|
المبادرة الأمنية المصرية: بين النوايا الطيبة وإرادة شارون
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 876 - 2004 / 6 / 26 - 08:25
المحور:
القضية الفلسطينية
في الوقت الذي يدور فيه الجدل والنقاش حول الدور الأمني المصري في إطار خطة رئيس وزراء الكيان الصهيوني حول ما يسمى الفصل من جانب واحد ، الذي تهيئ له المؤسسة السياسية العسكرية الصهيونية ، يحضر أمن الاحتلال وقطعان مستوطنيه ، تحت ذريعة وقف العنف ، ويُغيّب أمن الفلسطينيين الذي لم تتوقف آلة العدوان الصهيوني عن استباحته ، رغم كل جولات مدير المخابرات المصرية بين رام الله والقدس المحتلة ، وفي الوقت نفسه تغيب الرؤية الفلسطينية الموحدة لهذا الاستحقاق لتترك المجال للتدخل الخارجي .
دور لم نختره : وإذا كان الدور المصري لم يكن للشعب الفلسطيني خيار تقريره واختياره فإن ما يمكن أن يقرره الفلسطينيون وبملء إرادتهم هو الدور الفلسطيني الجماعي ، الذي يتوارى في هذه الآونة ليترك للتدخلات الخارجية أن تقرر في مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني ، ويأتي حديث رئيس الوزراء الفلسطيني عن دور ومهام مصرية ، ليصب في ذات الرؤية التي تتبنى وجهة النظر التي تقول بالعجز الفلسطيني عن إدارة المناطق التي سيجري إخلاؤها من قبل قوات الاحتلال الصهيوني ، هذا إذا صدقت رواية شارون حول الانسحاب من داخل القطاع إلى أطرافه ، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام دور أردني مواز للدور المصري في الضفة ، بدأت مؤشراته مؤخرا في الجولة المشتركة التي قام عسكريون أردنيون وإسرائيليون لمناطق غربي نهر الأردن ، وهو الدور الذي رحبت به القاهرة . ومن الواضح أن هدف التحرك المصري وكذلك الأردني " هو الأمن " , لكن السؤال هو أي أمن ؟ وإذا ما سلمنا بما يروج من أن المقصود هو الأمن المتبادل الإسرائيلي ـ الفلسطيني ، فإن واقع الحال لا يزكي ذلك، لأن الأطراف المتدخلة ، تساوي في البدء بين فعل الاحتلال ، وإرهابه الذي يمارسه على مدار الساعة ليطال كل شيء ، وبين الحق في مقاومة الاحتلال ، الذي شرّعته قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، ليخلص أي مراقب إلى أن هدف ذلك التحرك لا يعدو أن يكون " أمن الاحتلال " وما هو يفسح المجال لإنهاء الانتفاضة ، تحت ذريعة وقف العنف المتبادل . ومع ذلك يبدو أنه غاب عن التحرك المصري ، أن أي نوايا إسرائيلية باتجاه الانسحاب من أي قطعة أرض محتلة ، إنما فرضها في الأساس شرط المقاومة ، رغم الكلفة العالية جداً التي دفعها ولا يزال الشعب الفلسطيني ، ومن ثم فإنه من خطل الرأي والتصرف أن يتم تسويق مبادرة شارون الفصل من جانب واحد ، ومنحها غطاء سياسياً عربياًً على حساب فعل المقاومة وبرنامجها الذي لا زال يرى أن موجبات استمرار المقاومة لا زالت قائمة ،ما دام هناك احتلال لم يجر كنسه بعد .
أي تجربة أي رجل : وكأن المبادرين بالتدخل لم يقرأوا تجربة رئيس وزراء الكيان الصهيوني ولا محصلة عشرات الاتفاقات التي وقعتها الدولة العبرية مع السلطة الفلسطينية وبرعاية دولية .وكان من نتيجتها إعادة احتلال المناطق التي تم الانسحاب منها ، ومن ثم على أي صدقية يراهن الجانب المصري . ليس هذا فحسب بل إن ما يتم الحديث عنه ، حول الفصل من جانب واحد لا يعدو أن يكون خدعة إسرائيلية ، يختزل من خلالها الصراع في ما يسمى " بالانسحاب من غزة " في حين يتواصل الاستيطان والإعداد لنقل مستوطني غزة إلى بعض مستوطنات الضفة ، فيما يستمر بناء جدار الفصل العنصري الذي يلتهم الأرض الفلسطينية ويصادر أي إمكانية للانسحاب الكامل من الضفة ، بل وتقطيع أوصالها ليصبح التواصل الجغرافي بين مدنها أمراً غير قابل للتطبيق ، وهو ما يجعل من الحديث عن الدولة على كامل مساحة الضفة وغزة وكأنه حرث في البحر ، لتبق غزة هي البداية والنهاية .
الأمن مفهوم ملتبس ، أم نوايا ملتبسة؟ ومن ثم فإن الحديث عن الأمن وعن دور مصري وآخر أردني ، لا يمكن لنا أن نقرأهما ، مع افتراضنا النوايا الطيبة، إلا في إطار التهيئة لضبط فعل المقاومة بأداة قمع فلسطينية على غرار مثيلاتها في الدول العربية ،وكأن الشيء الوحيد الذي ينقص الشعب الفلسطيني من الخبرة العربية هو الأمن، في حين غاب عن الجميع أن هذا الشعب الذي يعيش حياته بكل تفاصيلها ، هو الأقدر على اجتراح حلول وضبط إيقاع حياته وفق رؤية وبرنامج يجمع عليه الشعب الفلسطيني عبر قواه وأحزابه التي تدير معركة الصمود والحرية ، رغم هذا الكم والكيف من العدوانية الصهيونية ، المدعومة بامتياز من الإدارة الأمريكية .
فالشعب الفلسطيني لا يحتاج من الدول العربية خبراء أمن " قمع "، بل هو في حاجة إلى دعم حقيقي في المجالات الاقتصادية والسياسية والمعنوية واللوجستية، لاستمرار الصمود وفرض التراجع على الكيان الصهيوني ، لأننا نربأ بأي قطر عربي أن يكون غطاءً لتمرير مشروع شارون " الانسحاب من غزة " ليكون هو نهاية المطاف . ويصل حد الاستخفاف بالعقل ، أن يجري الحديث عن مساعدة السلطة على بناء أجهزتها الأمنية من أجل ضبط الأمن ووقف عمليات العنف المستمرة ، والسؤال هو أي أمن ؟ هذا الذي سيتم تدريب الأمن الفلسطيني على حفظه ، وأين كان هذا الأمن خلال سنوات الانتفاضة . ولا أخال القارئ بحاجة إلى كبير عناء ليعرف أي أمن هو المنوي حفظه . إن الثابت والمستقر في الوجدان الفلسطيني أن هناك وعي للواقع الفلسطيني ، ومن ثم فإن لدى الجميع المقدرة بقوة شرط اللحظة على ضبط إيقاع الحياة الداخلية بمسؤولية عالية ، وتجربة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية السابقة والراهنة تؤكد القدرة على مواجهة أي استحقاق ، إذا ما كان المقصود هو الأمن الداخلي الفلسطيني ، وليس أمن الاحتلال ، وتجربة الثورة الفلسطينية في الداخل ومخيمات الشتات تشهد بذلك.
أفكار شارون للتنفيذ ، وليست للمناقشة : ولأن رئيس وزراء الكيان الصهيوني ، يريد من الجميع المساهمة في تنفيذ أفكاره دون تعديل أو مناقشة فقد أٌعلن في الدولة العبرية عن رفض الأفكار المصرية حول خطة شارون قبيل وصول مدير المخابرات المصرية إلى القدس لمناقشة ما سمي ب" المبادرة الأمنية المصري " ، فرئيس وزراء الكيان الصهيوني لا ينتظر أفكاراً من أحد، وإنما يريد من الجميع تبني رؤيته التي تريد من الدول العربية ، أن تلعب دور المسوّق لخطته ، ولعب دور الوصي على الشعب الفلسطيني ، فيما يتم تجاهل القيادة الشرعية الفلسطينية التي كثرت عليها الإملاءات والشروط ، وعلى الرغم من كم الملاحظات على أداء السلطة ورموزها ، فإنه لا مكان لأي وصي مع التقدير للنوايا الحسنة للمبادرين ، لأن ذلك يبقى من صميم الخاص الفلسطيني لأن له شرطه الخاص ومحدداته القسرية ، التي تقول بأن الدم والعرق الفلسطيني هو الوصي والقيّم .
هنا تصبح الحاجة أكثر من ضرورية إلى الشروع في حوار وطني شامل لا يستثني أحداً من أجل بلورة قيادة وطنية موحدة قادرة على مواجهة كل الاستحقاقات القادمة ، وذلك على أرضية برنامج مجتمعي شامل للداخل والشتات ، لكي يكون الجميع شركاء في المسؤولية وشركاء في القرار ، لأن غياب البرنامج الواحد والقيادة الواحدة ، هو من يفتح الباب أمام التدخل الخارجي في مسائل مصيرية ، ولنجعل من نموذج إدارة القطاع ، نموذجا يليق بهذا الشعب وتضحياته ، ويقطع الطريق على كل من يشكك في قدرة وكفاءة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بأنسهم .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استفتاء الليكود : غير الشرعي يستفتى ...على غير المشروع
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|