تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها , باعتبارها الديكتاتور الحالي للعالم , الحق في الصاق تهمة الأرهاب , بكل من يجروء ان يعلن , او يسلك , طريق الأستقلال السياسي , او الأقتصادي عنها . فهذا الديكتاتور , لم يعد يطيق بعد 11 ايلول 2001 ان يسمع , او يرى , اية معارضة لسياسته الأستعمارية , في اي بقعة على الأرض , ومهما كان مصدر تلك المعارضة , كبير او صغير , حليف او عدو . لسان حاله يقول - انا ربكم الأعلى –
لم تعد راضية لأحد ان يعيش او ينمو خارج الاطار الذي رسمته له , ولم تعد راضية بمثلنا الشعبي القائل " كل ما تشتهي نفسك , والبس ما يليق بين الناس " فاصبح لزاما على الجميع , ان يأكلوا ويلبسوا ما تشتهي نفسها فقط .
وان قال قائل بان هذه السياسة ليست بالجديدة , فهذا أكيد , ويبقى الجديد فيها , هي علنيتها , ووضوحها , او بتعبير ادق , وقاحتها , وفظاظتها . حيث أصبح ايريئيل شارون بموجب هذ ه السياسة , رجل سلام , تلك التهمة التي لم يتوقع صاحبها بحياته ان توجه له , حتى من داخل كيانه , حيث ادانته لجنة كاهانا عام 1982 باعتباره المسؤول الأول عن مجازر صبرا وشاتيلا , . وحيث يكتشف الحكام العرب بموجبها ايضا حكمة الكاوبوي الأمريكي , وامكانيته كديكتاتور على رؤوية ما لم يستطيعوا رؤويته , في شاروون , ويبدأوا السباق في طرح مشاريع ( سلامهم ) على جهات هي اول من تعلن استخفافها بهم وعدم اعتبارها لهم .
ان الطريقة التي قسم بها جورج بوش الأبن العالم الى " اما معنا او مع الأرهاب " تعيد الى اذ هاننا نحن السوريون الطريقة التي قسم بها النظام , الشعب السوري , على لسان رفعت الأسد , في أواخر السبعينات من القرن الماضي , عندما قال " من ليس معنا فهو مع الأخوان المسلمين " هكذا دائما لايرى المستبد ون اللون الثالث ,ذ لك اللون , الذي ينكر على القوي استبداده وبطشه , وظلمه , كما ينكر على الضعيف حقه في استخدام اساليب المستبد للحصول على حقوقه .
ولكن اذ ا كانت هذ ه السياسة في سورية قد اوصلتنا الى انهيار سد زيزون , فان انهيار سد زيزون العالمي كنتيجة للسياسة الأمريكية القائمة الآن , ستكون خسائره اكبر بملايين المرات , وهنا يكمن خطرها الكبير . – اي السياسة الامريكية - .
ان ما يسمى بسياسة محاربة الأرهاب , التي تنتهجها الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها , حاليا , هي العملة التي تريد ان تسوقها اليوم , لتكون الغطاء , الذي يجري من تحته استنزاف موارد اصدقائها وحلفائها , في حروب قذرة , هدفها النهائي اخضاع العالم لسيطرتها وحدها .
ان النزوع الطبيعي لدى شعوب الأرض, الى الأستقلال الوطني , والسياسي , والأقتصادي , والى التطور العلمي , والتكنولوجي , والأجتماعي , هي من اهم الصفات التي يتصف بها الأرهابي – بحسب الوصف الأمريكي – وفي مقدمة هؤلا تأتي الشعوب العربية قاطبة وفي مقدمتها شعب فلسطين , الذي قدر له ان يكون خط الدفاع الأول , مدافعا عن شرف الأمة العربية قاطبة .
اما التبعية السياسية والأقتصادية , والتخلف العلمي والحضاري , والقدرة على كم الأفواه , وتحويل الشعوب الى رعايا , تلهث وراء الكلأ , والشراب, فتلك صفات " حضارية وديمقراطية " يحق لأهلها الأنضمام الى حلف مكافحة الأرهاب , وفي مقدمة هؤلاء , تأتي الأنظمة العربية كافة , وبغض النظر عن اسمها , وتاريخها , ومنشأها .
اما تلك الشعوب , التي ما زالت غارقة في حروبها المحلية التي لا تنتهي , والتي مازال الجوع , ومرض الأيدز , يحصد الألوف من ابنائها كل يوم , والتي يمكن بثمن صاروخ امريكي عابر للقارات حل جبل من المشاكل التي تعاني منها , فانها وللأسف , ما زالت تعيش خارج مدى الرؤية للأقمار الصناعية الأمريكية , وخارج نطاق عمل اللجان الحكومية المعنية بحقوق الأنسان في امريكا .
ان حرب الأخضاع التي بدأت الولايات المتحدة بشنها على العالم -- بادئة من العراق العربي – بعد تهاوي الأمبراطورية النووية السوفيتية المرعبة , تحت ضغط الحاجة لنسمة الحرية ولرغيف الخبز , هي بالحقيقة حرب كونية , متعددة المراحل , تستهدف بالنهاية السيطرة على منابع الخير واحتكاره من جهة , وحرمان الحليف المعلن " العدو المبطن " منه , للحد من نموه وبالتالي اخضاعه وتدميره , من الجهة الأخرى .- اوروبا واليابان -
في كل مرحلة من مراحل الحرب الآنفة الذ كر , تستخدم الولايات المتحدة نوعا جديدا من رمالها لتزره في عيون العالم . ففي يوغسلافيا السابقة , كانت تزرف الدموع على اسلام البوسنة , وفي الخليج كانت الأب الحنون الذ ي لا يرضى ان يعتدي الأخ الكبير على أخاه الأصغر , وفي افغانستان , كانت تدافع عن قيم " الحضارة والديمقراطية " ضد " متوحشين وحاقدين " ارادت من العالم ان ينسى بانها هي التي صنعتهم , ودربتهم , ومولتهم , واستفادت من " توحشهم وحقدهم " في افغانستان , اثناء حربها مع السوفييت , لابل هي من دعمت وصولهم للسلطة هناك , وهي من تغاضت عن استلاب حقوق الأنسان على ايديهم , وتغاضت عن اضطهاد المرأة وحرمانها من التعليم والعمل , وهي من تغاضت عن تدمير تراث افغانستان التاريخي . كل ذ لك كان مبررا ما دامت مصالحها لم تمس , لا بل والأوقح من هذ ا , بان على العالم ان يتحمل تكاليف تدميرهم الآن , وعلى العالم العربي تحديدا ان يحمل وزر انتماء احد اطراف تلك الحرب اليه . وفي هذ ا فقط تنظر امريكا الى العرب ككل لا يتجزأ , ككل ارهابي , عليه ان يدفع فاتورة 11 ايلول .
تصور السياسات العربية العاجزة , الولايات المتحدة الأمريكية , " بأنها دولة منحازة بسياستها الى اسرائيل " وتعزو ذ لك , الى قوة اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي , وسطوته على السياسة والساسة الأمريكان , من خلال قوته الأعلامية والمالية . وبالتالي فهي تتصور , وتصور , بانه لكي يتم كسب الولايات المتحدة الى جانب الحق العربي , فما علينا الا ان نقنع امريكا بعدالة قضيتنا , وبهذ ا نحقق الغلبة على الأعلام الصهيوني المخادع والمحرض علينا , كما علينا تأمين المصالح الأمريكية في بلادنا أكثر مما نفعل , وبالتالي نحقق الغلبة على قوة المال الصهيوني .
ان هذ ه السياسة الضالة والمضللة , هي سياسة ضارة جدا , لأنها توجه العقول والجهود , الوجهة الخطأ , وجهة العمل ضد ذ يل الأفعى القادر على التجدد الأبدي , طالما ان رأسها الأمريكي سليم معافى .
ان اسرائيل ولاية امريكية بكل معنى الكلمة , تتمتع بحكم ذ اتي , اي ان سياستها تخضع بالضرورة للأستراتيجيا الأمريكية , وليس العكس , ولكن يبقى لحكامها هامش اوسع للحركة والمناورة , أكثر من غيرهم من حكام باقي الولايات الأخرى , وذ لك بسبب خصوصية الظروف التي تعيش فيها , وخصوصية المهام الملقاة عليها , ولكن حتما , فمهما كان شكل مناورتها, وحرية حركتها , فلا يمكن ان تخرج عن الأطر المرسومة لها ضمن الأستراتيجية الأمريكية العامة . لنا مثال في ذ لك , ايقاف جورج بوش الأب في عام 1992 وبقرار من الكونغرس وفي مقدمتهم اعضاءه اليهود , منحة العشر مليارات دولار , بسبب رفض اسحق شامير لأوامر الولايات المتحدة , بالتوقف عن بناء المستعمرات في الضفة وغزة , لان المصلحة الأمريكية يومها كانت تقتضي ذ لك , ليتثنى لها حشد الدول العربية الى جانبها ضد العراق .
اوكلت الولايات المتحدة الى وجهها القبيح – شارون - , مهمة خوض جولتها الأخيرة من حربها ضد العرب في فلسطين , ومحددة هذ ه المهمة بسحق روح المقاومة , روح التمرد على الأحتلال , عند الشعب العربي , من خلال طليعته المكافحة , شعب فلسطين , كما اوعزت الى الحكومات العربية المجاورة لفلسطين , حلفائها في هذ ه الحرب , اغلاق حدودهم في وجه اي دعم الى رجال الأنتفاضة . وهذ ا ما حصل . حتى انهم كانوا مرعوبين من سماع صوت ياسر عرفات في مؤتمر قمامتهم , لأنه صوت قادم من ارض الكفاح , يرعب من اتخذ من ماخور, وكر قيادة له , لقمع شعبه . وافضل ما يؤكد ان امريكا هي الطرف الأساسي في هذه الحرب , تهديد جورج تينيت مدير وكالة المخابرات الأمريكية , الى ياسر عرفات بقوله " ان لم تقض على العمليات الأرهابية , فسنطلق يد شارون "
وهكذ ا وبعد الدم الذ ي اريق على ارض فلسطين , تبدأ امريكا الخطوة الثانية في حربها على العرب , وايضا بالتعاون مع حلفائها العرب المحليين , لاعادة صياغة المنطقة من جديد سياسيا وجغرافيا , فقد اصبحت اتفاقية سايكس – بيكو قديمة , ولا بد لسايكس وبيكو جديدين الآن , من ان يضعوا خرائطهم ويعيدوا صياغة المنطقة العربية من جديد , في عصر القطب الواحد – امريكا -
ان التهويش الذي تشنه امريكا اليوم على صدام حسين ونظامه , لايمكن ان يخفي النية الحقيقية لها , تجاه العراق ارضا وشعبا وثروات , .وان التنفيذ اصبح قريبا , بعد انتهاء امريكا من بعض مشاغلها هنا وهناك , فهي لاتريد ان تنشر جيوشها في بقع كثيرة على الأرض , مما يضعف من ادائها , ذ لك هو سبب التأخير , ليس الا .
ان كان هناك من الزعماء العرب , من لم يثمل حتى الآن من دم شعبه , ولم يغرق حتى اذ نيه باتفاقيات الخيانة السرية والعلنية , فآن لهؤلاء ان يدركوا بان فقاعات الهواء التي طبعها كل من عزت الدوري والأمير عبد الله على وجه الآخر لم ولن تحمي العراق .
ان ما يجري في كل من الجزائر والسودان وبدرجة اقل بمصر من صدامات داخلية دموية , وعلى ليبيا من حصار خارجي , يأتي بنفس النسق مع الذ ي يجري في فلسطين والعراق .
وما يجري في سورية والأردن وتونس والمغرب , من كم أفواه واعتقالات , واجراء محاكمات العار , واصدار احكام ظالمة , بحق العديد من المناضلين الوطنيين الديمقراطين , والأستمرار بمحاكمة آخرين , بالأضافة الى تحكم الفساد الاداري , والسياسي في البلاد , هذ ا كله يخلق الأرضية المناسبة , لأنضمام بلدان هذ ه المجموعة الى المجموعتين السابقتين , من اضطرابات داخلية , والسماح للقوى المعادية الخارجية من الأستمرار في تطبيق مخططاتهم والسير من نجاح الى نجاح .
ان الطريق الوحيد الواجب اجتيازه في سبيل تحصين الأمة , واغلاق مطابخ سايكس- بيكو , قديمها وحديثها , هو طريق اطلاق الحريات العامة على ساحة الوطن العربي , والغاء كل القوانين الأستثنائية المسلطة كالسيف على رقاب المواطنين والتي لاتهدف الا الى حماية ( الأباء , قادة الأمة الملهمين ) , والأفراج عن كافة معتقلي الرأي في العالم العربي , والغاء المحاكم الأستثنائية , وكل الأحكام الصادرة عنها , والنتائج المترتبة عليها , والتعويض على كل من لحقه اذاها , وبناء دساتير وقوانين عصرية تنظم الحياة السياسية , وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , على قاعدة ان الحاكم مفوض من الشعب لفترة زمنية محددة قابلة للتمديد والتجميد , وهذ ا كله في سبيل العبور من حالة سايكس-بيكو الراهنة الى التوحيد القومي .
وان لم نسر في هذ ا الطريق , فسنبقى جميعا ارهابيين , وخاصة , اولئك الذ ين لم ولن يتمكنوا من تطويع الأمة لمصلحة اسياد العالم الحاليين .
فريد حداد -- كندا