|
لكل ضعف ولكن لاتعلمون
صباح مطر
الحوار المتمدن-العدد: 2881 - 2010 / 1 / 7 - 23:55
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
ابتدأ العام ألفان وعشرة ونقلت لنا الفضائيات الاحتفالات بحلول عام جديد يضاف إلى أعمارنا المديدة فأطلقت في أرجاء قريتنا العالمية الصغيرة العاب نارية ومهرجانات وكرنفالات فرح وتنقل عمانوئيل يوزع الهدايا ، وأنا الذي لا أعرف يوم ولادتي بل اعرف سنتها لم أرهق عقلي بعملية حسابية كي اعرف وببساطة أنني قد دخلت عامي الخمسين وعمري ناهز النصف قرن ، عمر استذكرته بنوبة من الألم اعتصرت الفؤاد لذكريات ابتدأت مع الأكواخ وبيوت الطين وعيشٍ تحت وطأة طبيعةٍ لا ترحم شتاءها شتاءً وصيفها صيفا نواجهها بأجسامنا الهزيلة وصبر أهلنا الجميل ثم ابتدأ سيل الذكريات من مدرستنا الابتدائية وصفير الريح في شقوق جدرانها الخاوية وكذا سقوفها المتهرئة التي لا تقينا المطر وعصي أساتذتها وما تفعله بأيدينا حيث لا ينجو من سخطها إلا ذو حظ عظيم ، هناك وفي تلك النقطة القصية من الأرض المحاصرة بالمياه والمهددة بغضب النهر الهادر ليغرقها كلما سنحت الفرصة ولو مرة كل عام فيملاها ماء احمر مشبعا بالطين يكسو سطحها الرخو بحلة جديدة وما إن تنتهي سورة الغضب النهري بالانسحاب الطوعي مع اقتراب الصيف حتى تحرقها شمسه اللاهبة وتصب عليها الرياح المتربة المملوءة بغيض الرمال الهائجة جا م غضبها في نهارات ما إن تغرب شموسها حتى يحل الليل ومعه جحافل البعوض أللجبة فلا سواتر المداخن تنفع لصدها ولا المواضع الدفاعية من الناموسيات تحمي من شراسة عساكرها هناك والسياسة تلاحقنا فتحول مدرستنا إلى منفى للمعلمين السياسيين المبعدين عن مدنهم لنكون نحن الصغار ضحية أمزجتهم المتعكرة من جور السلطات عليهم . ولربما كانت الطفولة تشفع لذكريات تلك الأيام فتضيف شيئاً من الشهد إلى مرارتها أما ما تلاها من السنون فأي شيء فيها لا يحفر عميقاً في ذاكرة أغرقتها مشاهد البؤس وملأت المآسي وأيام المحن زواياها ونقشت الأحزان على جدرانها صوراً لا تنمحي ، أي شيء من تلك الحقبة يمكن أن ينسى ورسوم جنائز الأحبة لا زالت شاخصة في الذاكرة نشيعهم مقتولين في حروب الداخل بشمال الوطن أو معدومين لأنهم أقاموا شعائر الله أو اعتنقوا فكرة يرون فيها خيراً لوطنهم وأمتهم لا تروق للسلطان فذهبوا ضحيتها ثم أتت سنوات الحروب ومع دخول التلفزيون الملون لأول مرة في بيتنا تجمهرنا أمام شاشته لنرى أول ما نرى عليها سورة لراجمة تقذف حممها ومعها أنشودة تقول –يا شبل زين القوس سلم على القسطل- ومن هو شبل زين القوس ومن هو القسطل؟ لم نعرفهما وقتها ولا نريد أن نعرفهما اليوم واتت الذكريات تترى متزاحمة أمام مخيلتي ، صوراً للأجساد الدامية والأشلاء المقطعة والدمار الذي أهلك الحرث والنسل فتبديد الأموال وهدر الثروات وتوقف عجلة الحياة عند نقطة الموت للأشياء ليضحك السلطان ويلوح بيديه اللتين ما تركتا شيئاً إلا أتيتا عليه و ليرسما بريشتهما اللعينة لوحة الخراب لبلدنا الجميل . أنهينا الحرب الأولى بسنواتها ألثمان نتنقل مكرهين من موضع إلى موضع ومن معسكر إلى آخر ومن بؤس إلى شقاء انتهت تافهة كما ابتدأت تافهة ولفظنا على الأرصفة كبقية من بقايا الحروب قد تتلف في أي وقت لعدم الحاجة إليها ودخلنا معترك الحياة بسيوف نابية ورماح لا تصلح لميدان تنتظرنا أفواه تطلب ما يملأها فبينا نحن بين القنوط والأمل ، بين بؤس المعانات وإلحاح الحاجة أردنا أن نضع أقدامنا المنهكة على طريق الحياة الشائك المتعرج مبتدئين من نقطة الصفر بعد عقود العمر الضائعة وإذا بأم المعارك تطل علينا بوجهها القبيح لتطيح حتى ببصيص الأمل الذي يلهبنا سنا جذوته المتهافتة بشيء من عزيمة وكلنا شحذها للأيام فذهبت بها... وعدنا للمواضع والهزائم والجوع وحصارات أكلت منا اللحم ومصت العظم وأبقتنا أشباحاً نلهث وراء اللقمة الجشبة ونكوى بحرقة الوطن المستلب الإرادة والمبتلى بطغمة لم تقل الغبراء أسوء منهم أو بسوئهم في الغابرين وحتى اللاحقين وانتهت أيامهم السود بفرارهم المشين أمام زحف الأجانب تاركين ورائهم خربة كبيرة اسمها العراق مليئة بالمقابر الجماعية والعوز والفاقة والبنى المدمرة وتركة هائلة من ديون احرقوها في آتون الحروب المجنونة أو أنفقوها على ملذاتهم ودناءاتهم وبعد أن انطوت تلك الصفحات وأصبح لنا وطن نتنفس فيه بطلاقة وليس سجنا كبيرا نسخر فيه لخدمة السلطان وإرضاء نزواته وأصبح بمقدورنا أن نعيش ونبني ونصلح ما خرّب ونشغل ما عطل ونعوض ما فاتنا فأن خمسيني التي بلغتها قد لا تسمح لي بقية العمر بعدها أن كان هنالك ثمة بقية بالتنعم في الحياة ببلد طالما حلمت به حراً يديره المنتخبون من أبناءه لذا فأني أدعوا كل الذين انساقوا وراء الشعارات سواء الوطنية منها أو الدينية وحملوا السلاح وخربوا وقتلوا أقول لهم أفيقوا فبعد حين ستصلون الخمسين مثلي وعند ذاك يكون قد فاتكم الكثير واعلموا أن من يدفعكم لهذا ممن يعيشون في الغرفات الفارهة و على الكراسي الوثيرة ينعمون بلذائذ العيش من مطعم ومشرب وأرصدة تملأ البنوك ويتظاهرون لكم بالعفة والزهد هؤلاء يتاجرون بأرواحكم ، يخدعونكم لتموتوا ويحيون وتشقوا ويسعدون واعلموا أنهم لا يغنون عنكم من الله شيئا وان الشريف من يبني لا من يهدم ومن يحفظ حياة مواطنيه لا من يقتلهم وان الجنة للأتقياء لا للقتلة أللعناء والله تعالى شأنه يحب من يحترم عقله لا من يلغيه ويعمل بعقل غيره واحذروا يوماً لا يسمع فيه من القائلين قولهم - ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون - (الأعراف /38) .
#صباح_مطر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الحقيقة والزيف
-
أور زقورة وشواهد تاريخية
-
وجهة نظر في المصالحة
-
القائمة المغلقة والمفتوحة
-
بين الانا وبريق المنصب
-
ديمقراطية اللاديمقراطيين
-
من نحن؟
-
وضوح الرؤيا والدور الايراني الخطير
-
العلمانية والدين
-
في ذكرى الرحيل
-
معركة ستالينغراد...جنون وبطولات
-
لا أقليّة مع المواطنة
-
حصارالجغرافية
-
الهوية الوطنية قاسم مشترك انتمائي
-
من اجل دولة القانون
-
انا سومري
-
انصتوا لما قاله الفضيل...و كفوا عن فسادكم الاداري
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
|