|
الجهوية: هل ترتد النخب عن جرأة الملك؟
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 21:05
المحور:
الادب والفن
في جنازة والد الزميلة حميدة اكدورن، سألني أستاذ الأجيال، أحمد المرابط، شمالي تطواني، من أصل خطابي ريفي، عروبي مشرقي، مغربي مغربي قح، عن رأيي في إحداث اللجنة الاستشارية للجهوية برئاسة عمر عزيمان؟ كنا رفقة الهادي الشاوي، ابن سفير المغرب في الشيلي. أحكي ونحن في "تطاون" كما يحلو لأهلها التسمية، مدينة رئيس اللجنة الاستشارية للجهوية، عمر عزيمان، نجل الراحل محمد عزيمان مربي الأجيال ومدينة عضوة اللجنة نفسها الأستاذة أمينة المسعودي. صاحبة الكتاب القيم عن الوزراء في حكومات المغرب ما بين 1955 و1999. وفي اللجنة الوالي محمد غرابي الذي تمكن في سنة 2002 من تسليم قطاعي الماء والكهرباء بتوقيع إثني عشر رئيس جماعة منتخب في ولاية تطوان، مواجها بحكمة احتجاجا جماهيريا ومدنيا عارما، تولى بعده ولاية العيون ثم الآن ولاية العاصمة التاريخية وحاضرة النخبة العلمية والمالية للمغرب: فاس. أقف عند هاته الشخصيات الثلاث لارتباطها بتطوان مع اختلاف مناسبا الارتباط. فالراحل أحمد الادريسي كان "يقشب" ويصفه بالحسنى بما يلي من العبير الرمزي، فيحكى عنه أن كان يقول: احنا عندنا تبارك الله الشخصيات ديالنا بحال مريكان عندهم فريدمان وترومان حنا عندنا بالتفسير اللغوي الدارج المسموع بما يعني ارتباطه الوثيق بالمخزن: عزيمان. بين السخرية الخفيفة للراحل أحمد الإدريسي وبين السمعة الطيبة للأب عزيمان، تكمن حصة الأمل في قدرة الإبن عمر على إنجاح مهمة اللجنة الاستشارية خلال الأشهر الستة الآتية. من تطوان الأستاذة النبيهة أمينة المسعودي، من الأسرة الواسعة التي يرتبط اسمها بالرصيد النضالي لعبد الكريم الخطابي. وباعتبارها أكاديمية جامعية، يمكن التساؤل، عن الجدر الإثني للمثقف: هل يتمكن من حقنه بحصة من النزوع الجهوية التاريخية؟ أم تتمكن المؤسسة الأكاديمية من تليين وتبريد درجة انتماء ضميره الجمعي، حد اللا نتماء واللاموقف! لم أثر القضية بالنسبة لرئيس اللجنة، لأن الإشارة للمز الراحل الإدريسي كافية لصباغة الرئيس بنزوعه التوافقي المنتمي للدولة، كما يشهد عليه ملف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان رفقة الراحل ادريس بنزكري. ودون الدول في التوصيف اليميني من دونه، نأتي للوالي ابن مدينة الجنرال أحمد الدليمي، محمد غرابي، لنجد إطارا للدولة، مهمته تجسيد الهدف المركزي من تصور الدولة للإدارة الترابية بالمحتوى السياسي المركزي لاختياري لا مركزي. أما التوقف عند هؤلاء الثلاثة من بين 22 عضوا من اللجنة الاستشارية، فكون الوالي غرابي يملك من تجربة التسييرالترابي بالضبط لثلاثة أنواع مختلفة من الجهات المغربية المختلفة نوعيا فيما بينها: فاس التي بقيت تحظى، من خلال موقع نخبها في سلطة السياسة وسلطة المال وسلطة العلم موقع الريادة بتزكية ورضى من الدولة. وهنا يمكن التوقف عند حضور والي بنك المغرب في اللجنة الاستشارية للجهوية والإشارة لرمزيته الإثنية والطبقية والمؤسساتية المالية. أما بالرجوع إلى كل من رئيس اللجنة عمر عزيمان وعضوها أمينة المسعودي، فإن كانا يلتقيان في التمكن من اللغة الإسبانية والانتماء للشمال، فالجدر الإثني الذي "يفصل" الأول عن الثانية، يجعلنا أمام تفكك النخب الجهوية. الجزء الذي يميل لخدمة الآفاق الفردية وله مؤهلات الاندماج بالدولة، هو من بين الأسر التطاونية، التي ينطبق عليها أنها، ذات خبرة تدبيرية لمنطق من "يسب الملة ويأكل الغلة". ولهذه الازدواجية فشلت نخب محلية عديدة في تطوير برامجها الجهوية. ثم الجزء الريفي المرتبط بالحنين إلى الدين التاريخي الذي يوجد للريف في عنق الدولة. وبمثل احتضان الجمهوريات الإفريقية مثل البنين وجنوب افريقيا، لملكيات قبلية تحت سقف الدولة، يمكن للمغرب أن يشكل نموذجا للإدارة السياسية للجهات في إطار معاكس، بحيث تحتضن الملكية أنواع من النزوع السياسية، لتكون الملكية فعلا حاضنا تاريخيا لكل ما يعتمل في صدور المهمشين والجهويين والاثنيين. فالشمال يشكل النوع الوسط بين نوعين مختلفين جذريا عن بعضهما البعض: الجهات المندمة كليا في الكيان السياسي، بفضل استفادة نخبها من السلط الثلاث: السياسية والمالية والثقافية. مثل الحالة النموذجية لفاس ومراكش والرباط والدار البيضاء وطنجة المدينة. ثم نوع الجهات على الطرف النقيض. الجهات التي لم تحض بالحرية والاستقلال عن المستعمر الاسباني سوى بعد مرور ما يقارب عقدين من الزمن (1956ـ 1975)، مما أفقد سكانها صلابة الارتباط بالهوية الوطنية واختلطت لديهم بأجندات مطلبية فرعية ما تحت وطنية أو أخرى فوق وطنية. مما مكن القوى السياسية الخارجية والمجاورة من الدخول على الخط لاستثمار الخلط الظرفي في الأجندة وتحويله إلى أجندة هوياتية وجدانية بل وجودية سياسيا وفلسفيا. بحيث ليس من الحكمة تجاهل الظاهرة الانفصالية كحالة ذهنية ونفسية واجتماعية تجد المقومات المتعددة للتحول إلى حالة سياسية في وادي الذهب والساقية الحمراء. كما لا يمكن تجاهل الشعور الجماعي بالغبن في مناطق الريف، بسبب الحلول الثأرية الخاطئة التي اتبعتها الدولة المركزية، ولو أنها لا تصل إلى الحالة الانفصالية سياسيا بفضل الرصيد الوطني الراسخ لحركة عبد الكريم الخطابي، وبفضل الليونة التي عرفتها تجربة الحكم القصيرة في عهد محمد الخامس. من هنا يقتضي الأمر من اللجنة الاستشارية أن تتفهم جيدا أنها أمام ثلاثة أنواع من النخب الجهوية. مما يعني أن النواة الصلبة للاستراتيجيا المطلوب من اللجنة خلال الستة أشهر الموالية توفير، تدور كلها حول هذه العقدة بالضبط. من هنا، يمكن القول إن حضور المؤرخين غير كاف بالشكل والنوع الموجود في اللجنة الاستشارية. فالأستاذ ابراهيم بوطالب مؤرخ المركز وليس مقبولا لتمثيل الثقافة التاريخية للجهات ولو كان محسوبا على "اليسار". ثم يأتي رهان تحويل ما وصفه الصحراوي أحد قادة البوليساريو سابقا، البشير الدخيل بالخطاب الثوري والتاريخي، إلى خطة برنامجية سياسية دستورية، توفر للمغرب النموذج لحل المشكل الترابي في البلدان النامية، مما يقتضي، اعتبار المطالب الدولية. وهنا، يجب أن يتحلى المغاربة بالحكمة الكافية. فقد سبقتنا الطبقة السياسية في ألمانيا الفيدرالية وفي إسبانيا إلى "الرضوخ" للمطالب الدولية. وذلك، بقبول حجم لم يكن مسبوقا في التاريخ الوطني الخالص من حيث توزيع الاختصاصات من حيث النوع ومن الحجم. فالضمانات الدولية مضافة للحسم الداخلي ووضوح الرؤية، كفيلة بالالتفاف على الايديولوجيات الانفصالية وعلى التشحم والتضخم بل المضاربة الديمقراطوية. بحيث العقدة العصبوية التي يجب تجاوزها والقطع معها، هي عقدة المركزية وخلطها بتهديد الوحدة الوطنية. إذ يمكن القول، إن ما يستطيع شخص الملك من توفيره من ضمانات دولية كافية على أمد عشر سنوات مقبلة من حفظ المغرب من إي تحول لفائدة الدعوة الانفصالية. مما يعني العمل على خطف قصب السبق من يد الانفصاليين بالضبط في مجالات التسيير السياسي والاقتصادي بمحتوى واسع من الحكم الذاتي المتعارف عليه عالميا. وبالموازاة، وإذا جاءت الجهوية غنية في النوع الثاني من الجهات التي عانت من التهميش الرمزي والسياسي، فستنجح الدولة فوق ثلثي التراب الوطني في إنجاح مشروع الجهات الموسعة والحكم الذاتي. والحال، نجد الكثافة السكانية للمغاربة الأعلى وبالنتيجة، الجزء الأكبر من السكان، فوق النوع الثالث الأقل حساسية من حيث التفريط في الحقوق الإثنية أو السياسية. فالجهات المندمجة في الكيان الوطني، جهات "المغرب النافع"، موجودة في العواصم التاريخية (الرباط وفاس ومراكش ومكناس) وفي المحاور الاقتصادية على الساحل (أكادير، الدار البيضاء، طنجة). إذن، من الحكمة والموضوعية والإطمئان العلمي والسياسي ومن الذكاء الاستراتيجي، التحلي بالجرأة فيما يتصل بجهات الصحراء والشمال. مما يقتضي، اعتبار اللجنة الاستشارية لجنة وطنية مركزية (بالمعنى التنظيمي) عامة، يقتضي تطوير وتدقيق عملها إنشاء لجن فرعية تتجسد فيها الأنواع الثلاثة من الجهات الموجودة فعلا في المغرب. أما البرنامج التفصيلي فيقتضي، البحث فيه فيما يلي. يجدر القول بصواب الرسالة عبر التوقيت، الإعلان عن تشكيل اللجنة موازية لبداية رئاسة اسبانية للاتحاد الأوربي، لكن ينبغي استحضار اللقاء الاسباني الجزائري بعد أيام من الآن. مما يقتضي الحكمة في كسب المواطنين من الجنوب الصحراوي لفائدة العملية حتى لا تظهر مجرد نسخة ثانية للكوركاس. ولن يتأخر السجال في هذا الاتجاه السلبي.
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هندسة التحالفات المختلة
-
أوراق الجهوية 2 الطبقة الوسطى محتوى القيادة الجهوية
-
أوراق الجهوية 3 الأقطاب الإيديولوجية الثلاثة من المنظور الجه
...
-
أوراق الجهوية 4 مغرب الجهات خزان للاقتصاد المنتج الموسع
-
أوراق الجهوية 1 الجهوية وقطيعة الفكر السياسي
-
أوراق الجهوية في المغرب
-
دردشة مع سمبريرو
-
من أجل الجسور الواصلة
-
الطبقات المتوسطة وانتخاب الغرف المهنية؟
-
في عرض البحر السلطة والمخدرات والقتل
-
العدالة والتنمية ومكتسبات الشمال؟
-
من السياسات العمومية إلى دور العمال في الأقاليم المغربية
-
ما هذا الانحطاط في الإدارة الترابية بشمال المغرب؟
-
تحت الظل الثقيل لمتابعة العقيد القدافي للصحافة المغربية أمام
...
-
الانتخابات أرقام وشكليات أم بوصلة؟
-
لخبطة -التحالفات- في الانتخابات بالمغرب الدولة مسؤولة
-
المغرب هل تحبل الظرفية باضطراب اجتماعي في الشهور المقبلة
-
ماكينة الانتخابات في المغرب عطب في صناعة النخب
-
انتهى مأتم أكل لحم الجيفة!
-
ميلاد -الحركة الوصولية- الليبرالية
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|