|
النشرة الجوية في سوريا وخارطة الشرق الأوسط الكبير
ريبر يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 00:45
المحور:
كتابات ساخرة
"أعزائي المشاهدين، طابت أوقاتكم، الآن سنقدم لكم النشرة الجوية"، هكذا كان عدنان حمدان يفتّق الغيمة المتدلية كرأس البائع الجوال أعلى عربته، لكن البائع ما كان يهدم الظل المنتصب كبصلة خضراء خلل الأزقة، إذا ما تناهى صوته إلى مسامع المطر. لو أنه تابع النشرة الجوية فقط. لكن، إذا ما توسد المرء اللعنة على الشيء يغدو كأنه والد النقيض ـ نقيض الملعون، إثر كائن جوال. لكن، لو تابع مرة النشرة الجوية على قناة سوريا الأرضية منذ أكثر من 15 سنة. أقول لأن البائع الجوال، أبداً، لم يستدرك ما فات رأسه بعضو آخر منه. حبة من البندورة، على سبيل المثال، لذلك كلنا توسدنا الوسادة الوطنية الواحدة. البائع سليب النوم من عيون الأرض، عيناه كانتا فاكهتين، لا شكل لهما. إذ أقول كلنا، في السطر أعلاه، تُرى هل ستنجدنا الملاحظة بخصوبتها التي تشبه السعفة قليلاً لأعلى. كان عدنان حمدان يقول: "أعزائي المشاهدين، طابت أوقاتكم". هل تلاحظ معي يا عزيزي عدنان حمدان بما إننا في سوريا كنا ـ كما كان يذيع التلفزيون السوري الأرضي آنذاك ـ يداً واحدةً، وهذا كان يتجلى في أساور نسائية يداً واحدة تصفق مع بعض، والشعب السوري يصفق في اللحطة نفسها دون أن يفلت أحدهم من الإيقاع. هذا الشعب المجتهد أحييه من كل قلبي الذي لم يزل مواظباً مثله على الزمن الإيقاعي نفسه، إلا إن قلبي الآن يشيخ بالشعر. للشعر إيقاعه، أقصد الولوج بالممكن إلى ماهية الكائن، وقلبٌ واحد؛ وهذا تجلى في أن السوري إما يموت مجموعاً أو لا؛ في سيرة التاريخ ما يجهدُ النفسَ عن الكتمان، وقدمٌ واحدة..كنا في سوريا بقدم واحدة رؤوس، لا متناهية تسير على قدم واحدة، القدم المربوطة بسيالة عصبية تفضي مثل نهر يستعصي على الفهم إلى ـ أقصد السيالة العصبية لا النهر ـ دمشق. لم تكن الأوامر تتأخر قط، بل أحياناً كنا نسير في اللحظة التي تصدر دمشق العقل عبر سيالة عصبية إلى أقدامنا نحن الناس الشعب، كما يقول الرؤساء، ولأنني لست رئيساً أقول (الناس) لا أدرك السبب في كره كائن لكلمة فيما موثوق هو إلى مفضى الكلمة، أو بتعبير آخر؛ أيها المشاهد عزيز عدنان حمدان هل تشعر أنك شعب أم إنسان؟ قد ارتبطت في نظري تلك الكلمة بنشرة جوية كنت أتابعها فيما تحيرني الفكرة كيف يعرفون في دمشق أنها ستمطر في مدينة أخرى (تل براك، على سبيل المثال)! هل لاحظت أن الملاحظة قد تكون على أهبة الدقة إذا ما فكرنا في مصير حرف الميم في كلام عدنان حمدان "أوقاتكم"؟ إن كنا ـ أي الشعب ـ وهنا أقول الشعب لسبب بسيط ربما لأني سأتذكر أحد الرؤساء بعد قليل ـ إن كنا نحن الشعب ننظر إلى التلفزيون نفسه بكل تفاصيله المهمة والمفضية إلى السأم، إن كنا تابعنا جميعنا (سنان ـ ما يطلبه الجمهور) وغيره، هل هذا يدل على شيء آخر؟ إلا إننا كنا بعين واحدة؛ أي ثمة عين كبرى ولجت عيوننا مثل الخيط يلج خرم الإبرة فأعمتْها، وصرنا نبكي معاً وننام معاً ونستيقظ معاً، بكينا عندما كانت السيالة الرابطة بين أعضائنا (نا تعود إلى الشعب هنا) وبين دمشق/ العقل، وبكينا بكل وفاء بكل وفاء و وفاء، بكينا نحن الشعب السوري بكينا وفاءً للبكاء. أتذكر جيداً؛ كنت أتابع هذا البرنامج أو نشرة أخبار الطقس لسببين: الأول هو أن ألاحق قلقي من البرق، والثاني هو إنني كنت أرى في النشرة ما يهدئ التركيبة الفانتازية لطفولتي، كنت على أهبة السعادة إذ دونت ذاكرتي بالصيف من فصول المتابعة، حيث لم تكن الأرض تحوم في فضاء التغير المناخي آنذاك بالشدة ذاتها في الراهن، هذا ولم أكن أتوقع حدوث برق ما، في فصل الصيف. كان يعرض بعد أخبار الثامنة والنصف، كنت أتابع نشرة الطقس فيما الحيرة تأكل من ذهني، محاولاً تفسير خطب ما؛ الأمر الجاعل تلك الأشكال تلتصق دون ثبات أعلى اللوحة المعدّة للنشرة الجوية، والقريبة من حصص الجغرافيا آنذاك، الأشكال التي أخذت ما يقتبسه التفسير إذ يجتهد في ربط الشكل بحس الشكل، كانت الأشكال تأخذ في ظاهرها صورة الشمس، وشكلاً آخر للغيم والشمس؛ نسبة إلى غائم جزئياً، وشكلاً آخر للمطر مع إشارة توحي بالبرق ـ هاجسي شتاءً ومفسدِ طفولتي، وشكلاً آخر للضباب.. قليلاً ما كانت تستخدم. ترى، ما الذي يجعل تلك الأشكال لا تسقط عن اللوحة فيما ما كان يزيد من كثافة القطن في حيرتي/ الطفلِ تحرُّكُ تلك الأشكال بيد عدنان حمدان وانزلاقها من تلقاء خطب ما في كثير من الأحيان، فيما كنت أتحين الخطب لألصقه إلى ما يهدئ حيرتي من طمأنينة؟!. وتعرفتُ إلى المغناطيس، إثر المنهاج الدراسي في سوريا، آنذاك، بعد أن وشى أحدهم إلي بالطاقة التي تحرّك الأشكال على رقيعة الطقس. لكن، جل ما أتذكره هو السؤال ـ سالبُ النوم من ليلي شهور كثيرة آنذاك؛ ما علاقة المغناطيس بالطقس؟ كنت ألمّح لسؤال شعريّ أو لفن الرقص فيما كان عدنان حمدان يقول: "وفي ساعات الصباح"، بينما يضع شكل الشمس في منطقة الجزيرة المرسومة، كانت على رقيعة تمثل خارطة سوريا مع لواء الاسكندرونة، كان ذلك الشكل للشمس ينزلق أحياناً حتى حدود العراق، أي عندما كان من المفترض أن تكون الشمس آيلة إلى الشروق في منطقة الجزيرة الممتدة من الفرات إلى دجلة ـ أقصى الشمال الشرقي، كانت تشرق على العراق فيما كنا نحن في الجزيرة نحظى بغيم كان من المفترض أن يلبّد منطقة أخرى (الشمالية مثلاً). تداعت الحوادث على رقيعة الطقس الممغنطة مراراً، وعندما كان من المفترض أن يهطل المطر على المنطقة الجنوبية لسوريا كان ينزلق شكل المطر إلى خارج خارطة سوريا، كالأردن واسرائيل التي كانت آنذاك مدونة تحت اسم فلسطين، ولم تزل، ربما لم تكن هناك مفاوضات للسلام على رقيعة أخبار الطقس آنذاك. ترى، هل ستتمكن المطابع في سوريا من طباعة الما يزيد عن أربعة ملايين نسخة من كتب الجغرافيا بعد عملية السلام مباشرة؟!. وصرنا، في سوريا، مسلوبي الطقس. السماء بدت مائية، تأخذ شكل ولون عين الشعب الواحدة، كنا ننظر إلى السماء، ووحده البائع الجوال لم يكن ثمة ما يدفعه إلى ملاصقة العادة فينا، كان البائع الجوال بعينين مسلوبتين يتأمل عربته. كانت تلك اللوحة المعدّة لأنباء حالة الطقس في سوريا هي السبب الرئيس لعمائنا وفقرنا نحن السوريين أو نحن السوري، كانت أمطارنا لا تهطل في سمائنا؛ والسبب هو إن الأشكال المغناطيسية كانت تنزلق إلى بلد آخر، لم ننعم بالشمس والسبب هو ميل الأشكال إلى دول أخرى. كنت دائماً أفكر في تركيا التي تقع شمال سوريا أو على شمالها نسبة إلى الخارطة العمودية؛ إثر التلفزيون السوري، وكنت أفشل إذ أتخيل شكلاً يرتفع إلى الأعلى، هذا ما كان يرفضه منطق أخبار الطقس في سوريا آنذاك. كنت أفكر لو ثمة برنامج لمحو الطقس في تركيا كمثيلتها سوريا، لكنا نعيش على أهبة الحياة بدلاً من هامشها، وكنا سنحظى بطقس ياتينا من فساد في لوحة العرض لأخبار الطقس في تركيا والمطر المفترض به كان في ديار بكر كانت ستحظى مدينة القامشلي به، والمفترض في جرابلس كان سيكون من نصيب مدينة الرقة أو حمص مثلاً، وذلك حسب لوحتهم. الآن، وبعد الخصخصة والحصحصة (نسبة إلى الحصى) وبعد الشفافية والشفاه وبعد ثورة الدجيتال في العالم تغيرت لوحات أخبار الطقس في سوريا إلى رقمية، وتحولت خارطة سوريا إلى أفقية، وفتحت الحدود بين سوريا وتركيا التي كنت أفكر فيها مذ كانت خارطة بلدي سوريا عمودية إثر القناة التلفزيونية السورية الأرضية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ برلين
10ـ01ـ08
#ريبر_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان برلين للأدب
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|