|
العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام - الجزء الثاني
صباح ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 15:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
¨الجزء الثاني الله الخالق تؤمن المسيحية بان الله خالق السماء والارض وكل ما عليها كما جاء بقانون الايمان المسيحي، وتقبل المسيحية ما جاء بسفر التكوين من التوراة : ان الله خلق الكون في ستة ايام .وفي هذا يقول القرآن : " ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام " سورة الاعراف 54
الله تكلم بالانبياء إن الاه المسيحية والاسلام ليس الاه الفلاسفة ، الذين يدعون ان الله خلق الكون وتركه وشأنه، بل هو الاله الذي الذي كلم الناس بالانبياء، ليرشدهم الى سواء السبيل ويعلمهم الشرائع والقوانين وينظم علاقتهم مع بعضهم البعض ، ويدلهم على ما يستوجب عمله وما هو محرم عليهم القيام به، واعطاهم وصاياه وارشاداته ليسلكوا فيها ، وطلب منهم اداء الصلاة والفرائض، ويطلبوه فيستجيب . وجاء بالرسل والانبياء برسالاتهم وكتبهم التي سجلوا فيها ما اوحي اليهم من الله . وان الكتب السماوية جاءت مكملة بعضها البعض ، ولا يجوز ان تكون متناقضة في مفاهيمها ومبادئها وتعاليمها. قال السيد المسيح : " انا ما جئت لانقض الناموس والانبياء ، بل جئت لاكمل الناموس " المقصود بالناموس والانبياء : هو شريعة موسى ووحي الانبياء السابقين للمسيح . اي ان المسيحية ، جاءت مصدقة لناموس موسى، وما جاء به الانبياء الاخرون .
الله المحب الرحيم في المسيحية ( الله محبة ) ، وفي الاسلام الله ( رحمن رحيم ) واللجوء الى الله لطلب المغفرة امر مشترك بين الديانتين ، فالدعوة الاولى للسيد المسيح في كرازته هي دعوته الناس الى التوبة كما في قوله: " لقد اقترب ملكوت السماوات، فتوبوا وآمنوا بالانجيل " وفي لقاءه مع الخطاة يدعوهم دوما الى التوبة بقوله : " ان ابن الانسان جاء ليطلب ما قد هلك ويخلصه " ولم يأت المسيح ليدعوا الصديقين بل الخطاة الى التوبة . والقرآن يحرض المؤمنين على التوبة كما جاء في سورة هود 90 " استغفروا ربكم ثم توبوا اليه، ان ربي رحيم ودود "
الله المجازي والمحي الاموات يؤكد المسيحيون والمسلمون على السواء وجود دار الثواب وهي الجنة او السماء او مملكة الله كما يطلق عليها المسيحييون . ودار العقاب وهي النار او جهنم ، وان اختلفوا كثيرا في وصف جوهر كل من الدارين ، فالسيد المسيح يبشر في الانجيل قائلا: " فيخرج الذين عملوا الصالحات الى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات الى قيامة الدينونة " يوحنا 29 ويصف يوم الدينونة العامة الذي فيه يُفصل الناس كما يفصل الخراف عن الجداء، فالذين عملوا الصالحات يكونون على اليمين ، حيث يقول لهم الملك الديان : تعالوا يا مباركي اب، رثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم " . ثم يقول للاشرار المصطفين على الشمال : " اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية التي اعدت لابليس وملائكته " . ويتكلم القرآن عن اصحاب اليمين واصحاب الشمال في سورة الواقعة 44. " واصحاب اليمين ، ما اصحاب اليمين ، في سدر مخضود وطلع منضود وظل ممدود وماء مسكوب ... الخ " واصحاب الشمال، ما اصحاب الشمال في سموم وحميم وظل يحموم " . وكذلك يصف اصحاب الجنة " وجوه يومئذ ناظرة، الى ربها ناظرة " القيامة 23
ويقول بولس الرسول في رسالته الاولى الى كورنثوس 2-9 واصفا مكافأة الابرار : " ان ما لم تره عين، ولا سمعت به اذن، ولا خطر على قلب بشرما اعده الله للذين يحبونه " وهناك حديث ل محمد نبي الاسلام يقول فيه : " قال الله : اعددت لعبادي الصالحين ما لعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ( نقل حرفي عن الانجيل).
الانبياء ان قصص الانبياء مشتركة بين التوراة والانجيل والقرآن ، وكأن القرآن جاء ترجمة عربية لقصص الانبياء الواردة بالعبرانية والارامية والسريانية والانجيل . فسورة يوسف تبدأ بالقول التالي: " تلك ايات الكتاب المبين ، انا انزلناه قرآنا عربيا للعلكم تعقلون . نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن ، وان كنت من قبله من الغافلين " ثم يروي قصة يوسف بن يعقوب كما يرويها سفر التكوين في الفصل 37 . ونقرأ أيضا في قصص آدم ونوح وابراهيم ،ولوط واسحق واسماعيل ويعقوب وداوود وسليمان وايوب ويونس وزكريا والياس ويحيى" . كل هذه القصص المشتركة في جوهرها، وان اختلفت في تفاصيلها تشير الى علاقة الله الدائمة بالانسان في تاريخ الخلاص، وفي كل هؤلاء الانبياء اسوة نبوية كبيرة معروضة على المؤمنين من المسيحية والاسلام للتأمل والتسبه واخذ الدروس والعبر منها.
السيد المسيح ومريم العذراء
رغم وجود اختلاف بين الانجيل والقرآن على بعض اوصاف السيد المسيح، الا ان بينهما امورا كثيرة مشتركة، وبشكل خاص ميلاد السيد المسيح المعجزة، بقدرة الروح القدس من فتاة عذراء طاهرة اسمها مريم التي تقول للملاك في القرآن باستعراب لدى سماعها البشارة بانها ستلد ابنا : " انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشرٌ " وفي الانجيل : " كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا ؟ " ويقول انجيل لوقا بان روح القدس قد حلّ على مريم العذراءاثناء بشارتها بالحبل الالهي من قبل الملاك البشير قائلا لها : " الروح القدس يحل عليك ، وقدرة العلي تظللكِ لذلك القدوس المولود منك يُدعى ابن الله والقرآن يؤيد ان المسيح مؤيدأٌ بروح القدس كما جاء في سورة البقرة 87 : " وأتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " اي روح الله المقدسة . وجاء بسورة ال عمران 45 : " اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا وفي الاخرة من المقربين . كما ان الانجيل يزخر بالمعجزات والعجائب التي عملها السيد المسيح كذلك القرآن يؤيد هذه عمل هذه المعجزات ، فيقول في سورة ال عمران 49 على لسان السيد المسيح : " اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير ، فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله ، وابرئ الاكمه والابرص واحيي الموتى " ومريم المباركة بين النساء والممتلئة نعمة في الانجيل يقول عنها القرآن في سورة ال عمران 42: " قالت الملائكة : يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك، واصطفاكِ على نساء العالمين " .
الامور المشتركة على صعيد الاخلاق والتعامل مع الاخرين
الايمان الحق يجب ان يقترن بالاعمال الصالحة ، وهذا المبدأ تجده في الانجيل والقرآن معاٌ . يقول السيد المسيح في انجيل متى 21 : " ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات ، بل الذي يعمل ارادة ابي" . ويقول القديس يعقوب برسالته : " ان الديانة الطاهرة الزكية في نظر الله الآب هي افتقاد اليتامى والارامل في ضيقتهم ، وصيانة النفس من دنس العالم . ويضيف " ان الايمان ان خلا من الاعمال ميت في ذاته " 2-17 . وفي المعنى ذاته يقول القرآن " ليس البر ان تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب ، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى وابن السبيل والسائلين في الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة ، والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء حين اليأس ، اولئك الذين صدقوا " البقرة 77
ان الصلاة والصوم والزكاة امور مشتركة في المسيحية والاسلام ، وان اختلفت طرق تطبيقها ، ولكن جوهرها واحد . وهو الاتحاد بالله والتجرد عن الذات الانانية والطمع، ووعن الشهوة المضرة في سبيل مساعادة الفقراء والمحتاجين . ويورد انجيل متى في الاصحاح السادس اقوالا اساسية للسيد المسيح في الصلاة والزكاة والصوم وكذلك نجد في اخلاق الديانتين امورا كثيرة مشتركة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولاتزال وصايا الله العشرة التي وردت على لسان موسى في العهد القديم، والتي اوصى بتنفيذها السيد المسيح ، هي اساس المبادئ والاخلاق المسيحية والاسلامية في علاقة المؤمن بالله وعلاقته بقريبه وبالاخرين من البشر، واي من المؤمنين من اتباع الديانتين لا يؤمن ويقر بهذه الوصايا : 1- انا هو الرب الهك ، لا يكن لكَ الاه غيري . 2- لا تحلف باسم الله بالباطل . 3- احفظ يوم الرب وقدسه . 4- اكرم اباك وامكَ ، وبالقرآن " وبالوالدين احسانا " 5- لا تقتل ، وبالقرآن " لا تقتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق " 6- لا تزنِ 7- لا تسرق 8- لاتشهد بالزور 9- لا تشته امرأءة قريبك 10- لاتشته مقتنى غيرك
المسيح لم يلغ تلك الوصايا ، فقد قال " لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس والانبياء . اني ما جئت لانقض بل لاكمل " وكمال الناموس هو المحبة التي اوصانا السيد المسيح ان نتحلى بها قئلا : " وصية جديدة انا اعطيكم : احبوا بعضكم بعضا، بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كنتم تحبون بعضكم بعضا "
الخاتمة
خلاصة القول : ان المسيحية والاسلام المعتدل وبآياته المكية خاصة يجتمعان على اهم الامور الدينية على صعيد العقيدة والاخلاق .مع احتفاضنا براينا الخاص فيما يتعلق بآيات التحريض على الكراهية والقتل وفرض الجزية والصغار على اهل الكتاب في الايات المدنية .
فاذا كان الاسلام يرى في الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج اركان الدين الخمسة، فالمسيحية تقبل هذه الاركان، فالشهادة هي الاعتراف بوحدانية الله . والصلاة والصوم والزكاة هي من الامور المفروضة على المسيحيين ، والحج الى الاماكن المقدسة من التقاليد العريقة للطرفين . واذ كان الاسلام يرى اركان الايمان في ستة , ( الايمان بالله والملائكة والكتب المنزلة والرسل واليوم الاخير والقضاء والقدر . فالمسيحية تتضمن هذه الاركان الستة في حوهر تعاليمها. واذا كان المسلمون " خير امة اخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " كما يقولون، فالمسيحيون هم ايضا امة مقدسة حسب قول القديس بطرس " جيل مختار، كهنوت ملوكي، امة مقدسة وشعب مقتنى ليشيدوا بحمد الله الذي دعاههم في الظلمة الى نوره العجيب " بطرس 2-9
القرآن يشهد للمسيحيين بأنهم يامرون بالمعروف وينهون عن المنكركما ورد في سورة ال عمران 113-115 : " من اهل الكتاب امة قائمة ، يتلون آيات الكتاب اناء الليل وهم يسجدون، ويؤمنون بالله وباليوم الاخر، ويأمرون بالمعروف ويسارعون في الخيرات ، واولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خيرفلن يكفروه والله عليم بالمتقين " . هناك حديث نبوي يقول : " ليس كل مؤمن بمسلم ولا كل مسلم بمؤمن " الايمان الحقيقي يمكن ان يوجد في الاسلام والمسيحية على السواء عند الذين يتقون الله ويعملون الصالحات . وهذا هو الجواب الحقيقي عن تساؤلات ابي العلاء المعري عن صحة الدين ، والله وحده عليم بخفايا القلوب، وهو وحده عليم بالمتقين . فحري بالمؤمنين الصالحين في كلتا الديانتين المسيحية والاسلام ان يتعاونوا على البر وعلى عمل الصلاح لتمجيد اسم الله القدوس، وبناء المجتمع الذي يسوده السلام والعدالة في التآخي بين جميع ابناء الله لا ان يكفروا الاخرين ، ويحرضوا على الكراهية والقتل والسلب لفرض الجزية على ابناء الوطن الواحد .
#صباح_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العناصر المشتركة بين المسيحية والاسلام
-
الاسلام دين مميز
-
طالب دكتوراه سعودي يقتل المشرف على أطروحته
-
يوسف القرضاوي وكراهيته لشجرة الكريسماس
-
حلال على المسلمين وحرام على غيرهم
-
حقيقة الادعاء بتحريف الكتاب المقدس
-
وحدة العرب وكرة القدم
-
هل الكعبة بيت الله ام بيت الاصنام ؟
-
اين يقع المسجد الاقصى الحقيقي ؟
-
التثليث والتوحيد في المسيحية
-
ملاحظات على قادة حكومة العراق الرشيدة
-
الطبيعة وتأثيرها على جسم الانسان
-
هل القرآن من عند الله ؟
-
الجنة و جهنم ... في الاديان الثلاث
-
جمهورية بلجيكا الاسلامية
-
النبي سليمان في القرآن الجزء الثاني
-
قصة النبي سليمان في القرآن واساطير الاولين
-
مقاتلة اليهود والنصارى والحقد عليهم سنة نبوية ابدية
-
اين صواريخ حسن نصر الله
-
القس ورقة بن نوفل وعلاقته بنبوة محمد
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|