ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 2881 - 2010 / 1 / 7 - 09:26
المحور:
الادب والفن
ليل بدأ لتوه يكتب وصيته الأخيرة للنهار، وأجنحة العصافير تطارده في سماء البلدة . وصل منهكا يستمع لخفقان قلبه ، نزع قبعة مشروخة من فوق رأسه و التقط أنفاسه للحظات ، انتبه لضياء الصبح من ورائه ، فزادت المروج الخضراء وموجات القمح المتراقصة مع نسمات الجنوب من حنقه ، مما جعل الكلمات تستعصم في لسانه. احتار في أي اتجاه يكمل رحلته ، لكنه أغمض عينيه وطرق أول باب على اليمين....
- ماذا تريد ؟
- ضيف الله....
- آسف ، والله يا صاحبي ، ما لنا مكان تنزل فيه ، فالدار عامرة بأهلها كما ترى. اتبعني لتنظر..، هنا شباب تجاوز الصغير منهم العشرون سنة... ، هذه أغنام وأنعام و خزائن قمح وشعير تكفي لإطعام سكان القرية بأكملها لحولين متتابعين ، وفي الجانب الآخر كلب شرس يحرس الدار من الغرباء ، إن رآك لن يرحمك....، ارحل من هنا إلى ما وراء الهضبة ، قد تجد هناك من يستضيفك. أكمل المشوار ، لكنه تردد قليلا هناك ، قبل أنيطرق الباب طرقا خفيفا....
- ماذا تريد؟
- ضيافة...
رفع رأسه وتفحصه... ، كانت حالته فعلا تدعو للشفقة ، والصمت يطبق على ما تبقى مختفيا من سكون الليل . دارت عينان غارقتان في جمجمة رأسه ، لا نعيم ولا نعم ، ثم رحل بعيدا حيث لا يعرفه أحد.
كانت الشمس قد تربعت في صدر سمائها ، ففضحت بهيبتها قبح وجهه. تمعن جيدا حقول القمح المترامية على الهضاب المجاورة ل (الدوار) ، قطعان الماشية وهي تدب في اتجاه المراعي ، والناس يتحدثون عن موسم فلاحي وفير هذه السنة. اطمأن إلى أن لا مكان له بعد اليوم في البلدة ، ألقى نظرته الأخيرة بأسى ، ثم غاب عن الأنظار.
حط بحي راق من أحياء المدينة ، نزع القناع عن وجهه وتقدم بخطى وئيدة ، ثم قدم نفسه...
- أنا.....
كان صاحب الدار أسرع بداهة ...،
- لقد عرفتك ...، أو تظن أن في مثل هذه الأحياء مكان لضيف من أمثالك ، عليك بالرحيل من هنا ، قبل أن تستفزك خيرات ونعم لا عهد لك بها ، أو تغرقك الخيرات من كل جانب.
لم يكن أمامه من خيار إلا أن يغادر......
حط بحي من الأحياء الهامشية بأطراف المدينة ، شباب متكئ على الأسوار، وبراريك مكدسة فوق بعضها البعض . هناك فقط... ، احتار في اختيار من يستضيفه....
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟