|
يوم بدون حاكم عربي!!
زهير الفارسي
الحوار المتمدن-العدد: 2885 - 2010 / 1 / 11 - 17:32
المحور:
كتابات ساخرة
كل شعوب العالم تحتفي بعلمائها وعظمائها وتخلد أسماءهم. وحدها "مدن الملح" ليس يوجد بها أثرلمثل هؤلاء بين تراثها الرمزي، وكأنها لم تعرف الخصب يوما.وعلى النقيض من ذلك، فأينما تولي وجهك فثمة وجه الحاكم العربي. الجميع يبدأ يومه بتناول وجبة الفطور، ومن هذه اللحظة بالذات لن تفارقك صورة واسم الحاكم، ذلك أنه بمجرد أن تدخل يدك في جيبك لتدفع ثمن الرغيف والحليب، تتحسس وجه الحاكم منقوشا على القطع النقدية. تتوجه بعدها، مثلا، إلى مصلحة إدارية أو تجارية -خاصة أو عامة - فأول من تقع عليه عيناك هو صورة الحاكم العربي، ذات التقاسيم المتوعدة، مرفوعة على الجدران. تتوجه نحو مقر عملك تلفيه ينتظرك هناك بنظرة هازئة هذه المرة. عجيبة هي هذه الثنائية الحدّية التي يتخذها تعبير وجه الحاكم العربي، فكأنما يريد أن يفقد المواطن توازنه النفسي ويمعن في تعذيبه أكثر، كما لو أن الفقر والبؤس متقاعسان في فعل ذلك. تحاول أن تذهب إلى مسرح لتنسى قليلا الحاكم العربي ستتذكر فجأة بأنه يحمل اسمه؛ تحاول التسكع في الشارع، ستجده مليئا بتماثيله وصوره التي تنافس اللوحات الإشهارية، ثم إن الشارع نفسه يحمل اسمه. ودعك من المدارس والمستشفيات فهي كلها مسجلة باسم الحاكم أو باسم أحد أبناءه؛ وإلا فباسم جده. هب أنّك فكّرت أن تهرب من" مدن الملح"، كيف ذلك؟ جوا مثلا، فالمطار يحمل اسمه ،بحرا فكذلك الميناء ينوء باسمه... إزاء هكذا وضع قررت مع نفسي أن أعلن يوما في حياتي بدون حاكم عربي، استلهاما لشعار "يوم بدون تلوث" أو"يوم بدون تدخين". ومن أجل ذلك تبضعت كل ما قد يلزمني من مئونة ليوم واحد، لكي لا أضطر للخروج من البيت ويفشل مشروعي. نهضت في الصباح وتناولت وجبة الفطور، وطفقت التهم الكتب. حقيقة أنني أحسست بالفرق وبنوع من الراحة تشبه تلك التي يستشعرها المرء بعدما ينتزع شوكة ظلت توخزه في قدمه. فرغم افتقادي للرغيف الساخن، والقهوة المرّة التي اعتدت احتساءها في المقهى وأنا أتصفح الجرائد وهي تحدث خشخشة شذية في أذني. وبعدما أحسست ببعض الملل، ضغطت على زر تشغيل التلفاز لأتسلى بمشاهدة فيلم ما. ويا للغز! فحتى في "يوم بدون حاكم عربي"، كان أول ما التقطته عيني هو صورة الحاكم ، وكأنه علم بطريقة ما، ما انتويت فعله، وترصدني ليجهض هذا الحلم ويفسد عليّ فرحتي. لكن وإصرارا مني على جعل هذا اليوم خلوا من الحاكم العربي، سارعت إلى تغيير القناة بقناة عربية أخرى، ولم أجد غير صور حاكم عربي آخر.. أما من خبر في العالم غير : خطب في/ دشّن / عيّن/ أقال / أعفى/ تكرّم/ منّ / هنّأ / زار / سافر..سموّه/ معاليه/ سيادته..وباقي الألقاب المستعارة، التي تستحيل بعد حكّها كلمة ديكتاتور.وبعد الانتهاء من حصة التعذيب النفسي ،التي تمارسها هذه المفردات التي تنضح سطوة وتسلطا، سيق زعماء الأحزاب -المعارضة والموالاة، لا فرق- أمام عدسة الكاميرا وهم يشيدون بعبقرية الحاكم ونظرته الثاقبة والإستشرافية، وانجازاته الباهرة المثيرة لنقمة الحسّاد.. من أي طينة هو الحاكم العربي؟ هذا الجهبذ في السياسة؛ الخبير في الاقتصاد؛ عالم الاجتماع؛ الفيلسوف..(لا اعتراض على ذلك!!)، فقط ،أعجب ما أعجب له، هو أنّا له بالوقت الكافي ليكون كل هذا دفعة واحدة؟ فبالكاد تكفي ساعات يومه ال 24 لينفقها على هواياته ونزواته. الحاكم العربي من فرط حبّه لشعبه، لذلك يأبى إلا أن تكون مشاعر شعبه، مجرد رجع صدى لمشاعره هو. أي إذا ما فرح الحاكم تتزين الشوارع والبنايات بصوره، وتتحول المدن إلى علب للرقص والغناء، أمّا وسائل الإعلام فتتخصّص في بث الشعر والأغاني التّكسبيّين.وإن حدث وحزن الحاكم بسسب موت قريب له، فالبلاد كلها تلتحف بالسواد، وتنكّس الأعلام إعلانا للحداد؛ وتقرع أجراس الكنائس، وتتلى الأدعية والابتهالات في المساجد؛ ووسائل الإعلام إياها تقطع برامجها الاعتيادية وتشرع في بث القرآن ونثر الأبخرة. وبعدما يئست من الفضائيات العربية. يممت بوجهي شطر فضائية غربية، وأنا كلي يقين من أنها ستتضامن معي، وتعلن هي الأخرى "يوما بدون حاكم عربي".(..) لم أصدق عينيّ في الوهلة الأولى، لذلك فركتهما جيدا بيديّ، وتفحّصت شعار القناة، لكن عبثا، فأخبار الحاكم العربي ملأت دنيا؛ وشغلت ناس حتى دول ما وراء البحار. حينها فقط أدركت أن لا يوم بدون حاكم عربي، وقررت العدول عن تنفيذ شعاري، وتابعت بتثاؤب ما يقوله "الغير" عنا ، وكانت الأخبار من شاكلة: - احتلت الدول العربية مراتب متأخرة في سلم التنمية -لا تطبع الدول العربية مجتمعة من الكتب، عدد ما تطبعه دولة اسبانيا. - عدد فرص العمل في الوطن العربي جد ضعيف. - نسبة من يتقنون الكتابة والقراءة متدنية مقارنة بمجموع السكان. - الحريات مخنوقة. . . (وعلى ما يبدو، وإنقاذا لماء وجه الشعوب العربية وليس حبا في المال!) - المراتب الأولى لأثرياء العالم هي من نصيب جميع الحكام العرب، حسب تصنيف مجلة "فوربس".
#زهير_الفارسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأعياد الدينية..من الطابع الديني إلى الإحتفالي
-
أمريكا تقدم يد العون..والخلاص أيضا!!!
-
المال مقابل لقب من درجة حكيم
المزيد.....
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|