى تخلخل العلاقات الاجتماعية التقليدية والراكدة على مدى قرون ، وبداية تشكل علاقات انتاج جديدة، لكنها ظلت متعايشة مع العلاقات (القبلية – الرعوية ) السائدة في مناطق شاسعة من مناطق البلاد . العلاقات الانتاجية الجديدة تميزت بنمطها الرأسمالي الحديث ( الوافد ) حيث ادت الى تبدلات وتطوير في قوى الانتاج المحلية، والعلاقات السلعية . تلك العملية التاريخية مع انه لم تكتمل عناصرها وحلقاتها بعد ، ادت الى بلورة نمط اقتصادي جديد، وتشكل اجتماعي- حديث، لكنه متداخل ومتعايش مع التكوينات القديمة وقد رافق ذلك وعي مستجد، يستمد مقوماته من علاقات العمل «الجديدة» والتقنية والادوات الحديثة التي تتطلب مهارات فنية راقية مقارنة مع اشكال الوعي والمعرفة التقليدية السائدة، كما حفزت عمليات التنقيب واستخراج النفط عمليات الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي خاصة في مناطق النفط ( المنطقة الشرقية ) التي استقطبت سكان المناطق المختلفة القاطنين في المدن والقرى والبادية من اقصى البلاد الى اقصاها.
ما حدث يعتبر سمة من سمات تشكل المجتمعات الحديثة، غير ان الاشكالية هنا، هي استمرار تعايش اشكال وانماط مختلفة للعلاقات الاجتماعية، والى حد ما للعلاقات الانتاجية (على هامشيتها ) التي تنتمي الى مراحل تاريخية سابقة، مع اختلالات في تطور القوى المنتجة، فالقطاع النفطي تميز بعلاقاته الانتاجية الحديثة وقواه العاملة المتطورة، وارتباطه وتفاعله بالمفاصل الاساسية للسوق الرأسمالية العالية، في حين استمرت القطاعات والانماط الاقتصادية - الاجتماعية القديمة والمتخلفة، وخصوصا اشكال الوعي المرافق لها قوية الحضور، واذا ما كان مجرى التطور، قد حسم نهائيا هيمنة وسيطرة القطاع الحديث في الميدان الاقتصادي، وعلى صعيد البناء التحتي، فإن تلك التغيرات الموضوعية تتطلب بالضرورة مواءمة البناء الفوقي معها.




#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجال حول طبيعة الدولة في الإسلام ( 6)
- التيارات الاصولية والموقف من الدولة المدنية (5 )
- الدولة العربية الحديثة ومستلزمات المجتمع المدني ( 4 )
- مفهوم المجتمع المدني .. ترسيخ فكرة المواطنة ( 3 )
- مكونات وعناصر المجتمع المدني (2 )
- بمناسبة العيد الثامن لانطلاقة الحوار المتمدن
- المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )
- الحداثة والأزمة الحضارية 2 - 2
- الحداثة وانسداد الأفق التاريخي ( 1 )
- القمة الخليجية في ظل التحديات والاستحقاقات المشتركة
- الاحتفاء بالشخصية الوطنية البارزة ميرزا الخنيزي
- إيران: بين ولاية الفقيه والدولة المدنية
- الديمقراطية على الطريقة الإيرانية
- كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.. ميثلوجيا الحزن والثورة
- كارثة سيول جدة.. هل تكون محركا لاجتثاث الفساد ؟
- تقرير منظمة الشفافية العالمية عن الفساد
- مبادئ حقوق الإنسان.. بين النظرية والتطبيق
- التجديد الديني والإصلاح الوطني.. ضرورة الراهن ( 13 )
- التجديد والإصلاح الديني.. ضرورة الراهن ( 12 )
- دور الأنظمة العربية والغرب في إعادة بعث -الأصولوية الإسلاموي ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - نشوء الدولة المركزية السعودية والمجتمع المدني ( 7)